٭ الجولات المتلاحقة حول القضايا الخلافية بين السودان وجنوب السودان ظلت الشغل الشاغل للاتحاد الأفريقي من خلال منظوماته وآلياته المتمثلة في مجلس السلم والأمن الأفريقي ولجنة الوساطة برئاسة ثامبو أمبيكي أو إجتماعات وساطات الرؤساء الأفارقة، ورغم الوصول لإتفاقيات حول القضايا العالقة بين البلدين إلا أن إنفاذ هذا الإتفاق على أرض الواقع ظل أمراً صعباً بسبب «شيطان التفاصيل» الذي يبرز في كل جولة من جولات التفاوض، وحين تفشل الآليات التابعة للاتحاد الأفريقي يرفع الأمر لإجتماع رؤساء الاتحاد الأفريقي الذي لا يملك إلا روشتة جاهزة، وهي إعطاء مهلة للطرفين لمواصلة التفاوض. ٭ إن قرار الاتحاد الأفريقي المستمر بتجديد فترة التفاوض للطرفين يذكرني بتلك القصة التي يقال إن بطلها ذلك الرجل العالم الورع الصالح الشيخ فرح ود تكتوك الذي طلب منه الوزير الحاكم في تحدٍ واضح أن يعلم الشيخ فرح بعير الوزير القراءة والكتابة وقبل الشيخ فرح التحدي وطلب من الوزير أعطاءه مهلة زمنية حددت بعام لإكمال المهمة وتعليم البعير وتعجب الناس من قبول الشيخ فرح لهذا الأمر المستحيل.. ولكنه وبحكمته المعهودة أجابهم أنه في هذه الفترة يحكمها قدر الله ويمكن أن يحدث شىء للبعير أو الوزير أو الفقير. هكذا ظل الاتحاد الأفريقي يعطي الطرفين الفرصة بعد الأخرى وكأنه يقول بما قال به الشيخ فرح إن هذه الفترة يمكن أن يحدث شيء لسلفاكير أو البشير أو ملف أبيي الخطير.. وهكذا تصبح الأمور متروكة لتقلبات الأقدار دون أن نساعد هذه الأقدار بفعل شىء إيجابي على طريق الوصول لحل الأزمة. ٭ إن الفشل في الوصول لحل الخلافات يعود لفقدان الإرادة السياسية لدى الطرفين لأسباب موضوعية يعاني منها كل طرف، فرئيس السودان السيد عمر البشير لازال يعاني من ضغوط المتنفذين والمتشنجين والمستفيدين من إستمرار هذا الوضع في كل من الحزب والحكومة، أما السيد سلفاكير ظل أسيراً لسيطرة أولاد أبيي على الجيش الشعبي ومفاصل دولة جنوب السودان وهم يرفضون تطبيق أو تنفيذ أي حل دون أن تتضح الصورة أو تحل مشكلة أبيي لصالح دينكا نقوك، بالإضافة لأزمة جديدة لمجموعات دينكا ملوال التي أيضاً تريد حلاً لمشكلة الميل 41 لصالحها. ٭ إذن كلا الطرفين يعاني ولا يملك اتخاذ القرار الحاسم بالذهاب خطوة للأمام، هذا فضلاً عن غياب الرؤية الإستراتيجية عند الطرفين حول هذه الأزمة، إن حكومة السودان كان بإمكانها أن تسعى لجمع الصف الوطني من خلال تنازلات حقيقية تؤدي لتأسيس نظام ديمقراطي يطمئن المعارضة على مستقبل العملية السياسية في السودان وبهذا نكون قد إمتلكنا ورقة مهمة واستراتيجية تساعدها في اتخاذ قراراتها، وظهرها مسنود بوحدة وطنية.