تجدي كثيراً حملات الامتناع عن شراء السلع غير المعمرة والتي تتلف سريعا مثل البيض – اللحوم – الخضروات – الخبز، فالمنتج يجد نفسه مضطراً إلى رميها في الزبالة إذا لم يتم شراؤها من المستهلك، ما يكبده خسائر مالية فادحة. إن مقاطعة شراء مثل هذه السلع يخفض من اسعارها فوراً، وذلك وفقاً لقانون العرض والطلب، وإذا عادت مثل تلك السلع للإرتفاع يمكن لجمعية حماية المستهلك أن تعود لحملتها المنظمة بالمقاطعة. ولكن.. لماذا لا تتوسع الجمعية في أنشطتها، فتبادر بإحياء الجمعيات التعاونية الإستهلاكية، والتي بدأ نشاطها في خمسينيات القرن الماضي، وأنتهى نشاطها في الفترة الآخيرة. لقد إذدهرت الحركة التعاونية في فترة السبعينيات، بل وبادرت الحكومة في إنشاء وزارة التعاون في أيام جعفر نميري، تبيع مثل تلك التعاونيات بأسعار أقل من سعر السوق، وتحقق أرباح سنوية يذهب عائدها إلى حملة الأسهم، وإذا انتشرت الجمعيات التعاونية في كل الأحياء فإنها يمكن أن تلعب دورا مقدرا في خلق التوازن في الأسعار، فتحد من ارتفاع السلع المستمر. وإذا امتنع المواطن من تلقاء نفسه من شراء السلع التي تزيد أسعارها فإن ذلك يحد أيضا من ارتفاع أسعارها. المشكلة أنه لا يجد لدينا ( رأي عام جمعي) يمتنع بموجبه الجميع عن شراء السلع التي تزيد أسعارها – كما هو حادث في الدول الأوربية – ولكن ليس من الصعوبة خلق مثل هذا الرأي الجمعي من خلال وسائل التواصل الإجتماعي. ولعل أكبر تحدي يواجه قادة الجمعية هو كسب ثقة حزب المؤتمر الوطني، إذ ستكون هناك أزرع موازية للحزب تعمل خارجه يكون لديها تأثير على الجماهير، فوجود قيادة تتمتع بتوجيه الجماهير وتكسب ثقتها يمكن أن يشكل إزعاج لقادة الحزب في بروز قيادة موازية لهم تعمل خارج إطار حزبهم. فالمهاتما غاندي قاد شبه القارة الهندية إلى التحرر من الاستعمار البريطاني وكانت دعوته هي المقاطعة السلمية للبضائع البريطانية وبدأ بنفسه إذ اعتمد على شاه يحلبها وكان يغزل ملابسه بنفسه لمحاربة الأقمشة البريطانية، والزعيم البولندي فاليسيا وصل إلى رئاسة الوزراء بعد سلسلة اضطرابات قادها ضد الحكومة. في ظل الأنظمة الشمولية تكون هناك ( مخاوف) من أنشطة تدعو إلى مقاطعة شراء سلع معينة إذ ربما يتحول الأمر إلى أكبر من ذلك كما حدث أيام الفريق عبود والمشير نميري، إذ أحدثت المقاطعة بنظاميها إلى سقوط كلا الرجلين. لقد خرجت دولة مثل ألمانيا من الحرب العالمية الثانية وهي مدمرة تماما ولكنها استطاعت خلال عقود قليلة من الزمان أن تصبح من القوى الاقتصادية والعسكرية الكبرى في العالم، وكذلك اليابان. ليس من الصعوبة أن تعود مشاريعنا الزراعية والصناعية إلى ما كانت عليه، وليس من الصعوبة أن تلعب جمعية حماية المستهلك دورا في خلق الاستقرار الاقتصادي في البلاد.