تحليل – خطاب الرئيس البشير الأخير.. أخطر الاشارات والتفاصيل خطة المؤتمر الوطني لادارة المرحلة والتصدي لاسقاطه ووضع القوات المسلحة مر الكثيرون على حديث الرئيس البشير امام اجتماع مجلس شورى حزبه مؤخراً دون التركيز عليه، وقد ورد في خطاب الرجل امام اعضاء حزبه الكثير من الاشارت التي يجب التوقف عندها، فتلك الاشارت في اعتقادنا تكشف الكثير عن طريقة تفكير هذه الحكومة منذ الانقلاب العسكري الذي نفذته في العام 1989م، وربما تكشف خطتها المقبلة للتصدي لأي عمل ضدها، وسنتحدث في هذا التحليل عن، أولاً العلاقة مع جنوب السودان، وثانياً الانتفاضة الشعبية والجيش السوداني، وثالثاً الاحزاب السياسية ومرحلة ما بعد سقوط النظام، ثم رابعاً التغلغل في المؤسسات والمجتمع او ما عرف في بداية عهد الحكومة بالتمكين. أولاً: العلاقة مع جنوب السودان في العلاقة مع جنوب السودان اعترف البشير في خطابه بدعم الحركات المتمردة على حكومة جنوب السودان، وقال ان جوبا تدعم التمرد ضد السودان لهذا كانت الخرطوم تعاملها بالمثل وتدعم المتمردين عليها، وهو امر طالما نفته حكومة البشير، وظلت تؤكد انها لا تدعم اي تمرد على دولة جنوب السودان، ثم قال البشير في خطابه ان الخرطوم قدمت للجنوبيين الكثير وساعدتهم في بناء دولتهم المستقلة، واضاف انه لا شيئ اصعب من الالتزام باجراء استفتاء لتقرير مصير جزء من البلاد والقبول بانفصاله لرغبة المواطنين بعد عهد معهم، وهنا ما زالت حكومة المؤتمر الوطني تريد التأكيد انها قبلت بالانفصال لرغبة الجنوبيين لذلك، والكل يعلم ان المؤتمر الوطني لم يكن يوما يريد الوحدة، والدليل على ذلك تصريحات المسؤولين به بعد الانفصال واحاديثهم الموثقة في الصحف، حتى ان احدى الوزيرات في المؤتمر الوطني قالت ذات يوم لاحدى الصحف ان الجنوب لم يكن يوماً جزءاً من السودان، وهو مثل الحديث الذي يقوله خال الرئيس الطيب مصطفى في صحيفته الانتباهة، حين اعتبر ذات يوم ان المستعمر هو من زرع الجنوب في جسم السودان ليصبح جزءا منه حتى يتسنى للمستعمر تهديد الاسلام، حسبا يرى الرجل المعروف بعنصريته. ثانياُ: الانتفاضة الشعبية والجيش السوداني فيما يخص هذا الجزء وهو الأخطر، سخر البشير من خطة المعارضة المعروفة ب(100) يوم لاسقاط الحكومة، وقال انه على المعارضة ان تستفيد من هذه المدة والسنوات المتبقية في الاستعداد للانتخابات بدلا من التفكير في اسقاط الحكومة، وقال "لكن اذا كان الناس يعتقدون انه غدا ستقوم مظاهرات والقوات المسلحة تنحاز للمظاهرات ويسقط المؤتمر الوطني، فالمؤتمر الوطني ليس الاتحاد الاشتراكي، وليس هو حزب حكومة وانما حزب حاكم" ونستنتج هنا من هذا الحديث ان البشير يؤكد ان حزبه ليس مغفلا مثل حزب الرئيس جعفر نميري الذي ترك بين الجيش من لا يريدون نظامه وفي النهاية انحازوا للشعب في انتفاضة ابريل 1986م ومنعو طائرة نميري من دخول السودان، وسقط على إثر ذلك نظامه الحاكم، وهنا يريد البشير ان يؤكد بصورة غير مباشرة ان المؤتمر الوطني مسيطر تماما على الجيش ولن يترك من بينه من سينحاز للشعب في انتفاضته اذا قامت، او ينفذ انقلابا عسكريا عليه، وما فعله المؤتمر الوطني منذ مجيئه من تصفيات واقالات لضباط القوات المسلحة خير دليل على انه يعمل على تشكيل جيش يدين بالولاء الكامل للمؤتمر الوطني وحركته الاسلامية، حتى الذين يتبعون للحزب الحاكم والحركة الاسلامية ولديهم افكار مختلفة عن افكار البشير ومن حوله تم ابعادهم كما حدث لود ابراهيم ورفاقه، وما حدث لقوش هو استباق لافكار الرجل الذي كان يفكر في تنفيذها، وقبله من ضباط ومدنيين ابعدوا ولم تعد لهم ذكرى. ثالثا: الاحزاب السياسية ومرحلة ما بعد سقوط النظام في خطابه الذي تعجز المعارضة في السودان من تحليله دائما كبقية خطابات رموز النظام والاستفادة منها، قال البشير موجها حديثه للمعارضة انه اذا سقط النظام "حيكون في كلام تاني" وكلام تاني هذه تعني ان الحزب الحاكم الآن لن يقف مكتوف الايدي بعد اسقاطه ليشاهد المعارضة تحكم السودان بدلاً عنه، وباعتبار ان المؤتمر الوطني يسيطر حالياً على الشركات والمؤسسات والهيئات ومفاصل