وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناهد بدوية تكتب عن موجة النسوية الثالثة : التعددية والاختلاف وتغيير العالم
نشر في حريات يوم 29 - 05 - 2013


النسوية الثالثة التعددية والاختلاف وتغيير العالم
ناهد بدوية
تتميز الموجة النسوية الثالثة عن سابقاتها بالإيمان بالتعدد والابتعاد عن الأيدلوجية وكسر الاحتكار من قبل أي كان. وهي تختلف عن النسوية الأولى في أوائل القرن العشرين والتي حققت حصول النساء الى حق التصويت الانتخابي. كما لاتشبه نسوية السبعينات أي الموجة الثانية من النسوية (والتي كانت تعكس خبرات الشريحة العليا من الطبقة الوسطى للمرأة البيضاء في سعيها لتمكين المرأة الاقتصادي والسياسي).
أولى أهم نقاط الاختلاف عن الموجات السابقة هي أن ناشطات الموجة النسوية الثالثة تعتبر ان التحرر هو ليس نسخ تجربة الآخرين ولا يعني تقليد مافعلته الحركات النسوية السابقة بل النسوية تعني أن نجد طرقنا الخاصة للحرية وان تكون أصيلة ونابعة من رغباتنا وقناعاتنا وظروفنا نحن. كما يمكن ان تتغير مع كل جيل ومع كل فرد ومع كل ثقافة ولون. وقد بدأت جذور الموجة الثالثة في منتصف الثمانينات من القرن العشرين حينما دعت الناشطات النسويات إلى شخصية جديدة للنسوية. وقد تم التركيز على التقاطع بين العرق والجندر . وهذا ما أدى الى تزايد نسبة عدد الناشطات النسويات الملونات والآسيويات كما تزايد عدد السياسيين من الأقليات الذين يتبنون خطاب نسوي جديد يركز على جذب الشابات من النساء.
من أهم نقاط الخلاف الأخرى مع الموجات النسوية السابقة هو ميل هذا التيار إلى الشك في العملية الأيدلوجية التي تضع الرجل والمرأة في فئتين منفصلتين ومتضادتين. كما يتبنى هذا التيار مبدأ الميل إلى الجنس الآخر ويحاول وضع مجموعة من الأوليات التي يكون فيها للرجل مكان كعاشق وزوج وأب وصديق مع التأكيد على أن المرأة والرجل مختلفين حقا وأن الحصول الحقوق الكاملة لا يعني التشابه بين الجنسين إطلاقا، لا بل تعتز الناشطات والمنظرات للنسوية الثالثة بأنوثتهن وتعتبرها من مصادر قوتهن.
لا تفضل الكثيرات من ناشطات الموجة الثالثة ان يوصفن بكلمة فيمينسيت لأن هذه الكلمة يمكن ان تؤدي الى التباس والاحالة الى المفهوم الرائج للجندر. و أكثر من ذلك يمكن لكلمة فمينيست أن تؤدى الى سوء فهم بحيث توحي بالنسويات النخبويات الأيدلوجيات. ويرفضن التعريفات العمومية المؤدلجة فمثلا تسعى ناشطات الموجة الثالثة الى تحدي ورفض أي تعريف عام للأنوثة وذلك كمقدمة منطقية للاقتراب من الواقع الملموس المتعدد والملون.
لذلك تعترف النسوية الثالثة بالاختلاف وحتى التناقض في داخل الموجة نفسها تقول ليزلي هايوود وجينفر دريك محررتا اولويات الموجة الثالثة: (ان الاختلاف الأساسي بين الموجة الثالثة والموجة الثانية هو أن النسويات في الموجة الثالثة لايجدن بأسا من التناقض، لأنهن نشأن وسط بنيات نسوية متنافسة فأصبحن يقبلن التعددية كأمر مسلم به.)
