تقف ديون السودان الخارجية والمتراكمة منذ عهد الاستقلال وحتى الآن والبالغة أكثر من 40 مليار دولار، حجر عثرة أمام تقدم الاقتصاد الوطني، وتتحجج المؤسسات الدولية المالية صندوق النقد والبنك الدولي بسداد جزء من الديون كشرط لتقديم منح وقروض للبلاد، فيما ربطت دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدةالأمريكية مساعداتها المالية للسودان بتنفيذ اتفاق السلام الشامل 2005 ومعالجة الأوضاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وهو ما وصفه السودان حينها بالشروط التعجيزية، لكن رغم تنفيذ اتفاق السلام إلا أن الدول الكبرى لم تفِ بوعودها. ومؤخراً لاحت في الأفق بوادر بتخفيض الدين بعد الاتفاق الأخير في أديس أبابا بين الشمال والجنوب على تقسيم الديون بينهما أو السعي إلى إعفائها من الدائنين، حيث أوضح رئيس وفد الحكومة السودانية المشارك في المفاوضات مع الجنوب إدريس محمد عبدالقادر، أن طرفي التفاوض اتفقا على معالجة قضايا الديون، وقال إنهما سيعملان على بحث إعفائها مع الجهات المانحة خلال عامين، وأضاف «إذا لم يتم ذلك سيكون الخيار الوحيد أن يتم تقسيم الديون بين البلدين حسب المعايير الاقتصادية المعروفة، وأضاف «إن الاتفاق الذي تم بإثيوبيا بين البلدين نص على أن يعمل الطرفان بالتزامن المشترك على تنفيذ اتفاقيات التعاون المشترك وهي تشمل معالجة مشكلة الديون الخارجية. تأتي هذه التطورات في الوقت الذي أعلن فيه صندوق النقد الدولي عن استمرار دعمه الفني وتقديم الاستشارات الاقتصادية المطلوبة إلى أن يستوفي السودان كافة الشروط الفنية اللازمة لإعفاء ديونه، وأكد د. إدوار الجميل رئيس بعثة صندوق النقد الدولي لدى زيارته مؤخراً للبلاد أن معظم الدول الدائنة أبدت نظرتها الإيجابية في إعفاء ديونها على السودان، مشيراً إلى أن عدد الدائنين يبلغ حوالي 50 دولة. ونفى د. الجميل بشدة ما أوردته بعض وسائل الإعلام حول استحالة حصول السودان على استجابة الدول الدائنة لإعفاء ديونه، مؤكداً أن معالجة ديون السودان ممكنة فقط تتطلب الانخراط في علاقات أكثر مرونة مع الدول الدائنة، وسعي حكومة السودان لبذل المزيد من الجهود في هذا المجال، وأقرّ رئيس البعثة بتحسن الأداء الاقتصادي السوداني وتحقيق معدلات نمو موجبة رغم التحديات التي تواجهه. وأكد الجميل مواصلة الدعم الفني من الصندوق إلى أن يستوفي السودان الشروط الفنية لإعفاء ديونه، وأوصى بضرورة تبني برنامج إصلاحي يستهدف تقليل الفجوة في سعر الصرف وخفض معدلات التضخم ووصف الاتفاق الذي تم توقيعه مؤخراً مع دولة الجنوب بالفرصة الطيبة لتطبيق الإصلاحات المطلوبة وفي الأثناء أكد الأستاذ علي محمود وزير المالية والاقتصاد الوطني لدى لقائه بمكتبه بعثة الصندوق في ختام زيارتها البلاد اهتمام السودان بإدارة حوار إيجابي مع الدول الدائنة، مستعرضاً المستجدات الاقتصادية التي حدثت عقب الاتفاق مع دولة الجنوب، وما يتيحه من فرص لتطوير اقتصاد الدولتين، وأكد سعي الحكومة الجاد لتطوير الأداء الاقتصادي سيما في مجالات خفض التضخم واستقرار سعر الصرف. إلى ذلك قطع الخبير الاقتصادي محمد علي محسي بعدم قدرة السودان على سداد ديونه البالغة أكثر من 40 مليار دولار، وقال لا يمكن حل هذه الديون إلا إذا طلب من الدول الرئيسية رفع الدين أو جزء منه، واتخذ مواقف سياسية ترضي الدول صاحبة الدين، مشيراً إلى أن هذه الديون أسندت لمؤسسات حكومية فشلت في استثمارها لافتاً إلى أن مديونية السودان من المؤسسات المالية العالمية تجاوزت 40 مليار دولار 52% منها فوائد، بينما أصل الدين 48% موزعة على عدد من المؤسسات المالية، وقال إن السودان لجأ للاقتراض منذ الفترة من 2000- 2004 من المجتمع الدولي لبناء المشروعات التنموية، في ظل ظروف اقتصادية قاسية، متمثلة في الحصار الاقتصادي غير المعلن، وأبان أن هذه القروض بشروط غير ميسرة منوهاً إلى أن السودان لم يستفد من مبادرات الدعم العالمية، لعجزه عن التواصل في عمليات السداد، نسبة للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وأوضح أن ديون السودان موزعة 30% باريس وأمريكا- و36% لدول خارجية و17% لمؤسسات تمويلية عالمية و12% لقروض تجارية وما تبقى ديون داخلية.