ميليشيا الدعم السريع ترتكب جريمة جديدة    بعثة الرابطة تودع ابوحمد في طريقها الى السليم    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون ينقلون معهم عاداتهم في الأعراس إلى مصر.. عريس سوداني يقوم بجلد أصدقائه على أنغام أغنيات فنانة الحفل ميادة قمر الدين    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    سيدة الأعمال رانيا الخضر تجبر بخاطر المعلم الذي تعرض للإهانة من طالبه وتقدم له "عُمرة" هدية شاملة التكاليف (امتناناً لدورك المشهود واعتذارا نيابة عنا جميعا)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعليقاً على خطاب الجزولي (1) تفاصيل ما حدث
نشر في الصيحة يوم 15 - 04 - 2020

كنتُ أزمعت تحية الذكرى الأولى للثورة عبر سلسلة (أبريليات)، لكن خطاباً مفتوحاً أرسله لي الدكتور محمد علي الجزولي اختطف قلمي، وقد ناقش فيه تعليقي على تشبيهه لنصر أبريل 2019م بانقلاب يونيو (المشؤوم)، ودعوته للجيش لاستلام السلطة.
وأصل الحكاية أن صحيفة (صوت الأمة)، المستقلة إدارياً ولكن وشائجها بالحزب أبلغ من أن تنكر، أجرت معه حواراً رفعته راية عليا (مانشيت) في عددها الصادر يوم الثلاثاء 7 أبريل الجاري، نص المانشيت: (الجزولي يدعو الجيش إلى تصحيح مساره باستعادة الثورة من اليسار المتطرف). وورد في خبر بالأولى أن رئيس حزب دولة القانون الدكتور محمد علي الجزولي أطلق تلك الدعوة في حوار أجرته معه الصحيفة، وقد شبه تحول 11 أبريل 2019م بانقلاب الإنقاذ عام 1989م. فعلقتُ على حائطي بدفتر الصداقة (الفيسبوك) متبرئة لله والوطن من تلك الأفكار التي اعتبرتها ثورة مضادة، وطالبت الصحيفة بالاعتذار عنها أو يعلن حزب الأمة أن ما جاء فيها لا يمثله.
نشر دكتور الجزولي رسالة مفتوحة خاطبني فيها مؤكداً أن صحيفة صوت الأمة هي التي بادرت بطلب محاورته عبر الصحفي سيد جامع، وامتدح ذلك كضوء (في نفق قحت المظلم) بإتاحة مساحة للرأي الآخر يمنعها اليسار المتطرف. وقال إنهم ليسوا ثورة مضادة بل الثورة نفسها بشهادة خروجه من معتقلات الإنقاذ بعد سقوطها. ودافع عن دعوته للجيش لاسترداد السلطة للشعب من اليسار الذين اختطفوها وضاقوا حتى بحلفائهم (فلم يمنحوا اعتصام القيادة شرف أن يصلي به الإمام الصادق المهدي). ويسعون حثيثاً لتفكيك (قوى السودان القديم) لا النظام البائد، مذكراً بمجازرهم للأنصار في أبا وودنوباوي. وقال إن حزب الأمة يظل قائد قوى الوسط السوداني والإمام الصادق المهدي هو (شيخ السياسة السودانية الذي يمكن أن تلتقي عنده الأطراف المتصارعة) واستغرب استنكاري أن تتيح صحيفة الحزب مساحة للرأي الآخر.
أعترفُ بأن خطاب دكتور الجزولي أربك وجهي أكثر من عقلي، وبتّ أبحث عن وجه جديد خلا التكشيرة التي وضعتها آنفاً، ولكن لأكتب ولو بوجه مستبشر المعاني ذاتها لأن الأمر جوهري ولا يتعلق بدرجة حرارة الخطاب أو مدى تهذيبه أو عدوانيته.
