(سودانير) تبدأ أعمال الصيانة والتأهيل بمقر الشركة ومطار الخرطوم    وصول 335 من المبعدين لدنقلا جراء أحداث منطقة المثلث الحدودية    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    المثلث الحدودي بين ليبيا والسودان ومصر.. صهر الجغرافيا في أتون الحرب    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    ترامب يبلغ نتنياهو باحتمال انضمام أمريكا إلى العملية العسكرية ضد إيران    بين تهنئة محمد كاكا ودعم حفتر ... ماذا يحدث في خاصرة السودان الغربية؟    بعد التعادل بدون أهداف.. الشناوي: لاعبو الأهلي رجال.. وطوينا صفحة ميامي    شركة اتصالات في السودان تعلن توقف خدمتها وتكشف التفاصيل الكاملة    جريمة بشعة لسودانيين بإفريقيا الوسطى    عمر العمر يكتب: بوصلة رئيس الوزراء السوداني    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    مدرب المريخ يصل الي القاهرة    الجهاز الفني للمريخ يضع برنامجا خاصا للنخبة    المريخ يعسكر ببورتسودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (أوراق...إسمها عملة)    شاهد بالصور والفيديو.. هل تزوج الممثل السوداني مصعب سومى من إحدى ضحاياه في برنامج المقالب "زول سقيل" بعد أن سألته من اسم والدته وتوعدته بعبارتها الشهيرة: (كان ما جابك الحنين بجيبك شيخ الدمازين)؟    شاهد بالفيديو.. كشفت عن مجال دراستها وطبيعة عملها بالقاهرة.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تخطف الأضواء في أول ظهور لها مع عمها الممثل وتوأمها "حاتم"    شاهد بالصورة.. أشهر راقصات مصر تشارك بوصلة رقص مثيرة في حفل عقد قران الفنان مأمون سوار الدهب وإبنة الأسطورة محمود عبد العزيز    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    تنفيذ حكم إعدام في السعودية يثير جدلاً واسعًا    ميسي: توقعات كأس العالم للأندية مختلفة مع ميامي    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    مصر توضّح حقيقة حدوث تغير في الخلفية الإشعاعية داخل أراضيها    إيران تعتقل 5 أشخاص لالتقاط صور "والتعاون مع إسرائيل"    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    اختيار قطر والسعودية لاستضافة التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    يوم عيد وانتهى    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تثير ضجة غير مسبوقة: (ميادة قمر الدين تملك جنبات وصلب وشطرنج دايرة ليها راجل بس) والجمهور: (شكلك كترتي من الشربوت)    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    تفاصيل اللحظات الأخيرة لأستاذ جامعي سعودي قتله عامل توصيل مصري    شاهد بالفيديو.. المواطنون يقررون الاستمتاع بالعيد داخل منازلهم.. مئات البصات السفرية تغادر مدينة بورتسودان في يوم واحد صوب العاصمة الخرطوم وبعض الولايات    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن حادثة سرقة ثمانية كيلو ذهب وتوقف المتهمين    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوانُ تعديلِ الهرمِ المقلوب
نشر في الصيحة يوم 27 - 05 - 2025


النور حمد
ما من أمةٍ، عبر التاريخ البشري، إلا ومرَّت بالعديد من الامتحانات القاسية التي تضعها على مفترقٍ للطرق ذي شعبتين. تقود شعبةٌ من هاتين الشعبتين إلى الهاوية، في حين تقود الأخرى إلى النجاة، ثم الصعود إلى ذُرَى الازدهار والمجد. والآن، نعيش، نحن السودانيين، هذه اللحظة الفارقة، واقفين عند هذا المفترق، في حالة من الالتباس والهرج والمرج لم يسبق أن مررنا بها منذ ما يزيد عن القرن وربع القرن. فقد لفت قطاعًا معتبرًا، منا شمل حتى بعضًا من المدركين، سحب الضباب والالتباس. فلم يعودوا قادرين على تحديد أي الشعبتين نسلك، وربما لم يعد بعضٌ آخر من هؤلاء غير مهتم أصلاً أيهما نسلك. وسط هذه الحالة من الالتباس وانبهام السبل، نجد أن الأغلبية غير المدركة، ذات النشاط الجم والصوت العالي، تدفع، وبقوة، نحو اختيار الشعبة المفضية إلى الهاوية. لقد سمَّم الإخوان المسلمون اللغة ما أتاح للصيغ المضللة والشعارات المشحونة أن تخلق عِثْيَرًا وقتامًا لا تخترقه سوى البصائر القوية. لقد سمموا العقول بإغراقها في التفاهات، كما تلاعبوا بقواعد المنطق، حتى أصبح الحق باطلاً والباطل حقَّا في نظر كثيرين. وهذه من أسوأ المراحل التي تمر بها الأمم. وقد حدث ذلك كثيرًا في التاريخ.