ترسي الموجة الثالثة جذورها في عملية السعي الاجتماعي والسياسي التي لا تبدأ ولا تنتهي بالطبقات الوسطى البيضاء، وتتصدى ناشطات الموجة الثالثة للمشكلات المختلفة والمتنوعة التي تبدو أنها تؤدي الى اضطهاد النساء مثلها مثل كل الهويات المهمشة. وعندما تكون المرأة الناشطة ملونة أو تنتمي للعالم الثالث فأنها بذلك تعبر عن هامش الهامش وهنا تأتي خصوصيتها وأهميتها أيضا. تتناول آن بروكس مثلا مطالب الثقافات المهمشة والمستعمرة وثقافات الشتات من أجل خلق نسوية غير مهيمنة قادرة على التعبير عن التيارات النسوية المحلية الأصلية في مرحلة مابعد الاستعمار.
ان مذهب رفع سوية الوعي وانتشار التعليم هو الخطوة الأولى للناشطات النسويات في سبيل التغيير الاجتماعي المنشود. وذلك ليس فقط في أوساط النساء في المجتمعات المتخلفة بل أيضا في المجتمعات المتقدمة والتي أحرزت فيها المرأة انتصارات محددة مما يموه على ضرورة الاستمرار في مسيرة تحقيق التحرر النسوي.
كتبت جينيفر بومغاردنر وايمي ريتشارد في كتابهما مانيفيستا:
"الوعي بين النساء هو أساس التغيير. الوعي هو القابلية الوحيدة لفتح عقولهم على حقيقة أن السيطرة الذكورية تؤثر فعليا على النساء من جيلنا نحن. ان حضور النسوية في حياتنا تؤخذ كقرار واع وذلك لأن النسوية بالنسبة لجيلنا هي كمادة الفلور التي نادرا مانلاحظها ولكنها موجودة ببساطة بالماء".
ومن اللافت هو اعتماد النساء للقصص واعتبارها الطريقة المنتجة التي تنتهجها ناشطات الموجة الثالثة لرفع سوية الوعي، قصص وشهادات عن القمع والاضطهاد. " غالبا ما تكتسب النساء خبرتها حول الاضطهاد الجنساني من خلال النساء أو مجموعات النساء اللواتي يقدمن شهادات عن معاناتهن. ان قراءة الكتابة النسائية الواقعية سواء في الكتب أو المجلات تستطيع تزويد النساء بالوعي والإدراك المنشود . لكن النقطة الأهم في الكتابة النسوية الجديدة بأنها انطلقت من جهات العالم الأربع وعملت على تزويد العالم كله وليس النساء فقط بزاوية رؤية جديدة للمرأة والعالم.
من الكاتبات اللاتي اشتهرن بارتباطهن بالموجة الثالثة هي الكاتبة السوداء بل هوكس، والروائية الافرو- أمريكية توني موريسون التي أبدعت في اعادة تقاليد الحكاية السوداء والسرد السحري المشبع بالتراث الشفاهي الأفريقي. والروائية الجزائرية آسيا جبار التي تكتب الرواية والشعر بالفرنسية. والروائية البنغلاديشية تسليمة نسرين. والمنظرة والناقدة الأدبية البنغالية غاياتري شاكرافورتي سبيفاك وأهم ممثلات النسوية الماركسية – التفكيكية، والمصورة الفوتوغرافية اللبنانية جميلة حسن التي هزت الأوساط الثقافية في أمريكا الشمالية بمعرض بصري – سمعي من نوع خاص ومدهش. كما ظهرت في تركيا عدة روائيات بهرن القراء بتجربتهن والزاوية الجديدة التي رأين فيها العالم. وفي سورية ظهرت مجموعة من الكاتبات والروائيات مثل روزا ياسين حسن وسمر يزبك ومنهل السراج وغيرهن اللواتي تميزن بالرؤية النسوية النضرة وتعبيرهن عن صوت الأنثى الخاص المميز للموجة النسوية الثالثة.
المشروع النظري
يمكن اعتبار مصطلح "مابعد النسوية" تعبير عن المشروع النظري والجهود الفكرية التي رافقت وغذت وأطلقت الموجة النسوية الثالثة، تعرف سارة غامبل هذا المصطلح "بأنه نسق معرفي تعددي مكرس لابطال أنماط التفكير التي ترمي إلى العمومية". لذلك نلمس توازيا بينها وبين مصطلحات مابعد الحداثة في أحدث حلقة من حلقات التنوع في ملامح الفكر النسوي الذي يتسم بالتحول والتغير المستمر. ويعمل هذا التيار الفكري على دراسة العلاقات المثمرة مع مابعد الحداثة عن طريق الاستعانة بنظريات الاختلاف والهوية والتفكيك، بقصد الجمع بين مختلف طرق صياغة المرأة وتشكيلها.
