أصدر السيد رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قرارًا بتكوين "اللجنة العليا لتهيئة البيئة المناسبة لعودة المواطنين لولاية الخرطوم"، برئاسة الفريق أول بحري إبراهيم جابر وعضوية السيد عبد الله يحيى والسيدة سلمى عبد الجبار من مجلس السيادة، والدكتور كامل إدريس رئيس الوزراء، ووزراء الدفاع، والداخلية، والخارجية، والطاقة والنفط، والصحة، والتعليم والتربية الوطنية. اختصاصات هذه اللجنة تشمل، إضافة إلى الأمن وسحب القوات النظامية من الشوارع، استعادة الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وأسواق ومواصلات، وإعادة تأهيل البنية التحتية من طرق وجسور وغيرها. النظرة الأولى تكشف الخلل الكبير في تكوين لجنة تتغول على صلاحيات رئيس الوزراء ووالي الخرطوم أيضًا. بل وحولت رئيس الوزراء إلى مجرد عضو في المستوى ذاته الذي يشارك به الوزراء في هذه اللجنة. هذا يعني عمليًا أن قرار تكوين اللجنة يبعث برسالة للجهات التي ظلت تشكك في جدية اختيار رئيس وزراء مدني، وتتهم رئيس مجلس السيادة بأنه يمنح صلاحيات رمزية بلا سلطات حقيقية ليبقي المفاتيح في يده. في سياق آخر، في خطابه عند تسمية الوزراء، قال الدكتور كامل إدريس رئيس الوزراء إنه بصدد التخلص من عشرات اللجان والمفوضيات والمجالس التي تشكل سلطة موازية للحكومة وتتغول على مهامها. والآن، هذه اللجنة ليست مجرد سلطة موازية، بل تلغي صلاحيات الأجهزة التنفيذية من أعلى مستوى اتحادي إلى الولائي. من الحكمة إسناد الأعمال كافة للمؤسسات الأصيلة في ديوان الدولة. قد يكون تشكيل فرق عمل لتدعيم مهام محدودة أمرًا مناسبًا أحيانًا، لكن تحت الهيكل الطبيعي العادي للخدمة المدنية. تشكيل لجنة عليا لتهيئة الأوضاع لعودة المواطنين بهذه الطريقة يقتل تمامًا "الأمل" في تحويل المحنة إلى منحة تشرق منها شمس سودان جديد كليًا. الحرب التي أهدرت الأرواح ودمرت الممتلكات وحطمت البنية التحتية، تمنح الآن فرصة "بناء" دولة جديدة من ركام الدمار الشامل، خاصة في الخريطة العمرانية والحضرية للسودان كله. الأجدر أن تقوم الرؤية الكلية للدولة على خطة استراتيجية – فلتكن خمسية حتى 2030 – تستهدف بناء عاصمة ومدن ومجمعات حضرية. وفي سياق الخطة، يصبح بند إعادة المواطنين إلى الخرطوم مجرد خطة فرعية إسعافية منسجمة تمامًا مع الخطة الكلية بعيدة المدى. ولحسن الحظ، تمتلك ولاية الخرطوم خطة استراتيجية ربع قرنية، عكف عليها بيت خبرة إيطالي مع الأجهزة الفنية المختصة في وزارة التخطيط العمراني، وأُجيز المخطط الهيكلي على مستوى مجلس وزراء ولاية الخرطوم ثم مجلس الوزراء الاتحادي. وفق هذا المخطط، تنشأ طرق وجسور وأسواق، بل وتسع مدن جديدة في ولاية الخرطوم، مُحددة بدقة وفق تقديرات هندسية. تزامن العمل في عودة المواطنين مع تنفيذ المخطط الهيكلي يمنح ولاية الخرطوم قفزة كبيرة نحو مستقبل يتجاوز تمامًا واقع ما قبل 15 أبريل 2023.