بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    شمس الدين كباشي يصل الفاو    لجنة تسييرية وكارثة جداوية؟!!    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    المريخ يتدرب بالصالة    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    سوق العبيد الرقمية!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح جلال يقدم ورقة بحثية حول حزب الأمة وإشكالية طرح المبادرات من غير نتائج
نشر في حريات يوم 27 - 03 - 2013


بسم الله الرحمن الرحيم
ورقة بحثية حول
حزب الأمة وإشكالية طرح المبادرات من غير نتائج
مقدمة:-
حزب الأمة القومي من أكثر الأحزاب إنتاجا فكريا وسياسياً في الساحة السودانية نسبة لوجود زعيم مفكر ومثقف متمكن على قيادته ، لكن في الآونة الأخيرة بدأت تتحول هذه القيمة الإيجابية من إلى تساؤلات وتعجب فقد اطلعت قبل مدة لمقال ساخر من الدكتور حيدر إبراهيم حول كثرة مبادرات حزب الأمة حتى أنة ادعى في المقال أن السيد الصادق نفسه ليست لدية المقدرة على تذكرها من كثرتها وقلة نتائجها مما اقتضى بالضرورة الوقوف عليها عندما تحولت هذه العملية إلى ظاهرة لبحث الأسباب وتحرى مواقع الخلل وطرح الحلول وهذا ما تفعله كل التجمعات الفاعلة وهي تراجع وتُحسّن في أدوات ووسائل عملها في مسيرتها برؤية نقدية كل منتجاتها حتى تضمن استمراريتها وعطائها وصحة آليات توسلها لمظان الشعبية والتأييد والقدرة على الحشد و إحداث التغييرات المطلوبة سياسياً واقتصادياًّ في مجتمعاتها وبخصوص هذه الدراسة سنقوم باستعراض عام أهم مبادرات الحزب في الأعوام الماضية للتذكير بها ونتعرض بالتحليل لأكثر المبادرات أهميةً وهي مبادرة نحوا مشروع سلام عادل وشامل وصيغة مشروع الكوديسا التي نجحت في تجاوز الأزمة في جنوب أفريقيا وفتحت الطريق أمام تحول إستراتيجي أفضى لتفكيك نظام الفصل العنصري و إقامة نظام ديمقراطي قائم على الحرية والمساواة.
أهم المبارات التي طرحها حزب الأمة القومى في السنوات الأخيرة تمثلت في الآتي :-
مبادرة نداء الوطن في 2001.
مبادرة التعاهد الوطني في 2002.
مبادرة التراضي الوطني 2008.
مبادرة الطريق الثالث 2009.
مبادرة الأجندة الوطنية 2011.
مبادرة مشروع السلام الشامل العام 2012.
مدخل أكاديمي لأدب المبادرات وشروط صحتها:-
المبادرة هي عملية منظمة تطرح لمعالجة قضية ما، تشكل خطراً محدوداً أو شامل أو مصلحة جماعية ولها سمات تتمثل في الآتي :-
1. تحديد أهداف المبادرة.
2. تحديد الأطراف المعنية بالمبادرة.
3. تحديد زمن إطلاق المبادرة وزمن ختام و انتهاء المبادرة.
4. تحديد العقبات المتوقعة ووضع سيناريوهات لمواجهتها و تحديد الأنشطة والفعاليات التي تلزم لنجاح المبادرة.
5. تحديد وتسمية قيادة للمبادرة تقوم بامتصاص المفاجآت في مسار المبادرة، وحصار نطاق مناورات أطراف المبادرة لتحسين أوضاعها التفاوضية والتخطيط للمسار العملياتى للمبادرة.
6. تقييم دوري لسير المبادرة.
وسائل تقييم المبادرات :-
تقيم المبادرات بالطرق الآتية :-
1. التقييم بالأهداف حيث أن بعض المبادرات تحتوى على أهداف مركبة.
2. التقييم بالإجراءات، وهو يتركز على تقييم الإجراءات والتكتيكات التي اتخذت لإنجاح المبادرة وطرح سؤال لماذا؟ وكيف؟
3. التقييم بالنتائج وهو الهدف النهائي للمبادرة في المدى الزمني المحدد لها.
أسباب عدم نجاح المبادرات:-
1. ضبابية الأهداف وعدم واقعيتها.
