عدما نتحدث عن العصور الحجرية أو عصراً حجرياً بعينه يتبادر للأذهان أننا نتحدث عن عصور تجاوزها الزمن وأصبحت في ذمة التاريخ تصلح فقط كمادة تدرس في فصول وقاعات الدراسة ويهتم بها علماء الآثار والسواح والمهتمين بأمر السياحة كما أننا ننظر لإنسان تلك العصور نظرة إستعلائية، فهو انسان متخلف يعيش في الكهوف والمغارات ويتعايش مع الحيوانات المفترشة والأليفة والطيور وسائر المخلوقات، وحياته بدائية بحكم البيئة التي يعيش فيها ولكننا في غمرة ذلك ننسى ونتناسى إننا لا زلنا نعيش في عصر حجري وإن كان علماء التاريخ قد قسموا العصور الحجرية إلى عصر حجري قديم وحديث وغيره، إلا انهم لم يلتفتوا إلى عصرنا الحجري الحالي لأننا خُدعنا بما نراه اليوم من تطور مذهل في حياتنا فقد طرأت تغيرات كثيرة في شتى مناحي الحياة في العلم ومختلف ضروب المعرفة وتطورت حياة الناس للأفضل وبفضل انتشار التكنلوجيا ووسائل المواصلات والإتصالات أصبح العالم قرية صغيرة كما صاحب ذلك التطور المذهل في علم الفلك والفضاء وصعد الناس للقمر والمريخ، ولكن كل ذلك لم يصدفنا عن خطب ود الحجر فلو نظرنا إلى كبريات المدن والعواصم نجد أن الناس لا ينحتون من الجبال بيوتاً فحسب ، ولكنه يدكون تلك الجبال ويشيدون على أنقاضها، ومن أنقاضها أبراجاً تبلغ الجبال طولا كناطحات السحاب التي تلثم من ذيل السحاب بلا كد واجهاد كما قال شاعرنا العباسي واصفاً نخيل مليط هذا بالإضافة للطرق المسفلتة داخل تلك المدن وكذلك البرية وهي عبارة عن كتل خرصانية. مسكين ساكن أعظم مدينة في العالم فهو يعيش في منزل أرضه وسماءه وحيطانه من الحجر أو مشتقاته، كالخرصانة والأسمنت وأبوابه من الحديد الذي فيه بأس شديد وهو الوليد الشرعي للحجر وإذا خرج للشارع فإنه يسير في طرق وممرات الحجر سواء أكان راجلاً أو ممتطياً صهوة سيارة فهو من الحديد إبن الحجر وحتى لو صعد القمر أو المريخ فإنه لن يجلب لنا غير الحجر كما حدث وهكذا يعيش هذا الإنسان كل حياته لاهثاً ووراء الحجر ويحتاجه في عاداته وعباداته. كما أن الحجر دخل في أسماء الأمكنة والأشياء والناس. فنجد أبو حجار وحجر الطير وحجر العسل وحجيرات وحجر رشيد وحجر المسن وحجر الأساس وحجر البطارية وحجر الطاحونة وحجر الزاوية «مجازاً» كما يطلق أسماً على بعض الأشخاص. أما عن قبيلة المثالين والنحاتين وعلماد الجلوجيا والمناجم فإن الحجر يمثل عندهم حجر الزاوية في عملهم ولا يعزب عن الأذهان دخول الجبال عالم الصناعة وعلى رأسها صناعة الأسمنت وحتى عجائب الدنيا السبعة أو العشرة إن شئت فجلها من الحجر كسور الصين العظيم والإهرامات ومدينة البتراء وفي السياحة يظهر لنا جلياً أهمية الحجر لأن الآثار التي شيدت من الحجارة هي من أهم المعالم السياحية التي يقصدها السائح اما بالنسبة لعلماء الآثار فإن الحجر يشكل عندهم أهمية قصوى ولولا النقوش التي تزين تلك الآثار وما كتب على المسلات فإن مهمة هؤلاء العلماء في كشف وتدوين التاريخ تصبح صعبة إن لم تكن مستحيلة، بل يصبح علم الآثار نفسه أثراً بعد عين هذا وقد نشطت في الآونة الأخيرة سرقة التحف الأثرية من مصر وغيرها بل أصبحت تجارة تدر على العاملين عليها ثروة ضخمة وكذلك دخل الحجر عالم الإنتفاضات ونذكر منها إنتفاضة اطفال الحجارة في فلسطين فقد كانت أكثر مضاءة وقوة وتأثيراً وأقلقت مضاجع العدو الإسرائيلي، وحذا حذوها كل من مندد بحكم ظالم مستبد. نعم لقد أدرك الجاهليون ومن سبقهم قيمة الحجر فعبدوا الأصنام وتقربوا لها زلفى لأنهم وجدوا فيها القوة والمنعة لأن سيكولوجيا التعبد والتحنث عند الإنسان مبنية على الخوف من المجهول وشعور الإنسان بالضعف «وخلق الإنسان ضعيفاً» وحاجته لرب يحيمه ويكون ملاذه في المحن والإحن فوجد ذلك في الحجر هذا وقد حاربت كل الأديان عبادة الأصنام والتماثيل فهجرها الإنسان إلى غير رجعة أما الأنصاب والألزام فهي رجس من عمل الشيطان ولكن هذا الحجر العنيد دخل علينا في عبادتنا مرة أخرى متدثراً بثوب العفاف والطهر وإذا نظرنا نحن المسلمين نجد أن الحجر يلعب دوراً متعاظماً في عبادتنا وكما هو معلوم فإن أكثر الحجارة قداسة هو الحجر الأسود فهو ركن ركين في الحج والعمرة وكذلك جبل عرفة نفسه والجمرات والكعبة المشرفة والمساجد وحجر الإستنجاء وحجر التيمم هذا ما يخصنا نحن المسلمين اما الملل والنحل الأخرى فنجد الحجر يطل برأسه، فالكنائس والمعابد تبني من الحجر ولهم جبالهم المقدسة كجبل الأكروبول في اليونان كما اننا وبلا حياء عندما نريد تخليد ذكرى شخص عظيم فإننا نشيد له تمثالاً من الحجر كما يؤدي الرؤساء التحية ويضعون أكاليل الزهور على النصب التذكاري للجندي المجهول وبعد كيف يكون الحال لو قدر لإنسان العصر الحجري القديم أن يبعث حياً؟ إنه بلا شك سيذهل وتعقد لسانه الدهشة وهو يرى أحفاده في سباق محموم ولهث وراء الحجر ويستمر بهم الحال طيلة حياتهم وعند مماتهم تنتصب على قبورهم شواهد من حجر أو حديد شاهده لهم أو عليهم والويل لهم إن كانوا من أصحاب الباطل فإن مثواهم النار التي وقودها الناس والحجارة والعياذ بالله. إننا يا سادتي نعيش في عصر حجري بل هو أكثر العصور تجحراً وأستخداماً للحجر فأسمحوا لي أن أطلق عليه العصر الحجري الحالي والتحية والإنحناءة لإنسان العصر الحجري القديم الذي كان له قصب السبق في إستعمال الحجر. { عضو الاتحاد القومي للأدباء والكتاب السودانيين