إبراهيم مطر جرائم الجيش السوداني ضد مواطنيه معلومة وموثقة ومشهودة للجميع، ارتكبها خلال سنوات متطاولة انفرد فيها بالسلطة، وعمل على إشعال الحروب في جنوب السودان، وفي كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور، حيث وصل عدد ضحايا حروب الجيش هذه من المدنيين في دارفور وحدها الثلاثمائة ألف قتيل، بحسب ما أفادت إحصائيات لمنظمات دولية موثوقة، وقضت حرب الجنوب على حوالي الثلاثة ملايين. وكان أن مثلت الفترات التي جثم فيها الجيش على رقاب السودانيين في السلطة أغلب سنوات ما بعد الاستقلال، فمن ديكتاتورية نوفمبر التي استمرت لست سنوات "1958 – 1964″، إلى الحقبة المايوية والتي استمرت لستة عشر عاماً "1969 – 1986″، وصولاً لديكتاتورية الإخوان العسكرية والتي استمرت لثلاثون عاماً "1989 – 2019″، سيطر الجيش على السلطة لاثنين وخمسون عاماً، قبل انقلاب الحادي والعشرين من أكتوبر، وعودة الحركة الإسلامية للسلطة مرة أخرى بأمر عبد الفتاح البرهان، والذي أشعل حرب الخامس عشر من أبريل، بأمر ولي الله الفقيه "علي كرتي". ارتكب الجيش السوداني من الجرائم والانتهاكات ضد مواطنيه ما أوصل قادته لساحات المحاكم الدولية، بل وصار قائده العام مطلوباً للجنائية لفرط ما سفك من دماء، بعد أن اعترف بقتل عشرة آلاف نفس على رؤوس الأشهاد. ولم يوفر الجيش السوداني انتهاكاً ضد الجنوبيين في أطول حروب أفريقيا، فكان تعذيب الأسرى وقتلهم هو سلوكه الأشهر في تلك الحقب. لكن ما فعله الجيش المختطف من الحركة الإسلامية بعد الثلاثين من يونيو 1989 فاق كل التصورات، حينما لم يتردد الإخوان في دفن ثمانية وعشرين ضابطاً أحياء بتهمة "الشروع في الانقلاب على السلطة"، واستخدم الجيش السلاح الكيميائي ضد سكان دارفور، ما أدى لتوجيه تهمة الإبادة الجماعية لقادته. واليوم وبعد أن صار الجيش السوداني هو يد الإخوان الباطشة، ورأى الناس بأم عينيهم دواعش السودان وهم يرتدون زي الجيش ويعملون الذبح في المتطوعين في المطابخ الجماعية، وفي الخدمة العامة ولجان الطوارئ، أو يطلقوا عليهم الرصاص ويتركوا جثثهم ملقاة على قارعة الطريق، نقل الإخوان حربهم لدرجة أعلى من التوحش، وصاروا يهددون بما هو أسوأ. لكن لم يكن أحد يتخيل أن يصلوا لدرجة استخدام السلاح الكيميائي المحرم دولياً على نطاق واسع، وهذا ما حدث. كان ما أطلق عليه "تفشي الاسهالات المائية"، والذي أودى بحياة العشرات من النساء والأطفال في منطقة "الهلالية" في ولاية الجزيرة، هو أول الإشارات لاستخدام الجيش السلاح الكيميائي، إذ سرعان ما استبدل لفظ الاسهالات المائية بالكوليرا، ما يشير إلى عدم التأكد من ماهية المرض قياساً بالأعراض. وعندما تم أخذ عينات من المياه في منطقة "الهلالية" وفحصها، تبين أنها تحتوي على مواد كيماوية. واستخدم الجيش الأسلحة الكيميائية كذلك في "زالنجي" ومعسكر "خمسة دقايق" للنازحين ما أودى بحياة العشرات من المدنيين، بينهم شيوخ ونساء وأطفال. وفي منطقة الفتيحاب بأمدرمان تم أخذ عينات من المياه، قدم فحصها أدلة قاطعة على استخدام السلاح الكيماوي. وفي منطقة "ودالبشير" الأمدرمانية تكدست الجثث بعد أن صار عددها اكبر من مقدرة للناس علي دفنها، فكان المصابون ينامون الي جوار جثث الضحايا حتي يتعافي بعضهم، ليتمكنوا من استئناف العمل على دفن الجثث، بحسب ما أكد شاهد عيان من المنطقة. وتجاوز عدد ضحايا السلاح الكيماوي في "الكومة" شمال دارفور المئات معظمهم من النساء والأطفال، فضلاً عن نفوق المئات من الماشية نتيجة تلوث المياه. ونشر جنود من الجيش يرتدون أقنعة واقية من الغاز مقاطع فيديو أظهروا فيها عبوات غاز صغيرة تحتوي على مواد كيمياوية، يتم إطلاقها من خلال قاذف فتطلق غازاً أصفر اللون، وكانوا يتباهون بنجاعتها، ويهددون قوات الدعم السريع باستخدامها ضدهم. إذن لا مجال للإنكار اليوم بعد أن اجتهد إخوان الشياطين في إعلان حيازتهم للسلاح الكيميائي تصريحاً وتلميحاً، وما العقوبات الأمريكية الأخيرة على الجيش وقائدة وما استندت إليه من حيثيات، إلا رأس جبل الجليد، والنذر اليسير من الانتهاكات الجيش الإخواني بحق المدنيين، والتي يمكن أن يظهرها المزيد من التحري والتحقيقات. على الحركة الإسلامية أن تتحمل العواقب هذه المرة، وأن تدفع ثمن ما اقترفت أياديها الآثمة بحق جماهير شعبنا ممن أعلنت عليهم حرب الإبادة، وان يكون الجزاء على قدر الجرم البشع والمشهود. ألا لعنة الله على إخوان الشياطين.