2. التخطيط غير الجيد للمبادرة وعدم الدراسة الكافية للعناصر أطراف المبادرة ونقص المعلومات وعدم صحة تحليل الموقف لحظة إطلاق المبادرة .
3. عدم تحديد الأدوار بطريقة دقيقة لقيادة المبادرة.
4. عدم التدخل الإجرائي لصناعة المناخ الذي يدفع أطراف المبادرة لقبول الحلول الوسطى .
5. نقص الاتصالات و المعلومات وتحليلها لدى القيادة المطلعة على إدارة المبادرة .
6. عدم وجود جهاز تنفيذي للمتابعة اليومية وكتابة التقارير وجمع المعلومات عن أطراف المبادرة وتصرفاتهم اليومية التي تأثر على سير المبادرة .
هذه هي مجمل الأسباب العلمية والعملية التي تجعل المبادرات تسقط قبل الوصول لأهدافها المخطط لها، وقلة مردودها الإيجابي على المشكلة المراد حلها بإطلاق أكاديمي دون تفاصيل و إسهاب لدواعي السلاسة والتيسير للمطلعين على هذه الورقة .
ما هي العلاقة والفرق بين المبادرة و الأزمة ؟؟
الأزمة فنياً: هي اللحظة الحرجة في مسار إشكال ما، وهي النقطة التي تحدد جديد، أو انفجار يحول الأشياء لحطام .
كما تعرف الأزمة: بأنها اللحظة التي تتغير فيها قواعد اللعب المتعارف عليها من بعض الأطراف أو كل الأطراف في الأزمة وظهور قواعد لعب جديدة ” Game changing ” و الأزمة غالباً تسبق المواجهات الحاسمة بفروق زمن قليلة.
دائماً هناك علاقة بين الأزمة والمبادرة وخلط في المفاهيم بينهم حيثما تكون هناك أزمة تظهر المبادرة لاحتوائها ومن هنا يأتي الخلط بين الأزمة والمبادرة.
عناصر إدارة الأزمة :-
عندما تنشب الأزمات دائما تتكون أدارة طوارئ للأزمة وهي لحد كبير مشابهة لعناصر أدارة المبادرة الفرق الوحيد أن المدى الزمني لإدارة الأزمات محدود جداً مقارنة بإدارة المبادرات حتى لا تتحول الأزمة إلى نزاع شامل بتكلفة عالية مادية وبشرية لذلك الأزمة ذات طبيعة اضطرارية، الأحوال بعد الأزمات لا يمكن أن تعود على ما كانت علية قبلها ، على عكس المبادرة التي تطرح خارج إطار الأزمة أحياناً،فقد تتمكن من أعادة الحال إلى ما كان علية قبل المبادرة.
عناصر إدارة الأزمة تتكون من الآتي:-
1. تحديد عناصر الأزمة.
2. تحليل عناصر الأزمة .
3. معرفة المصالح الكامنة في الأزمة بين أطرافها المعلن منها والضمني.
4. تكوين قيادة لإدارة مبادرة الأزمة وتكوين إدارة تنفيذية للمتابعة اليومية لإدارة ملف الأزمة .
عادة يتم تفكيك الأزمة لمكوناتها الأولية ودراسة كل مكون على حدة – من حيث المزايا والسلبيات والقدرة على التصعيد وتحديد وسائل الإغراء والتهديد لأطراف الأزمة للوصول لحلول “Carrot & Stick”.
من هنا يتم تحليل موقف الأزمة وتحديد أسلوب إدارتها ووسائل تقييمها.
مستويات إدارة الأزمات:-
مستويات إدارة الأزمة دائما تكون متعددة وهي ليس بالضرورة في حالة المبادرة فإدارة الأزمة تعمل على المستويات الآتية :-
1. مستوى إيقاف التدهور و احتواء التداعيات.
2. مستوى الفصل بين أطراف الأزمة تجنبا للتصعيد.
3. مستوى طرح الحلول على المستوى الظرفي والمتوسط والمستوى الإستراتيجي.
هذه ملامح لأوجه الشبهة و الارتباط والفرق بين الأزمة والمبادرة وأوجه الاختلاف و أسباب الخلط بينهما.