ترى آن بروكس أن "مابعد النسوية تضع التعدد في محل الثنائية، والتنوع محل الاتفاق، ووهكذا تفسح المجال للحوار الفكري الذي يتسم بالحيوية والتغير ويصوغ القضايا والمناخ الفكري الذي تتميز به مرحلة الانتقال من الحداثة الى مابعد الحداثة في العالم المعاصر". وتضع بروكس المنظرات جوليا كريستيفا وهيلين سيكسو ولورا مالفي وجوديت بتلر في تيار مابعد النسوية، قائلة أنهن ساعدن في الحوار النسوي بتقديم المعين النظري الذي يتمحور حول التفكيك والاختلاف والهوية.
النسوية الثالثة وتغيير العالم
لم تعد النسوية ضرورية لاستكمال تحرر النساء فحسب بل من أجل تغيير العالم أيضا. ذلك ان النساء يشعرن بنوع من الربط بين وقوعهن كضحايا والتدمير التكنولوجي القاسي للبيئة، واستغلال الفقراء وقصف القرى في أراضي الشعوب المستضعفة. لذلك ربما تقود حساسيات النساء ضد تيارات العنف وقواه الى التفكير والتأمل في رؤية خاصة بهن عن تغيير وجه العالم، ومن أجل خلق عالم جديد.
من أولويات النسوية إعادة التفكير في ارتباط البشر بالطبيعة وبالتالي التشكيك في التعارض التقليدي بين الطبيعة والروح وهو أحد الافتراضات الأساسية للتفكير الغربي. تجادل روزماري روثير ان ثنائية التفكير والروح أو الحرية مقابل الطبيعة، العقل مقابل العاطفة، النفس مقابل الجسد قد قمعت النساء على مدى زمن طويل. لقد نظم الرجال هذه الثنائيات سلطويا وربطوا أنفسهم بالجوانب الايجابية من هذه الثنائيات بينما هبطوا بالنساء الى الجوانب السلبية من هذه الثنائيات – الطبيعة والعاطفة واللاعقل والجسد. علاوة على أن الكثير من الفلاسفة قد فهموا بصورة تقليدية هذه الثنائيات، على أنها تحمل التعارض بين طرفيها.
وما يمكن أن يدعم الرؤية النسوية هذه هو أن هناك في الوقت نفسه مجموعات فكرية وعلماء نفس وخاصة المناصرين لفروع معينه من التأمل النفسي في الشرق والمهتمون بالصحة الطبيعية يعارضون الثنائيات الكلاسيكية. لكن روثير تجادل بأن النساء لديهن دور حاسم ليلعبنه في هذا الانقلاب. اذ يمكن القول أن بحث النساء من أجل الكلية هو الذي يقضي على التعارضات بين الجسد والنفس، أو بين الطبيعة والروح، أو بين الحرية والعقلانية والعاطفة وإعادة تقييم مايسمى بالأطراف السلبية من الثنائيات وتحويل العقلية الهرمية الذكورية هو مايكمن ضمنيا في مسعى النساء.
ان خبرة الانثى في تحول بعض أجزاء جسدها الى طفل ربما كانت هي الخبرة الأكثر اكتمالا للتجسد الانساني للقوى الكونية. وعليه يمكن ان تكون رؤية المرأة لطاقة التحول الكونية من الحياة الى الموت ومن الموت الى الحياة تنعكس في فهمها المتميز لميوعة الحدود بين الأشياء النباتات والحيوانات والبشر.( هذه الخبرة يمكن من خلالها تطوير حلول للأزمات البيئية).
ينظر الابطال الذكور الغربيين الى الطبيعة بصورة عامة على أنها شيئ يمكن قهره أوعلى أنها مسألة يمكن تسخيرها لمصلحتهم، أما خبرة النساء في تضفير عمليات الموت والحياة وجدلهما معا في الحمل والولادة سوف يساعد في تبجيل الرابطة الإنسانية مع العمليات الطبيعية سيخلق جوا يمكن ان يحتفى به بالوظائف الطبيعية لأجساد النساء بدلا من تجاهلها او التعامل معها كمصادر للخزي والعار. أي ان انبثاق الرؤية الثاقبة لارتباط النساء بالطبيعة يطرح إمكانية تحقيق النساء القوة من خلال القبول بالأدوار البيولوجية الأنثوية.