وإذ أشكره على حسن الخطاب أقول:
أولاً: الاعتقالات في النظام البائد طالت الجميع حتى بعض زبانيته، فإن كنت تدير الدولة بالحديد والنار وتقمع الرأي الآخر بالنبوت خارج حزبك، فسوف تفعل ذلك داخله ومع مؤيديك وحلفائك. فكثير من الشعبيين ومنهم عراب الانقلاب ذاته سجنوا وبعضهم عذبوا، وكثير من التكفيريين والداعشيين غذتهم الأجهزة الأمنية ثم انقلبت عليهم أحياناً للتأديب وأخرى إذعاناً لموجهات أجنبية. دعنا لا نجعل سجلات كوبر أو شالا وبيوت الأشباح هي الفيصل برغم دلالتها الجزئية، دعنا نحتكم لمدى المعارضة المبدئية للديكتاتورية والانفراد بالسلطة ومدى قبول الديمقراطية وأسس المواطنة وعدم التفرقة على أي أساس كان. هذه النقطة مهمة برأيي في تحديد فسطاط الثورة: معها أم ضدها. فقد اطلعت على رؤى لكم عام 2016م تمتدح فيها زعيم الجماعة الأيديولوجي بأن من آثار حركته جعل الإسلام راية عليا لن تتدلى. وتصريحات في نوفمبر الماضي تعارض حل حزب المؤتمر الوطني وتحذر من "حرب أهلية"، لأن حله يهدف لإقصاء الإسلام من جميع جوانب الدولة. دعني أختلف معك يا دكتور، فالمؤتمر الوطني ليس حزب الإسلام بل حزب الإبادة والخداع والفساد والدمار والاحتيال والاستبداد والإقصاء باسم الإسلام، والإسلام كان ليتلقى طعنة في القلب من تستر أولئك المخادعين خلفه، لولا أن الخطاب الرئيسي في فضحهم وتبيان مجافاتهم للدين جاء من داخل حوش الفكر السياسي الإسلامي في السودان. إن حل ذلك الحزب وتفكيك مقدراته وخطابه يعد إجراء تطهيرياً ضرورياً لجراح الإقصاء والتصفية والإبادة التي ارتكبها الإنقاذيون.
ثانياً: إن اعتباري خطابكم ضمن الثورة المضادة ليس اعتباطاً، فها أنتم تعارضون حل حزب النظام البائد وهو متطلب أساسي لتأمين الثورة، وتربطون ذلك النظام الآثم وحزبه بالإسلام فيما يعني ابتلاعاً كاملاً لخطابهم. ولا يفند تصنيفنا لخطابكم ضمن الثورة المضادة حقيقة معارضتك للإنقاذ ذات مرة وحبسك فيها. فكما ذكرنا، كثيرون من مخططي الانقلاب وجلاوزته المرموقين حبسوا في مسيرة صراعهم الداخلي، وكثير منهم الآن ثورة مضادة، لأن من أسميتهم بالإسلاميين، والإسلام منهم براء، إذ تنازعوا على الحكم مع إخوانهم واشتطوا عجزاً عن قبول أبناء جلدتهم الفكرية، فإن عجزهم عن قبول الآخرين من جماعات الشعب السوداني أبلغ.
ثالثاً: صحيح أن الثورة لا تعني الإقصاء المضاد، ولا استبدال استبداد بآخر، ولكنها تعني تنظيف الحياة العامة من تلك السياسات الإقصائية القاتلة والتحضير لبرء الجراح، ثم استئناف المسيرة على أسس التعايش لا الإقصاء والأحادية، وقهر المعارضين.