حزب الأمة يطرح مبادرة للسلام العادل الشامل على قرار مشروع الكوديسا بجنوب أفريقيا:
مشروع السلام الشامل والعادل الذي طرحة حزب الأمة بتاريخ11/08/2012 متوسما خطى مبادرة الكوديسا التي طرحت لمواجهة نظام الفصل العنصري بين الحكومة البيضاء و الأغلبية الأفريقية السوداء وما حققته هذه المبادرة من نجاح في استعادة الديمقراطية وتحقيق المساواة والمصالحة بين مكونات المجتمع الجنوب أفريقي ، فقد أرست هذه المبادرة سوابق سياسية وقانونية تدرس الآن في الجامعات والمعاهد لطلاب العلوم السياسية ، وعلية تيمن حزب الأمة بهذه المبادرة تسنده حقيقة قصة نجاح باهر لهذه المبادرة ، سنقوم بدراسة مشروع مبادرة الكوديسا عبر مراحلها المختلفة ونحلل المبادرة والظرف والمناخ وطبيعة القوى المتواجهة وفلسفة المبادرة وشروطها التي قادتها لتحقيق هذا النجاح والصيت التاريخي ، حتى يتمكن حزبنا من ترسم الخطى وخلق الظروف وتبنى فلسفة إجراءات الكوديسا بوعي علمي وعملي يمكننا من استنساخ شروط النجاح وهذا هو الجزء الثاني من مرامي و أهداف هذه الدراسة البحثية لتعين قيادات وكوادر الحزب بالمعرفة بالحيثيات وموجبات النجاح ، حتى يبلغ مشروع السلام العادل أهدافه ومراميه المتوسمة خُطى كوديسا جنوب إفريقيا.
أولا: ما هي الكوديسا؟؟
هي مؤتمر جامع للأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني والحكومة البيضاء في جنوب إفريقيا بعد سقوط حكومة اليمين المتطرف بقيادة الرئيس الأبيض بيتر بوتا 1989وتمانتخاب فريدريك دكليرك رئيسا للحكومة حدثت اجتماعات الكوديسا في الفترة بين 1989—1998 فقد كان طرفي المبادرة الرئيسيين هما حكومة دكليرك والمؤتمر الوطني الأفريقي ANC بقيادة نيلسون مانديلا.
ثانيا: المشهد السياسي لحظة طرح الكوديسا
لحظة طرح المبادرة كان المؤتمر الأفريقي يصعد مواجهته لنظام الفصل العنصري بصورة حادة وجادة من المواجهات فقد كانت كل قيادات الصف الأول في السجون مانديلا، أحمد كثرادا، بيتر سييسلوا، وغيرهم فقد كان عدد المعتقلين والمسجونين يقارب الخمسة ألف معتقل ومسجون منهم محكومين بأحكام طويلة وحوالي ألف مسجون محكومين بالإعدام وكانت المقاومة الشعبية في قمة عنفوانها كل المدن الرئيسية تمسى وتصبح على المظاهرات الجماهيرية المنظمة من قبل الجبهة الديمقراطية المتحدة بزعامة شخصيات مثل سيريل راموفوزا، وويني، مانديلا وديزموند توتو و آخرين من الأفارقة من أصل هندي وكذلك المقاومة المسلحة بقيادة رماح الأمة الجناح العسكري لحزب المؤتمر الأفريقي في تصعيد ومواجهة يومية هددت مصالح الشركات الكبيرة وقدرتها على إدارة أنشطتها الاقتصادية بفعل الإضرابات المستمرة التي تقودها المركزية النقابية المعروفة ب(كوزاتوا) مما دفع ببعض الشركات الكبيرة لحافة الانهيار الاقتصادي.
وقد كان نظام الفصل العنصري في تلك الفترة يعيش عزلة مجيدة وعقوبات دولية مفروضة من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن كل ذلك بفضل نشاط حزب المؤتمر الأفريقي في الخارج بقيادة أوليفر تامبو المقيم في لندن وتابو أمبيكى المقيم بين هرارى وموزمبيق و أنقولا و أديس أبابا.
في ظل هذه الظروف أصبح هناك تيار وسط الأقلية البيضاء يتحدث عن استحالة الاستمرار في المعالجات الأمنية لمواجهة قوى المجتمع الأفريقي كلها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين وهي معبئة نحو هدف مركزي موحد الديمقراطية والعدالة والمساواة.
هذا هو المناخ السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي الذي تولدت فيه مبادرة الكوديسا ، هذا المناخ هو الذي دفع أطرافها لقبولها والسير فيها حتى نهايتها المتوجة بقصة النجاح الباهر الذي دفع حزب الأمة إلى تبنيها تيمناً بخواتمها.
