ندوة الشيوعي    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان بعيون مصرية..
نشر في شبكة الشروق يوم 19 - 12 - 2013

تمتد العلاقات السودانية المصرية إلى آلاف السنين قبل الميلاد، تداولت الأسر هنا وهناك حكم الإمبراطورية خلفت آثاراً بشرية ومادية لا زالت تفرض وجودها الاجتماعي والسياسي والسياحي.
عوداً على بدء، الدكتور المعتصم أحمد علي أصدر كتابه: السودان في صحيفة الأهرام القاهرية, دراسة حالة منذ 1989-2002م أي ابتداء من اندلاع ثورة الإنقاذ الوطني، حيث ظهر التباين الآيدلوجي بين النظامين، الإسلامي السوداني والعلماني المصري، مما أدى إلى تردي العلاقات بين مصر والسودان.
الكتاب صادر عن جامعة أفريقيا العالمية (2009) ويتكون من سبعة فصول يتناول الفصلان الأولان مصر من الداخل خلال مائتي عام، وتاريخ العلاقات المشتركة خلال مائة وخمسين عاماً، فيما ناقش الفصلان الثالث والرابع الآيدلوجيتين العلمانية والإسلامية، وفي الفصول الأخيرة تناول تغطية صحيفة الأهرام القاهرية للعلاقات بين البلدين، حيث كانت تعبيراً وانعكاساً لمواقف الحكومة المصرية الرسمية من السودان حسبما توصل إليه الكاتب.
تصادم الرؤى
يرجح المؤلف أن استقرار العلاقات السودانية المصرية بل وازدهارها، مرتبط بطبيعة النظام الحاكم في السودان، ففي ظل الأنظمة العسكرية (عبود ونميري) شهدت العلاقات ازدهاراً وتعاوناً، فيما كانت تتدهور في ظل الفترات الديمقراطية السودانية، حيث ظل النظام المصري ثابتاً لا يتغير (ثورة يوليو1952م) فحكام مصر كانوا يخرجون من صلب القوات المسلحة المصرية (ناصر والسادات ومبارك).
؛؛؛
المؤلف يرجح أن استقرار العلاقات السودانية المصرية بل وازدهارها، مرتبط بطبيعة النظام الحاكم في السودان
؛؛؛
فكلما كانت طبيعة النظام في الخرطوم أقرب إلى طبيعة النظام المصري الشمولي، كان ذلك مدعاة للاستقرار والتعاون (مشروع السد العالي في عهد عبود/ ناصر، ومشروع التكامل المصري السوداني في عهد نميري/ السادات)، وهذا أيضاً انعكس على العلاقات بين نظامي مبارك والإنقاذ في الشهور الثلاثة الأولى حيث كانت الطبيعة العسكرية الشمولية واحدة.
غير أن عاملاً جديداً قد طرأ على كيمياء العلاقات السودانية المصرية وهو التوجهات, فالاتجاهات الإسلامية لنظام الخرطوم العسكري قد أدى إلى نشوء علاقات حادة لم تشهدها العلاقات بين البلدين من قبل كما يرى المؤلف، وهذا الخلاف العميق قد انعكس على تباين السياسات الخارجية لكلا البلدين التي اتسمت سابقاً بالتنسيق والانسجام.
كانت حرب الخليج مسرحاً لتصادم الرؤى الآيدولوجية بين النظامين، وقد استطاع المؤلف أن يستقصي الموقف المصري الرسمي من خلال تناول صحيفة الأهرام للشأن السوداني في مختلف القوالب الصحفية.
مصر فى مائتي عام
استعرض المؤلف تاريخ مصر خلال قرنين ابتداءً من الحملة الفرنسية التي أثرت على مصر بصورة كبيرة، إذ مثلت أول اتصال مباشر بين الحضارة الغربية الحديثة والحضارة الإسلامية منذ انتهاء الحملات الصليبية، حيث تعرّف العرب على المطبعة والسلاح الناري والمخترعات الكيمائية والمحرك البخاري والقطارات والأساطيل، فظهرت الفجوة بين الشرق والغرب.
