من خلال متابعات ودراسات ميدانية قام بها نخبة من المهتمين بالشؤون الزراعية وسط أولئك الباعة المتجولين وفارشي السلع الهامشية على الأرض بأسواق ولاية الخرطوم العاصمة بمدنها الثلاث وأطرافها وعلى الشوارع ودواخل مواقف عربات النقل والترحيل العام .. معطلة لتحركاتها هي وعامة المشاة الراجلين متسببين في تواجد الازدحامات والمضايقات وتفشي السرقات. ومن خلال تلك المتابعات التي قمنا بها قد وضح لنا تماماً بأن الغالبية العظمى من أولئك الباعة الذين تمتلئ بهم مدن ولاية الخرطوم كما ذكرت، غالبيتهم واردين، ولا أقل نازحين من بعض مدن وأرياف وقرى ولايات السودان الأخرى واسعة الاراضي الزراعية المروية بالمياه الوارفة والغنية بثرواتها الحيوانية إضافة لما في بعضها من نوعيات صناعية، ولكن برغم ذلك نجد تلك الجحافل الواردة من تلك الولايات الذين يمثلون شباباً وصبية بل وشيوخاً كباراً يتركون تلك النعمة المتمثلة في الاراضي الطيبة المعطاة. يتركونها بالبيع لغيرهم من النشطاء .. بل وفي بعض الحالات للغرباء النازحين ليقوموا بفلاحتها وزراعتها وحصادها للإستفادة منها ومن ثرواتها الحيوانية اللصيقة بها.. يتركونها ليأتوا الى الخرطوم بتلك الكميات الكبيرة ليبقوا فيها عارضين تلك السلع الهامشية كما اسلفت أو متسيبون على الشوارع والمقاهي مشلكين لعطالة مقنعة أو متغربون عن بلادهم لدول أخرى هم أفضل منها كثيراً إذا ما بقوا في ولاياتهم بين مدنها وريفها ليزرعوا أراضيهم وينمّوا ثرواتها بين أهاليهم وآبائهم وأبنائهم لكي يعتنوا بهم وبتربيتهم الوطنية الصالحة مشرفين على تعليمهم وعلاجهم لإنارة مستقبلهم ومستقبل البلاد عامة التي تنتظر منهم الكثير المفيد لتنميتها بشرياً وإنتاجياً المؤدي لتقدمها وتطورها ... إن هذه الكميات التي زحمت ولاية الخرطوم ولا زالت تواصل انسيابها عليها نازحة من تلك الولايات المليئة بالخيرات التي ذكرت إضافة لما توفر لبعضها من مؤسسات تعليمية صغرى وجامعية .. هذه الجحافل من الناس الذين ثبت بالمراجعة الدقيقة والمتابعة اللصيقة أنهم أو غالبيتهم تاركين وراءهم زراعتهم ورعايتهم لثرواتهم الحيوانية ليبقوا في الخرطوم يتسكعون ويمارسون تلك السلع الهامشية التي من بينها مياه الشرب التي قال فيها اخوتنا المصريين نكتتهم المعروفة عن أن فلاناً قد جاء «يبيع المياه في حارة السقاين».. وهكذا قد أصبح ذلك مفعلاً لدينا الآن بما يمارسه اولئك الواردين من بعض الولايات والهاربين من فلاحة وزراعة أراضيهم التي تركها البعض بوراً أو تخلى عنها بالبيع لغيره مما فيهم أو منهم بعض الاجانب، وهذا أيضاً واضح لمن يتابعه في كثير من المواقع .. ويا خسارة ؟! .. وفي تقديري وتقدير الكثيرين غيري أن هذا المسلك الذي يمارسه اولئك المشار إليهم لابد أن توجد معالجات له من قبل الجهات التي تعنيها المسألة بالدولة وبالذات المشرفة على التنمية الزراعية الاستثمارية بالولايات. حتى إذا تطلبت تلك المعالجات سن قوانين لمتابعة ضبط التحركات والهجرة من ولاية لأخرى الا عند الضرورة القصوى التي تحتم ذلك .. ولتفعيل ذلك الانضباط فليكن هنالك أمر بايجاد واستخراج بطاقات تنظم التحرك بين الولايات من ولاية لاخرى ويكون عند تقديمها من طالب التحرك لولاية غير ولايته لترضخ لمراجعات ودراسات لأسباب التحرك التي تحدد مدى السماح له والاذن بصحة تحركه وكيفية عودته أو عدمها. وأكيد عندها سيقول البعض هل نحن أجانب لكي نتحرك ببطاقات داخل بلادنا.. وهنا يمكن أن يوضح لهم بأنهم سودانيين احرار ولهم حق التحرك في جميع بقاعه كمواطنين سودانيين وليس من شك أصلاً في هذا. ولكن فقط ان هذه البطاقات وجدت للانضباط العام ومن أجل الأمن والسلامة وأمكانية إبقاء كلّ في ولايته متابعاً لزراعة أرضه والاستفادة منها بدلاً من الهجرة الى الخرطوم وممارسة تلك الأعمال الهامشية أو التسيب بدواخلها. وفي ذلك فقط يمكن حسم الهاربين والفارين من أراضي الزراعة.