لخص رئيس السلطة الإقليمية لدارفور د. السيسي في حواره مع إحدى القنوات الفضائية حل مشكلة دارفور بأنه يتمثل في إعادة «هيبة الدولة» فهو يشير هنا إلى اللجوء إلى القوة العسكرية لهزيمة الحركات المسلحة وبذلك تنتهي المشكلة يعود بعدها الهدوء والاستقرار ويعود النازحون إلى قراهم. نسي د. السيسي أن المعارك العسكرية ظلت تدور لأكثر من عقد من الزمان دون أن يحقق أي من الأطراف نصراً عسكرياً حاسماً يمكنه من فرض شروطه على الطرف الآخر وقد ساعد اتساع الرقعة الجغرافية لإقليم دارفور الحركات المسلحة في إتباع سياسة «الكر والفر» أو حرب العصابات فهي تستهدف منطقة تقوم باجتياحها واحتلالها وعند تحرك القوات المسلحة لتحرير تلك المنطقة تقوم الحركات المسلحة بالانسحاب منها وهكذا يتكرر هذا السيناريو كثيراً. لا تستطيع القوات المسلحة أن تضع كل قواتها في كل المناطق بل تكتفي بوضع حاميات صغيرة يسهل اجتياحها بقوة كبيرة تضطر معها القوات الحكومية إلى الانسحاب التكتيكي وتتبع الحركات المسلحة نفس هذا التكتيك عند اجتياح القوات الحكومية للمناطق التي تحتلها. وهكذا فإن الحل العسكري غير متاح لأي من الأطراف بسبب الطبيعة الجغرافية لدارفور. تحاول الحكومة التفاوض أمام تعنت الحركات مثل حركة عبد الواحد أو أركو منا وي أو إبراهيم جبريل مع حركات منشقة من الحركة الأم. ولكنها لا تملك أي سند عسكري أو شعبي فتكون الحكومة مثل التي «تترك الفيل وتطعن في ظله». كما تحاول الحكومة أيضاً توزيع المناصب على تلك الحركات فقد تم تقسيم دارفور إلى خمس ولايات لكل ولاية عدد من المحليات حتى بلغ عدد تلك المحليات في إقليم دارفور أكثر من ثلاثين محلية بينما لا يتجاوز عدد محليات الخرطوم- ويقطنها أكثر من سبعة ملايين نسمة- سبع المحليات أغلبها لا يملك أية مقومات ولا يصلح أن يكون أكثرها مجرد «وحدة إدارية» لقد ظلت حكومة الإنقاذ في السلطة لفترة ربع قرن ولكن إنجازاتها تعدّ متواضعة جداً مع طول سنوات بقائها في السلطة وربما يرجع ذلك لسبب عدم الاستقرار السياسي والمعارضة المسلحة والمدنية لنظام جاد عبر فوهة البندقية فقد ازدادت حدة الفقر وشملت قطاعات واسعة من المواطنين واستشرى الفساد المالي والإداري فبات كالسرطان يشل جسد الدولة ورغم انتشار الجامعات في كل الولايات إلا أن ذلك الكم كان على حساب الكيف فمستويات خريجي المدارس الثانوية مثل حنتوب وطقت في فترة الستينيات وحتى السبعينيات أفضل من مستويات خريجي بعض الجامعات الآن مع عطالة وسط هؤلاء الخريجين لا تستطيع معها الحكومة استيعابهم جميعاً وفي ظل الإنقاذ انفصل الجنوب دون تحقيق تقدم يذكر في عملية السلام فمشاكل الحدود مع الدولة الوليدة يمكنها أن تعصف باستقرار الدولتين. الآن تطل علينا مشاكل دارفور فقد بدأت الحركات المسلحة تتبع سياسة الأرض المحروقة فقد اجتاحت ولاية شمال دارفور فدمرت ممتلكات المواطنين وحرقت منازلهم وماشيتهم وكان على تلك الحركات أن تفرّق بين الأهداف المدنية والعسكرية وكيفية تلك الحركات المسلحة أن تعبّر عن إنسان دارفور وهي تقتله؟ أم أن ذلك قد تمّ لأسباب قبلية. أخشى أن نتحول مطالب إقليم دارفور في التنمية والسلطة إلى المطالبة بحق «تقرير المصير» ما لم تسارع الحكومة إلى الجلوس مع تلك الحركات المتمردة إذ أنه لا يمكن تكرار سيناريو نيفاشا فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.