حصار ومعارك وتوقف المساعدات.. ولاية الجزيرة تواجه كارثة إنسانية في السودان    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    هل انتهت المسألة الشرقية؟    صندل: الحرب بين الشعب السوداني الثائر، والمنتفض دوماً، وميليشيات المؤتمر الوطني، وجيش الفلول    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    تعادل الزيتونة والنصر بود الكبير    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    المريخ يكسب تجربة السكة حديد بثنائية    شاهد بالفيديو.. "جيش واحد شعب واحد" تظاهرة ليلية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور    لأهلي في الجزيرة    مدير عام قوات الدفاع المدني : قواتنا تقوم بعمليات تطهير لنواقل الامراض ونقل الجثث بأم درمان    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    تامر حسني يمازح باسم سمرة فى أول يوم من تصوير فيلم "ري ستارت"    شاهد بالصورة والفيديو.. المودل آية أفرو تكشف ساقيها بشكل كامل وتستعرض جمالها ونظافة جسمها خلال جلسة "باديكير"    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق إبراهيم جابر يطلع على الخطة التاشيرية للموسم الزراعي بولاية القضارف    شركة "أوبر" تعلق على حادثة الاعتداء في مصر    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تداخلات
نشر في حريات يوم 16 - 03 - 2013


يحيي فضل الله..
[email protected]
في عينيه ركضت هواجس ، معالم لا تحد ، خربشات عميقة بين الذاكرة والرؤية ، حدق في كل الناس ، التف بهم ، تداخل مع نبضاتهم ، امتص معهم لحظات الانتظار ، اختنق مثلهم بضوضاء المحطة و لم يقل شيئا لمن داس علي اصابع رجليه بنعلين ثقيلين ، كان واقعيا ، ليس هناك مفر من ان تكون رجلاه جزء لايتجزء من ارضية ممر الدرجة الثانية الممتازة ، حاول ان يجلس انها الممتازة ، عدل عن الفكرة لان تكوينه الجسماني لا يسمح له بالجلوس ، حاول ان يمتص انفعالاته بان يقرأ شيئا من الشعر ، رن جرس المحطة .
انت يا خي القطر ده حقك
ما قلنا مافي طريقة ، الله
الطريقة بعرفا براي ، بس انت اتحرك من الباب
والله ما في طريقة ، شوف العربية التانية
ما في زمن ، انت ما سامع الجرس ؟
…………………..
احسن تتحرك من الباب بالحسنة
…………………….
خلي عندك دم في وشك
يعني داير تعمل شنو ؟
اختلطت الاجساد علي الباب ، غابت الاسلحة البيضاء ودخلت السن في اللحم ، عراك في مساحة ضيقة ، تدخل المطيباتية وانتصر القادم الجديد بينما الآخر يصدر انينا ويصرخ راجل كبير تعضي بي سنونك
رن الجرس للمرة الثانية .
الدرجة الثانية
العرق علي كل جبين ، صرخات الباعة ، ضجيج المزدحمين داخل العربة ، اقدام تبحث عن موضع بين العفش المتناثر في كل مكان.
يا اخوانا الناس القاعدين في الشباك ما يرحمونا شوية
هبوبك يا الله
والكل في انتظار نسمة تهب عند تحرك القطار .
سقطت شنطة حديدية ثقيلة علي عجوز كانت تقف بقرب احد المقاعد آملة في فعل المروءة ، صرخت وانفجرت ثائرة الله يلعن سفر الزمن ده ويلعن ناس الزمن ده ، ناس ما فيها رحمة ، لا يعاينو لي صغير ولا لي كبير ، غير الكترة ما عندهم شئ ، ناس مسافرة ، ناس راجعه ، ناس مسافرة و تنفست الصعداء وقالت الله يهون القواسي
معليش يا حبوبه
قالها شاب كان يجلس وعلي فخذيه جهاز تسجيل ، تحسست هي أثار سقوط الشنطة علي يدها و انفعلت احسن تمسك شنطتك عليك وتمسك لسانك كمان ، عندك نفس تقول لي حبوبه والله مساخر ، ما تعاين لي والله اقوم عليك الا اخليك تتململ فوق جمرا حي ، عليكم الله شوفوا محن الزمن ده
آثر الشاب السلامة بعد ان رأي في عينيها عنفا يرغب ان يضع لنفسه موضعا .
