رمضان كريم.. وغريبٌ عقلنا البشري هذا.. فهو قد يأتي بأشياء ليست من صميم المألوف.. أو نحن نظنها كذلك بعقلنا الذي يبدو غريباً هذا، أحياناً.. فندرجها – من ثم – في قائمة الماورائيات…أو الغيبيات…أو الغرائبيات.. ونترك مهمة إيجاد تفسيرٍ لها لعلم النفس.. أو يترك بعضنا هذه المهمة للذين يدعون علماً بخلاف علم النفس هذا.. يدعون علماً بعوالم ما وراء الطبيعة.. وأدواتهم في التعامل مع ما هو غير معقول هذا غير معقولة هي نفسها.. وهي الكتابات…والبخرات…والحجبات.. ومما قد نصادفه في حياتنا من العجائب هذه رؤيتنا لشيء سبق لنا رؤيته.. بمعنى أننا نراه لأول مرة فندهش إذ رأيناه قبلاً.. ونعبر عن هذه الدهشة بجملة: هذا الذي حدث لي عايشته من قبل بكل تفاصيله.. ومثال ذلك أن نقابل شخصاً غريباً.. نقابل شخصاً لم يسبق لنا مقابلته من قبل…ولكنا نجزم بأننا قابلناه.. وبأن الحديث الذي دار بيننا هو ذاته.. هو الحديث ذاته الذي دار بيننا قبلاً…وكأننا نشاهد فيلماً شاهدناه من قبل.. طيب كيف يمكن حدوث ذلك؟.. لا إجابة منطقية للسؤال هذا بالعقل الذي لا يُدرك أسرار حدوثه.. رغم أن العقل هذا ذاته هو الذي فعل.. هو الذي تسبب في هذا الذي تراه غريبا…ثم لا يتكرَّم بإعطائك تفسيراً له.. وليس ذلك عن قصدٍ منه…ولكن عن علة.. أي علةٍ وإن كانت عارضة…وليست من صنعك أنت…وبإرادتك أنت.. فأنت قد تُخضع عقلك لغلة تغييبٍ مقصودة.. وذلك كأن تتعاطى مسكراً فيفقد عقلك – أو تُفقده – القدرة على التفكير المنطقي.. أو عوضاً عن المسكرات… تغيِّبه بمخدرات.. فتكون النتيجة واحدة، عقلٌ تزدحم فيه الأشياء…وتتباعد…وتتداخل.. بمعنى أنه يمسى عقلاً لا يعقل.. وربما يكون التغييب هذا بعاملٍ لا دخل لك فيه، كالجنون – أو العته -مثلاً.. أو جراء ضربةٍ تُحدث فيه خللاً.. أما في حالتنا هذه فالعقل لا يخضع لأيٍّ من المؤثرات الخارجية.. هي حالة عابرة…جراء خللٍ عابر.. فيكون إدراكه للشيء غير متوافقٍ مع إدراك الحواس…ومنها النظر.. أو هو يُدرك مرتين، فينسى الأول…ويتذكَّر الثاني.. وبمعنى أصح، عقله هو الذي يفعل ذلك.. فيُبقى على الإدراك الثاني بعد مسحه الأول…ثم يسترجعه لاحقاً.. يسترجعه بعد ثوانٍ معدودة…أو ربما أكثر.. فيقسم صاحب العقل هذا بأنه قابل شخصاً غريباً سبق له أن قابله من قبل.. وأن ما دار بينهما من حديث دار من قبل.. وأن هيئته التي رآه عليها هي هيئته – نفسها – من قبل.. أو أنه زار مكاناً – لأول مرة – فدهش إذ أن المكان هذا زاره قبلاً.. ويبدو له مألوفاً…وكأنه لبث فيه حينا.. فيا عزيزي القارئ: إن حدث لك شيءٌ مماثل فلا تجنح لتفسيرٍ غرائبي.. لا تقل: غريبة…كأنه هو…بل – قطعاً – هو.. وحدث قبلاً !