أخيرا يمكن استخدام الفهم الجديد للقوة على أنها تنشأ عن الارتباط بين الجسد والطبيعة وعن مشاركتهما في التجذر في قوى الوجود التي تنبثق في الطبيعة والمجتمع، في مقاومة الثقافة البطرياركية التي تقول بأن القوة تأتي من التحكم والهيمنة والاستبداد على الطبيعة وعلى الناس الآخرين. وهنا تحديدا تكمن قوة العمل النسوي في تحررها الخاص كما في إعطاء مضامين جديدة للمفاهيم القديمة وخاصة الديمقراطية والعناية بالمختلف والشراكة في تشكيل سلمي لعالم جديد ومتعدد.
لماذا الفلسفة النسوية الآن؟
السحر الذي سيطر على عند اطلاعي على الفلسفة النقدية النسوية الحديثة وعلى ما بات يعرف بالموجة النسوية الثالثة كان في اكتشاف مدى قدرة الهامش على نقد السائد وزعزعة مفاهيم المتن، حين يتاح لهذا الهامش امتلاك الأدوات المعرفية المناسبة واللازمة للتحليل، إضافة إلى خصوصية موقعه، أي خصوصية كونه هامشاً.
تتجلى الجاذبية، بصورة أساسية، في الإضاءة الشديدة التي استطاعت الفلسفة النقدية النسوية الحديثة تسليطها على علاقة الذات بالموضوع ومدى تأثير الذات في عملية إنتاج المعرفة. وفي مدى عمق التشكيك، الذي أثارته في الأوساط الأكاديمية، في حيادية الإنتاج الفكري والعلمي والسياسي للرجل عن الذات الذكورية المتشكلة في الثقافة البطريركية. مما يثير قلقاً عميقاً حول مدى استقلاليتنا وحريتنا الفكرية وحول عدم كوننا أبواقاً لثقافة سائدة، على الرغم من ادعائنا الثورةَ عليها، وعن مدى تعبيرنا عن صوتنا الخاص وأفكارنا وتصوراتنا الخاصة.
بذلك فقط انتزعت الفلسفة النقدية النسوية لنفسها مكاناً مستقلاً ضمن التيارات الفكرية الحديثة وأصبحت جزءاً من علم الاجتماع والفلسفة.
لماذا الفلسفة النسوية الآن؟
استمر تهميش المرأة أحقابا طويلة، ومازالت كذلك، لكن المتغير الأساسي الذي جعلها مؤهلة لهذا الحوار الشامل والعميق أنه فقط في النصف الثاني من القرن العشرين أتيح التعليم والالتحاق بالمؤسسات التعليمية والعلمية لأعداد كبيرة من النساء. في مؤسسات التعليم الرسمي يتلقى الرجال والنساء الإجراءات نفسها واللغة نفسها، لذلك يمكنهم التواصل واكتساب المعارف والمشاركة فيها، وفي إنتاجها أو إعادة إنتاجها. ومن ثم المشاركة في الحوار، الذي من الممكن أن يؤدي إلى حلول لكثير من مشكلات عالمنا الراهنة. بدء الحوار يفترض مساءلة الفكر السائد، في كل مجتمع على حدة، والفكر السائد على الصعيد الكوني، وهو هنا الفكر الغربي تحديداً، والعمل المشترك لإعادة إنتاج متوازنة للثقافة والفكر والعلوم المختلفة.
لماذا انتعشت الفلسفة النسوية منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي؟ لأن المرأة في حينها خبرت معنى حصولها على حقوقها كاملة من دون أن تحل مشكلتها! فقد تبين أن المشكلة أكبر من نيل حقوق متساوية للذكور والإناث، وأكثر تعقيداً من مجرد تساوي الشروط، وتكافؤ الفرص بينهما.
المشكلة أكبر من الصراع من أجل السيادة والاستقلال الاقتصادي، وأكثر تعقيداً من إدراكها أو حلها في ثنائية المضطهَد والمضطهِد.