ما تتكلم تاني ، افتح خشمك تاني عشان احشي ليك تراب ، يا خايب الرجال يا ما مربي
التفت الشاب الي الناحية الاخري و تحدث الي جاره .
رن الجرس للمرة الثانية
انها السابعة ، لاشئ سوي الضجةالمختلطة بالسكون المميت ، السابعة مساء ، كانت هذه اللحظة حتي البارحة القريبة مليئة بالعبق ، لحظة لها انسيابها دون ادني متاعب سوي ذلك العبء الحميم الذي يتسرب بين الانفاس المخترقة لاضواء النيون الخافتة ،حركة الكافتيريا تنبض بالحياة ، يكون هو قد فرغ من احتساء الشاي بتمهل مفتعل رغبة منه في سجن الزمن داخل نشوته و داخل تلك التفاصيل التي تعامل بها رحاب اناملها ، لابد ان الانامل لهاالقدرة علي الحديث ، بل حتي علي الصراخ من خلال اللون الذي طليت به الاظافر
،، ايديك ما محتاجة لي منكير
ايديك محتاجة لي ايديا ،،
,, انت ليه مصر علي القصيدة دي بالذات ؟ ،،
,, بس اللون الاحمر ، اسمعي البيت ده بس ، بس ، لاحظي بس دي اعتراضية كيف ، بس اللون الاحمر ، لون حارتنا وكل بيوتا ،،
,, انا افتكر ده اعتراض علي الزينة عند المرأة ،،
,, لا ، ده اصرار علي الزينة ، لكن ياتو زينة ، اسمحي لي اسميهاالزينة التلقائية مش الارتفشيل ،،
,, يعني هسه انت معترض علي المنكير العاملة انا ؟ ,,
,, معترض شنو ؟ انا منحاز لي اللون ده بالذات ,,
,, انا بفتكر انو صارخ ,,
,, ميزتو انو صارخ ، درجات البنفسجي كلها جميلة ,,
,, هيي ، الساعة سبعة و ربع ، انا ماشة الداخلية ,,
ماشة تنومي يعني ؟ ، ما نقعد شوية ,,
انت ناسي ولاشنو ؟ ، مفروض احضر لي سمنار بكره و ما عملت حاجة غير جمع المعلومات ,,
,, لا ،كده معليش ,,
,, عندك حق الفول ,,
,, لا ، ماخلاص حاتعشي في الداخلية ,,
,, خلاص ، هاك اشتري سيجاير ,,
,, ياخوانا ، التوليت ما بختوا فيهو عفش ,,
ارتدت خيالاته ، اختناق ، عدل وضع رجليه ، اليسري تنملت ، احس بانه مجبر علي سفر لم يحن اوانه بعد ، يرغب في التدخين ، تحسس السيجارة التي قبعت داخل جيبه ، تلفت حوله ، لكز احدهم في رجله ، نظر الاخر اليه من فوق ،
,, سفه ، ممكن سفه ؟ ,,
,, ابدا ما بستعمل يا ظريف ,,
دوت صفارة القطار
صليل الحديد حين يحتك بالحديد ، الحركة لها فعلها في الناس فالارتياح دب في النفوس ، بدأ اهتزاز القطار يتزايد بينما اختلطت اصوات الناس و افكارهم بايقاع منسجم مع سيمفونية المعادن الناتجة من حركة القطار ، التقت عينان لاحت فيهما معالم مدينة يتناثر فيها الخلق من احياء يصطخبون واموات يمشون عليها من زمن يأتي و لا يأتي ، مدينة تغلغلت فيها مدارات الانتباه المزمن وارتحالات القلق المميت و جرثومة النزلات المعوية ،التقت هذه العينان بعينين جنح فيهما الهدوء و لونت الرغبة فيهما الدفءوالخصوبة ، اصلحت هي ثوبها ، لاحظ هو تنفسها حين نظر الي صدرها الناهد ، ابتسم ، شكل عينيه بحديث مذاب ، حرك فمه بحركة تقول بدون صوت ،، نازلين وين يا سكره ،،
احس بكف ثقيلة علي كتفه ، رجل ناهز العقد الرابع ، نظر اليه بخبث و قال ،، ذوقك جميل ،، ، دهش ،ماتت علي لسانه الكلمات ، احس بالخوف ،، الحلوين نازلين كوستي ،، ، ضحك الرجل امتد الحديث بينها ، كان الرجل ثرثارا لايخلو من ظرافة و طرافة ، حكي عن مغامراته ، دون كيشوت في عقلية دون جوان ، اخرج الرجل من جيبه مجموعة من الصور لفتيات اينع الحسن فيهن واختلف و كانت هناك صورة عليها ختم لشفائف حمراء .
