الموسيقى كما يقول المتخصصون هي لفظ يطلق على فنون العزف على آلات الطرب .. وعلم يبحث عن أصول النغم من حيث تأتلف أو تتنافر.. وتتسم بالدقة والفخامة والمتعة والجمال ولغة للتواصل بين الأمم والشعوب.. والسودان له أصوله وجذوره الموسيقية التي نبعت من تعدد وتباين قبائله وبطونه وبالتالي ثقافاتها ولهجاتها وأدواتها وآلاتها الموسيقية.. ومن هذا التنوع برزت كوكبة من الموسيقيين والمبدعين كانت لهم بصماتهم الفنية نذكر منهم الموسيقار جمعة جابر مؤسس فرقة فنون كردفان التي صارت فيما بعد نواة لكلية الدراما والموسيقى.. السر عبد الله عازف الكمان الشهير في فترة الحقيبة، وكذلك الموسيقار وهبة عازف الأكورديون في ذات الحقبة، اسماعيل عبد المعين، حمزة علاء الدين، الماحي اسماعيل الماحي سليمان بشير عباس برعي محمد دفع الله حمد اسماعيل بادي «زقل» صاحب الشعار الخالد لبرنامج ما يطلبه المستمعون علاء الدين حمزة حافط عبدالرحمن د. الفاتح حسين وغيرهم وفي هذه المساحة نسلط الضوء على المطرب الموسيقار العاقب محمد الحسن عليه الرحمة وهو واحد من أعلام ورموز الفن والموسيقى خاصة الشرقية، فقد كان منذ صغره يردد الأغنيات العربية للموسيقار فريد الأطرش وأم كلثوم وكذلك كبار المطربين السودانيين أمثال أحمد المصطفى وعثمان الشفيع أثناء عمله في حرفة «الحدادة» في إحدى الورش في حي البوستة بأم درمان مقر سكنه، وفي مطلع الخمسينيان تقدم للإذاعة لإجازة صوته وكانت لديه أغنيات خاصة منها «ليالي الشاطيء» للشاعر بدر الدين علي الجارم نجل الشاعر المصري الكبير علي الجارم مؤلف الأغنية الشهيرة «جارة الوادي» تغنت بها المطربة اللبنانية فيروز وبها سلك طريقه في الإذاعة، وبالإضافة الى الغناء كان يجيد العزف على آلة العود.. لذا فقد اختارته الإذاعة للعمل في الأوركسترا الخاصة بها.. ونظراً لبراعته ومهارته ابتعثته الى القاهرة لدراسة الموسيقى في معهد الموسيقى العربية بصحبة الأساتذة عبداللطيف خضر برعي محمد دفع الله عبد الله محمدية والى جانب ذلك كانت له دراسات موسيقية على يد الموسيقار مصطفى كامل عازف القانون الذي حضر من القاهرة لتدريب الموسيقى في جامعة القاهرة الفرع .. ومن ثم إنتدبته الإذاعة لذات الغرض.. وقد كانت له آثار واضحة في العديد من الأعمال الغنائية تتجلى بوفرة في المقدمة الموسيقية «الصولو» للعمل الضخم «في محراب النيل» للمطرب عثمان حسين والشاعر التيجاني يوسف بشير، وفي القاهرة تركزت دراسته على النظريات العامة في الموسيقى على أيدي الأساتذة كامل عبدالله وحسن العشماوي، وأيضاً المعهد درس القواعد الموسيقية على يد الدكتورة/ رتيبة الحفني عميدة المعهد، أما آلة العود فقد عمل على تجويد العزف عليه على أيدي الأستاذ عبد المنعم عرفة وجورج ميشيل.. والموسيقار العاقب محمد الحسن يمتاز بصوت طروب وأداء هادىء ورزين تمازجت فيه درجات الوقار والعذوبة والجمال، كما كان ملحناً بارعاً قدم العديد من الألحان لكبار المطربين منهم محمد ميرغني نجم الدين الفاضل حمد الريح وآخرون تغنى بمفردات رصينة منتقاة لأبرز الشعراء السودانيين منهم إسماعيل خورشيد عزمي أحمد خليل مسعد حنفي السر احمد قدور، ومن الشعراء العرب تغنى للشاعر مصطفى عبدالرحمن صاحب النشيد الخالد أمة الأمجاد، ومن أهم أعماله وأجذبها «هذه الصرخة»: يا حبيبي ظمئت روحي وحنت للتلاقي وهفا قلبي للماضي ونادى عن إشتياقي أنا ظمآن ألاقي في حنيني ما ألاقى أسقني من النور وأملأ ليالي البواقي كما تغنى للأمير عبد الله الفيصل شاعر الحرمان بعملين كبيرين هما «نجوى» و«حبيب العمر» وتعود قصتهما الى أنه وجد هذا النص منشوراً في مجلة العرب الكويتية التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات.. فأعجب بمفرداتها ورصانتها فكتب اليه خطاباً بواسطة الأستاذ محمد حجاز مدثر الذي كان وقتها ملحقاً ثقافياً بسفارة السودان بالمملكة العربية السعودية يستأذنه في تلحينها وأدائها.. وكأنه كان يطبق حقوق الملكية الفكرية منذ ذلك الزمن البعيد.. وقد أبدى الشاعر موافقته التامة ورغبته الأكيدة في التعاون فيما بينهما.. ومن ثم شرع في تلحينها وأدائها بهذا اللحن الذي يتدفق بالرقة والنداوة والشجن والحنين.. الأستاذ العاقب محمد الحسن مثَّل السودان في مهرجانات ومؤتمرات موسيقية في كل من بغداد، سوريا، ليبيا، الجزائر ، المغرب، الأُردن.. ونعود للقاهرة في أثناء تواجده فيها شاهد برنامجاً تلفزيونياً كانت تعده الأستاذة رتيبة الحنفي عميدة المعهد العربي كما أشرت يتحدث عن الموسيقى والتراث وعند عودته الى السودان عمل على إعداد برنامج يحمل نفس الفكرة والمضمون وطفق في تحضير المواد المسموعة والمقروءة كلفته كثيراً من الجهد المادي والمعنوي في جمعها متوخياً فيها النواحي الثقافية والفنية والأدبية والموسيقية وإختار له اسم «مع الموسيقى العربية» وقد ظلت الإذاعة السودانية تقدمه في دورات إذاعية سودانية.. والبرنامج عبارة عن محاضرات ودراسات متعمقة في أوزان الموسيقى.. وقد نال شهرة واسعة حتى صار من برامج التبادل الإذاعي فيما بعد.. ويعتبر ثروة موسيقية وفنية.. كما له من أبعاد توثيقية وجمالية كان العشم أن تجمع مادته وتنشر في كتاب جامع لا يقل شأناً وقيمة عن مؤلفات الذين كتبوا ونشروا في هذا المجال الموسيقيين أو غيرهم من العوالم الأخرى وبالتأكيد سوف يثري الساحة الثقافية والموسيقية. هذه مدرسة الموسيقار العاقب محمد الحسن المتفردة والأصيلة والتي تمازجت فيها اللونية واللحنية والخماسية والسباعية كان نتاجها هذا الفن المفعم بالقيم والمضامين والشهرة والخلود والجمال والإبداع. نعيد نشر هذه المادة نسبة لسقوط اسم الكاتب سهواً