الطابور أول أعمال بسمة عبدالعزيز الروائية، لكنه عملها الثالث في الكتابة الإبداعية: لها من قبل مجموعتان قصصيتان: كما لها كتاب إغراء السلطة المطلقة –دار صفصافة 2011، ولها دراسة نفسية بعنوان: "ما وراء التعذيب". أيضاً للمبدعة القاهرية المولد –العام 1976- اهتمام إبداعي آخر هو الفن التشكيلي "النحت، التصوير والفوتوجرافيا الخاصة". الدكتورة بسمة عبدالعزيز طبيبة نفسية تخرجت في طب جامعة عين شمس في العام 2000 وحصلت على الماجستير في تخصص الأمراض النفسية والعصبية في العام 2005. ؛؛؛ من سمات هذا الجيل، جيل الكاتبة، سمة تمثل اتهاماً يلاحقه وهو اللامبالاة والانصرافية. لكن الكاتبة تغالط هذا الاتهام، فهي شخصية جادة لها اهتمامات بقضايا إنسانية متعددة ؛؛؛ جيل الحصاد المُر تاريخ ميلاد الطبيبة الفنانة الكاتبة يسلط بعض الأضواء على الجيل الذي تنتمي له، وهو الجيل الذي صادف لحظات الحصاد المر لسياسات سابقة: سياسة الانفتاح 1975 بعد حرب أكتوبر 1973، ثم اتفاقيات السلام والتطبيع مع إسرائيل 1979-1980، مع تصاعد المد الإسلامي بأشكاله القديمة والحديثة كافة. من سمات هذا الجيل، سمة تمثل اتهاماً يلاحقه وهو اللامبالاة والانصرافية. لكن الكاتبة تغالط هذا الاتهام، فهي شخصية جادة لها اهتمامات بقضايا إنسانية متعددة، ومن الواضح أنها اتجهت للتخصص في علم النفس توجهاً قاصداً ومدروساً، هذا النوع من الشخصيات يكون موجوداً بقوة في الخلق الإبداعي الذي يشكله وينفخ فيه الروح. الرواية تدور أحداثها في أكثر من فضاء لكنها –طبعاً- محكومة بفضاء الوجود المصري في فترة التحولات الحاسمة. ؛؛؛ الكتابة المأزومة، أو الكتابة عن أزمة يتفادى وضع نهاية تقليدية... أو يتفادى أن يجعل المتلقي بحسب التسلسل التقليدي للأعمال الدرامية مرتاحاً بالوصول إلى حل للعقدة أو إنفراج الأزمة ؛؛؛كتابة الأزمة تقع الرواية في 244 صفحة من القطع المتوسطة، ومقسمة إلى ستة فصول، ولكل فصل عنوان جانبي: الورقة الأولى- الطابور– أم مبروك. افتتاحية الفصل الأول تضع القارئ في مواجهة ما تريد الكاتبة الحديث عنه وهو الطابور. وفي الفصل السادس والأخير يكون العنوان –المنفذ– مقترح طارق. يبدو أن الكاتبة قد اختارت أن تضع نهاية: نلاحظ أن هذا النوع من الكتابة: الكتابة المأزومة، أو الكتابة عن أزمة يتفادى وضع نهاية تقليدية... أو يتفادى أن يجعل المتلقي بحسب التسلسل التقليدي للأعمال الدرامية مرتاحاً بالوصول إلى حل للعقدة أو إنفراج الأزمة.. لكن المفردة الختامية في رواية الطابور توحي ضمن ما توحي بحل وهو قرار: أنظر. (بعد ليلتين قضاهما متيقظاً، حسم أمره، وقرر أخيراً أن يغامر بكل شيء وأن ينفذ دوره في الاتفاق... اتصل مؤكداً على الموعد ثم تقدم بطلب إجازة اعتيادية لأسبوع كامل، لم يقم بمثلها منذ قبلوه طبيباً في المستشفى). (مكث طارق يفكر في الأمر حائراً منقبض الصدر، تداعت إلى رأسه الأحداث الكثيرة التي مر بها كما لو كانت مشهداً واحداً متصلاً. بقي صامتاً هادئاً شاخصاً في الحائط المقابل دون حراك... وضع يده تلقائياً في جيبه لكنه كان قد ترك قلمه الخشبي الأثير في جيب المعطف وحمله إلى منزله، تناول قلم حبر أزرق من درج المكتب، تردد لثانية واحدة صنع خلالها نقطة