[email protected] من غير مزايدة ولا جعجعة ولا تشنج ومن أعماق قلبي أقولها: مبروك لمصر نجاح إضراب ستة إبريل. نعم نجح إضراب ستة إبريل، لأن الدنيا كلها لم تسمع عن إضراب فاشل تحشد أقدم دولة بوليسية في العالم من أجله كل ضباطها وجنودها ومخبريها الشرطيين والصحفيين والبرامجيين والجامعيين، وعلم الصحافة لم يشهد في تاريخه المديد إضرابا فاشلا يحتل مانشتات الصحف الحكومية الرئيسية التي أظهرت على طريقة الدبة التي بطحت صاحبها كم هو متهرئ ومذعور وبائس ذلك النظام الذي يهز طوله وعرضه لقمع من يطلق هو عليهم «شوية عيال»، وتاريخ مصر الذي لا يهتم به حكام مصر الآن المشغولون أكثر بالجغرافيا لأنها «تلزمهم أكتر في البيع» سيسجل عليهم في صفحات عاره أنهم قرروا تعويض هزائمهم المتوالية في شتى المجالات بالإنتصار بأقدام وبيادات بعض رجالهم المنتسبين إلى الرجولة زورا على فتيات كفر الشيخ اللواتي صدقن دعوة السيدة سوزان مبارك إلى ضرورة المشاركة السياسية للمرأة. قولوا لنا بالله عليكم متى شهدت الدنيا إضرابا فاشلا يتوفر له كل هذا القدر من المحللين والمنظرين والملغوصين والمهجصين الذين لم يخرج الواحد منهم في شبابه في مظاهرة ضد أي إحتلال أو قمع إلا ليلتصق ببناتها أو شبانها، ولم يعلن أحدهم عن رأيه ولو حتى في صحيفة الوسيط، ولم يفعل شيئا عليه القيمة وهو طالب سوى صم كتب التعليم وطرشها في ورقة الإمتحانات، ثم عندما يحتل موقعا ما بفضل ربطه للحمار مطرح مايعوز الحمار وبركة تقارير الأمن التي تزكيه إما لأنه ماشي جنب الحيط أو لأنه كان يتسلق على الحيط ليلحق بموعد تسليم التقارير في زملائه، إذ به يتحول «فجأتن» إلى قيادة طلابية مخضرمة لها باع في فك العمل الطلابي، ويتمترس في عموده الذي يدعو القراء الله ليل نهار أن يوقع عليه، فيتخذ من ذلك العمود منصة إطلاق لروشتات الوطنية لشباب مستقل لم يكن يوما بتاع حد، ثم يجري بالليل إلى استديوهات الفضائيات المكيفة لكي يتصبب قلقا على البلد التي تهددها الفوضى وكأنها كانت قبل إضراب ستة إبريل، وطن المنطق وأرض العدالة وبلد الإتساق مع النفس. يا أيها المنتفشون بزهو إنتصاركم المظفر على الأمل وإحباطكم الحاسم لمجيئ بكره، والله العظيم تلاته لو كان فيكم رجل ذو فكر مبارك أو سياسة نظيفة أو عقل رشيد أو نهج حبيب أو منطق يبعث على السرور، لقبلتم رءوس وأيدي هؤلاء الشباب والفتيات ولأخذتموهم في أحضانكم وحاجيتم عليهم واستمعتم إليهم وتعلمتم منهم أو حتى على الأقل تحاورتم معهم، ولدعوتم كل شاب في مصر لأن يكون مثلهم، ولما تبطرتم على نعمة أن يرزق الله مصر بشباب زي الورد لم يرفعوا المصاحف على أسنة إحباطهم ولم يشهروا في وجوهكم تفسيراتهم المتطرفة للنصوص، ولم يتدوروا على بعضهم البعض بحثا عن علامة الصليب التي تحدد طريقة المعاملة، ولم يتكتلوا خلف أسوار الكنيسة، ولم يهربوا إلى المخدرات تعاطيا وتجارة وعشقا، ولم يتركوا بلادهم لكم ويرموا أنفسهم في قوارب الهجرة غير الشرعية، ولم ينذروا أنفسهم لجروبات التفاهة والإنحطاط على الفيس بوك، ولم يقضوا حياتهم في شتم البلاد التي باضت لآبائهم ذهبا والشكوى من ناسها البيئة وأهلها العشوائيين وحالها اللي مش ولا بد، ولم يقرروا أن يطرمخوا على حقوقهم، ولم يرتضوا أن يكونوا بلياتشوهات تمسك أوراقا وتتحرك بالريموت الكونترول في الزيارات المفاجئة التي لا تكف عن مفاجئتنا بمدى النفاق المتراكم فيها، ولم يديروا ظهورهم لألعابكم الممجوجة التي احتكرتموها منذ أكثر من خمسين عاما وصرتم كباتنها وحكامها وجمهورها، ولم يحذوا حذو ملايين غيرهم قرروا أن يُسَلِّكوا أمورهم بمعرفتهم في دهاليز البلد التحتية التي تزداد كل لحظة تشعبا وخطورة واستعصاء على الشكم. ياسادة الغضب الذي أنتم فرحانون لأنه لم يتفجر بفضل الأثر الرجعي لقمع ستة إبريل اللي فات ستبكون يوما ما ندما لأنه لم يتفجر في صورة إعتصامات سلمية وإضراب حضاري ومظاهرات تجأر بشكواها من فسادكم وظلمكم، فالتاريخ الذي كنتم تزوغون في حصصه يعلمنا أن الغضب عندما تغلق في وجهه الباب سيخرج لك يوما من كل الشبابيك عنفا وعدوانية وسطوا مسلحا وتحرشا جنسيا وفتنة طائفية ونهبا للمال العام واستحلالا للمحرمات ويأسا مسرطنا لا يجدي معه الكيماوي ولا المسيل للدموع ولا الأمن المركزي ولا الصحف «العضاضي» ولا العلاوات الفشنك ولا هتافات الفخر المنبعثة من أجهزة اللاسلكي «كله تمام سعادتك.. قبضنا على الغضب يا فندم». (نشرت هذا المقال في صحيفة المصري اليوم في شهر إبريل 2009 وأهديه اليوم إلى كل الشباب القابضين على جمر الثورة وإلى المغفلين على كراسي الحكم الذين يعتقدون أن الغضب يمكن أن يختفي إذا لم تختف أسبابه وإلى المخدوعين الذين يحنون إلى أيام مبارك مع أننا لم نصل إلى ما نحن فيه إلا بسبب إستبداد مبارك وعناده وقمعه).