تك .. تك .. تك
ضربات حادة و متقطعة
،، التذاكر يا جماعة ،،
تململ الركاب ، حاول بعضهم الهروب فنجح و فشل البعض فتكاثرت علي جيب الكمساري النقود و قلت علي ايدي الركاب الايصالات الصفراء ايصالات الغرامة
،، انتي يا حاجه تذكرتك ،،
،، تذكرة شنو ؟ ،،
،، الله يا حاجه ، انتي مش راكبه في القطر ده ؟ ،،
،، آجي يا اخواتي ، هسه انت شايفني قاعده في مقعد ؟،،
،، في مقعد ، في الواطه ، طايره ،ياحاجه المهم تذكرتك ، تذكرتك ،،
،، هي ، كدي ،،
، ماشه وين حاجه ؟ ،،
،، ودعشانا ،،
،، طيب ودعشانا ، تدفعي حكاية …… ،،
،، لا بتدفع و ما عندي ،،
،، ده كلام شنو يا حاجه ؟،،
،، ياهو كلامي و ما بزح من هنا شبر ،،
صمت الكمساري هنيهة ، نظر اليها بيأس ثم تحرك للأخرين متخطيا غابة السيقان علي الممر .
الحصاحيصا
أرق لا تمتصه الا الحركة ، عاد الاختناق بتوقف القطار ، تبدو الوقفة ابدية ، احتراس ،هكذا يقولون ، فكر في الخروج واستخدم الشباك كباب رغم ضخامة جسمه ، لامست قدماه الارض ، رغبة عنيفة ان يطلق ساقيه للريح ، تجول في انحناءالمحطة ، دار حول القطار بالجهتين ، احساس بالكأبة يشوبه ارتياح جسماني حيث تحرر الجسم من عقاله و قوقعته داخل الممر ، تمدد علي التراب ، حدق في السماء ، تململ علي جنبه الايمن ، وخزة حادة ، انه الخنجر ، لازال في مكانه مثبتا علي حزام البنطال ، لابدمن التسلح داخل فناء الجامعة ، احداث العنف الاخيرة تبعها هوس التسلح ، يتذكر الان ،كان يقلب في كتاب تقويم السودان للعام 1945 م ، كان ممتنا للجهد الذي بذله الريح العيدروس في تقديمه لمعلومات اراد ان يستعين بهافي بحثه عن العلاقات المصرية السودانية آنذاك ، كان يقرأ بالتحديد عن اتفاقية 1899م ،، ولما كان السودان جزءا لا ينفصل عن مصر فان وجود الجنود البريطانيين في السودان يقوم علي نفس الاساس الذي يقوم عليه وجود جنود بريطانيين في مصر نفسها و علي ذلك فان الحكم علي وجود الجنود البريطانيين في السودان كحكم وجود الجنود البريطانيين في مصر ، هذا والخلاف بين الطرفين المصري والبريطاني بشأن السودان قد وصل الي عقدة يقدر كل المراقبين السياسيين بانها لا تحل بالمفاوضات والرأي المصري ….. ،،
خبط علي الباب ، ترك الكتابة ، فتح الباب ، ادفع قدوره يلهث متعبا ،، جاطت ، خبط تقيل ، النور و عبيد في المستشفي ،،
،،المستشفي ؟؟ ،،
،، النور مطعون ، حالتو خطره ، عبيد مفلوق ،نزف شديد ،،
،، وين الكلام ده ؟ ،،
،، قدام صناديق الاقتراع ، كدي هسه قوم ،،
،، مؤسف ،نمشي وين ؟ ،،
،، اجتماع لازم نستعد ،،
،، حتكون حرابه يعني ؟ ،،
،، ما معروف ، لازم كلو زول يحمي نفسو ،،
اتفق الاجتماع علي ضرورة التسلح الفردي ، لم يقتنع بالفكرة تماما ، لم يكن ميالا الي العنف ،لكن رحاب اجبرته علي التسلح و اشترت خنجرين ، اعطته واحدا و علي عينيها جسارة و تمرد .