يد الإخوان المسلمين السامَّة
لقد نجح الإخوان المسلمون في فترة حكمهم التي امتدت لستة وثلاثين عاما، في استخدام مناهج التعليم والمساجد والأقنية الإعلامية لنشر الجهل والخرافة والتعصب الديني، وبنفس القدر نشروا الغثاثة والتفاهة. وكلا هذين الفعلين حين يبلغا درجة التأثير الشامل يقودان إلى اضمحلال الدولة وسوقها إلى حتفها بظلفها. إذ ههنا يصبح الجمهور العريض هو الفاعل الذي يحفر قبره بنفسه. ما كشفته هذه الحرب اللعينة القذرة أن نور العقل قد انطفأ وأن الوازع الديني وسط قطاعٍ عريضٍ من مواطنينا قد ضمُر. لقد كشفت هذه الحرب الوحش الكاسر الذي ظل رابضًا في دواخلنا، وهو مختبئ تحت مسوح اللباس العصري والتمظهر الكاذب بالوداعة والمسالمة وبالتأدب المصطنع. أخرجت هذه الحرب البنادق والمدى وأخرجت منا معهما اللغة الجارحة التي كانت مكبوتةً فاندفعت مجتاحة التلول والسهول، كما سيل العرم. انهارت فينا مسحة التمدين الكاذبة ووقفنا عريانين أمام حالتنا الأصلية التي كانت مخبأةً تحت غطاءٍ سميكٍ من الزيف. فما أن انطلقت الرصاصة الأولى ودخلت عاصمتنا ولأول مرة منذ الثورة المهدية ما يسمى حرب المدن، انكشف الغطاء وانفضح الزيف وانهارت الدعاوى. ويا طالما حذرنا من حرب المدن، لكن من يسمع؟ انطبقت النزعات البدائية من عقالها؛ من عرقيةٍ وقبليةٍ ومن تعصبٍ دينيٍّ أعمى وأضحى التعقُّل والحكمة ومكارم الأخلاق، التي طالما أضفيناها كذبًا على أنفسنا، مجرد سرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء. ومن سوء حظنا، أن سوءاتنا التي كانت فيما مضى مستترةً، بسبب انحصارها داخل فضائنا السوداني المنعزل أصلاً، جعلها شيوع امتلاك الهاتف الجوال وتعدد تطبيقات وسائط التواصل الاجتماعي، فضيحة شاملة مرئيةً ومسموعةً لدى كافة سكان الكوكب. فأصبح من يعيشون منا في مختلف المهاجر خجلين منكسرين يرون الاستغراب في عيون مضيفيهم من الشعوب الأخرى، الذين يترفعون عن الإفصاح لنا عما يرون من فضائحنا، حتى لا يهيلون الملح على جرحنا النازف. إلى جانب ذلك، فقد سلطت علينا السماء وللسماء حكمتها الخفية في كل ما تفعل حكامًا جهلةً، منذوري الحظ من الوازع الديني والأخلاقي، ومن الثقافة العامة، بل ومن الغيرة على بلدهم وعلى سمعة مواطنيهم. حكامٌ، يمكن للمرء أن يصنفهم، وهو مرتاح البال، في خانة المرضى. حكامٌ فرضوا علينا أنفسهم بقوة السلاح، ليمارسوا نهمهم غير المحدود لاكتناز المال وهوسهم بإحراز السلطة واحتكارها، حتى لو أقيم كرسيُّها على كومةٍ من رماد البلاد والعباد.