الدولة الاقتصادية، لن يسمح للحكومة التي ستأتي بعد اسقاطه بالاستقرار وسيعمل كل ما بوسعه لعرقلة عملها وربما اسقاطها والعودة الى السلطة مرة أخرى، حتى لو عن طريق العمل العسكري والدفاع الشعبي الذي أصبح لديه قانون الآن ولم يعد قوة شبه عسكرية يمكن للحزب الاستفادة منه في ذلك، والجيش ايضا ربما يفعل بالحكومة الجديدة مثلما فعل الجيش المصري بحكومة محمد مرسي، لانه سيصبح مأموراً بعد ان كان يأمر ويحكم، ومغفل من يعتقد ان الحزب الحاكم لم يضع خططاً او تحسبات لإسقاطه او استمراره في الحكم. رابعا: التغلغل في المؤسسات والمجتمع المؤتمر الوطني تغلغل في مؤسسات الدولة بصورة كبيرة، منذ سياسات التمكين الاولى التي استخدمها في بداية حكمه، وأفرغ المؤسسات من الكفاءات والاشخاص غير الموالين له واستبدلهم باعضائه والانتهازيين الذين يريدون العيش تحت ظل النظام، والأكل من مائدته، وهنا كذلك اعترف البشير في خطابه بالتغلغل في مؤسسات الدولة حين قال تعليقا على حديث رئيس شورى الحزب أبو علي مجذوب الذي انتقد الغناء والرقص في القنوات السودانية فقال البشير "يا ابو علي ساعة لربك وساعة لقلبك، الحكاية ساعة بساعة لو ظللنا كل واحد ماسك سبحتو وقاعدين في المساجد الحكاية بحصل فيها ملل فلازم يكون في وقت ترويح، وكل "الفنانين مؤتمر وطني ولعيبة الكورة مؤتمر وطني والهئيات والتنظيمات كلها مؤتمر وطني وهذا نشاط المجتمع كله"، في النهاية نريد ان نضع هذا النشاط في قالب يحقق اهدافنا في بناء مجتمع طاهر ونظيف و "البرقص والبغني" ليس فجور وانما ترويح عن النفس"، اعتراف بأن المؤسسات والهيئات مؤتمر وطني وكذلك لعيبة الكرة والفنانون وهؤلاء معروفون أصلا، ولكن مؤسسات الدولة التي اصبحت مؤتمر وطني لم تفعل من تلقاء نفسها وانما استخدم الحزب الحاكم سلطاته لاخضاعها وجعل كل من بها عضواً فيه او مواليا له او طائعا لتعليماته، وهذه المؤسسات والهيئات كما قلنا آنفا سيتم استخدامها لاجهاض أي حكومة مقبلة اذا أسقط الناس النظام الحاكم، ومن هذه الخيارات الوقود وشركاته والمواد الغذائية وشركاتها وربما المياه وغيرها، عبر خلق أزمة في كل شيئ تضيق معيشة الناس. وأخيرا: ربما الفتنة في داخل الحزب الحاكم والصراعات هي التي ستعجل من سقوطه وليست المعارضة لأن الأخيرة منقسمة على نفسها أصلا وفي داخلها من يعمل لإطالة عمر النظام والامثلة معروفة ولا تحتاج لتفصيل، والصادق المهدي حذر مؤخرا من اسقاط النظام بالقوة، ونسي ان قادة النظام قالوا قبل هذا انهم جاءوا بالقوة ومن يريد اقتلاع السلطة منهم لن يستطيع الا بالقوة، والقوة هنا لا يؤيدها أحد ولكن النظام الحاكم لن يترك السلطة طوعا، فأما ان يسقط النظام نفسه بنفسه أي ينقلب الاخوة على بعضهم وهو ما ظهر اتجاه له داخل الحزب الحاكم مؤخرا، او أن يسقط بانتفاضة مسلحة أو عمل مسلح ضده، وهي اللغة الوحيدة للأسف التي يفهمها النظام، لأن الانتخابات التي ينظمها هو يفوز بها هو، ما يشير في النهاية الى ان الحرب الاهلية او الفوضى قادمة لا محال سقط النظام بالقوة او بقي بالقوة، لأن البلاد أصبحت في موقف صعب، تنتشر هنا وهناك الصراعات القبلية والفتن وانتشار السلاح بصورة كبيرة، وحركات التمرد المنتشرة بافكار ومطالبات مختلفة، والمليشيات الحكومية وشبه النظامية والمجموعات التي سلحتها الحكومة لإيقاف مجموعات أخرى، كل هذا الوضع يحتاج الى خطة دقيقة وخارطة طريق مدروسة بوعي من معارضة تعلم جيداُ الهدف من اسقاط نظام واقامة نظام آخر بدلا عنه بمعنة كلمة نظام، وليس مجرد اجتماع لتقاسم ما تركه النظام السابق والعودة لمربع الفشل والديمقراطية العاجزة، مع الأخذ في الاعتبار ما قلناه بأن النظام المخلوع لن يقف مكتوف الأيدي.. كما لا ننسى القوانين التي أجيزت مؤخرا من قانون القوات المسلحة الذي يسمح بمحاكمة المدنيين او قانون الاحتياط الذي يعطي وزير الدفاع حق استدعاء أي شخص لأداء خدمة عسكرية او غيرها وحظر سفره، بجانب قانون الدفاع الشعبي الذي جعل للقوة ميزانية مالية منفردة، كل هذه كان الأجدى للمعارضة أن تدرسها وتتحسب لها، ولكن مرت كما مر من قبلها الكثير المثير..