دوران المشكلة ضمن ثنائية المضطهَد والمضطهِد يمكن أن يكون هو السبب الرئيس الذي يكمن وراء دخول الموجة الثانية من الحركة النسوية في مأزقها، وجعل النضال النسوي نضالاً بلا نساء، والهبوط بالحركة النسوية إلى أدنى مستوياتها في بداية الثمانينات من القرن العشرين. بحيث أصبحت كلمة نسوية (فيمنيست) كلمة تتسابق النساء على التبرؤ منها.
ما المشكلة إذن؟
جواباً عن هذا السؤال كان اشتغال الفلسفة النقدية النسوية الحديثة. وقد أدى التصدي الجريء والعلمي الرصين لهذه الإشكالية إلى صعود الموجة النسوية الثالثة وتسجيلها انتصارات كبيرة في التسعينات، لم يكن آخرها مؤتمر بكين الذي نجم عنه إدخال أجندة الحركة النسوية في برامج التنمية في العالم كله.
كيف طُرحت المشكلة في عمقها؟
عمق الطرح يكمن في أن المشكلة تطرح باعتبارها تخص الجنس البشري كله لا المرأة وحسب؛ وذلك من خلال عملية البحث في اختلال العلاقة بين الإناث والذكور، وتسيُّد أحد الطرفين على الآخر وتهميشه، واستبعاد مساهمته في الرؤية وفي إنتاج المعرفة، ما أدى إلى رؤية أحادية إلى العالم وإلى كيفية بناء المجتمعات وتنظيمها.
لقد بنيت المجتمعات والدول، بما في ذلك المجتمعات الحديثة والدول الحديثة من دون شراكة حقيقية بين الرجل والمرأة منذ الدخول التاريخي في العزلة، عزلة النساء في عوالم الظل عن عالم الرجال، عالم النور والضياء.
عبرت أمينة سر الجمعية الفرنسية لعلم النفس التحليلي عن هذه المشكلة بقولها: " المرأة والرجل كلاهما منعزلان أحدهما عن الآخر. فإذا لبثا في هذه الحال من العزلة وهما يعيشان معاً، أصابنا الضياع." تلك العزلة الناتجة من حقيقة أن الإقصاء والتبخيس والتهميش لم يطل المرأة فقط بل طال السمات الأنثوية لدى الرجل أيضا. مما أنتج مخلوقات شوهاء لا تجيد التشارك فيما بينها. الرجال قمعوا السمات الأنثوية التي هي من سمات طبيعتهم الإنسانية، فتحولوا إلى كائنات ذات بعد ذكوري متضخم، كائنات ذات بعد واحد، بالمعنى الوجودي. وتحولت النساء إما إلى نساء مستسلمات للهرم الجنساني الطاغي ومتشكلات حسب مقتضيات عملية التهميش والإقصاء، وإما إلى نساء تكرهن سماتهن الأنثوية وتتنمين لو تستبدلن بها سمات ذكورية، لكي يكون لهن مكان ما في المتن. والنتيجة التي أدت إليها هذه التشوهات عند الطرفين، عزلة عميقة وصمت رهيب، عزلة لا يمكن الخروج منها إلا حين يفصح الصمت عن نفسه، أي حين تتكلم الأنوثة، بصفتها هذه، في الذكر والأنثى، فتعيد تشكيل اللغة وتشكيل العالم.
يمكن القول إذن إن المشكلة تكمن في تجذر الثقافة البطريركية وتشكل أقوى هرم سلطة عرفه التاريخ، هو الهرم الجنساني، الذي طبع بطابعه جميع السلطات، وحال دون تفاهم الذكر والأنثى بوصفهما شريكين ينتميان إلى جنس واحد. ومن هنا فإن الشاغل الأساسي للنسوية هو العمل على تفكيك هذا الهرم بدءاً بتفكيك الثقافة التي يستند إليها، فيتغذى منها ويغذيها. أي كما عبر الفيلسوف والسوسيولوجي الفرنسي بيار بورديو بقوله: "إن السيطرة الذكورية مغروسة في اللاوعي الجمعي عند البشر، وإنها تحوّلت إلى عنصر غير مرئي وغير محسوس في العلاقات ما بين الرجال والنساء. وينبغي بالتالي إخراج هذا اللاوعي، وتحويله إلى وعي يعيد كتابة التاريخ".
