الناظر إلى العلاقات بين السودان و جنوب السودان يجدها قد أخذت منحى خطيراً يفضي إلى حرب شاملة قد تقضي على الأخضر واليابس، في ظل تصاعد حدة التصريحات الإعلامية وتوغل جيش كل طرف على حدود الآخر، ودق طبول الحرب على مختلف المستويات في الخرطوموجوبا. وبما أن كافة العوامل التي تساعد على اشتعال نيران الحرب مجدداً باتت متوفرة وواضحة تماماً خاصة في ظل الهجوم المتوالي لجيش الجنوب على منطقة هجليج النفطية، ومنطقة التشوين وتوغله بنحو 3 كيلومترات بحسب ما أعلنه الناطق الرسمي للقوات المسلحة السودانية العقيد الصوارمي خالد سعد، والتي تعد موقعاً استراتيجاً مهماً لحكومة الخرطوم بجانب التوترات المستمرة في عدد من مناطق ومحليات جنوب كردفان والنيل الأزرق. ؛؛؛ التقارير تشير إلى أن الخسائر المادية في حالة الحرب تفوق المائة مليار دولار وأن 50 مليار تتكبدها جمهورية السودان على شكل خسائر في الناتج الإجمالي المحلي ؛؛؛ تحول خطير وحظوظ ضعيفة وبما أن هجوم هجليج يعد تحولاً خطيراً في علاقات البلدين خاصة بعد إعلان الأمر صراحة وتبني جوبا للأمر من خلال إعلان الفريق سلفاكير أنه جاء رداً على قصف الجيش السوداني لمناطق نفطية بدولة الجنوب، إلا أن كلا قيادة البلدين تعي تماماً مايمكن أن تخلفه الحرب من خسائر في الأرواح والممتلكات. والتقارير التي تشير إلى أن الخسائر المادية وحدها قد تفوق المائة مليار دولار وأن 50 مليار منها تتكبدها جمهورية السودان وحدها على شكل خسائر في الناتج الإجمالي المحلي، مما يساهم في مضاعفة الأزمة الاقتصادية في ظل فقدان مورد أساسي في السابق وهو البترول واستمرار المخاوف من انهيار تام للموازنة العامة للدولة واستمرار فرض العقوبات الاقتصاديه من قبل دول الغرب وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة الأميركية. وعدم إيفاء المانحين بالتزاماتهم التي قطعوها إبان التوصل لاتفاق سلام نيفاشا في العام 2005. كما أن دول الجوار الإقليمي لن تسلم أيضاً من تلك التداعيات وستكون شريكاً أساسياً في الأمر بخسارتها ل25 مليار من الناتج الإجمالي المحلي لها. وتبدو حظوظ تفادي اندلاع الحرب ضعيفة للغاية خاصة وأن عجلة التفاوض بشأن تجاوز القضايا الخلافية تدور ببطء شديد، مع ظهور العوائق وارتفاع سقف المطالبات لكل طرف. استناداً على الكسب السياسي حيناً والعسكري حيناً آخر. عقلية المؤامرة الخارجية منذ استئناف المفاوضات بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا في العام الماضي إلا أنها لم تحرز أي تقدم ملموس على أرض الواقع، وفي البال الاتفاق الإطاري الذي وقعه مساعد رئيس الجمهورية الدكتور نافع علي نافع قبل إعلان والي النيل الأزرق الفريق مالك عقار تمرده على الحكومة المركزية. ؛؛؛ الخرطوم ظلت تردد دوماً أن حكومة جوبا لاتملك الإرادة السياسية في إدارة شؤون دولتها، بجانب ارتهان إرادتها لجهات كأميركا وإسرائيل ؛؛؛ وبحسب مراقبين فإنهم كانوا يرون الاتفاق آنذاك من شأنه إبطال دوران ماكينة