ثالثا: فلسفة الكوديسا
الكوديسا نتاج صراع حاد بين الحكومة البيضاء وكل شرائح الشعب في جنوب أفريقيا ولحظة طرحها هي لحظة وعى طرفي المعادلة بان سياسة الردع والردع المضاد ستقود جنوب إفريقيا الدولة إلى الانهيار ،من هنا تولدت فلسفة الكوديسا وهي القدرة المتبادلة على الردع أو ما عرف بسياسة ( الإفناء المتبادل ).
رابعا: قصة الكوديسا
في ظل حملة عالمية غير مسبوقة في التاريخ الإنساني نسجها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في أركان الدنيا الأربعة للتضامن مع رمز نضاله نلسون مانديلا الذي أمضى ثمانية عشر عاماً في سجن جزيرة روبن آيلاند وحدة ، بدأت حكومة فريدريك دكليرك مراجعة موقفها السياسي من المؤتمر الوطني الأفريقي ، و اتخذت خطوات جدية من جانب واحد لتهيئة الظروف للحوار بدل المواجهة فتم نقل مانديلا من سجن روبن إلى سجن بالسمور في جوهانسبيرج ومن ثم نقلة للإقامة الجبرية في أحد القصور الحكومية وبدأت مرحلة إبداء حسن النوايا.
اشترط مانديلا في مرحلة حسن النوايا مجموعة من الإجراءات لتهيئة المناخ للتفاوض والتي تم قبولها وتنفيذها قبل بدأ التفاوض منها :-
1. إطلاق سراحه وقيادة المؤتمر دون شروط في 1990م.
2. إلغاء أحكام الإعدام الصادرة في حق كوادر العمل الوطني والسياسي.
3. إقرار الحقوق المدنية والسياسية على قدم المساواة لمواطني جنوب إفريقيا.
4. وافقت حكومة دكليرك على هذه الإجراءات مقابل إجراءات من حزب المؤتمر الوطني.
5. مقابل هذه الإجراءات أجاز حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إعلان سياسي وهو ما عرف (بإعلان هرارى الذي أعلن فيه قبول مبدأ التسوية المتفاوض عليها و تجميد مبدأ الكفاح المسلح لاستعادة الحقوق.
* من المهم الإشارة أن مفاوضات الكوديسا كانت تسير في محورين:-
 محور التفاوض الثنائى مع حزب المؤتمر الأفريقى وحكومة دكليرك.
 المحور الثانى وهو تجمع الأحزاب والهيئات والنقابات المعروف بالكوديسا.
بدأت مفاوضات الكوديسا رسميا في عام 1990 برصيد محدود من الثقة بين أطرافها ، المؤتمر الوطني الأفريقي دخل المفاوضات وهو يتطلع لإنهاء التفرقة العنصرية وتحقيق المساواة في الحقوق والواجبات لكافة مواطني البلاد ، مع إقرار نظام حكم ديمقراطي تعددي حقيقي.
ودخلت الحكومة البيضاء التفاوض وهي تتطلع لمخرج آمن يضمن للأقلية البيضاء المشاركة في السلطة دون تصفية خصومات وضمان هبوط آمن وهو ما عرف بسياسة “Peace full soft landing” هذا ما دعم فلسفة الكوديسا وقادها للنجاح وهو مبدأ الاحتياج المتبادل لإطراف الحوار والقدرة المتبادلة على الردع والمقاومة .
 توصلت أطراف الكوديسا لأول وثيقة اتفاق في عام 1990م وهو ما عرف بإعلان دقيقة بريتوريا.
 هذا الإعلان هو الذي أعلن فيه رسمياً قبول مبدأ الحل التفاوضي و الإعلان الرسمي لإيقاف المقاومة المسلحة .
 ثم تلاحقت تطورات الكوديسا ففي عام 1991 تم التوقيع على اتفاقية السلام الوطنية .
 خلال الفترة من 1991إلى 1993 جرت مفاوضات الكوديسا في شكل لجان تناولت قضايا رئيسية متعددة وأساسية ذات طبيعة ومعرفة تخصصية .
كان أهم أحداث مفاوضات الكوديسا هو الاستفتاء الذي أجرته حكومة دكليرك في عام 1992 للبيض فقط وهو الاستفتاء الذي أجاز مبدأ التفاوض مع الأفارقة السكان الأصليين و أقر إنهاء سياسة الفصل العنصري فقد أيد هذا الاستفتاء بالتصويت (نعم) حوالي 60% من البيض المقيمين بجنوب إفريقيا مما أعطى حكومة فريدريك دكليرك دعم قوى للسير في التسوية إلى نهايتها.