؛؛؛
الحملة الفرنسية على مصر أثرت عليها بصورة كبيرة، إذ مثلت أول اتصال مباشر بين الحضارة الغربية الحديثة والحضارة الإسلامية منذ انتهاء الحملات الصليبية
؛؛؛
شهدت مصر خلال قرنين تنامي الشعور الوطني ونهضة اقتصادية وصناعية وعسكرية وعلمية، وتمددت الامبراطورية المصرية في عهد محمد علي، فضمت بلاد الحجاز والسودان والشام، وكانت أبرز المعالم هي بناء قناة السويس والأساطيل والسكك الحديد وشق القنوات، ومع تمدد الامبراطورية وتوسعها تدهورت الإدارة فوقعت مصر في فخ الديون وسيطرة الأجانب والثورات، وكان أشهرها ثورة عرابي والمهدي، كما تزايد النفوذ البريطاني إلى أن أعلنت الحماية قبيل الحرب العالمية الأولى 1914م.
حراك شعبي
وبعد نهاية الحرب شهدت مصر أكبر حراك شعبي عرف بثورة 1919 بقيادة سعد زغلول تصدى لها الانجليز بالرصاص والطائرات، واستمرت لمدة سنتين استخلصوا خلالها استقلالاً رمزياً، وانحصر الجيش البريطاني في السويس وصدر دستور جديد.
وأجريت انتخابات أسفرت عن تكوين أول وزارة برئاسة سعد زغلول بإرادة شعبية بلغت 90% أسقطت تحت تهديد السلاح بعد اغتيال السيرلي استاك في القاهرة، حيث أعقبتها وزارة أقلية وافقت على سحب الجيش المصري من السودان، وخلال عشرين عاماً تنامى الوعي والشعور الوطني المصريين وقويت الإرادة الشعبية المصرية.
ومع نذر الحرب العالمية الثانية توصل الانجليز مع الوفدين لاتفاق تم بموجبه سحب الضباط الانجليز من الجيش المصري وإلغاء نظام المفتش، فيما تحملت الحكومة المصرية سلامة الأجانب على أراضيها أي الأمن الداخلي كما لمصر عقد المعاهدات غير العسكرية مع الدول والمؤسسات.
؛؛؛
التقارب بين الاتحاديين ومصر أدى إلى تخوف حزب الأمة، مما دفعه لتسليم السلطة، وأعلن القادة العسكريون رغبتهم في إزالة التوتر، فوقَّع الطرفان اتفاقية المياه
؛؛؛
انتعاش مؤقت
وشهدت مصر انتعاشاً للصناعات التي تحطمت في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية مثل النسيج والكيماويات والجلود والاحذية وقطع الغيار، كما تولى الاقتصاد المصري تغذية الجيش البريطاني في الصحراء مما زاد من عجلة الاقتصاد المصري.
ومع ذلك لم تتوقف المظاهرات والاحتجاجات، بل دارت معارك بين فدائيين والجيش البريطاني في السويس، بل وانسحبت العمالة المصرية من معسكرات الجيش البريطاني, وتحت هذه الضغوط النوعية وتكاليف الحرب العالمية وظهور قوى دولية وشعارات جديدة، فكرت بريطانيا في مغادرة مصر ووصل الاضطراب السياسي إلى ذروته حيث كانت تشكل وزراة كل ستة أشهر تقريباً مما أدى إلى تحرك الضباط الأحرار وقيام ثورة1952م المرتبطة بالإخوان المسلمين، واحتاجت لأربع سنوات كي تكتسب شرعية شعبية، وكان ذلك بعد العدوان الثلاثي على مصر.
شهدت مصر بعد ذلك صراعاً مكتوماً بين قادتها ثم المواجهة مع الإخوان وحسم ناصر الصراع لصالحه ولعب دوراً إقليمياً تمثل في تأسيس حركة عدم الانحياز، كما شهدت مصر الناصرية نكسة 1967 فيما شهدت مصر السادات نصر أكتوبر واتفاقية كامب ديفيد التي وسمت تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط فيما بعد.
مائة وسبعون عاماً من العلاقات
تناول المؤلف علاقات السودان ومصر خلال مائة وسبعين عاماً ابتداءً من غزو محمد علي 1821 وإلى حين اندلاع ثورة الإنقاذ الوطني 1989م، إذ شهدت فترة الحكم التركي المقاومة في بداية الحكم ومقتل إسماعيل باشا وحملات الدفتردار.
واتسمت بالقسوة والعنف والضرائب الباهظة التي لم يتعود عليها الناس، وعرف السودان التقسيم الإداري والبيوتات التجارية العالمية، كما اشتهرت تجارة الرقيق وازدهرت بافتتاح النيل الأبيض للملاحة 1852م، حيث دعمته السلطة بالتمويل والسلاح والقانون، كما شهد السودان أيضاً اندلاع الثورة المهدية وسقوطها بنيران المدافع الإنجليزية المصرية، حيث وقع السودان في ظل الحكم الثنائي إلى حين استقلاله في 1956م.