التوتر والحروب في المنطقتين. إلا أنه تم إجهاضه من قبل مناوئين له في الخرطوم وتيارات إسلاموية محسوبة على الحزب الحاكم في الخرطوم. ومن ثم أتى اتفاق الحريات الأربعة بشأن إقامة مواطني البلدين بحسب الأعراف والمواثيق الدولية، يدعمها اتفاق أديس، والملاحظ هنا أن مابين الاتفاق الأول والأخير تستمر الاتهامات وتطل التوترات مجدداً عقب كل توقيع بالأحرف الأولى على أي اتفاق يتم، مما يساند فرضية عدم اللاسلم واللاحرب بشكل صريح إلى أن تطل آلة الحرب بشكل جديد. ولاتخلو كافة المشاكل والاتهامات بين الطرفين من عقلية المؤامرة وأن جهات خارجية وأيادٍ خفية ظلت تدير اللعبة لتحقيق مصالح ذاتية حتى وإن تطلب الأمر اشتعال نيران الحرب الضروس مجدداً بين الخرطوموجوبا. هذا ماظلت الخرطوم تردده دوماً في أن حكومة جوبا لاتملك الإرادة السياسية في إدارة شؤون الدولة هناك، بجانب ارتهان إرادتها لجهات كأميركا وإسرائيل، وأنها تعمل على إدارة خيوط الحكم ورسم سياساته الخارجية مع دول الجوار خاصة السودان. أثيوبيا ومواجهة الفشل ويعد موضوع وقف الجنوب لضخ النفط عبر الشمال احتجاجاً على ماسماه بالغلو المتطرف من قبل حكومة الخرطوم في فرض الرسوم على مرور النفط عبر أراضيه كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر التفاوض وبناء الثقة بين الشمال والجنوب في وقت مبكر بما له من تأثيرات مباشرة على مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الطرفين معاً. ؛؛؛ قنابل موقوتة نجدها ترمي في ذات الاتجاه وهي أن منطقة أبيي لاتزال قيد البحث برغم السكون الذي لازم سيرتها طوال الفترة الماضية ؛؛؛ إلا أن الأثر السالب كان أكبر على الخرطوم التي كانت تعول على مسألة النفط بشكل كبير مما دفع جوبا إلى البحث عن حلول لنقل نفطها عبر منافذ بحرية بديلة ظلت تبحث عنها مابين نيروبي وأوغندا وأديس أبابا. وبعد كل تلك التفاصيل وتناقضات المواقف هنا وهناك ونقض العهود والمواثيق وانحدار العلاقات نحو الهاوية بشكل متسارع يبقى السؤال المطروح هو "هل ينجح عطار أثيوبيا في إصلاح ما أفسده دهر النفط؟ وثمة إجابة فضفافة قد تقبل القسمة على بعض الملفات الشائكة وهي أن متطلبات الواقع الحالي لن تفضي إلى سلام مستدام بين الشمال والجنوب وأن الحرب واردة لا محال، وبشكل موسع وبخسائر كارثية خاصة وأن أولها كلام وآخرها البحث عن طوق نجاة للسلام الذي عادة مايفشل السياسيون في الحفاظ عليه بثمن زهيد ويسعون إليه بأثمان باهظة الكلفة. قنابل موقوتة نجدها ترمي في ذات الاتجاه وهي أن منطقة أبيي لاتزال قيد البحث برغم السكون الذي لازم سيرتها طوال الفترة الماضية، ومسألة المناطق الحدودية التي لم ترسم بعد في حفرة النحاس وكافي كنجي وغيرها من المناطق التي يتمسك الطرفان بتبعيتها لحدوده. خيارات متاحة استمرار التوغل العسكري لجيش كل من الدولتين لداخل حدود الآخر مع تنامي التيارات السياسية في كل من الخرطوموجوبا والتي غالباً ما تستغل نفوذها السياسي والاجتماعي في التأثير