،، انتي ما محتاجة لي خنجر يا رحاب ،،
،، برضو ؟ ، زي المنكير ،،
،، عندك سلاح اقوي من كده ،،
،، لا عليك الله اقنعني لامن اروح في شربة مويه ،،
،، عيونك يا رحاب ، عيونك اخطر من القاذفات ،،
،، اولا ، دي رده ، لانو ناس الحقيبة قالوها قبلك ،،
،، عارف ،جوز عيونو مدافع السواحل ،،
،، ثانيا ، دي رومانسية ثورية ساكت ،،
لا زال الخنجر في مكانه ، ربما لانه من رحاب ، البحث عن طوطم متعلق بها ، سفر اجباري ، هي الي بورتسودان وانا الي الابيض وبين شرق و غرب انهزم الزمن العاطفي امام الزمن السياسي ، لم يبق الا التفلسف ، الجامعة تقفل ابوابها ولاجل غير مسمي ، اخذ نفسا عميقا ، جلس ، تفحص ارجاء المحطة بنظرة لا مبالية ،هب واقفا ، دوت صفارة القطار ، هرول الركاب ، حصل علي سفه من احدهم ، كورها علي راحة كفه ، وضعها علي لثة شفته العليا وبصق مفكرا في امكانية الصعود الي مكانه .
السطوح
كان مكتظا بالركاب ،منهم من تعود علي معانقة النسمات علي السطح و منهم من ضاقت به ذات اليد فلاذ بالسطح هربا من عيون الكمساري وبديلا عن مطاردات الشرطة و منهم من جعل التسطيح هواية له هربا من الزحمة في الداخل فاذا السطح يضيق و تتلاصق عليه الاجساد.
انتفض احدهم هاربا لانه حظي بنظرة قاسية من الشرطي الذي كان يهم الصعود ، ركض مسرعا ليتخطي العربة التي داهمها البوليس ، تجمد فجأة بعد ان قابل شرطيا آخر علي جانب العربة العربة الثاني ، حوصر سطح العربة شرطيين ، اخرج احدهم مسدسه و ضخم صوته ،، يا سلام ، يا سلام علي النسيم العليل ، يا الله اتحركوا انزلوا علي الحراسة وبدون فوضي ،، .
اقترب احد الركاب من الشرطي وبعد ممانعات وصلت حد الدلال والغنج ، همس له الشرطي واتحه الراكب الي بقية الركاب الذين صاروا حجارة صامتة الا ان دواخلهم كانت تفكر في المصير ، قابل لسان الراكب اذن بقية الركاب
،، شوفوا ليهم حاجة ياجماعة وارتاحوا ،،
بدات لنقود تتوافد علي يد الراكب ، جمعها ، ناولها للشرطي الذي جال بنظره علي الركاب ، حولهم سريعا الي ارقام ونظر الي النقود قائلا ،، خلصت منهم كلهم ؟ ،،
،، كلهم ، كلهم يا جنابو ،،
،، بس دي بسيطة ،،
،، معليش ، قدر الحال ،،
،، وانت متأكد انو كلهم دفعوا ،،
،، طبعا ، متأكدة ،،
،، لا ، معليش ، نسيت ،،
و ادخل الراكب يدا مرتجفة في جيبه و ناول الشرطي ورقة من فئة الخمسة جنيهات وارتاح الركاب علي السطح و تعالي شخير بعضهم طاغيا علي احاديث البعض .
سنار التقاطع
صراخ حاد ، ولولة مكثفة ، هرول بعدها الناس الي عربةمن عربات النوم ، استطاع احد الاذكياء ان يسرق شنطتين عادت بهما ست النفر من القاهرة انها شيلة ابنها حسن الذي اهتدي اخيرا الي الزواج بعد ان اقترب من الاربعين ، تفرق الناس مع صفارة القطار ، الكل يجري الي مكانه خوفا من ان يضيع .