؛؛؛
الكاتب اعتبر أن فترة السادات نميري من أخصب الفترات حيث شهدت تماساً في الاتجاهات والمؤسسات نتج عنه توقيع اتفاقية أديس أبابا، وتدفق الاستثمارات العربية
؛؛؛
وخلال فترة الحكم الثنائي تمكن الإنجليز من بذر بذور استقلال السودان عن مصر وفصل جنوب السودان عن شماله عن طريق قانون المناطق المقفولة، وفتح الباب أمام الإرساليات لتكوين ثقافة مغايرة لما في الشمال، وانفردت بريطانيا بحكم السودان بعد مقتل السير لي استاك في القاهرة1924م.
فاعتبرت أن الخط 22شمالاً هو الخط الفاصل بين السودان ومصر، ولم تعترف بالنقد المصري، ولا بشهادات المدارس المصرية، كما رعت زعماء محليين يتبنون الاستقلال (المهدي والميرغني والهندي) الذين أصدروا صحيفة حضارة السودان الاستقلالية، غير أن الميرغني انضم إلى تيار الوحدة بعد أن شعر أن الإنجليز ينوون تنصيب المهدي ملكاً على السودان.
تقرير مصير
ومع نذر الحرب العالمية الثانية وطمعاً في مساندة مصر لبريطانيا وقعت معها اتفاقية 1936، عاد بموجبها الموظفون المصريون للمشاركة في إدارة الشأن السوداني، وقد أسهمت ثورة 1952 في تسريع وضع السودان.
حيث اعترفت الحكومة المصرية في حق السودان في تقرير المصير ربما لاطمئنانها لانحياز السودانيين للوحدة مع مصر، ولكن الأوضاع لم تسر كما خطط لها، إذ أن التطورات الداخلية للثورة والمواجهة مع الإخوان عززت المخاوف بشأن الوحدة والاندماج مع دولة دكتاتورية، فأعلنت الحكومة المنتخبة الاستقلال من داخل البرلمان، ومن قبل التيار الاتحادي نفسه في خطوة وموقف مفاجئ لمصر، ولم تحتج إلى إجراء تقرير مصير، واعترفت دولتا الحكم الثنائي بهذا الإعلان.
؛؛؛
الصحيفة رحبت بثورة الإنقاذ ولاحقاً وصفتها بأنها تحرك عسكري بمعزل عن القوى السياسية، وأنه أتى استجابة لتطلعات السودانيين، وحضت مصر دول الخليج وليبيا لدعمها
؛؛؛
وفي أول تحدٍّ للدولة الوليدة وقع ما عرف بالعدوان الثلاثي على مصر 1956م، حيث وقفت الحكومة السودانية مع مصر، ووضعت كل إمكاناتها تحت تصرف الحكومة المصرية، وفي 1958م كادت تقع حرب بين البلدين، حينما تقدم الجيش المصري نحو حلايب لمنع الانتخابات لولا تراجع مصر عن موقفها.
توتر متكرر
وأدى تقارب الاتحاديين مع مصر إلى تخوف حزب الأمة، مما دفعه لتسليم السلطة للجيش، وأعلن القادة العسكريون الجدد رغبتهم في إزالة التوتر مع مصر، فوقَّع الطرفان اتفاقية المياه 1959م، ومع عودة الحياة الديمقراطية 1964م.
عاد التوتر مجدداً بسبب النقد الموجه للنظام المصري بسبب تعامله مع الإخوان المسلمين، غير أن نكسة 1967 قربت الشقة، ولعب السودان الديمقراطي دوراً كبيراً في جمع العسكرية القومية الناصرية مع الملكية السعودية ودعم السودان مصر مادياً ومعنوياً ودبلوماسياً بعقد القمة العربية 1967م.
غير أن العلاقة توترت بعد حل الحزب الشيوعي السوداني، حيث كانت مصر تتلقى سلاحها من الاتحاد السوفيتي، فكان انقلاب مايو1969م، حيث وجهت أصابع الاتهام لمصر بتدبير ودعم الانقلاب الذي سار على النموذج الناصري في التأميم ودعم القطاع العام، ثم لاحقاً على النموذج المصري الساداتي بإنشاء الاتحاد الاشتراكي.
