من كلية الأمير الحسن للعلوم الإسلامية، من المنطقة العسكرية الشرقية إحدى وسائل نشر رسالة عمان، التي تدعو الى الله سبحانه وتعالى بالوسطية والاعتدال، مبرزة محاسن الإسلام من الرحمة والعدل والإحسان، هذه المعاني المضمنة في رسالة عمان تحرص الكلية على غرسها في نفوس تلاميذها، الذين سيكونوا أئمة الهدى معاني الولاء لله ورسوله والوطن والقيادة الهاشمية. في تلك البقعة الطاهرة تلقينا محاضرة بعنوان منزلة الشباب في الإسلام ودورهم في أمن وبناء الأوطان، قدّم المحاضرة العلامة فضيلة الدكتور نوح الفقير عميد كلية الأمير الحسن للعلوم الإسلامية سابقاً، ولا أحول بينكم وبين الدكتور وسياحته بنا في أيام الشباب فقال: الحديث عن الشباب شيق كحال تلك المرحلة، التي يمر بها الإنسان من مراحل حياته يتمناها ويعيش أحياناً مع ذكرياتها، ويشتاق لعودة تلك الأيام الجميلة بعد فواتها كما قال الشاعر: فيا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب ولاريب أنه ما تمنى العودة الى شبابه، إلا لما فيه من ذكريات عطرة، وبطولات نفتخر بها، وسعادة غمرت حياته آنذاك، وإن للشباب مكانة مرموقة في الحياة الدنيا، فهي مرحلة الإفتخار والاعزاز بين مراحل العمر، وهي ريحانة الحياة وزهرتها، وهي مرحلة القوة والمتعة والطموح، جسماً وعقلاً وروحاً، ولذلك بعث الله الأنبياء وهم في سن الشباب. فقد ورد في تفسير ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما (ما بعث الله نبياً إلا وهو شاب، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب وقرأ (قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) وقول تعالى (وإذ قال موسى لفتاه). وفي تفسير قوله تعالى ( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعف وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير). قال المفسرون: القوة تعني الشباب، وفي قوله تعالى (انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) ذكر أهل التأويل أن معنى الخفة في هذا الموضع الشباب وأن معنى الثقل الشيخوخة. في الإسلام حظي الشباب بالتكاليف التي تناسب قوتهم وقدرتهم فقد كان رسول الله (ص) يوصي بالشباب، ووعد الشاب الطائع وبشره بالجنة، فكان أبوسعيد الخدري يقول للشباب مرحباً بوصية رسول الله (ص) وقال الرسول (ص) (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله - الإمام العادل، وشاب نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله) وبين رسول الله (ص) صفة الشباب الخير فقال:( خير شبابكم من تشبه بكهولكم وشر كهولكم من تشبه بشبابكم) يعني تشبه الشباب بالكهول في سيرتهم لا في صورتهم فيغلب عليه وقار العلم، وسكينة الحلم ونزاهة التقوى في مداني الأمور وكف نقصه عن عجلة الطبع وأخلاق السوء والتصابي واللهو فيكون في الدنيا في رعاية الله ويوم القيامة في ظله وشر الكهولة من تشبه بالشباب في العجلة وقلة الثبات والصبر على الشهوات، ومن هنا كان للشباب دور في الدين الإسلامي، وأظهر شبابنا من السلف الصالح كفاياتهم وقدراتهم في هذا المجال، كما كان للشباب المسلمين أدواراً في معظم المجالات الحياتية العلمية والقيادية والعسكرية والطبية وغيرها من ألوان وأشكال الحياة، وقد سجل سلفنا الصالح في تاريخنا المجيد مشرقة منها: أولاً: النبي الهاشمي الصادق الأمين الشاب، وقصة وضع الحجر الاسود قبل بعثة الرسول (ص) وقد مضى من عمره خمسة وثلاثين سنة أعيد بناء الكعبة إذا جاء سيل اضعف بنياتها، وصدع جدرانها، فلم تجد قريش بد من إعادة بنائها، وشارك (ص) فيه وكان ينقل الحجارة على كتفه، واختلفت القبائل حول من يستحق أن ينال شرف وضع الحجر الأسود في مكانه ووصل بهم الخلاف الى درجة الاقتتال، فقد قربت بنو عبدالدار جفنة مملؤة دماً ثم تعاقدوا هم وبنو عدي