رابعاً: لنا مع قوى يسارية ذات وزن إعلامي وفكري أكثر منه شعبي وسياسي خصومات تاريخية تجددت. لكن الإمام الصادق المهدي لم يمنعه اليسار إمامة الصلاة في المنبر الرئيسي بالاعتصام. كان قد أعلن انضمامه للثوار وصلاته الجمعة في الميدان بعد اطلاعه على قرار البشير بفض الاعتصام بالقوة في يوم الأربعاء 10 أبريل، وحينما أتت الجمعة، كان التحول قد تم وزال التهديد، فاتخذ المكتب السياسي لحزب الأمة والذي انعقد في ذلك اليوم قراراً بعدم ذهابه للصلاة هناك لاعتبارات أمنه الشخصي ولتقدير أن الخطر العام على المعتصمين قد زال. صحيح كثير من جماعات اليسار أخرجت إقصائيتها من "سحارة" السنين وسجالاتها، وعنّ لها أن الثورة مناسبة لتقبر قوى السودان (الأصيل) المتجددة والتقدمية قطعاً بأكثر منها. ولكن تلك أمانيهم. وصحيح بعضهم عبر عن رفضه لصلاة الإمام، واحتفى بإمامة الشيخ مهران ماهر الذي اعتلى المنبر طوعاً (في جمعتي 12 و19 أبريل)، وقسراً يوم أعلن الثوار الشيخ المناضل مطر يونس مصلياً في 26 أبريل، وهم لا يدرون أن الإمام الصادق أهون عليهم بما لا يقاس من ذلكم الشيخ الذي كتب على صفحته بالفيسبوك حينها إنه يساند الثوار و"يتبرأ من الشيوعيين والعلمانيين ومن لف لفهم". أما اليوم فإنه يدعو عليهم نهاراً جهاراً ويؤمّن خلفه المصلون، ففي منبر الجمعة الماضية سأل المولى أن تصير "قحتٌ" أثراً بعد عين!
نحن نعلم ونتابع بشفقة أكثر منه قلق، ذلكم البؤس المبين الذي يجعل أصحابه لا يدركون حتى مصلحتهم ناهيك عن مصلحة الوطن. لكن تلك المناوشات الصبيانية والأحلام الزلوطية لا تجعلنا نخطئ هدفنا، وكما يقول الشاعر محمد طه القدال: عيني في الفيل ما ضله، كلنا ندريه ما نضله.
لا ولن يشغلنا توهان بعض اليساريين الذين ليس بيدهم قوى استراتيجية تذكر، لأن "الفيل" الذي سبب كل هذه المآسي هو ذلك التنظيم الإقصائي الأحادي الذي أمسك بخناق البلاد ثلاثين عاماً، ويجرب الآن كل السبل لإفشال مسيرة الثورة، للقفز من جديد على صدر هذا الشعب الطيب، النبيل، ولكنه صعب المراس.
وسوف أواصل بإذن الله في وصف لماذا استنكرت نشر (صوت الأمة) لخبر الحوار معك بتلك الطريقة الترويجية،
وليبق ما بيننا

===
تعقيبا على الجزولي (2)
شتان بينهما يا دكتور
تطرقت سابقاً لحوار نشرته (صوت الأمة) في السابع من أبريل الجاري لخبر بالأولى احتل المانشيت الأعرض حوى مطالبة دكتور محمد علي الجزولي للجيش أن يستلم السلطة، وتشبيهه انتصار الثورة في 11 أبريل 2019م بانقلاب 30 يونيو 1989م، الأمر الذي استهجناه وعقب علينا الدكتور في خطاب مفتوح، فناقشناه بذكر سبب اعتبارنا خطابه ضمن الثورة المضادة، ولماذا لا نأبه كثيراً لهجوم بعض اليسار علينا لأن الخطر الحقيقي على البلاد هو النظام المباد ومنسوبيه، ونواصل اليوم:

خامساً: صحيح ينبغي أن تسعى الصحافة المهنية للحوار مع الجميع داخل حوش الثورة، ولا ينبغي أن تخضع أية صحيفة لأجندة حزبية مهما كانت ارتباطاتها، فمصلحة البلاد والشعب العليا هي المقياس الصمد للصحافة خاصة في هذه الفترة الحرجة من حياة البلاد والثورة. ولهذا فلم يحركني من قبل نشر الصحيفة لمقالات وقصص خبرية أساءت لرئيس الحزب أو انتقدت قياداته أو خطه السياسي. لكني استنكرت نشر الحوار معكم لاعتبارات مهنية وسياسية:
