حملت الانباء ما يفيد بان السيد رئيس الجمهورية بصدد طرح مبادرة تهدف الي حل قضايا الحرب في السودان ومما يؤكد صحت الخبر ان السيد رئيس الجمهورية صرح بان هذا العام سيكون اخر اعوام المعاناة بالنسبة لمواطني جنوب كردفان .وبعبارة اخرى ان طرحا يوفر الامن والاستقرار لمواطني هذه الولاية على وشك ان يرى النور ، وبما ان الحديث يدور عن مبادرة فان اول ما يقفز الي الذهن هو ان ماسيتم طرحه سيكون مختلفا عن المناهج المتبعة حتى الان في معالجة قضايا مناطق النزاعات .بمعنى ان المبادرة المتوقعة ستستبعد الخيار العسكري المتبع حاليا كما تستبعد الحلول الجذئية التي تسببت في شرزمة حركات دارفور وشجعت كل مجموعة غاضبة على الانشقاق وتكوين حركة جديدة تشرع في التفاوض مع الحكومة للحصول على المناصب التي حرمتهم منها حركتهم الام بينما يزداد اور الحرب اشتعالا وتتنوع اشكالها. لايوجد شخص اكثر دراية من رئيس الجمهورية بما سببته الحرب من معاناة واضرار لمعظم اهل السودان وليس سكان مناطق النزاعات فقط الذين توزعوا بين اللجوء والنزوح ، فما من مواطن لايعاني من سطوة الازمة الاقتصادية وتدهور الخدمات وانعدام فرص العمل واتعدام الامن بسبب الجرائم التي فرختها الظروف الاقتصادية . وان السيد رئيس الجمهورية وقلة من متخذي القرار يعلمون الظروف الاقليمية التي تحيط بالسودان وما تتطلبه من استعدادات وتحوطات ويعلمون التزامات السودان تجاه المجتمع الدولي وما تقتضيه من ضرورات وحدة الصف ووحدة الرؤى للعبور بهذا البلد من دائرة الخطر . السيد رئيس الجمهورية بحكم التفويض الممنوح له وبحكم مسؤولياته الدستورية يستطيع ان يطرح قانونا للمصالحة الوطنية وليس مجرد مبادرة .ويمكن للقانون هذا ان يمنح مناطق النزاعات ما يطالب به اهلها من حقوق وصلاحيات في الحكم من خلال احداث التعديلات اللازمة على قانون الحكم الاتحادي ، و كذلك يحدد نصيبهم من ما تجود به مناطقهم من ثروات باستحداث قانون لقسمة الموارد يحقق العدالة المنشودة ،وللسيد رئيس الجمهورية تجربة سابقة في تكوين مجلس قيادة الثورة بما حقق تمثيلا لكل مناطق السودان ويمكن استحضار هذه التجربة لايجاد المشاركة اللازمة للكيانات المختلفة والمناطق المختلفة في السلطة الاتحادية . القانون الجديد يمكن ان يلغي او يعطل اي قانون يحد من الحريات العامة الشيء الذي يخفف من الاحتقان الدخلي . ومن القضايا التي تقف دائما حجر عثرة امام الاتفاقات مع الحركات المسلحة قضية استيعاب مقاتلي تلك الحركات في القوات المسلحة والقوات النظامية الاخرى ويمكن للقانون ان يحدد نسبة مئوية يتم استيعابها على ان يتحول من تبقى منهم الي قوات احتياطي ويشمل ذلك ايضا القوات التي نشأت في مناطق النزاعات كدعم للقوات المسلحة . ما جاء على لسان السيد رئيس الجمهورية في افطار رئيس السلطة الانتقالية لدارفور والذي ذكر فيه ان كثيرا من الايادي تلطخت بالدماء يعد مقدمة جيدة للقانون الذي اشرنا اليه . وقد حملت صحف الايام التالية لحديث السيد رئيس الجمهورية ان المتهمين بجرائم حرب في دارفور وصل عددهم الي المئآت ،وفي ذلك مؤشر الي عدد المحاكمات التي يتطلب اجراؤها لو اردنا ان نحاكم كل من ارتكب جرما في دارفور وغيرها، لكن البشرية استحدثت من خلال تجاربها مع اوضاع وظروف مشابهة للحالة السودانية ما يعرف بالعدالة الانتقالية والتي تبدأ باعتراف الجناة بما ارتكبوه من تجاوزات في حق الضحايا والطلب من الضحايا الصفح والعفو وهو امر متوقع قياسا على اخلاق وتجارب الشعب السوداني في العفو والصفح ، ولاشك ان هناك حالات تتطلب اكثر من الاعتراف وطلب العفو مثل ضرورة التعويض عن بعض الاضرار ويمكن للقانون ايضا ان يحدد نسبة مساهمة الدولة في هذا النوع من التعويضات ولحسن الحظ ان تجارب الدولة مع النزاعات الاهلية في دارفور تختزن ارثا وافرا في هذا المجال . لو ان قانونا من هذا النوع تم اصداره سيكون في ذلك عدة ايجابيات اولها استعادة قضايانا التي اصبحت وسيلة من وسائل كسب العيش لعدد من الافراد والمنظمات . ونكون عالجنا جراحات وطننا وحفظنا لة وحدته وتماسك نسيجه الاجتماعي ،ونعيد توظيف البشر والامكانات التي كانت تستهلكها الحرب لما فيه خير الوطن والمواطن . وتكون في ذلك مأثرة للسيد رئيس الجمهورية يحفظها له التاريخ وتبقى زادا ملهما للاجيال القادمة . ولعل من مميزات القانون انه يكون موجها الي عموم الشعب السوداني وليس الي الذين يحملون السلاح فقط ويكون وقعه اكبر في الداخل والخارج .كما ان صدوره في هذا الشهر الكريم يجعله ابلغ اثرا.