فترة خصبة
واعتبر المؤلف أن فترة السادات نميري هي من أخصب الفترات وأطولها، حيث شهدت تماساً في الاتجاهات والأفكار والمؤسسات نتج عن ذلك توقيع اتفاقية أديس أبابا، وتدفق الاستثمارات العربية ومشروع التكامل السواداني المصري، ومع عودة النظام الديمقراطي في أبريل عاد التوتر مجدداً بين البلدين، حيث كان للحكام الجدد (الصادق المهدي) رئيس الوزراء علاقات قوية بليبيا وإيران، فضلاً على إيواء مصر للرئيس نميري، وزيادة تطلعات المصريين للتمتع بالحرية والديمقراطية أسوة بما يجري في جنوب الوادي.
؛؛؛
الحادث الذي غير مجرى العلاقات بين البلدين وأثر تفي تغطية الصحيفة للسودان، كان حادث اغتيال مبارك في أديس 1994م، فبدأت في وصف النظام بالإرهابي
؛؛؛
وسعياً لتوطيد أقدامها في المشهد السوداني ساهمت مصر في توقيع اتفاقية الميرغني قرنق 1988م التي أججت المواقف الداخلية، وأعادت ترتيب الأوارق والتحالفات السياسية وتفاعلت المكونات السياسية مع الاتفاقية قاد في نهاية المطاف للانقضاض على النظام الديمقراطي بعد أن شعرت الجبهة الإسلامية أنها مستهدفة بعدد من الانقلابات العسكرية والسياسية، فكانت ثورة الإنقاذ الوطني يونيو1989م ومنها بدأ الكاتب في تحليل مضمون صحيفة الأهرام تجاه السودان.
الأهرام وسودان الإنقاذ
رحبت الأهرام بثورة الإنقاذ الوطني ولاحقاً وصفته بأنه تحرك عسكري صرف بمعزل عن القوى السياسية، وأنه أتى استجابة لتطلعات الشارع السوداني، وحضت مصر دول الخليج وليبيا لدعم الحكم الجديد، وطلبت من الغرب تفهُّم التغيير الذي وقع في السودان.
وأجرت الصحيفة حواراً مطولاً مع قائد الانقلاب عمر البشير، وأفردت صفحاتها الأخبارية والتحليلية والتقريرية والرأي لدعم التغيير، بل وذهبت بعيداً لتبرير الانقلاب، وقالت لم يكن هناك مجال للانتظار ليوم واحد لتكون ثورة يوليو بدلاً عن يونيو, وقد أسهم هذا الدعم المبكر في الاعتراف بالحكومة الجديدة رغم أنها نشرت أخباراً يستشعر فيها نفوذ الجبهة الإسلامية مثل تأييد اتحاد طلاب جامعة الخرطوم للتغيير، وهو يسيطر عليه الإسلاميون، ومثل خبر تأييد علي الحاج القيادي بالجبهة الإسلامية، ولم تكن الحكومة المصرية على علم بمدى نفوذ الإسلاميين في الحكم الجديد وقدرت أن الحكام الجدد سينشغلون بالأوضاع الداخلية، وأنه لن يشكل خطراً عليها، غير أنه وبعد ثلاثة أشهر أعلن عن تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي، حيث تأكد تماماً لمصر مدى نفوذ الإسلاميين.
تغير مجرى العلاقات
وقد اهتمت الصحيفة بالتطورات العسكرية في جنوب البلاد، وقد أيدت إنشاء قوات الدفاع الشعبي خوفاً من قيام دولة جنوبية تهدد النظام القانوني لمياه النيل، ثم فتر حماس الصحيفة بأخبار السودان حتى جاء غزو العراق للكويت في أغسطس1990م، حيث شكل ذلك علامة فارقة في العلاقات بين البلدين.
فانصب اهتمام الصحيفة بأخبار الإطاحة بالبشير والمجاعة والتعاون العسكري مع العراق.
أما الحادث الذي غير مجرى العلاقات بين البلدين وأثر تماماً في تغطية الصحيفة للسودان، فقد كان حادث اغتيال حسني مبارك في أديس 1994م، فبدأت في وصف النظام بالمعزول والإرهابي والبعد عن الإسلام والوجه القبيح واهتمت بأخبار الفقر وأزمات الخبز والمواصلات وأخبارالمعارضة وتسويق الاتهامات باستخدام الأسلحة الكيمائية والنابالم.
