ميليشيا الدعم السريع ترتكب جريمة جديدة    بعثة الرابطة تودع ابوحمد في طريقها الى السليم    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون ينقلون معهم عاداتهم في الأعراس إلى مصر.. عريس سوداني يقوم بجلد أصدقائه على أنغام أغنيات فنانة الحفل ميادة قمر الدين    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    سيدة الأعمال رانيا الخضر تجبر بخاطر المعلم الذي تعرض للإهانة من طالبه وتقدم له "عُمرة" هدية شاملة التكاليف (امتناناً لدورك المشهود واعتذارا نيابة عنا جميعا)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح جلال يقدم ورقة بحثية حول حزب الأمة وإشكالية طرح المبادرات من غير نتائج
نشر في حريات يوم 27 - 03 - 2013


بسم الله الرحمن الرحيم
ورقة بحثية حول
حزب الأمة وإشكالية طرح المبادرات من غير نتائج
مقدمة:-
حزب الأمة القومي من أكثر الأحزاب إنتاجا فكريا وسياسياً في الساحة السودانية نسبة لوجود زعيم مفكر ومثقف متمكن على قيادته ، لكن في الآونة الأخيرة بدأت تتحول هذه القيمة الإيجابية من إلى تساؤلات وتعجب فقد اطلعت قبل مدة لمقال ساخر من الدكتور حيدر إبراهيم حول كثرة مبادرات حزب الأمة حتى أنة ادعى في المقال أن السيد الصادق نفسه ليست لدية المقدرة على تذكرها من كثرتها وقلة نتائجها مما اقتضى بالضرورة الوقوف عليها عندما تحولت هذه العملية إلى ظاهرة لبحث الأسباب وتحرى مواقع الخلل وطرح الحلول وهذا ما تفعله كل التجمعات الفاعلة وهي تراجع وتُحسّن في أدوات ووسائل عملها في مسيرتها برؤية نقدية كل منتجاتها حتى تضمن استمراريتها وعطائها وصحة آليات توسلها لمظان الشعبية والتأييد والقدرة على الحشد و إحداث التغييرات المطلوبة سياسياً واقتصادياًّ في مجتمعاتها وبخصوص هذه الدراسة سنقوم باستعراض عام أهم مبادرات الحزب في الأعوام الماضية للتذكير بها ونتعرض بالتحليل لأكثر المبادرات أهميةً وهي مبادرة نحوا مشروع سلام عادل وشامل وصيغة مشروع الكوديسا التي نجحت في تجاوز الأزمة في جنوب أفريقيا وفتحت الطريق أمام تحول إستراتيجي أفضى لتفكيك نظام الفصل العنصري و إقامة نظام ديمقراطي قائم على الحرية والمساواة.
أهم المبارات التي طرحها حزب الأمة القومى في السنوات الأخيرة تمثلت في الآتي :-
مبادرة نداء الوطن في 2001.
مبادرة التعاهد الوطني في 2002.
مبادرة التراضي الوطني 2008.
مبادرة الطريق الثالث 2009.
مبادرة الأجندة الوطنية 2011.
مبادرة مشروع السلام الشامل العام 2012.
مدخل أكاديمي لأدب المبادرات وشروط صحتها:-
المبادرة هي عملية منظمة تطرح لمعالجة قضية ما، تشكل خطراً محدوداً أو شامل أو مصلحة جماعية ولها سمات تتمثل في الآتي :-
1. تحديد أهداف المبادرة.
2. تحديد الأطراف المعنية بالمبادرة.
3. تحديد زمن إطلاق المبادرة وزمن ختام و انتهاء المبادرة.
4. تحديد العقبات المتوقعة ووضع سيناريوهات لمواجهتها و تحديد الأنشطة والفعاليات التي تلزم لنجاح المبادرة.
5. تحديد وتسمية قيادة للمبادرة تقوم بامتصاص المفاجآت في مسار المبادرة، وحصار نطاق مناورات أطراف المبادرة لتحسين أوضاعها التفاوضية والتخطيط للمسار العملياتى للمبادرة.
6. تقييم دوري لسير المبادرة.
وسائل تقييم المبادرات :-
تقيم المبادرات بالطرق الآتية :-
1. التقييم بالأهداف حيث أن بعض المبادرات تحتوى على أهداف مركبة.
2. التقييم بالإجراءات، وهو يتركز على تقييم الإجراءات والتكتيكات التي اتخذت لإنجاح المبادرة وطرح سؤال لماذا؟ وكيف؟
3. التقييم بالنتائج وهو الهدف النهائي للمبادرة في المدى الزمني المحدد لها.
