ابراهيم عيسي ليس صحيحًا أننا لم ننشغل بهروب محمد مرسى وقيادات الإخوان من السجون إلا بعد توليه الرئاسة. إطلاقًا. أنا شخصيًّا سألت ثلاثة وزراء داخلية ومسؤولين أمنيين رفيعى المستوى سياديِّى المكانة بعد تنحِّى الرئيس السابق، وكانت الإجابات -على مراوغة بعضها والتفاف بعضها الآخر ووضوح بعضها الثالث- تقول إن الإخوان كانوا وراء اقتحام السجون وأقسام الشرطة لكسر الداخلية والأمن، وإنه بالفعل اخترقت عناصر حماس وحزب الله الحدود ونظّموا وشاركوا فى تلك العمليات. طيب ولماذا انكتم المسؤولون كل هذه الفترة؟ بسبب الخوف من الجماعة وبضغط من المجلس العسكرى المضغوط عليه من الأمريكان، إذ كان السيناريو يقود إلى صعود الإخوان للحكم ومن ثم عدم التشويش عليهم بمثل هذه الأمور، حيث الخوف الذى بلغ حد الذعر من مواجهة الجماعة. وأظن أن هذا الذعر كان سببا فى عدم انعقاد جلسات المحكمة الدستورية العليا لحلّ «الشورى» أو حل اللجنة التأسيسية، وقبلها كان سببا فى إعلان نتيجة انتخابات الجميع يعرف ما شابها من تزوير! طيب ما الذى يجعل المصريين يهتمون الآن بمدى تورُّط جماعة الإخوان فى عمليات تهريب المساجين فضلا عن اتهامهم بالاتفاق مع جهات أجنبية على القيام بأعمال عدوانية تنتهك السيادة المصرية وتبثّ الرعب فى قلوب المصريين خلال أيام الثورة وتضرب القوة الأمنية فى مقتل يجعلها عاجزة تماما؟ الإجابة أن الله قيَّض لنا مستشارًا شجاعًا وجريئًا فى قضية هروب المساجين من «وادى النطرون» هو المستشار خالد محجوب، وندعو الله أن يوفِّق المستشار محمود الرشيدى الذى ينظر قضية مبارك حاليًّا ويقرر هو الآخر فتح هذا الملف. لكن هل هذه هى المرة الأولى التى انفتح فيها هذا الملف؟ الإجابة لا، فقد كانت أوراقه حاضرة فى لجنة تقصِّى الحقائق الأولى التى كان يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق المستشار عادل قورة، والتى لم يُعِرْها المجلس العسكرى -كالعادة- أىَّ اهتمام حتى لا يجرح مشاعر الجماعة ولا ينغِّص سيناريو الإخوان. لكن ماذا قال تقرير تقصِّى الحقائق؟ «وبعد أن قامت اللجنة بالزيارات الميدانية وسؤال إدارات هذه السجون وبعض المساجين وبعض الأهالى المجاورين للسجون انتهت إلى احتمال تصورَين: وقد ذهب أصحاب التصور الأول إلى أن ذلك يدخل فى نطاق ما حدث من انهيار فى أداء الشرطة فى كل القطاعات ورغبة البعض فى ترويع المواطنين، خصوصا أن السجون التى خرج منها المسجونون هى السجون المتاخمة للقاهرة والتى بها عتاة المجرمين، بما يشير إلى أن ذلك تم عن قصد ليثيروا الذعر والفزع لدى المواطنين فى العاصمة وما حولها ضمن خطة الفراغ الأمنى. وذهب أصحاب التصور الثانى إلى أنه تم تهريب المساجين بعد اعتداءات مسلحة على السجون، واستندوا فى ذلك إلى الدلائل الآتية…». قدَّم تقرير تقصى الحقائق 16 دليلا تدعم وترجح فكرة اقتحام السجون بعملية منظَّمة، ورغم حالة الاستحياء الشديد التى بدت فى التقرير وهو يحاول إقناع نفسه بأن مبررات وأدلة اقتحام السجون أقوى منطقًا وأكثر ثباتًا وأعمق حُجَّة من الكلام الفارغ الذى صدَّقناه جميعًا ساعتها دون أى بيِّنة على أن الهروب تم بمؤامرة وخيانة من الداخلية (لا نعرف ما مصلحة الداخلية فى إسقاط نفسها يومها!) فإن الأدلة بمجرد قراءتها تُشعِرك بأن ثمة مَن يصفعك على وجهك ويسألك: أين كان عقلك تائهًا؟ وأين كانت أجهزتك الأمنية والسيادية ناعسة؟ ولكن ما تلك الأدلَّة؟ نكمل غدًا بإذن الله.