عربة البوفيه
انزل عمامته علي فخذه وخلع نظارته و مسح علي رأسه ثم نظر الي عبدالقيوم قائلا ،، شوف يا عبدالقيوم هي المسألة هي المسألة كلها ما محتاجة غير انك تكون متابع ، لانو المتابعة للامور البتحصل في السوق بتخليك تضبط استخدام السلعة التجارية ، يعني ياتو السلعة ممكن تفكها هسه وياتو صنف ممكن تخزن دلوكت وبعدين تفهم حاجة مهمة انو ما كل سلعة قابلة للتخزين ، يعني في سلع ما ممكن تتخزن اكثر من شهرين وسلعة تانية تستحمل تتخزن لمدة سنة يعني لابد من فهم قوانين التخزين الخاصة بالسلع ، انا هسه المخزن بتاعي تقريبا شوالات العيش حوالي عشرة الاف ،،
،، فتريتة ،،
،، لا ، ابدا ، مايو و حانتظر انتاج هبيلا باذن الله ،،
،، والله هسه انا مفكر في الزيت ،،
،، ما انا متكل علي كوتات التموين ،ده طبعا بمساعدة عباس ,,
،،عباس الرسمي ، باللاهي ، ده راجل مفيد،،
واحضر الساعي عشاء فاخر ، وضع عبدالقيوم مسبحته الصغيرة ذات الحبيبات المزركشة اللامعة في جيبه و شمر كم جلابيته السكروتة بعد ان وضع مرفق اليد اليسري علي التربيزة ، مصطفي يعلو نفسه حين يأكل مصدرا اصواتا نهمة ، قال و فمه ملئ بثلاثة لحمات و خمشة من الجرير
،، بعد ما اشوف ارباح السنة دي، بعد الجرد طوالي حاكون عريس ،،
،، يا راجل ، بعد ده انت عندك نية عرس ؟ ،،
،، هو البعرس غيرنا منو ؟ ، نحن بس الممكن نعرس و بعدين القروش اصلها ضايعة فاحسن الواحد فينا يستمتع بزينة الحياة الدنيا ، ولاشنو ؟ ،،
،، والعروس ؟ ، نقيتا ؟ ،،
وتغير صوت مصطفي الي همس مشحون ،، نازك ، نازك بت حسنين ، يا دوبك كده في كادوقلي العامة ،،
،، في الثانوية العامة بنات ؟ ،،
،، يعني حتكون في العامة بنين ؟ ،،
وانتشر في عربة البوفيه ضحك متخم و صفيق .
كوستي
اختلط ضجيج الباعة و المسافرين ، كوستي تلك المدينة ذات الحيوية العالية ، كان قد تمدد علي الارض مدة ارتاحت فيه عضلاته من التقلص ، بعدها اخذ يتجول بين ارجاء المحطة ، احس بانتعاش بعد ان شرب كوبين من الشاي علي التوالي ، الرغبة في المشي ازدادت ،تابع خطواته دون هدف ، اصوات البوابير من الورشة تختلط برائحة الزيوت القديمة التي تمتزج برائحة السمك ، هربت خطواته من الضجة والرائحة بحثا عن نسمة عليلة ، ادخل يده في جيبه ، اخرج سيجارة من العلبة التي اشتراها في المحطة ، اتجه صوب شجرة نيم ظليلة تقابل شارع الاسفلت المجاور للمحطة ، جلس تحتها واشعل سيجارته ، اخذ نفسا عميقا وهو يتابع عربات الكارو واللواري والعربات الصغيرة و عربات التاكسي البيضاء و هي تخرج او تتوغل داخل المدينة ، احس بوخز الخنجر علي جنبه ، قفزت الي ذهنه الهراوات والدماء التي سالت ، عدل من وضع الخنجر ، انها رحاب تلك المتمردة الجميلة ، انها تتجلي لي ن خلال هذا الخنجر ، تتعمق صورا في داخلي ، كلما احس بالخنجر اشك في انني اصبحت طوطميا ، تري هل كانت محقة حين اشترته لي ؟
،، الخنجر معاك ؟ ،،
،، خليتو في الداخلية ،،
،، ليه يعني ؟ ، تقيل ؟ ، ما بتقدر تشيلو معاك ؟ ،،
،، رحاب ،ما ضروري كل يوم الواحد يشيل معاهو خنجر ، يعني بس …. ،،
،، بطل التنظير الكثير و حقو ترجع الداخلية تجيبو ،،
،، رحاب ، ما ضروري ،،
،، شنو الماضروري ، ممكن تحصل اي كعة ،،
،، نحن وين؟ ، في تكساس ؟ ،،
،، في تكساس ، في الفسطاط ، المهم لازم تكون مسلح ،،
، رحاب ، انتي ايفة علي ؟ ،،
،، عليك الله بطل الرومانسية بتاعتك دي وارجع الداخلية ،،
،، انت مدياني فرصة اكون رومانسي ؟ ،،
،، يا ود خليك قدر الموقف ،،
،، طيب ، القاك وين ؟ ،،
،، في الكافتيريا ، طبعا ،،
لا ادري كيف اصبح الخنجر مألوفا لدي ؟ ، رحاب لديها القدرة علي جعل كل الاشياء تبدو اليفة و منسجمة ، حتي السلاح ، قدرة متميزة في التعامل مع الاشياء ، كل الاشياء ، انا مصر علي انها تستطيع ان تكون مركزا لكل الكون ، يبدو انني اعطيها مميزات خارقة ، طبعا انه الحب ، الحب يفعل العجائب .