على قرارات الدولة ورسم سياساتها وخططها في تحديد شكل العلاقة بين الدولتين. والتي غالباً ماتنطلق من مرتكزات شخصية قد تدفع مباشرة لمنصة التصعيد العسكري وتسميم الأجواء السياسية بطريقة أو بأخرى وهذا الأمر يعد مهدداً حقيقياً لعملية السلام والاستقرار بين الخرطوموجوبا خاصة وأن تلك التيارات بدأ نجمها في السطوع بشكل سريع ووضح ذلك في كثير من القضايا والمواقف السياسية خلال الفترة الأخيرة. ؛؛؛ السلام والاستقرار بين الخرطوموجوبا يواجه بمهددات كبيرة منها تسميم الأجواء السياسية بطريقة أو بأخرى خاصة وأن هناك تيارات بدأ نجمها في السطوع بشكل سريع ؛؛؛ برغم ذلك فإن خيارات السلام مازالت متاحة للطرفين وإن كانت التنازلات عصية على القائمين على أمر الدولتين، وقد تتمثل في مخاطبة القضايا العالقة بشفافية ووضوح والعمل على التوصل لاتفاقيات بشأن ذلك بشكل جذري بعيداً عن التسويف والمماطلة واصطحاب مصلحة الشعبين وتطلعاتهما للعيش في سلام واستقرار بجانب الركون وتنفيذ تلك الاتفاقيات بشكل حازم وصارم لقطع الطريق دون التشكيك في نوايا الآخر وتجفيف منابع الدعم للمناوئين لكلا البلدين خاصة وأن اولئك المتمردون يشكلون الخطر الأعظم على عمليات السلام سواء كان على مستوى الحدود الجغرافية أو السياسية. إضافة لذلك فإن على المجتمع الدولي الذي غالباً مايكتفي بإصدار بيانات الإدانة والقلق عقب كل عمل عسكري بين الدولتين عليه اتخاذ إجراءات وتدابير عقابية ضد كل من ينتهك سيادة الآخر ويسعى لزعزعة أمنه واستقراره من خلال فرض عقوبات سياسية واقتصادية حتى وإن تطلب الأمر فرض عزلة دولية خاصة وأن الأمر مرتبط بمسألتي الحرب والسلام. ؛؛؛ المجتمع الدولي الذي غالباً مايكتفي بإصدار بيانات الإدانة والقلق عقب كل عمل عسكري بين الدولتين عليه اتخاذ إجراءات وتدابير عقابية ضد كل من ينتهك سيادة الآخر ؛؛؛ كارثة متوقعة ويبقى أنه حال اندلاع حرب شاملة بين الدولتين فإن الأمر سيكون بمثابة كارثة إنسانية واقتصادية كبرى خاصة وأنه سيتم خلالها استخدام كافة أنواع الأسلحة المتطورة بدلاً من تلك التي تستخدم حالياً في مناطق التوترات بالنيل الأزرق وجنوب كردفان كالصواريخ بعيدة المدى والطائرات والراجمات، الأمر الذي يهدد مواقع ومنشآت استراتيجية بالمدن الرئيسة. وهنا يجب أن نذكر أنه في حال ذلك فإن دولة الجنوب ليس لديها ماتخسره في تلك الحرب وأنها لا تملك مشاريع للبنية التحتية كما دولة الشمال كمحطات الكهرباء والخزانات ومنشآت البترول وخلافه من المواقع الحيوية وفي البال أن كل طرف سيعمل على تأمين تلك المناطق بالشكل الأمثل إلا أنه برغم ذلك سيكون الدمار والخراب عظيم للغاية في ظل استصحاب كل طرف لمرارات الماضي وسلسلة الحرب الضروس التي امتدت لأكثر من 22 عام خلت. فعلى العقلاء بالشمال والجنوب ضرورة التدخل العاجل وقطع الطريق أمام مروجي الحروب وتجارها ومجابهة الخلافات ونقاشها بكل وضوح ورؤية مستقبلية تكفي شعبي البلدين ويلات الاقتتال والدمار الذي تخلفه الحرب.