منعم سليمان في مشهد يقطر ابتذالاً ويختصر معنى الانهيار الكامل، الأخلاقي والمؤسسي لسلطة الانقلاب والحرب، خرج علينا شمس الدين الكباشي – نائب قائد الجيش – لا كضابط يحمل معاني الانضباط، بل كصبيٍّ من أزقّة قاع المدينة المظلمة، يوزّع إشارات بذيئة لا تصدر إلا عن الساقطين والمنحرفين. رفع إصبعه لا ليشير إلى النصر، ولا ليبشّر ب(الكرامة) التي يشيعون كذبًا أنهم يخوضون معركتها، بل ليعلن، ويؤكد المؤكَّد: أنّ الانحطاط في كل شيء، وأيّ شيء، هو السمة الغالبة لهذه القيادة، وهذه المرحلة، وأنّ الجيش المختطَف منذ ثلاثة عقود لم يعد أكثر من مجموعة لصوص ومنحرفين ومبتذلين غارقين في السرقة والرذيلة. إنها ليست مجرّد حركة عابرة، بل لحظة عار تختزل حال وطن كامل أرهقه العسكر والكيزان، ودفعوا به إلى هاوية لا قرار لها. فالجيوش تنهزم أوّلًا حين يفقد قادتها الشرف والأخلاق، وحين يتحوّل المنبر العسكري إلى مسرح للفساد والسوقيّة والانحطاط. وما فعله كباشي لا يكشف عن نزوة مراهقة متأخرة عابرة، بل عن جوهر نظام كامل قائم على الرداءة والانحطاط، وعلى تصدير التافهين والمنحطّين ليكونوا واجهة البلاد، بينما يُطارد الشرفاء ويُقصى العقلاء! لكنّ البذاءة هي ابنة السقوط وفقدان الشرف، وليس ثمّة سقوط أكبر من أن يبيع جيشٌ شرفه العسكري لثلة منحرفة، ويبيع سيادة الوطن للدول القريبة والبعيدة الطامعة أبداً في خيراته وأرضه وماؤه وثرواته! أيّ كرامة تلك التي يتشدّق بها كباشي وهو الملوّث بإشارات القاع والعار؟ وأيّ جيش ذاك الذي يقوده من لا يعرفون للرمز معنى، ولا يدركون أنّ الإصبع حين يُرفع إلى أعلى لا بد أن يشير إلى طريق النصر، لا إلى قاع مبتذل أحطّ؟! ثم أيّ "كرامة" تلك في وطن يتصدّره من ينهب ويفسد ويقتل باسم الله، ثم يرفع يده ليشير للناس بإشارات العهر الأخلاقي؟! إن سقوط كباشي في هذه اللحظة ليس سقوطاً فردياً، بل سقوط منظومة بأكملها. فهو ببذاءاته هذه إنما يُجسّد هوية هذا الجيش – (ولا جيش في الحقيقة) – وخواءه من أيّ فضيلة أو وطنية، ويقف عنواناً لهذه المرحلة الأكثر انحطاطاً في كل تاريخ السودان: سلطة غير وطنية، فاسدة، بلا أخلاق ولا مشروع! هذه الحركة البذيئة لم تكن سوى إعلان مجاني عن الإفلاس الأخلاقي والسياسي، وعن تفشّي الانحلال والرداءة حتى صارت تحتل الصفوف الأولى، وعن زمن انقلبت فيه الموازين فوصل التافهون إلى سدّة الحكم، وجلس العملاء والفاسدون والمنحرفون على مقاعد الكبار! لقد فضح الإصبع المرفوع ما تحاول خطاباتهم الممجوجة أن تخفيه: نحن أمام سلطة حراميّة وقطاع طرق، بلا أخلاق، بلا رؤية، بلا أدنى شرف أو وطنية. سلطة صنعت من الابتذال والخيانة منهجاً، ومن السرقة والفساد سياسة، ومن الفوضى مصيراً! لقد انكشفت الحقيقة المكشوفة أصلاً: المعركة ليست معركة وطن، بل معركة سلطة ساقطة يقودها صعاليك ومنحرفون يرتدون رداء الجيش، ليُوصلوا قتلةً ولصوصاً يلبسون لباس الدين إلى السلطة عبر دماء الأبرياء.