أسباب عدم نجاح المبادرات:-
1. ضبابية الأهداف وعدم واقعيتها.
2. التخطيط غير الجيد للمبادرة وعدم الدراسة الكافية للعناصر أطراف المبادرة ونقص المعلومات وعدم صحة تحليل الموقف لحظة إطلاق المبادرة .
3. عدم تحديد الأدوار بطريقة دقيقة لقيادة المبادرة.
4. عدم التدخل الإجرائي لصناعة المناخ الذي يدفع أطراف المبادرة لقبول الحلول الوسطى .
5. نقص الاتصالات و المعلومات وتحليلها لدى القيادة المطلعة على إدارة المبادرة .
6. عدم وجود جهاز تنفيذي للمتابعة اليومية وكتابة التقارير وجمع المعلومات عن أطراف المبادرة وتصرفاتهم اليومية التي تأثر على سير المبادرة .
هذه هي مجمل الأسباب العلمية والعملية التي تجعل المبادرات تسقط قبل الوصول لأهدافها المخطط لها، وقلة مردودها الإيجابي على المشكلة المراد حلها بإطلاق أكاديمي دون تفاصيل و إسهاب لدواعي السلاسة والتيسير للمطلعين على هذه الورقة .
ما هي العلاقة والفرق بين المبادرة و الأزمة ؟؟
الأزمة فنياً: هي اللحظة الحرجة في مسار إشكال ما، وهي النقطة التي تحدد جديد، أو انفجار يحول الأشياء لحطام .
كما تعرف الأزمة: بأنها اللحظة التي تتغير فيها قواعد اللعب المتعارف عليها من بعض الأطراف أو كل الأطراف في الأزمة وظهور قواعد لعب جديدة ” Game changing ” و الأزمة غالباً تسبق المواجهات الحاسمة بفروق زمن قليلة.
دائماً هناك علاقة بين الأزمة والمبادرة وخلط في المفاهيم بينهم حيثما تكون هناك أزمة تظهر المبادرة لاحتوائها ومن هنا يأتي الخلط بين الأزمة والمبادرة.
عناصر إدارة الأزمة :-
عندما تنشب الأزمات دائما تتكون أدارة طوارئ للأزمة وهي لحد كبير مشابهة لعناصر أدارة المبادرة الفرق الوحيد أن المدى الزمني لإدارة الأزمات محدود جداً مقارنة بإدارة المبادرات حتى لا تتحول الأزمة إلى نزاع شامل بتكلفة عالية مادية وبشرية لذلك الأزمة ذات طبيعة اضطرارية، الأحوال بعد الأزمات لا يمكن أن تعود على ما كانت علية قبلها ، على عكس المبادرة التي تطرح خارج إطار الأزمة أحياناً،فقد تتمكن من أعادة الحال إلى ما كان علية قبل المبادرة.
عناصر إدارة الأزمة تتكون من الآتي:-
1. تحديد عناصر الأزمة.
2. تحليل عناصر الأزمة .
3. معرفة المصالح الكامنة في الأزمة بين أطرافها المعلن منها والضمني.
4. تكوين قيادة لإدارة مبادرة الأزمة وتكوين إدارة تنفيذية للمتابعة اليومية لإدارة ملف الأزمة .
عادة يتم تفكيك الأزمة لمكوناتها الأولية ودراسة كل مكون على حدة – من حيث المزايا والسلبيات والقدرة على التصعيد وتحديد وسائل الإغراء والتهديد لأطراف الأزمة للوصول لحلول “Carrot & Stick”.
من هنا يتم تحليل موقف الأزمة وتحديد أسلوب إدارتها ووسائل تقييمها.
مستويات إدارة الأزمات:-
مستويات إدارة الأزمة دائما تكون متعددة وهي ليس بالضرورة في حالة المبادرة فإدارة الأزمة تعمل على المستويات الآتية :-
1. مستوى إيقاف التدهور و احتواء التداعيات.
2. مستوى الفصل بين أطراف الأزمة تجنبا للتصعيد.
3. مستوى طرح الحلول على المستوى الظرفي والمتوسط والمستوى الإستراتيجي.
هذه ملامح لأوجه الشبهة و الارتباط والفرق بين الأزمة والمبادرة وأوجه الاختلاف و أسباب الخلط بينهما.
