قطب الاتحاديين الكبير والقومي العربي الزعيم الشيخ علي عبد الرحمن الأمين الضرير رحمه الله أرسل مذكرة شديدة اللهجة الى قادة النظام العسكري المايوي، وطلب منهم العودة الى ثكناتهم وفسح المجال لعودة الديمقراطية الى البلاد، فما كان من النظام المايوي إلا أن أودعه سجن كوبر وليس هذا السجن بغريب عن السياسيين وبعد إطلاق سراحه استقل عربة تاكسي حاملاً معه عتاده (البطانية) وطلب من سائق التاكسي أن يأخذه الى أول أجزخانة ببحري لشراء أدوية (السكري) وعند وصوله الأجزخانة دلف بداخلها فعرفه الصيدلي لحظة دخوله الصيدلية. وقال له (حمداً لله على السلامة بخروجك من المعتقل متى خرجت؟ فرد عليه شيخ علي قبل دقائق معدودة وأحتاج لأدوية السكري، وعندما شعر أن النقود التي بحوزته غير كافية بادره الصيدلي قائلاً له (انت بتفتش في جيوبك ليه هذا الدواء هدية لسيادتكم فأنتم زعماء البلد الحقيقيين وانتم على رؤوسنا فإن لم نكرمكم نكرم من؟ وأغرورقت عيناه بالدموع أجهش الصيدلي بالبكاء أمام شيخ علي وخرج معه الى عربة التاكسي وقام الصيدلي بدفع الأجرة للسائق وقال للسائق (يا أخي إنت اليوم تحمل بسيارتك زعيماً وطنياً جاء لتوه من المعتقل وبورك فيك وفي سيارتك وهي تحمل الزعيم شيخ علي عبد الرحمن فتنبه السائق لذلك ولم يكن يعلم أن الراكب هو الزعيم علي عبدالرحمن ورفض سائق التاكسي أخذ الأجرة من الصيدلي وأعاد اليه النقود وقال للصيدلي (هذا شرف عظيم لي أن يكون الراكب هو الشيخ علي عبد الرحمن، فزعماؤنا الشرفاء نحملهم مجاناً).. مشهد وطني أبطاله شيخ علي عبد الرحمن وصيدلي وسائق تاكسي لله درهم لا يعرفون بعضهم البعض معرفة شخصية.. لكن جمعتهم معرفة الوطنية وحب الوطن والوفاء لزعماء الوطن من الرعيل الأول بهذا المشهد الوطني الذي جعلته مدخلاً لهذه السطور الاتحادية وكفاني سلوى لهذا المشهد الوطني الذي ظل في احشائي لأكثر من 82 عاماً، فإذا نسي الأمس فالتاريخ ذاكرة الشعوب، ولأدلف الآن بقلمي نحو الاحتفال الذي أقيم بدار الزعيم الأزهري مساء أول يناير هذا العام بمناسبة الذكرى ال(75) للاستقلال المجيد، جاء هذا الاحتفال رائعاً كروعة يوم الاستقلال في مطلع يناير عام 6591م، فتحدث المتحدثون في هذه الليلة المباركة التي كانت ليلة من ليالي الاتحاديين الشرفاء الذين ظلوا متمسكين بمبادئ الزعيم الازهري وهتفوا بها من داخل وخارج دار الزعيم الأزهري، إنهم يعضون عليها بالنواجز، رفض قادتهم كل الإغراءات الشمولية وظل الحزب الاتحادي الموحد الذي درج في كل عام أن يحتفي بذكرى الاستقلال بدار الزعيم الازهري وهم يجددون العهد والوعد بالتمسك بالجذور الاتحادية الاصيلة ظل ديدنهم السير على خطى راود الحركة الاتحادية من الرعيل الاول وها هم قادة الاتحادي الموحد يخطون خطوات مؤتمر الخريجين، ما انحرفوا عن طريقه وما تنازلوا أو هادنوا في شأنه، كان الاحتفال صورة مجسدة وطنية تذكرني بليلة سياسية من الليالي السياسية التي كانت تقام بميدان المدرسة الاهلية رمز النضال والكفاح، هذا الميدان شهدت أرضه ليالٍ سياسية وطنية إهتزت لها مدينة أم درمان وما أشبه الليلة بالبارحة، فالاستاذ الفاتح حمدتو ألقى قصيدة عصماء عن أمدرمان النضال والكفاح وأم درمان السياسة والثقافة والنسيج الإجتماعي المترابط.. ولكن أصبح اليوم نسيجاً متآكل الأطراف متناثر الأعضاء، فالأستاذ الفاتح حمدتو عطر سماء الليلة السياسية ودار الزعيم الازهري عطرهما بسنابل الشعر في قصيدته العصماء، وهو يتحدث عن أم درمان الزعيم الازهري وأم درمان الشيخ علي عبد الرحمن وأم درمان أحمد حسين الرفاعي وشيخ محمد أحمد المرضي وأم درمان نادي الخريجين يحيى الفضلي وأم درمان خلف الله وإبراهيم جبريل وزروق والمفتي وابو حسبو وحسن عوض الله وأم درمان خضر حمد وحماد توفيق راهب الوطنية، فقد تحدثت في الليلة السياسية الدكتورة جلاء الأزهري، وأفاضت في الحديث عن الاستقلال الحقيقي الذي جاء نظيفاً كصحن الصيني، وتساءلت ما باله اليوم استقلالاً ناقصاً بعد أن كان كاملاً، وتحدث العديد من الاتحاديين وغيرهم.. كانت ليلة ولا كل الليالي.. يوم لا ككل الايام.. أما في مقابر البكري عند زيارة ضريح بطل الاستقلال ونجله الشهيد محمد الأزهري تحدث الأستاذ محمد عثمان المبارك أمام الضريح وألهب المشاعر الوطنية في النفوس وكان خطابه ذا شجون، ثم تحدث الأستاذ محمد عصمت حديثاً مؤثراً وحديثاً وطنياً وأجهش بالبكاء وهو يتحدث عن الزعيم الازهري ونجله الشهيد محمد وأخيراً تحدثت الدكتورة جلاء الازهري حديثاً صريحاً ومؤثراً ليقرأ الجميع الفاتحة على ضريح بطل الاستقلال ونجله الشهيد محمد، هذا باختصار نقاط فوق الحروف لاحتفال الحزب الاتحادي الموحد بذكرى الاستقلال، فنجوم الاحتفال كان في مقدمتهم الزعيم السر الرفاعي وجلاء الازهري ومحمد عصمت وعثمان عبد العزيز وصالح محمد صالح والأستاذ مكي وعصام أبو حسبو والفاضل حسن عوض الله وعصام أحمد محجوب ومحمد الهادي وغيرهم من نجوم الاتحاديين من أمثال فتح الرحمن البدوي وفيصل حماد توفيق والغزالي، وكان هناك شباب الاتحاديين يغطون الساحة بأناشيدهم الوطنية وذلك الكورال الرائع من الشباب والشابات اللاتي أبدعن في الاناشيد الوطنية، فعطروا الساحة بعطر الحماس الوطني الذي ألهب مشاعر الحضور بلا تمييز.. فالتحية لهم جميعاً .. والتحية للذكرى ال(75) للاستقلال المجيد.