أقام الفنان السوداني حسان علي أحمد معرض تشكيلي الاسبوع الماضي بقلري "قرنت" بالقاهرة تحت عنوان "الأشياء تتداعي" ، يضم المعرض أكثر من (25) لوحة بأحجام مختلفة. و"الاشياء تتداعي " عنوان قد لاينطبق علي اللوحات لكنه يشير الي بعض منها ، ويعتقد الفنان حسان أن الأسم الذي يطلقه علي المعرض لايشير الي لوحة بعينها ويقول أنه لايميل الي أطلاق أسم للمعرض لكنه يترك الاشياء للمتلقي ، وتتميز أعمال الفنان حسان بالتفرد والتجديد واللوحة لديه لاحدود لها ولاأطار يحكمها أي أنها دون "برواز" وفضاء اللوحة لايقيد حركة الريشة فهويعتبر البروزا نفسه جزء من اللوحة وليس مجرد "إطار" يحكم حدود اللوحة ، ويشير إلي أن تلك الفكرة لم تكن مقصودة قي الأصل وكانت أول مرة قبل (10) أعوام لكنها أصبحت من الثوابت التي ميزت أعماله ، كما يشير الفنان التشكيلي محمد برجاس بأن هنالك نقلة واضحة في الإسلوب والتعامل مع اللوحة في أعماله الجديده ويقول إن التعبير اللوني كان عالياً في لوحات الفنان حسان ، حتى أنه أدخل ألواناً جديده في منظومته اللونيه من حيث التكنيك ومن حيث ثراء اللوحة اللوني. ويتفق المفكر السوداني الدكتور حيدر إبراهيم علي مع ما ذهب إليه برجاس ، في قدرة حسان علي إختراع الالوان ، ويقول بأن الالوان كادت أن تنفذ حتي أصحاب الموضة أصبحوا لايجدوا ألوان للقمصان والفساتين الجديدة ، ويضيف "لكن حسان لديه القدرة علي إختراع ألوان جديدة بإعتباره مجدد ومثابر ولديه ثقافة لون متقدمة جدا عميقة ومتفردة" ، والمثابرة يعني لديه ينبوع في الفن ولايعتبر الفن مجرد عبقرية فقط بل يسند موهبته الاإبداعية بالقدرة الغير معروفة هذه بالعمل باستمرار، ويقول أنه لايتوقف عن الرسم بالمرة ، والذي يطوف علي لوحاته وينظر الي رسوماته يشاهد أنه فنان متطور ومجدد بأستمرار ،.فعلي سبيل المثال وقفت علي أحدي لوحاته في هذا المعرض لاحظت أن لونها يأخذ اللون البني وتوصلت الي أن هذا اللون نوع من الألوان التي يمكن أن نقول عليه لون سوداني ، واللوحة متميزة عن بقية اللوحات ، وبعض الناس أحياناً يجذبهم اللون الأحمر والألوان الفاقعة ، لكن هذا علي الرغم من أنه لون هادئ إلا أنه يعطيك إحساس أن حسان أتي بلون جديد ولكنه ليس بجديد بالنسبة لنا نحن السودانين ، لانه يشبه تراب السودان وأرضه ولكن حين يضعه حسان في لوحة يصبح لون سوداني بمعني الكلمة يأخذ البني والأسود ودرجة أخف من الاثنين. ويشير دكتور حيدر إلي أن الأعمال التي قام بها حسان خلال الفترة الأخيرة يمكن أن تقيم (5) معارض ، فأعمال حسان لم يميزها التواصل أو كثرة الأنتاج بل ظل يطور نفسه بأستمرار وهذا أمر طبيعي ، واي فنان يحاول يجود عمله يصل به بخطوات الي مراقي الكمال ، ولايوجد كمال لكن حسان يتدرج الي مراقي الكمال. وحسان الذي شارك في أكثر (50) معرض عالمي ، وحصد جوائز عديدة من بينها جائزة نوما اليابانية في عامي 1988م ، 1996م ، بجانب حصوله علي جوائز في دار النشر جامعة الخرطوم ، وكانت أخر الجوائز التي حصدها في 2007م بنالي القاهرة وهي فعالية تقام كل عامين يتنافس عليها 45 دولة 100 فنان ، لكنه لم يدرس الفنون كلية الفنون الجميلة والتطبيقية ، ويقول "أنا في الأصل خريج إقتصاد جامعة الخرطوم وحتي اليم لم أستلم شهادتي لانها كانت إرضاءً لوالدي ، وكانت رغبتي في دراسة الفنون وتركت شهادتي واتجهت الي الفنون الجميلة ، وأنالاأعتبر نفسي دارس والفن في الأصل ليس دراسة تجريد ومتابعة ، عملت في هيئة المعارض السودانية وسافرت كثير وشاهدت المتاحف ومعارض كثيرة لأشهر الفنانين بيكاسو وفانجوخ علي الطبيعة ، وهذه شكلت بالنسبة لي إضافة حقيقية في مسيرتي ، فالدراسة لاتعني أن أكون في كلية لكن هي متابعة العمل قراءة وزيارات المتاحف و المعارض وتشاهد اللوحات الاصلية لفنانين كبار ، وهذه أضافت لي. ويري دكتور حيدر، حسان ليس من خريجي كلية الفنون وجاء الي الفن بموهبته ورغبته ،الشئ المعروف لدي أن كلية الفنون خرجت أعداد كبيرة ولكن للأسف لم يشتغلوا بالفن ، إذا أخذنا القضية من جانب دراسة الجدوي نجد أن الفنانين الكثيرين الذين خرجتهم كلية الفنون في السودان المردود لايتساوي بحجم الخريجين ، ولكني أستدرك لأقول أن المجال الإبداعي الوحيد في السودان المتطور إذا عقدنا مقارنة بين بقية الفنون (المسرح ، الشعر ، الغناء ،الموسيقي ، الخ) نجد أن الفنون التشكيلية هي الأولي ، الآن سمعة السودان في الخارج أو حين يتحدثوا عن الإبداع السوداني المشهورين هم الفنانين التشكيلين السودانين الراحل حسين شريف ، إبراهيم الصلحي ، عثمان وقيع الله، فقمة الإبداع السوداني في الفنون التشكيلية ، وطبعاً قوتهم في أنهم في بلد غير جميل (أي رغم قبح الواقع السياسي ) ينتجوا أعمال جميلة. وأعمال حسان لايمكن الحكم عليها أو تصنيفه ضمن رواد مدرسة معينة كما أنه يرفض مبدأ المدارس التشكيلية ، فهويمارس عمله بلاقيود أو "متمرد" إن جاز التعبير علي المدارس التشكيلية علي الرغم من إيمانه بوجودها وإسهاماتها في الحركة التشكيلية ، ويقول حسان أنه ضد هذا النهج ويري أن فكرة المدارس التشكيلية إنتهت تماماً في هذا الزمان ، وأصبح كل فنان لديه تجربته الخاصة ، ويضيف "علي الرغم من أني درست فكرة المدارس التشكيلية في الكتب والمراجع" ، ويواصل حديثه "إحتمال أن يكون سبب عدم قناعتي بها لعدم التزامي في دراسة نظامية في كليات الفنون كما ذكرت لك ، فلم أتأثر بفنان مباشر أو أستاذ معين وهنالك كثيرون يعتقدون أن تجربتي متميزة بسبب عدم دراستي بكلية الفنون أو بأستاذ معين" ولكنه لاينفي حقيقة وجودها ويقول " أنا أعترف بأن أي شخص يتأثر وحتي أنا جمعت من هنا وهنا ولكن ليس لدي أستاذ معين "، ولكنه يعبترها واحدة من المشاكل التي تواجه دارسي كليات الفنون بأنهم يتخرجوا وهم متأثرين بفنانين أوأساتذة معينين ويعمل مثله ويقلده ،ويضيف "هذه أتاحت لي الفرصة أن أجرب وقد جربت كثير جدا وحتي الآن أجرب". أما الفنان محمد برجاس يقول أنه من خلال متابعته للوحات الفنان حسان وبالذات في هذا المعرض أجده بعيداً عن إنتمائه لمدرسة فنيه محددة حاله حال غالبية الفنانيين التشكيليين السودانيين بل غالبية التشكيليين بصفة أعم حيث أنه إنتهج نهج الفن المعاصر في تناوله للوحة ولو أنه لاتغيب عنه طفيف من لمسات المدارس الفنية الاخرى هنا وهناك. ويعتقد برجاس أن روح الفن التشكيلي السوداني حاضره بقوة ، وبالأخص مدرسة الخرطوم من حيث تناول الألوان والثقافة السودانية على الرغم من وجوده وإستقراره في القاهرة لعهد طويل ، وهو يري أن التشكيلي حسان على أعتاب الوصول لنهج وأسلوب معين خاص به على مستوى العالم ، ويضيف حقيقة أستمتعت بهذا المعرض الجميل وهذه التجربة الثرة زادت لإداركي المعرفي اللوني الكثير ، أتمنى له كثير من النجاحات .