حزب الأمة يطرح مبادرة للسلام العادل الشامل على قرار مشروع الكوديسا بجنوب أفريقيا:
مشروع السلام الشامل والعادل الذي طرحة حزب الأمة بتاريخ11/08/2012 متوسما خطى مبادرة الكوديسا التي طرحت لمواجهة نظام الفصل العنصري بين الحكومة البيضاء و الأغلبية الأفريقية السوداء وما حققته هذه المبادرة من نجاح في استعادة الديمقراطية وتحقيق المساواة والمصالحة بين مكونات المجتمع الجنوب أفريقي ، فقد أرست هذه المبادرة سوابق سياسية وقانونية تدرس الآن في الجامعات والمعاهد لطلاب العلوم السياسية ، وعلية تيمن حزب الأمة بهذه المبادرة تسنده حقيقة قصة نجاح باهر لهذه المبادرة ، سنقوم بدراسة مشروع مبادرة الكوديسا عبر مراحلها المختلفة ونحلل المبادرة والظرف والمناخ وطبيعة القوى المتواجهة وفلسفة المبادرة وشروطها التي قادتها لتحقيق هذا النجاح والصيت التاريخي ، حتى يتمكن حزبنا من ترسم الخطى وخلق الظروف وتبنى فلسفة إجراءات الكوديسا بوعي علمي وعملي يمكننا من استنساخ شروط النجاح وهذا هو الجزء الثاني من مرامي و أهداف هذه الدراسة البحثية لتعين قيادات وكوادر الحزب بالمعرفة بالحيثيات وموجبات النجاح ، حتى يبلغ مشروع السلام العادل أهدافه ومراميه المتوسمة خُطى كوديسا جنوب إفريقيا.
أولا: ما هي الكوديسا؟؟
هي مؤتمر جامع للأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني والحكومة البيضاء في جنوب إفريقيا بعد سقوط حكومة اليمين المتطرف بقيادة الرئيس الأبيض بيتر بوتا 1989وتمانتخاب فريدريك دكليرك رئيسا للحكومة حدثت اجتماعات الكوديسا في الفترة بين 1989—1998 فقد كان طرفي المبادرة الرئيسيين هما حكومة دكليرك والمؤتمر الوطني الأفريقي ANC بقيادة نيلسون مانديلا.
ثانيا: المشهد السياسي لحظة طرح الكوديسا
لحظة طرح المبادرة كان المؤتمر الأفريقي يصعد مواجهته لنظام الفصل العنصري بصورة حادة وجادة من المواجهات فقد كانت كل قيادات الصف الأول في السجون مانديلا، أحمد كثرادا، بيتر سييسلوا، وغيرهم فقد كان عدد المعتقلين والمسجونين يقارب الخمسة ألف معتقل ومسجون منهم محكومين بأحكام طويلة وحوالي ألف مسجون محكومين بالإعدام وكانت المقاومة الشعبية في قمة عنفوانها كل المدن الرئيسية تمسى وتصبح على المظاهرات الجماهيرية المنظمة من قبل الجبهة الديمقراطية المتحدة بزعامة شخصيات مثل سيريل راموفوزا، وويني، مانديلا وديزموند توتو و آخرين من الأفارقة من أصل هندي وكذلك المقاومة المسلحة بقيادة رماح الأمة الجناح العسكري لحزب المؤتمر الأفريقي في تصعيد ومواجهة يومية هددت مصالح الشركات الكبيرة وقدرتها على إدارة أنشطتها الاقتصادية بفعل الإضرابات المستمرة التي تقودها المركزية النقابية المعروفة ب(كوزاتوا) مما دفع ببعض الشركات الكبيرة لحافة الانهيار الاقتصادي.
وقد كان نظام الفصل العنصري في تلك الفترة يعيش عزلة مجيدة وعقوبات دولية مفروضة من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن كل ذلك بفضل نشاط حزب المؤتمر الأفريقي في الخارج بقيادة أوليفر تامبو المقيم في لندن وتابو أمبيكى المقيم بين هرارى وموزمبيق و أنقولا و أديس أبابا.
في ظل هذه الظروف أصبح هناك تيار وسط الأقلية البيضاء يتحدث عن استحالة الاستمرار في المعالجات الأمنية لمواجهة قوى المجتمع الأفريقي كلها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين وهي معبئة نحو هدف مركزي موحد الديمقراطية والعدالة والمساواة.
هذا هو المناخ السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي الذي تولدت فيه مبادرة الكوديسا ، هذا المناخ هو الذي دفع أطرافها لقبولها والسير فيها حتى نهايتها المتوجة بقصة النجاح الباهر الذي دفع حزب الأمة إلى تبنيها تيمناً بخواتمها.