– من ناحية مهنية فإن صوت الأمة حولت الحوار إلى خبر جعلته الأهم في صفحتها الأولى، ومعروف أن المانشيت الرئيسي ينبغي أن يعبر عن قضية الساعة التي تهم كل شخص تقريباً، كما يعبر، ما لم تصحبه أداة تعجب أو تنصيص، مثلاً، عن خط الصحيفة السياسي. وإذا حمل المانشيت آراء شخص فينبغي أن يخضع ذلك لمعايير صارمة، كالتاريخ السياسي لصاحب التعليق، ووزنه ووزن الجماعة والجهة التي يتزعمها، ومدى تأثيره، ومدى جدة فكرته ولا مسبوقيتها، إلخ. وينبغي ألا تتورط صحيفة في الترويج بالخط العريض لرأي سياسي بدون مراعاة المعايير المعنية. الحوارات في العادة تكون في صفحة داخلية، وقد ينوه لها ولغيرها من المواد التحريرية بالأولى، ولا ينبغي لها أن تقفز لتكون أهم قصة خبرية بالأولى بدون استيفاء المعايير المذكورة. وفي حال أرادت الصحيفة جعل الحوار القصة الخبرية الأهم فلا بد أن تحرص على استطلاع رؤى آخرين وتصوغ خبرها بما يعكس للقراء الفكرة اللافتة في سياق موضوعي مستصحب للرؤى المناوئة. كل ذلك لم يطبق. بل جاء الخبر عن رئيس الوزراء كعنوان تحت مانشيت دعوتكم لاستلام الجيش للسلطة، وحملت القصة الخبرية المصاحبة بالأولى رؤاكم فقط وهي رؤى خلافية للغاية، بدون أن تحمل رؤى الآخرين. إن الطريقة التي تم بها تصعيد الحوار لخبر ومانشيت جعله يبدو كأن الصحيفة تتبنى تلك الرؤى الخلافية، لا مجرد مستطلعة لمختلف الآراء. يضع ديفيد راندال صاحب كتاب (الصحفي العالمي) ضمن القصص الإخبارية التي يتجنبها المراسلون الأكفاء "قصص النزاع والخلاف".
– من ناحية سياسية فإن مقارنتكم لما حدث في 30 يونيو 1989م بما حدث في 11 أبريل 2019م فيه إحجاف للحقيقة أغمني كثيراً، أعترف. لم يتسلم الجيش السلطة في 30 يونيو ليسلمها للإسلاميين. هذه كذبة بلقاء اقترفها قائد الانقلاب في بيانه الأول المضلل، وقد فضحتها في كتابي (الإمام الصادق المهدي سيرة ومسيرة) وهناك كتابات عديدة فصلت حيثياتها ككتاب المرحوم حيدر طه (الإخوان والعسكر)، وكتاب العميد معاش السر أحمد السعيد (السيف والطغاة)، وكتاب عبد الرحمن الأمين (ساعة الصفر)، بل فضحتها حتى كتابات منسوبي الحركة المنفذة للانقلاب ككتاب المحبوب عبد السلام (الحركة الإسلامية: دائرة الضوء، خيوط الظلام)، وكتاب دكتور عمر محيي الدين (الترابي والإنقاذ: صراع الهوى والهوية)، وفضحتها اعترافات المرحوم دكتور حسن الترابي نفسه في حلقات (شاهد على العصر) بقناة الجزيرة التي بثت بعد وفاته عام 2016م، حيث ذكر أن العساكر المشاركين في الانقلاب جلهم كانوا مدنيين في لباس عسكري. كانت طلائعهم (كيزان بتلبس كاكي) بتعبير الأستاذ إدريس البنا، وكان واحدهم (أب دقناً تحت الكاب) بكلمات الراحل المقيم محجوب شريف.
عمر البشير كذب في بيانه الأول بقوله إن القوات المسلحة تسلمت السلطة. الجبهة الإسلامية القومية هي التي فعلتها. وادعاء تسلم الجيش للسلطة كان إفكاً عظيماً. هيئة القيادة "المبهوتة" اعتقل جميع أفرادها منذ اللحظة الأولى للانقلاب.
