شيال التقيلة ..الكاتب / صالح السر صالح .. في حوار تلفزيوني، سأل مقدم البرنامج ضيفه، د. منصور خالد عن وصية أو نصيحة يود توجيهها للشباب، التفت الدكتور صوب الكاميرا وقال: "أقول للشباب السوداني إن بناء مستقبل هذه البلاد يعتمد عليكم، وأوصيكم بأن تبتعدوا عن أبناء جيلي أو الجيل الذي أتى بعدنا لأننا السبب المباشر لما وصل إليه حال البلاد الآن)... وصية الدكتور لم تجد آذاناً صاغية خاصةً من أبناء جيلي من السبعينيات أو من الأجيال التي سبقتنا، فقد كان إحترام الكبير خطاً أحمر لا يتجاوزه إلا من أفسد نفسه، لكني اليوم أرفع رأسي قليلاً لأنبه هذه الأجيال التي رأت النور قبلنا، بأحوال شباب السودان ومستقبلهم الذي سيضيع وسط أطماع تجار المخدرات، وإهمالنا في أداء واجبنا تجاههم. العديد من القنوات التلفزيونية بثت حلقات ضمت ضباط شرطة وأطباء ومختصين للحديث حول المخدرات وانتشارها في السودان، وكيف أن معظم شباب بلادي قد أصبحوا مدمنين لها، ولم أجد حلقةً واحدة تتحدث عن حل لهذه المشكلة، أو حتى اقتراحاً للحل، وقد صرحت طبيبة مرة أنه لا يوجد في السودان مركز واحد متخصص في علاج الإدمان.. بينما شاهدت حلقات أخرى تتهم نفس هذه الأجيال الشابة بالإنحلال وعدم المسؤولية، وأنها أجيال لا تحمل أي قيم أو فكر وأهداف تسعى لتحقيقها. قبل حوالى الشهرين قمت بالتسجيل والإشتراك في نادٍ يتبع لمؤسسة عسكرية به صالة رياضية ومسبح بغرض ممارسة الرياضة، وللأمانة فقد ألجمت الدهشة والفرحة عقلي ولساني وأنا أرى نفس الأجيال الشابة المُتهمة بالمخدرات والإنحلال وهم يملأون النادي، يمارسون الرياضة بأنواعها المختلفة ويبنون أجسامهم وعقولهم في صورة جميلة جداً، وأبعد ما تكون عما رُسم في مخيلتنا من خلال إعلام الاتجاه الواحد والنقد العشوائي.. في الولاياتالمتحدةالأمريكية والتي تعتبر مشكلة المخدرات لديها أكبر مما لدينا بملايين المرات، تمت محاربة المخدرات بإنشاء المراكز والصالات الرياضية في الأحياء وأسهمت هذه الفكرة كثيراً في الحد من انتشار المخدرات وسط الشباب، بل وأصبحت تخرِّج لهم أبطالاً رياضيين رفعوا علم بلادهم في المحافل الرياضية. وقد قال مسؤول بارز جداً في الحكومة البريطانية عندما ناقش البرلمان البريطاني مشكلة انتشار المخدرات لديهم، قال لهم "لا تبنوا لي مستشفيات لعلاج الإدمان، ولكن اعطوني صالات ومراكز رياضية". الآن، كل من هم في السلطة ومكان اتخاذ القرار هم من الأجيال التي تفاخر بأنها تربت على القيم والمبادئ، لذلك عليكم وقف النقد والمواقف السلبية وعليكم أن تتحركوا قليلاً، فقد أقسمتم بأن تؤدوا أعمالكم بأمانة أمام الجبار عز وجل، قوموا بإنشاء الصالات الرياضية في الأحياء، دعوا الاشتراكات برسوم رمزية حتى تضم أكبر عدد ممكن، تحركوا نحو هؤلاء الشباب وستجدون فيهم كل ما يسركم وما يجعل الوطن يفخر بهم، وقد يتحول هذا الجيل من جيل مدمن على المخدرات لجيل حاصد للذهب والبطولات.. هل تعلمون من هو البطل إبراهيم مدنى ؟؟؟ هو بطل السودان في لعبة حمل الأثقال منذ العام 1996 وحتى العام 2002، وهو من أبطال السودان في لعبة (البور لفت) حتى الآن، مثَّل السودان في البطولات الأفريقية، وتم اختياره في المنتخب الأفريقي لرفع الأثقال وشارك معه في عدة بطولات بالهند واليمن والمغرب مُحرزاً نتائج جيدة جداً، هذا البطل هو الكوتش. إبراهيم الآن، مدرب متواضع جداً يدير صالة رياضية، يقوم فيها بتدريب العشرات من الشباب على مدار اليوم بمختلف أعمارهم وسحناتهم وأفكارهم.. ورغباتهم.. جامعيون وطلاب مدارس، دون كلل أو ملل، يتعامل مع الجميع بنفس الأخلاق والتواضع.. لدرجة أن كلَّ من بالصالة يعتقد أنه يوليه اهتماماً خاصاً.. هذا البطل وكثيرون مثله يؤمنون بأن الرياضة أفضل الطرق للتواصل مع عقول الشباب، لذلك يشجعونهم ويدعمونهم ليخرجوا أفضل مافيهم. عند نقاشي معه وجدته يؤمن تماماً بأن الرياضة تطيح بالمخدرات ورفقاء السوء من طريق ممارستها، كذلك يعلم بالانفتاح والإقبال الكبير لتجار السموم على السودان، بعد أن وجدوا سوقاً لهم يتمثل في ملايين الشباب الهائم دون إرشاد أو توجيه أو مساعدة منا. إدعموا أمثال الكوتش إبراهيم وهم كُثر وفي رياضات مختلفة.. أنشئوا الصالات الرياضية وسلموها لهم لبناء أجيال من الرياضيين الأصحاء، توقفوا عن توجيه أصابع الاتهام وأنتم جالسون في كراسيكم، البلد الآن لا يوجد فيها أي متنفس لهؤلاء الشباب.. لا سينما ولا أنشطة متاحة، فقد أصبحت كل البلد تجلس بجوار بائعات الشاي طول اليوم، وتحيةً خاصة لأخواتنا وأمهاتنا اللائي وجدن أنفسهن يعملن في هذه المهنة الشريفة.. يا أعضاء البرلمان السوداني المنتخبون من الشعب، الرياضة ليست لعبة والسلام، بل هي أدب وأخلاق وتربية وعلاج أيضاً، يمكنكم سؤال الكوتش إبراهيم عن عدد الذين فارقوا المخدرات منذ انضمامهم تحت جناحه وممارستهم للرياضة، هؤلاء هم أبناء الشعب الذي أتى بكم على هذه الكراسي، أزيلوا الضرائب والرسوم والجبايات من هذه الصالات، إدعموا مشروع بناء أكبر عدد من الصالات في الأحياء، أعفوها من رسوم الجمارك، افعلوا أي شيء يدل على وجودكم واحساسكم بمشاكل الشباب.. خذوا تجربة البطل إبراهيم مثالاً.. وقوموا بأداء واجبكم تجاه أبنائكم ... يرحمكم الله.. ويرحمنا.. ويرحم شبابنا..