ثالثا: فلسفة الكوديسا
الكوديسا نتاج صراع حاد بين الحكومة البيضاء وكل شرائح الشعب في جنوب أفريقيا ولحظة طرحها هي لحظة وعى طرفي المعادلة بان سياسة الردع والردع المضاد ستقود جنوب إفريقيا الدولة إلى الانهيار ،من هنا تولدت فلسفة الكوديسا وهي القدرة المتبادلة على الردع أو ما عرف بسياسة ( الإفناء المتبادل ).
رابعا: قصة الكوديسا
في ظل حملة عالمية غير مسبوقة في التاريخ الإنساني نسجها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في أركان الدنيا الأربعة للتضامن مع رمز نضاله نلسون مانديلا الذي أمضى ثمانية عشر عاماً في سجن جزيرة روبن آيلاند وحدة ، بدأت حكومة فريدريك دكليرك مراجعة موقفها السياسي من المؤتمر الوطني الأفريقي ، و اتخذت خطوات جدية من جانب واحد لتهيئة الظروف للحوار بدل المواجهة فتم نقل مانديلا من سجن روبن إلى سجن بالسمور في جوهانسبيرج ومن ثم نقلة للإقامة الجبرية في أحد القصور الحكومية وبدأت مرحلة إبداء حسن النوايا.
اشترط مانديلا في مرحلة حسن النوايا مجموعة من الإجراءات لتهيئة المناخ للتفاوض والتي تم قبولها وتنفيذها قبل بدأ التفاوض منها :-
1. إطلاق سراحه وقيادة المؤتمر دون شروط في 1990م.
2. إلغاء أحكام الإعدام الصادرة في حق كوادر العمل الوطني والسياسي.
3. إقرار الحقوق المدنية والسياسية على قدم المساواة لمواطني جنوب إفريقيا.
4. وافقت حكومة دكليرك على هذه الإجراءات مقابل إجراءات من حزب المؤتمر الوطني.
5. مقابل هذه الإجراءات أجاز حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إعلان سياسي وهو ما عرف (بإعلان هرارى الذي أعلن فيه قبول مبدأ التسوية المتفاوض عليها و تجميد مبدأ الكفاح المسلح لاستعادة الحقوق.
* من المهم الإشارة أن مفاوضات الكوديسا كانت تسير في محورين:-
 محور التفاوض الثنائى مع حزب المؤتمر الأفريقى وحكومة دكليرك.
 المحور الثانى وهو تجمع الأحزاب والهيئات والنقابات المعروف بالكوديسا.
بدأت مفاوضات الكوديسا رسميا في عام 1990 برصيد محدود من الثقة بين أطرافها ، المؤتمر الوطني الأفريقي دخل المفاوضات وهو يتطلع لإنهاء التفرقة العنصرية وتحقيق المساواة في الحقوق والواجبات لكافة مواطني البلاد ، مع إقرار نظام حكم ديمقراطي تعددي حقيقي.
ودخلت الحكومة البيضاء التفاوض وهي تتطلع لمخرج آمن يضمن للأقلية البيضاء المشاركة في السلطة دون تصفية خصومات وضمان هبوط آمن وهو ما عرف بسياسة “Peace full soft landing” هذا ما دعم فلسفة الكوديسا وقادها للنجاح وهو مبدأ الاحتياج المتبادل لإطراف الحوار والقدرة المتبادلة على الردع والمقاومة .
 توصلت أطراف الكوديسا لأول وثيقة اتفاق في عام 1990م وهو ما عرف بإعلان دقيقة بريتوريا.
 هذا الإعلان هو الذي أعلن فيه رسمياً قبول مبدأ الحل التفاوضي و الإعلان الرسمي لإيقاف المقاومة المسلحة .
 ثم تلاحقت تطورات الكوديسا ففي عام 1991 تم التوقيع على اتفاقية السلام الوطنية .
 خلال الفترة من 1991إلى 1993 جرت مفاوضات الكوديسا في شكل لجان تناولت قضايا رئيسية متعددة وأساسية ذات طبيعة ومعرفة تخصصية .
كان أهم أحداث مفاوضات الكوديسا هو الاستفتاء الذي أجرته حكومة دكليرك في عام 1992 للبيض فقط وهو الاستفتاء الذي أجاز مبدأ التفاوض مع الأفارقة السكان الأصليين و أقر إنهاء سياسة الفصل العنصري فقد أيد هذا الاستفتاء بالتصويت (نعم) حوالي 60% من البيض المقيمين بجنوب إفريقيا مما أعطى حكومة فريدريك دكليرك دعم قوى للسير في التسوية إلى نهايتها.