نجحت الفلسفة النقدية النسوية في إنتاج وعي فرض نفسه على الجميع، وعي جاء من الهامش الجنساني ليفكك المتن الذي أعمته السلطة عن إدراك الكثير من الحقائق، ذلك الوعي الذي يقول بأن الأفكار والأفعال والأحلام التي يحملها الفرد الإنساني، سواء كان رجلا أم امرأة، يتم اكتسابها وتناقلها عن طريق ممارسات ثقافية واجتماعية ذات مركزية ذكورية، وبأساليب فعالة إلى الدرجة التي تبدو معها أصيلة ومن طبيعة الأشياء. أي إنه حتى الرجل لا يملك صوته الخاص، وإنما صوت هذا الوعي الجمعي الذكوري. وقد أدى تشكل هذا الوعي إلى ظهور رجال نسويين كما سنرى في هذه الكتاب أدركوا حقيقة شرطهم الإنساني الغائر تحت ركام تاريخ من العزلة والاغتراب.
المشكلة إذن لا تتلخص في غياب المرأة المتحققة والحرة وحسب، بل في غياب الرجل المتحقق والحر أيضا. والتحقق والحرية هما شرطا الشراكة الحقة. وهذا يحيلنا على السؤال الجوهري الآتي:
كيف يمكننا طرح مشكلات البشرية كلها بمعزل عن مشكلات العلاقة بين الإناث والذكور، أو بين الرجال والنساء؟ ألم يحذر فرويد في أواخر القرن التاسع عشر قائلاً: انتبهوا قد يكون اللبيدو هو المحرك الأساسي للتاريخ البشري. واللبيدو هو أهم جانب من جوانب العلاقة بين الأنوثة والذكورة، لكنه لا يستفدها كلها ولا يستغرقها.
ما حاولت تقديمه في هذا الكتاب بصورة رئيسية هو التعريف بالنسوية الثالثة والنظرية النسوية الحديثة، ومن ثم رصد تاريخ تطور الأفكار النسوية. والأفكار النسوية بالتعريف هي الأفكار التي تبحث في المشكلة التي تتعلق كما ذكرنا بأقوى هرم سلطة في التاريخ وأكثرها مقاومة تأبياً على التغيير، ألا وهو الهرم الجنساني، أي تسيد الرجل على المرأة وتهميشها. وأرصد هنا محاولات فهمه وتفكيكه وتغييره أو حتى محاولات قلبه. وصولا إلى تشكل فلسفة نقدية نسوية حديثة أصبحت أحد التيارات الفكرية العالمية لأنها لم تعد تعنى بتحرر المرأة وحسب، بل بتحرر البشرية بأسرها، على أن مفرد الإنسان ليس واحداً، بل اثنان، رجل وامرأة، ومن ثم فإن خصائص الجنس البشري وصفاته ومصيره هي حاصل علاقتهما وشراكتهما الحتمية والإجبارية والتي لا مفر منها والتي ليس من علاقة ضرورية سواها، تتأسس عليها جميع العلاقات الضرورية الأخرى، بدءأ من ضرورة الاجتماع البشري.
تنبع أهمية التأريخ للفكر النسوي أيضا من كونه تأريخا لفكر آت من الهامش، وبذلك يمكن أن يكون مفيداً في دراسة كل هامش، سواء كان هامشاً جنسانياً أم عرقياً أم جغرافياً أم طبقياً. وقد تطرقت في هذا الكتاب إلى الكيفية التي استفادت بها النسوية من الإنتاج الفكري للهوامش الأخرى، وبالعكس، أي كيف استفادت الهوامش الأخرى من الفكر النسوي وكيف تضافرت الأفكار الآتية من الهوامش وأبدعت في إنتاج فكر يعزز الديمقراطية، من خلال تعميق مفاهيم التعدد والاختلاف والتنوع، من أجل الوصول إلى عالم ديمقراطي متعدد الثقافات والرؤى بدلاً من العالم الأحادي، الذكوري، العدواني، كما هي حال العالم اليوم، وما أنتجه من أحادية أنوثوية مضادة، أشير هنا، على سبيل المثال، إلى المناضلة النسوية نوال السعداوي وكتابها "الأنثى هي الأصل".