صغيرة مكان القلم ثم لم يلبث أن أضاف جملة وحيدة بخط يده في نهاية الورقة الخامسة، أغلق الملف بعدها وتركه فوق المكتب و... وقام...). (ص 234- 244) الكاتبة لأنها طبيبة فهي تدقق كثيراً في فعل الكتابة، ويبدو حرصها واضحاً على سرد كلّ شيء بدقة: أغلق الملف وقام لكن الطبيبة المدققة تضيف للسرد دونما داعٍ (وتركه فوق المكتب...) نلاحظ أن هذا الحرص الشديد لم يفارق الطبيبة الكاتبة طوال الرواية. راوية المقاومة يمكن تصنيف الرواية بأنها من أدب المقاومة. رواية ضد أي شكل من أشكال الضبط والسعي لقمع الذات الإنسانية تحت حجج التنظيم. الطابور وهمي لا وجود له، لكن الناس لديها القابلية للخضوع لهذا الانضباط الوهمي. الحيلة الفنية في وجود رصاصة في جسد الشخصية الرئيسية في الرواية تضفي بعد الغرابة، مما يعمق من الإحساس بعدم إنسانية الفضاء الاجتماعي خارج النص ويزيد من وقع الأزمة في النص. كل الشخصيات مأزومة وتعاني من القمع الواقع عليها والذي قادها مختارة للطابور وكأنما لا خيار. التطور الطبيعي للشخصيات مبتور وناقص. لا توجد القدرة على تأسيس العلاقات الإنسانية بين الناس وما نلمحه وتلمح به الطبيبة– الكاتبة من شذرات عن احتمالات لقصص مودة وإلفة إنسانية يظل مطارداً بهذا الفضاء الكابوسي والذي له القدرة على استلاب وسلب كل طاقة أو قدرة على تبادل ما هو حميمي وإنساني. ؛؛؛ الطابور وهمي لا وجود له، لكن الناس لديها القابلية للخضوع لهذا الانضباط الوهمي. الحيلة الفنية في وجود رصاصة في جسد الشخصية الرئيسية في الرواية تضفي بُعد الغرابة ؛؛؛شخصيات مأزومة شخصيات الرواية عاجزة عن المشاعر الإنسانية (ردت أماني على التيلفون وقد عادت إليه الشبكة بكامل قوتها بعد فترة الإنقطاع خرج صوتها متموجاً مخنوقاً حتى ظنها ناجي مريضة، فهم من بين كلماتها المتقطعة أنها على الطريق متوجهة إلى المنطقة الثالثة القديمة لمواساة أم مبروك في موت ابنتها الكبرى... توقف قلبها بعد أن عجزت عن تغيير صماميه التالفين على مدار السنوات الماضية.. فهم أن الوقت ليس مناسباً فأغلق التيلفون سريعاً على أن تعود للاتصال به بعد انقضاء العزاء... شهقت أماني وازداد بكاؤها وهي تقترب من المكان وتتخيل وفاة يحيى وخروج الجنازة والمشيعين من طابور البوابة ثم دفنه دون استخراج الرّصاصة في مقبرة جماعية خاصة بقتلى الأحداث المشينة...). (ص77). الشخصيات المأزومة نتاج الأحداث المشينة– والتي هي الواقع الاجتماعي اللا إنساني مضافاً إليه فقدان القدرة على أي فعل إيجابي. ؛؛؛ الشخصيات المأزومة فى الرواية نتاج الأحداث المشينة– والتي هي الواقع الاجتماعي اللا إنساني مضافاً إليه فقدان القدرة على أي فعل إيجابي ؛؛؛ عبثية خلق الحميمية تطور الشخصيات المضروبة بالعجز جعلها أشد عجزاً عن فعل الحميمية في العلاقات الإنسانية. لكن يظل هناك شبهة السؤال الكلاسيكي حول وجود الكاتب في عمله وما يختاره لشخوصه التي يخلقها ويحركها ويختار لها مصائرَها. هل كانت الكاتبة– الطبيبة تحمل نفس بذور الشك في عبثية محاولة خلق الحميمية بين الناس في فضاء تسوده الأفعال المشينة ولا مناص من الاصطفاف في الطابور فيه. السؤال الثاني: هل توجه الكاتبة اتهاماً خفياً للجميع بقبول حالة الخضوع للقهر. الطابور تذكر برواية الكاتب صنع الله إبراهيم اللجنة- 1982، تلك اللجنة الوهمية التي تقبض على خناق الكل: من سعى إليها كبطل الرواية ومن لا يسعى إليها فتحيله لضحية لها... ويكون استنتاج الراوي على الناس عاماً وقاسياً (أدركت أنهم جميعاً مستذلون مهانون يتمتعون بقدرة فائقة على التحمل... من رواية اللجنة). يصبح السؤال هو هل خضوع الأشخاص- والناس لسلطة الطابور الوهمية هو قابلية للاستسلام؟ قابلية الشخوص المقهورة للتعامل الخانع مع من يقهرها؟ ترى هل تشير الكاتبة- الطبيبة النفسية للزمن النفسي للقهر. ؛؛؛ الطبيبة الروائية تعرف أجواء المستشفيات وطرق استقبال المرضى وتطبيبهم: بطل الرواية: يعاني من وجود: رصاصة في داخل جسده: الرصاصة في داخل الجسد هي نذير يهدد الحياة ؛؛؛رصاصة داخل الجسد الطبيبة الروائية تعرف أجواء المستشفيات وطرق استقبال المرضى وتطبيبهم: بطل الرواية: يعاني من وجود: رصاصة في داخل جسده: الرصاصة في داخل الجسد هي نذير يهدد الحياة ليست حياة الشخص الذي قد استقرت في داخل جسده بل حياة الكل: إنهم تهددهم من حيث الخيار والاختيار: وتحرك تفاصيل حياتهم ثم تدفع بهم إلى طابور طويل من الخيارات: الطابور إذاً، حالة نفسية وحالة تهيؤ أكثر منه شيء واقعي محسوس. من أطلق الرصاص على الناس كافة وليس على يحيى؟ تستخدم الكاتبة أكثر من وصف للإشارة لحالة القمع: الأحداث المشينة، الاشتباكات، الأحداث، العقوبات، والإيحاءات التي تشير إليها هذه المفردات ضمن سياق الحكي العام ومسيرة الشخصيات، كلها تؤدي إلى طابور من القمع متوالٍ يفضي إلى بوابة تنتهي عندها الحياة الإنسانية: البوابة تتوقف عندها الحياة بفعل القمع والقمع من جهة غير محددة بصفاتها وهياكلها المادية الملموسة، لكنه موجود ومحسوس وطاغٍ على كل نفس وخاطر من شخصيات الرواية– الحياة: هنا تستفيد الكاتبة من معرفتها الطبية الأكاديمية بعلم النفس وتوصيف القهر بالألم النفسي الألم النفسي طاغٍ أكثر سطوة من القهر: هو غير منطوق به لكنه موجود: ووجع الكاتبة أشد. ؛؛؛ تحديد الزمن الذي استغرقه كتابة عمل أدبي أو أي شكل من أشكال الإبداع الفني يفيد المتلقي في قراءة الأجواء المعينة التي تم فيها الإخراج النهائي للعمل ؛؛؛ كتابة الدفعة الواحدة لغة الروائية تقريرية ومحددة وهي تركز على الوصف الدقيق. مرة أخرى تتدخل الطبيبة مع الكاتبة وتحكي مستفيدة من معرفتها الطبية (ثنى يحيى مفصل ركبته اليمنى ببطء تدرب عليه ومال ناحيتها بجذعه، ثم أسند طرف مؤخرته النحيفة إلى طرف الكرسي الخشبي وترك الوجع يبلغ مداه للحظات حتى اطمأن إلى قدرته على التحمل دون تأوه أو صراخ، فألصق مؤخرته كاملة بالقاعدة الخشبية غير مشذبة الحواف وفرد قدمه الأيسر قليلاً...). (ص 128) يبدو أن هذه الرواية قد كتبت على دفعة واحدة. الكاتبة جلست لتدوينها لفترة زمنية متصلة وفرغت منها. إن تحديد الزمن الذي استغرقه كتابة عمل أدبي أو أي شكل من أشكال الإبداع الفني يفيد المتلقي في قراءة الأجواء المعينة التي تم فيها الإخراج النهائي للعمل. يصبح هناك احتمال أن الرواية تم تدوينها في الفترة التي سبقت انتفاضة المصريين على الطابور، وما تلى ذلك من أحداث قد تقود المصريين للاصطفاف في طوابير أخرى متعددة.