صفارة طويلة ، ركض مسرعا نحو القطار .
الغبشه
تناثر الركاب علي الارض ، رمال ناعمة و مغرية للنوم خاصة ان كثرة الامطار في المحطات القادمة اوقفت القطار.
،، اطعن بي هنا ،،
تجمع بعضهم يلعبون الضالة
،، خلي يطعن هنا وانت اطعن هناك ،،
،،انت راجل براك ، هنا ،،
و جاءت صرخة جميلة
،، ايوه الشاي
الشاي السخن يا ،،
وتحول الصوت الي غناء مبحوح
،، الشاي جميل
هبهانو تقيل
و مويتو من النيل ،،
و دوت صفارة القطار فاهتزت جوانب بائع الشاي و بصق السفه بعد ان وضع براده علي الارض
،، الله يلعنك يا الشؤم ،،
داعبه احد الركاب و هو يركض ،، معليش يا عمو المره الجايه ،،
الدرجة الثانية الممتازة
كانت هناك علي الممر الذي هو فيه يدان تعبثان بنهدين لم يتذوقا اللمس بعد ، وتضايقت الصبية و قالت بصوت احتواه الأنين ،، يمه ، يمه ، القاعد معاك فوق الكرتونه منو ؟ ،،
،، يا مني مالك ؟ ،، ، ردت الوالدة التي كانت قرب التوليت
،، الحته دي ضيقة يمه ،، قالت مني و الأنين لا زال في صوتها ، قام صاحب اليدين العابثتين من شنطته التي شاركته فيها الصبية الجلوس و قال بصوت مرتبك ،، طيب ، ارتاحي كويس ،،
،، لا ، لا ،، قالت مني بغضب .
و من بعد بعيد قالت والدة مني ،، يامني مالك يابت ، يا حماد ، شوف اختك مالا ،،
،، اقعدي خلاص ،، قال صاحب اليدين العابثتين وانفجرت مني ،، ما تتكلم معاي يا وسخ يا صعلوك ،،
وتدخل حماد بعد ان فهم من عيون اخته ما الذي حدث و صفع صاحب اليدين العابثتين واشتبكا حتي ان المسافة الضيقة في الممر صارت اوسع علي بقية الركاب ،عاد هو من افكاره المتشعبة ليراقب الموقف الذي يحدث الان ، صرخة حادة من احد المشتبكين وارتطم جسمه بارضية الممر بينما وقف حماد و في يده سكين تسيل منها الدماء ، تلتخطت ارضية الممر بالدماء وتجمهر الركاب واحس هو بالغثيان والدوار ،انتابته رغبة عنيفة للانفلات من هذا المكان ، تجمدت افكاره علي شئ واحد هو الخنجر ، تحسسه جيدا ، اخرجه من مكانه ، الاشتباكات امام صناديق الاقتراع ، السكين في يد حماد ، عصي من السيخ ، عيون رحاب المتمردة ،الخنجر في يده ، شعارات انتخابات الجامعة ، الدماء علي الممر ، القطار يبطئ السرعة ، الخنجر في يده ، اخرج رأسه من الشباك ، بدأت ملامح المحطة تبدو ، الغثيان ، الدوار ، ضجة الركاب ، الدماء علي الممر ، القطار يبطئ السرعة ، شعارات الانتخابات ، ضحكة رحاب الساخرة ، الخنجر في يده ، رأسه يطل من الشباك ، الرمال بدأت تنمو عليها الخضرة ، صبية و اطفال يركضون ، يسألون القطار خبزا ، غثيان ، دوار ، قذف بالخنجر ، انغرز علي الرمال التي بدأت الخضرة تنمو عليها ، تسابق الاطفال نحو الخنجر يحسبونه خبزا واستطاعت صبية ان تفوز به لكبر سنها ولخفتها ، اخذت الخنجر واتجهت نحو القرية و هي تصرخ
,, يمه ، يمه
البشاره
البشاره
يمه
البشاره ،،
وابتسم هو من خلال دموعه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.