الحوار لغة هو حديث يجري بين شخصين أو أكثر في العمل القصصي أو بيد ممثلين أو أكثر في العمل المسرحي.. يقال حاوره محاورة وحواراً بمعنى جاوبه وجادله.. وردت في محكم التنزيل يقول تعالى: (قال له صاحبه وهو يحاوره) صدق الله العظيم.. والحوارات المسموعة والمرئية مع المسؤولين والمفكرين والمثقفين ومن حذا حذوهم، لها معاييرها وأسسها التي تدار بها من حيث الفكرة والمضمون والإجادة وأيضاً المتعة والسلاسة والجمال والفن والإبداع .. وهذه تعتمد على لباقة «المحاور» وفطنته أو المذيع ومدى بلاغته وفصاحته وثقافته وحضور بديهته وإنتقاء الألفاظ والمفردات والعبارات وكذلك تنوع الأسئلة.. وحتى ينساب الحوار بتلقائية وحيوية لابدّ من خلق صلة وحميمية ومعرفة بالشخص المستضاف قبل البث إن كان مسجلاً أو على الهواء مباشرة، فهذا له الأثر الفاعل في إثرء الحوار ومدى جاذبيته ونجاحه وقبوله لدى المتلقي .. بعض المذيعين يخفقون كثيراً في إدارة الحوارات مما يجعلها ضعيفة وهشة تكاد لا تفي بالغرض الذي أعدت من أجله مثل تقليدية الأسئلة وتكرار المفردات و«تمطيطها» وضحالتها وربما كانت الشخصية المستضافة لها قامتها ومقامها وتمكنها في مجال عملها وعلمها وتخصصها فقد تلقي عليها أسئلة دون مستوى علمها وفهمها ومعرفتها فهذا يحدث خللاً ورتابة في الحوار ومن ناحية أُخرى كأنه يعمل على «تقصير» وتقليل خبرته وتجربته وهذه يدركها المتلقي بذكائه وحصافته وآخرون لا يدعون للضيف فرصة كاملة للتحدث والإجابة على الأسئلة وذلك بمقاطعته بين الفينة والأخرى أو يلفحون الكلام من فمه.. وإذا كان هناك أكثر من شخص مستضاف ينبغي أن توزع الأسئلة بالتساوي بحيث لا تكون حكراً على أحد دون الآخر فيظل هذا صامتاً لفترة طويلة أثناء الحلقة مثل «الأطرش في الزفة» وفي هذا الصدد لا تعجبني عبارة «نبدأ بأكبرهم سناً» فقد تسبب كثيراً من الإحراج وعدم الإرتياح لبعضهم وكذلك ينبغي على الضيف الإلتزام بالزمن المحدد له حتى يتيح للآخرين الإدلاء بآرائهم وأفكارهم في حرية تامة، ومن آداب الحوار عدم الحديث في وقت واحد تفادياً للثرثرة و«الورجقة» أو الكلام الدقاق «تِحت تِحت» وعلى المذيع أن يواجه ضيوفه بوجه مطروح وقلب مشروع، وهذا له مردوداته الإيجابية في مدى تقبلهم لهذه الإستضافة وحُسن إجاباتهم وأطروحاتهم، وفي مرات عديدة قد يوجه المذيع سؤالاً لضيفه قد يجد هوى ومزاجاً خاصاً في نفسه حتى يكاد لا يخفي إعجابه واستلطافه لهذا السؤال.. فيستطرد مبتسماً في وجه المذيع «والله ده سؤال جميل» أو سؤال مهم أو سؤال وجيه وغيرها من العبارات التي تستعمل في مثل هذه المواقف وقد يضيف عليها «براڤو عليك» ويبدو أن عبارات الثناء هذه قد نالت من المذيع وتملكه الزهو والسرور ورفع المعنويات التي نضحت بها ملامحه وقسماته أو حددت منه إبتسامة أكبر من إبتسامة ضيفه أو إيماءة برأسه الذي يوصل الى درجة «التضخم» و«الإرتفاع» مما جعله «يتبتب» عليه أو يتحسسه أو يديهو «حكة» خفيفة بطرف أصابعه إن لم يكن قد أمسك به فعلاً ولسان حاله يقول لقد حققت لي هذا السؤال الشهرة والنجومية والبريق واللمعان. ومن الأشياء المزعجة حقاً في إدارة الحوارات كثرة الحركة بالأيدي فهذه قد تشغل المشاهد دون الإنشغال والإهتمام بالحوار أو الموضوع مصدر الحديث وتتجلى هذه الحركة بصورة أوضح عند «المذيعات» خاصة حديثات العهد بالعمل التلفازي فيجنحن على إبداء زينتهن إذا كانت أناملهن مخضبة ومنقوشة بالحناء لإظهار خواتمهن وأساورهن وإكسسواراتهن، فالمجال هنا ليس للعرض والمظاهر والتباهي بقدر ما هو عرض للمهارات والقدرات والنجاحات.. وعلى ذكر المذيعات ففي إعتقادي إذا كانت هناك فئة من الشيوخ والعلماء وأهل الدين يود إستضافتهم ومحاورتهم للتحدث في أمر من الأمور والأحداث والقضايا أن يسند ويوكل هذا الحوار الى المذيعين «الذكور» بدلاً عن المذيعات بثيابهن المزركشة وعطورهن ومكياجهن إذ أن هذا يدخل من باب الأدب والتقدير والإحترام لهؤلاء الأجلاء.. وإحقاقاً للحق هناك مذيعين أكفاء ومؤهلين وجادين ومجيدين ومبدعين يديرون مضابط حواراتهم بجدارة وتميز يغوصون في أعماق ضيوفهم يستشفون ويكتشفون ما بدواخلهم من معلومات وموضوعات فيعملون على إستخراجها وإنتزاعها حتى تعم الفائدة والمعرفة للجميع.. ويأتي السؤال الأخير الذي ينبغي أن يتلاءم ويتناسب مع خاتمة الموضوع والحوار وهذا يقع في قائمة تسلسل وتدرج الأسئلة التي يبني عليها نجاح الحوار ووجاهته لذا نأمل أن يكون المذيع «وجيهاً» في عمله وطرحه وفكره وثقافته وسعة إطلاعه وأُفقه.. بالإضافة إلى وجاهة المظهر والجوهر.. نسأل الله أن يجعلنا «وجيهين» وجميلين في الدنيا والآخرة... ومن «وجهاء» القوم وصفوتهم ونخبتهم.