وفي المقابل فإن انحياز اللجنة الأمنية للثورة في 11 أبريل لم يكن لتسليم السلطة لليسار، ولا يحزنون. وبعض أحزاب اليسار، الحزب الشيوعي تحديداً، ظل يتوجس من تحول نيسان الأغر ويصفه بأنه هبوط ناعم مقيت إذ يفضل هبوطاً خشناً ومزيداً من الدماء فيما يبدو! وظل حزب الأمة على العكس الأهم في صف الذين أعطوا التحول الجديد صوت ثقة، فتحمس له، وقدم الأفكار لهندسة التعايش بين المكونين العسكري والمدني عبر ميثاق الشرف. لذلك استغربت أن يحمل خبر الصحيفة الرئيسي رؤية تعارض خط الحزب، بدون استطلاع رأي آخر ينحاز لتحول 11 أبريل باعتباره نقطة فارقة بحق. لقد كان بداية نصر لشعب ذل طويلاً، آن له أوان العزة.
– ومن ناحية صحفية مثلما هي سياسية فإن دعوة استلام الجيش للسلطة ليست جديدة، كثير من جماعات النظام البائد حاولت توسيع الشقة المدنية العسكرية، وطالب زواحفهم الجيش صراحة بتسلم السلطة. وها أنتم تنضمون لهذه الدعوة التي تدعو لانتهاك الشرعية الدستورية الحاكمة. تصريحات مكانها صفحة الحوارات الداخلية لا مانشيت الأولى، هذا إذا كان لها مكان في صحيفة ترى استلام الجيش للسلطة مذمة تخرق الالتزام الديمقراطي. بل إني يا سيدي أرى أن دعوتكم منقصة حتى في مقياس دولة القانون التي يتسمى بها حزبكم، فأي قانون منطقي سيقرر أن مكان الجيش ثكناته، وأن السلطة يتقلدها مدنيون يحوزون رضا الشعب. ولا مجال لمعرفة اختيار الشعب إلا بالانتخابات، وهو بالضبط ما يزمع حكام اليوم عمله بانتهاء فترة الانتقال. وأية دعوة لتسلم الجيش السلطة معناها انقلاب جديد، مصحوب بادعاء البعض أنهم هم الشعب! لقد طالت عذابات شعبنا جراء الانقلابات العسكرية، وأحزننا أن ينادي بعضنا بذلك كأن التاريخ يمكن أن تنمحي مراراته بسبب تعثر الحكومة الانتقالية. ينبغي أن نبحث عن حل إبداعي آخر يصلح المعوج في تجربتنا الانتقالية، ويسد الثغرات.
جماعة (قحت) ومجلسا الوزراء والسيادة، وكلنا ندرك ذلك، فهل تكون مصفوفتهم الجديدة هي الحل؟ الله أعلم. قد يكون (الحل في البل) كما يقول الثوار، أي مزيداً من الضغط على جميع الأطراف لتقلد مسؤولياتها، لكن قطعاً فإن الحل ليس في الجيش.
– ثم أن منابر الإنقاذيين كثيرة ومتوالدة، بعضها معلن وبعضها مندس، وكلها تغني أهزوجة الجيش. أفلا تتفهم يا دكتور ضيقنا من ترويج منابرنا الشحيحة لدعوة نعارضها بقوة، وتلهج بها ألسن النظام البائد ومنابره الإعلامية طراً؟
الشاهد، هناك الكثير الذي دعاني لاستنكار النشر وأسلوبه، ولكن ذروة اختلافي مع حديثك هو أن انقلاب يونيو 1989م المخادع المتآمر وما سبقه من دعوات ثورة المصاحف الهزيلة، لا يشبه بحال ثورة ديسمبر ومواكبها الهادرة ولا تحول أبريل المنصور "بالدم صباح الخير.. أهلاً مساء النور"، شتان بينهما يا دكتور.
وأخيراً، اعف فضلاً عن أي حدة قفزت، إني لا زلت حفية بلغة خطابك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.