كما لمست شح المكتبة العربية بالكتب الخاصة بالفكر النسوي الجديد أو التي تناقشه، وخلو المكتبة السورية منها، بصورة خاصة.
تحدثت في الفصل الأول عن الموجة النسوية الثالثة والسمات الرئيسة التي تميزها ببعض التوسع، لأن التعريف بهذه الموجة هو أحد الأهداف الأساسية لهذا الكتاب. الموجة النسوية الأولى كانت بطيئة وموحدة ولم تنقسم إلى تيارات، وكانت بحكم ترافقها مع النضالات من أجل الحقوق المتساوية لجميع البشر حركة حقوقية بالأساس تطالب بالحقوق المتساوية للمرأة والرجل باعتبارهما متشابهين. وما يميز الموجة النسوية الثانية التي شكلت انفجاراً كبيراً للحركة النسوية هو القول بالاختلاف الإناث عن الذكر، واختلاف الإناث والذكور، ولكنها انقسمت بين من يعتبرون هذا الاختلاف نتيجة لأوضاع اجتماعية طارئة، ويمكن أن يزول بالتربية، ومن يعتبرون أن هذا الاختلاف هو أساس الاضطهاد الجنساني. أما الموجة النسوية الثالثة فما يميزها أنها لا تعترف بالاختلاف، فحسب، بل تحتفي به. ولا تعترف بالاختلاف والتعددية ضمن الحركة النسوية فحسب بل تعتبرها من خصائصها المهمة.
الفصل الثاني هو بؤرة هذا الكتاب والموضوع الجديد كل الجدة في بلادنا، موضوعه الفلسفة النقدية النسوية الحديثة وإنجازاتها المذهلة التي فرضت نفسها على الفكر العالمي بحيث لم يعد من الممكن تجاهلها، والتي وضعت جميع فروع المعرفة المنتَجة حتى اليوم تحت المساءلة.
لقد استفادت العالمات والفيلسوفات النسويات من مناهج ما بعد الحداثة في تفكيك الخطاب الذكوري، ومن آخر ما توصلت إليه الكشوف العلمية في توضيح مدى تأثير الذات الذكورية في الإنتاج الفلسفي والعلمي والاجتماعي، كما استفادت من واقع أن العلم الحديث يسير باتجاه تأكيد عدم إمكانية فصل الذات عن الموضوع. وهكذا نقدت الفلسفة النسوية الموضوعية الصارمة والإبستمومولوجيا الموضوعانية السائدة والمؤسسة على انفصال الذات عن الموضوع وافتراض عدم تأثيرها فيه. والمذهل أن الفلسفة النسوية برهنت على تأثير الذات الذكورية في العلم نفسه. وأن التعددية يمكن أن تكون حتى في العلم الذي طالما تلقيناه وأدركناه على أنه علم واحد.
في الفصل الثالث تكلمت على كيف استفادت الفلسفة النقدية النسوية الحديثة من أدواتها في نقد عزلة الحضارة الأوروبية عن شعوب العالم، بسبب تسيُّدها وانفرادها في احتلال المتن، أي بسبب ما يسمى المركزية الأوروبية. لأن الفلسفة النقدية النسوية تعنى بتفكيك خطاب المتن، والحفر عميقاً للبحث عن تأثير الذات في الإنتاج الفكري والعلمي والسياسي. فإن عظمة الذات الأوربية باعتبارها هي الذات التي قامت بجميع هذه الإنجازات في وقت ما لا تمنع من نقدها ودراسة إلى أي مدى طبعت هذه الإنجازات بطابعها، سواء كان ذلك سلباً أم إيجاباً. وقوة هذا النقد جاءت من تضافر جهود الهامش الجنساني والهامشين العرقي والجغرافي وتصديها لهذا المتن القوي والطاغي المتمثل في الذات الأوربية، مع جهود المفكرين الأوربيين أنفسهم، الذين أدركوا أنه حان الوقت كي تتجاوز الحضارة الأوربية ذاتها لتخرج من مآزقها.