لم تكن المفاوضات سهلة وسلسة فقد اصطدمت بعدة عقبات ففي نفس العام حدثت نكسة المفاوضات المشهورة التي أعلن فيها مانديلا إنهاء التفاوض والعودة للحرب والصراع و أنه غير مستعد لتوقيع اتفاق لا يعيد البلاد إلى أغلبية سكانها ، فقد كان هذا الموقف بمثابة العودة للمربع الأول فقد خرج حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وحلفائه كما لم يخرجوا من قبل وتحولت دولة جنوب أفريقيا بكاملها لساحة معركة حبس فيها العالم كله أنفاسه و اندهشت النخبة الحاكمة في جنوب أفريقيا للاستعداد النضإلي إلى أظهره الحزب القائد للساحة السياسية في جنوب أفريقيا.
فقد كانت الخسائر في الأرواح بلغت رقماً قياسيا والخسائر المادية تجاوزت الحصر مما أكد تصميم الشعب في جنوب أفريقيا بلوغ أهدافه بكل الوسائل.
في نوفمبر من العام 1993 تم توقيع الاتفاق الأساسي في مفاوضات جنوب أفريقيا (الكوديسا) الاتفاق الذي:-
1. أنهي حكم التفرقة العنصرية.
2. وحل الحكومة والبرلمان العنصري.
3. وفتح الطريق لتشكيل حكومة وحدة وطنية مدتها 5 سنوات.
4. كما أجاز دستور جديد لجنوب أفريقيا من أربعة وثلاثين مادة و إجازة وثيقة حقوق.
أشهر لجان الكوديسا كانت هي لجنة المكاشفة والحقيقة، التي ترأسها القس ديزموند توتو الحائز على جائزة نوبل لقد أرست هذه اللجنة قاعدة قانونية جديدة إضافة للقانون الإنساني الدولي الذي أكد على ضرورة معاقبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وأرست مبدأ عدم الإفلات من العقاب، لكن لجنة المكاشفة والحقيقة خالفت القانون الإنساني الدولي، بأن اكتفت بإقرار المجرم والاعتذار للضحية والعفو عن العقوبة وتعهد الجاني عدم تكرار الجريمة.
هذه هي قصة الكوديسا التي يطرحها حزب الأمة القومي نموذجا للحل في مبادرته نحو مشروع سلام عادل وشامل.
ونحن نطلع على قصة نجاح هذه المبادرة الأفريقية المشهورة يجب عدم إغفال العنصر الدولي و الأممي الذي أحاط بمفردات هذه المبادرة ولعب دور لا يمكن إغفاله لأي دارس لهذه المبادرة.
السؤال هل أهل السودان مستعدون لقبول مبدأ الكوديسا ؟؟
في عفا الله عما سلف وفتح صفحة جديدة من الحياة السياسية لابد من إجراء حوار واسع مع قوى المجتمع المختلفة والأحياء من الضحايا وأولياء دم الشهداء والمؤسسات العدلية الدولية للاتفاق على المبدأ حتى لا يكون عطاء من لا يملك لمن لا يستحق وندخل في وعد واتفاق يمكن الوفاء به أتمنى ان تكون هذه الإضاءة مدخل لحوار جاد حول كيفية طرح المبادرات والقدرة على فرضها وتوفير اشتراطات نجاحها، بلا شك أن طرح المبادرة في حد ذاته فعل إيجابي لا يقلل من قيمته في العمل السياسي ، وبلا شك حزب الأمة القومي رائد في هذا المجال ، و أننا الآن نبحث خطوات أكثر تقدماً من تجربتنا التنظيمية الحزبية حول كيفية إنجاح المبادرات والوصول بها للمبتغى والنتيجة المطلوبة و أتطلع أن تكون هذه الورقة مساهمة في تطوير وتحفيز حزب الأمة القومي لقيادة الحركة السياسية السودانية بما لدية من مقومات وقدرات إذا أًحسن التخطيط والعزم على استخدامها أنا ومعظم المراقبين المنصفين يعتقدون بالإمكان أحسن ما هو كائن والنصر حليف طلاب الحرية والتقدم في كل مكان.
الورقة إعداد:
صلاح جلال
كانبرا
التاريخ 07/02/2013م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.