نعيش الآن فضيحةً شاملة
كل ذلك مجتمعًا، جعلنا منا معرضًا فضائحيًا مفتوحًا للجميع، يمتد العرض فيه طيلة ساعات الليل والنهار. معرض مفتوح للفضائح الفكرية والأخلاقية، لا تفتر له همةٌ ولا تنقضي عجائبه. فنحن نعيش الآن في أتون فضيحةٍ مجلجلةٍ معروضةٍ على الجميع. فضحيةٌ عكست بجلاءٍ لا مزيد عليه، أننا أمة بربرية همجية. أمة بلا علم ولا ثقافة ولا أخلاق، لا تعكس بنيتها المهلهلة أي قدرٍ من الاتساق. لقد رآنا العالم عبر وسائط التواصل الاجتماعي ونحن نعرض في زهوٍ وابتهاج مشاهد مروعة شملت قطع رؤوس الناس وبقر بطونهم وجذب أمعائهم ونزع أجنة الحوامل من النساء من أرحامهن، وقتل النساء والأطفال وإذلال الشيوخ. كما شملت إمطار مجاميع المدنيين العزل بالرصاص وهم موثيقي الأيدي وملقون على الأرض على وجوههم. وفي الجانب الآخر من الصورة، والناس في تشرُّد وجوعٍ ومرضٍ وغربةٍ وانسدادٍ لأفق الأمل في حياة طبيعية، ينخرط قطاعٌ آخرٌ منا، ليل نهار، عارضًا عبر وسائط التواصل الاجتماعي حفلات "القونات" في دول اللجوء، وهن في أبهى زينتهن، يغنِّين ويتراقصن أمام الآلاف الذين احتشدوا لحضور تلك الحفلات الكبيرة وهم وقوف لساعات. عمومًا، لقد أضحت وسائط التواصل الاجتماعي، التي هي نافذتنا على العالم واقعةً في أيدي من هم أسوأنا أخلاقًا، وأقلنا علمًا، وأضحلنا فكرًا، وأبذأنا عبارة. بل، إن هذا يكاد أن يصبح الآن شيئًا طبيعيا.
عودة الهرم إلى وضعه الصحيح
تعبر هذه الأحوال البئيسة التي نمر بها عن انطفاء نور العقل، وجفاف منابع الحكمة. وهي أحوال يفاقمها إيثار العلماء والحكماء الصمت والفرجة على ما يجري. وغالبًا ما تقف وراء مثل هذه الأحوال فتراتٌ متطاولةٌ من الطغيان، التي يكون الطغاة قد عملوا فيها على تجهيل العامة بتغييب العقول وإزكاء النعرات البدائية. فنحن الآن وسط ما يسمى الهرج والمرج، مصحوبًا بغوغائيةٍ فالتة يصبح إسماع صوت العقل فيها أمرًا بالغ الصعوبة. هذا ما عمل الإخوان المسلمون من أجله منذ سطوهم على السلطة. لقد ضللوا العامة باسم الدين وبذروا بذور الشقاق بين المجموعات السكانية المختلفة بإذكاء نزعات الكراهية الدينية والعرقية والقبلية. بل لقد أزكوا روح الشقاق حتى بين العشائر في القبيلة الواحدة في استخدامٍ بالغ الخبث والقذارة لمقولة "فَرِّقْ تَسُدْ". فسنوات حكمهم للسودان، التي بلغت حتى الآن ستة وثلاثين عامًا، قلبت هرم المجتمع السوداني، فأصبح عاليُه سافلَه، وسافلُه عاليَه. انزوى العلماء والحكماء وآثرت غالبيتهم الصمت، ولفت الحيرة من هم أقل من هؤلاء علمًا وبصيرةً وحكمة، وأعمى الغرض كثيرًا ممن لهم قدرٌ من نور العقل والحكمة. كما أفقروا الأغنياء الفضلاء وأغنوا الفقراء المتزلفين الأراذل. وهكذا انهارت البنى الطبيعة للمجتمع وتراجعت القيم وذهب الاحترام وخبت قناديل الثقافة وطفحت على السطح أصوات الدهماء المتزلفون الذين استثمر فيهم الطغيان الإخواني. فأصبح هؤلاء الجهلاء هم الأعلون، وأصبح الحكماء والعلماء وأهل الفكر والثقافة هم الأدنون. ونحن الآن في انتظار موعود الله الذي به ينقلب الهرم ليجلس في وضعه الصحيح، فيصبح عاليُه الذي يجلس عليه الطغاة وغثاؤهم، سافله. ويصبح سافله، الذي جرى حبس أهل الأخلاق ونور العقل والحكمة فيه، عاليَه. فلقد قال، جلَّ مِنْ قائل: "فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.