على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم، ومكثت قريش على ذلك أربع أو خمس ليالي، دون أن يردوها الى الوفاق أي رأي أو تدبير، وجاء دوره (ص) فقضى بينهم، وكان له (ص) أثر كبير في حل المشكلة، فخضع الجميع لاقتراحه، وهو الأمين المحبوب من الجميع، إذ بسط رداءه ووضع الحجر عليه، وشارك الجميع في حمله ومن هذه القصة يتبين مدى حكمته (ص) في تدبير الأمور، فقطع دابر الخصومات التي تراق فيها الدماء، حتى كان خمود نار الفتنة على يد الرسول (ص)، ونحن ينبغي أن نحيل هذه المروءة منه (ص) الى ما اختاره الله له من القيام بعبء الرسالة والنبوة وتبين من هذه القصة مدى سمو منزلته (ص) بين قريش وهو شاب قوي، فقد كان ملقباً عندهم بالصادق الأمين، وكانوا يرتابون في صدقه وكريم أخلاقه. ثانياً: دور الشباب من بيت النبوة، وبيت ابوبكر الصديق رضي الله عنه في الهجرة النبوية الشريفة، بعد أن أمضى ثلاثة عشر سنة من البعثة، هاجر النبي (ص) الى المدينة، وإجتمع المشركون على بابه في مكة، يتربصون به (ص) ليقتلوه، ولكنه خرج من بينهم وقد القى الله عليه سنة من النوم. وكان دور الشباب من بيت النبوة، وبيت ابوبكر الصديق رضي الله عنه على النحو الآتي: أ- سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، وهو شاب ينام مكان النبي (ص) يوم هجرته وعلى فراشه تنفيذاً لأمر النبي (ص) مهما كانت النتائج، وفي تلك الصورة تضحية بالغة بالنفس حماية للدين. ب- سيدنا عبدالله بن ابي بكر رضي الله عنهما شاب يبيت جوار الغار، وكان يخبرهما بأخبار مكة، وفي صحيح البخاري (يبيت عندهما عبدالله بن ابي بكر، وهو غلام شاب (ثقف لقن) (حذق سريع الفهم) فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع امراً يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام. ج/ سيدنا عامر بن فهيرة رضي الله عنه، شاب يرعى حول الغار يروح عليهما بقطيعه من الغنم، فإذا خرج من عندهما عبدالله تبع عامر أثره بالغنم كي لا يظهر لقدميه أثر. د/ السيدة أسماء بنت ابوبكر رضي الله عنهما، كانت تزودهما بالزاد واضطرت لقص نطاقها نصفين وسميت ذات النطاقين هذه صورة مشرفة رسمها شباب مسلم تصور ما يجب ان يكون عليه الشباب ذكوراً وأناثاً من أجل تحقيق مبادئ الاسلام وإقامة المجتمع المسلم، ولايكفي أن يكون الإنسان منطوياً على نفسه، مقتصراً على عبادته بل عليه أن يستفيد من طاقاته وتلك هي مزية على الشباب في حياة الإسلام والمسلمين، في كل زمن وأغلب من كانوا حوله من الشباب ولم يألوا جهداً في تجنيد طاقاتهم لنصرة الاسلام. ثالثاً: سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه شاب عامل يجمع القرآن قال ابوبكر الصديق رضي الله عنه ليزيد بن ثابت رضي الله عنه «إنك رجل شاب عامل ، لا نتهمك فقد كنت تكتب الوحي لرسول (ص) فتتبع القرآن فأجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، اختياره كونه شاباً فيكون أنشط لما يطلب منه، وكونه عاقلاً فيكون أوعى له، وكونه لا يتهم فتركن النفس اليه، وبذلك يكون زيد رضي الله عنه قد وصل السند القرآني كتابة، على غرار اتصال سند التلاوة حفظاً. رابعاً: تقديم رأي الشباب عند المشاورة في غزوتي بدر وأحد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما كان يوم بدر قال رسول الله(ص) (من صنع كذا وكذا كان له كذا وكذا) فسارع في ذلك شباب الرجال، وبقي الشيوخ تحت الرايات، وفي يوم احد استشار (ص) اصحابه وخيرهم، بين الخروج لملاقاتهم وقتالهم والبقاء في المدينة لقتالهم، فكان رأي بعض الشيوخ من المسلمين عدم الخروج والبقاء في المدينة، غير أن كثيراً من الصحابة الشباب رغبوا في الخروج وقالوا يارسول الله أخرج بنا لأعدائنا حتى لا يرونا قد جبنا عنهم، وضعفنا، ولم يزل أصحاب هذا الرأي برسول (ص) حتى وافقهم على ما أرادوا.