في الفصل الرابع تحدثت عن الأفكار والأيدلوجيات والتيارات التي شكلت الموجة النسوية الثانية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، والتي كانت تحمل جميع سمات هذه الحقبة. لذلك سوف تكون هذه الأفكار معروفة ومألوفة لدى بنات وأبناء جيلي الذي دخل السياسة والثقافة تحت تأثير السمات العامة لتلك الحقبة، التي تتسم بطغيان الأيدلوجية الشديد والإهمال النسبي للمتعين والواقعي والملموس لمصلحة الفكرة المجردة والإيمان والوفاء للأيدولوجيا. الموجة النسوية الثانية وأفكارها وتياراتها معروفة جيداً في بلادنا وهي مرتعنا حتى الآن، لا بل إن الحياة السياسية عندنا، مازالت تقف هناك ولم تنتقل إلى عصرنا الراهن بعد.
في الفصل الخامس تحدثت عن الأفكار والتيارات التي تشكلت منها الموجة النسوية الثالثة، وهي ما أدعي بأن بلادنا قليلة الاطلاع عليها، إن لم تكن نائية عنه.
إن الموجات النسوية الثلاث وجميع التيارات الفكرية النسوية قد بدأت تجني بعضاً من ثمارها؛ فالدول والأحزاب والمنظمات وجميع برامج التنمية أصبحت معنية بالقضية النسوية. ولكن الجهد النسوي ما زال ضرورياً في ذلك أيضاً، من أجل أن تبقى الرؤية النسوية حاضرة في هذه البرامج، وكذلك من أجل تقوية هذه القدم الأخرى للبشرية، أي المرأة، التي مازالت ضعيفة، ولكنها بدأت تتعافى، لذلك مازلنا نشهد عرج البشرية بعد أن كانت تحجل على قدم واحدة حتى تكاد تصطدم بحائط الفناء.
وأخيراً، ولأنني مازلت مصابة بداء السياسة، ويظل الهاجس السياسي أساس كل اهتمام عندي، سأضم كتابي هذا إلى اقتراحات أمين معلوف في كتابه "اختلال العالم" وأقترح أنه ربما كان الخروج من العزلة الجنسانية هو أحد السبل التي يمكن أن تؤدي إلى تجاوز اختلال العالم. وبذلك لا يكون مسعاي بعيداً عن مسعى أمين معلوف الذي مسعاه " أقرب إلى مسعى ناطور ليلي لبستان، غداة مرور عاصفة، …. حاملاً مصباحه، ناقلاً ضوءه من مكان إلى آخر، مستكشفاً الممرات، منحنياً فوق شجرة عتيقة اقتلعتها العاصفة، ثم يتوجه إلى مرتفع، ويطفئ مصباحه، ويحاول إلقاء نظرة شاملة على المشهد بكامله.
إنه ليس عالم نبات، ولا مهندساً زراعياً، ولا رساماً لمناظر الطبيعة، ولا يملك شيئاً في هذا البستان على سبيل الملكية الخاصة. إلا أنه يقيم هنا، مع الأشخاص الأعزاء عليه، وكل ما يمكن أن يمس هذه الأرض يمسه عن كثب."
أحاول هنا أن أحمل مصباحاً وأسير إلى جانب أمين معلوف ناقلة ضوءه من مكان إلى آخر متناغمة مع حركة مصباحه فربما يستكشف الضوء الناتج عن تداخل الضوءين ما في الممرات أكثر، وربما تتولد من هذا الضوء الجديد المتشكل أشعة شفاء تحمي الأشجار التي لا تزال واقفة بقرب للشجرة العتيقة التي اقتلعتها العاصفة. ثم سأجلس إلى جانب أمين معلوف على ذلك المرتفع وأطفئ مصباحي أنا أيضا وأنظر معه فربما تكون النظرة المتداخلة شاملة أكثر، وقادرة أكثر على استكشاف مساحة أكبر من المشهد الممتد أمامنا.
ربما نستطيع معاً الحفاظ على هذا البستان الذي لا نملك منه شيئاً. ولكنه مكان إقامتنا مع الأشخاص الذين نحبهم. وليس ذلك من أجل استمرار الحياة فقط، ولكن من أجل مقاربة سعادة مشتهاة منذ بداية التاريخ البشري. سعادة تحقق الشراكة الحلم.
ناهد بدوية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.