وتعتبر هذه الفترة أسوأ مرحلة تمر بها العلاقة بين البلدين، وفيما كانت الحروب تشتعل شرقاً وجنوبا، وتقول الإنقاذ إن هذه حرب تشنها دول الجوار، كانت ترى مصر أنها حرب داخلية وتطورات داخلية واهتمت الأهرام بأخبار السودان باعتباره دولة راعية للإرهاب خاصة بعد ضرب مصنع الشفاء للأدوية 1998م.
؛؛؛
الاهرام اهتمت بأخبار محايدة وعقدت ندوة لدعم التكامل بين البلدين، كما اهتمت بتصريحات الرئيس السوداني الذي قال فيه إن انفصال الجنوب أفضل من الحرب
؛؛؛
بوادر مبشرة
ومع بوادر تحسن العلاقات اهتمت الصحيفة بأخبار محايدة وعقدت ندوة لدعم التكامل بين البلدين، كما اهتمت بتصريحات الرئيس السوداني عمر البشير الذي قال فيه إن انفصال الجنوب أفضل من استمرار الحرب.
كما اهتمت الصحيفة بلقاء المهدي ووزير الخارجية المصري، وبحثت الصحيفة دور مصر في المصالحة السودانية، واهتمت بالمبادرة المصرية الليبية المشتركة وأقلقها النقصان المعرفي للنخب العربية بالسودان وقضاياه وتحدياته, وقد شكلت المفاصلة توجهاً جديداً داخل الصحيفة وسياساتها التحريرية تبعاً للموقف الرسمي.
حيث اهتمت ولعدة أسابيع بتداعيات تجريد الدكتور حسن الترابي من السلطة، معتبرة أن ذلك مؤشر لانحسار الاصولية ونهاية للفترة الترابية، وقدمت مصر البشير مجدداً للفضاء العربي والأفريقي.
وانفتحت صفحات الصحيفة بعد ذلك للشأن السوداني، ودعمت فكرة التكامل من خلال نقد التجربة السابقة، واستقطبت في كتاباتها رموز الحكم والمعارضة، وعقدت ندوات جمعت فيها الطرفين، كما اهتمت بزيارات البشير الخارجية رغم الشكوك التي تراودهم من نهايات المفاصلة بين الإسلاميين، وقد شهدت صفحات الأهرام تبايناً حيال الشأن السوداني، يفسر ذلك رغبة الحكومة المصرية في استكشاف اتجاهات رياح السياسة السودانية، إلى أن جمد عمر البشير الأمانة العامة للمؤتمر الوطني وفقدان الترابي لصلاحياته التنظيمية والسياسية كافة بعد فقدانه لصلاحياته التشريعية دخلت على إثرها العلاقات المصرية السودانية مرحلة جديدة، وكذلك التغطية الصحفية للأهرام.
؛؛؛
الراحل قرنق فى زيارته للقاهرة أشعل المشهد السياسي والصحفي، حيث عقدت له الندوات مع النخب حول العلاقات المشتركة بين البلدين
؛؛؛
أنماط تفكير مغايرة
أشعلت زيارة قرنق للقاهرة المشهد السياسي والصحفي، حيث عقدت له الندوات مع النخب الثقافية والسياسية، كما عقدت الأهرام ندوة حول العلاقات المشتركة في الخرطوم ركزت فيه على الاقتصاد.
وتتالت الندوات، واتسع نطاق استكتاب السودانيين، توصلت الأهرام والمسؤولون المصريون إلى أن هناك أنماطاً مختلفة من المفكرين والمسؤولين في السودان، واتخذت من غازي صلاح الدين نموذجاً، وغاصت الأهرام في الشأن السوداني ومجمل السيناريوهات المستقبلية.
وحملت التجمع الوطني الديمقراطي انهيار المبادرة المصرية الليبية المشتركة، ونشرت كتاب الصادق المهدي حول مياه النيل، وتنامى اهتمامها بالعلاقات المشتركة الذي توج بلقاء البشير - مبارك في 2001م.
كما اهتمت بنشاط اللجنة العليا المشتركة والاتفاقات الموقعة، وبعد هجمات سبتمبر انكمش اهتمام الصحيفة باخبار السودان خلا الأخبار ذات الصبغة العالمية مثل توقيع اتفاق سلام جبال النوبة2002، كما لم تهتم بالمفاوضات التي جرت في ضاحية ميشاكوس إلا بعد أن برز للوجود بروتوكول ميشاكوس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.