لم تكن المفاوضات سهلة وسلسة فقد اصطدمت بعدة عقبات ففي نفس العام حدثت نكسة المفاوضات المشهورة التي أعلن فيها مانديلا إنهاء التفاوض والعودة للحرب والصراع و أنه غير مستعد لتوقيع اتفاق لا يعيد البلاد إلى أغلبية سكانها ، فقد كان هذا الموقف بمثابة العودة للمربع الأول فقد خرج حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وحلفائه كما لم يخرجوا من قبل وتحولت دولة جنوب أفريقيا بكاملها لساحة معركة حبس فيها العالم كله أنفاسه و اندهشت النخبة الحاكمة في جنوب أفريقيا للاستعداد النضإلي إلى أظهره الحزب القائد للساحة السياسية في جنوب أفريقيا.
فقد كانت الخسائر في الأرواح بلغت رقماً قياسيا والخسائر المادية تجاوزت الحصر مما أكد تصميم الشعب في جنوب أفريقيا بلوغ أهدافه بكل الوسائل.
في نوفمبر من العام 1993 تم توقيع الاتفاق الأساسي في مفاوضات جنوب أفريقيا (الكوديسا) الاتفاق الذي:-
1. أنهي حكم التفرقة العنصرية.
2. وحل الحكومة والبرلمان العنصري.
3. وفتح الطريق لتشكيل حكومة وحدة وطنية مدتها 5 سنوات.
4. كما أجاز دستور جديد لجنوب أفريقيا من أربعة وثلاثين مادة و إجازة وثيقة حقوق.
أشهر لجان الكوديسا كانت هي لجنة المكاشفة والحقيقة، التي ترأسها القس ديزموند توتو الحائز على جائزة نوبل لقد أرست هذه اللجنة قاعدة قانونية جديدة إضافة للقانون الإنساني الدولي الذي أكد على ضرورة معاقبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وأرست مبدأ عدم الإفلات من العقاب، لكن لجنة المكاشفة والحقيقة خالفت القانون الإنساني الدولي، بأن اكتفت بإقرار المجرم والاعتذار للضحية والعفو عن العقوبة وتعهد الجاني عدم تكرار الجريمة.
هذه هي قصة الكوديسا التي يطرحها حزب الأمة القومي نموذجا للحل في مبادرته نحو مشروع سلام عادل وشامل.
ونحن نطلع على قصة نجاح هذه المبادرة الأفريقية المشهورة يجب عدم إغفال العنصر الدولي و الأممي الذي أحاط بمفردات هذه المبادرة ولعب دور لا يمكن إغفاله لأي دارس لهذه المبادرة.
السؤال هل أهل السودان مستعدون لقبول مبدأ الكوديسا ؟؟
في عفا الله عما سلف وفتح صفحة جديدة من الحياة السياسية لابد من إجراء حوار واسع مع قوى المجتمع المختلفة والأحياء من الضحايا وأولياء دم الشهداء والمؤسسات العدلية الدولية للاتفاق على المبدأ حتى لا يكون عطاء من لا يملك لمن لا يستحق وندخل في وعد واتفاق يمكن الوفاء به أتمنى ان تكون هذه الإضاءة مدخل لحوار جاد حول كيفية طرح المبادرات والقدرة على فرضها وتوفير اشتراطات نجاحها، بلا شك أن طرح المبادرة في حد ذاته فعل إيجابي لا يقلل من قيمته في العمل السياسي ، وبلا شك حزب الأمة القومي رائد في هذا المجال ، و أننا الآن نبحث خطوات أكثر تقدماً من تجربتنا التنظيمية الحزبية حول كيفية إنجاح المبادرات والوصول بها للمبتغى والنتيجة المطلوبة و أتطلع أن تكون هذه الورقة مساهمة في تطوير وتحفيز حزب الأمة القومي لقيادة الحركة السياسية السودانية بما لدية من مقومات وقدرات إذا أًحسن التخطيط والعزم على استخدامها أنا ومعظم المراقبين المنصفين يعتقدون بالإمكان أحسن ما هو كائن والنصر حليف طلاب الحرية والتقدم في كل مكان.
الورقة إعداد:
صلاح جلال
كانبرا
التاريخ 07/02/2013م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.