دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهدي: إما التذكرة القومية أو التونسية، والافلات من العدالة تقنين للجريمة
نشر في حريات يوم 27 - 01 - 2011

نظم حزب الأمة القومي أمس26 يناير احتفالاً بيوم التحرير الأول للسودان على ايدي قوات الإمام المهدي في 26 يناير 1885م، وحضره رغم العراقيل التي وضعها جهاز الأمن حشد كثيف من الجماهير، من مختلف المشارب السياسية وإن كان يغلب عليهم أعضاء حزب الامة والانصار مع حضور ملاحظ لمنسوبي الحركة الشعبية لتحرير السودان. وتحدث في الاحتفال رئيس حزب الامة الامام الصادق.
وتميز الحضور الحاشد للاحتفال بالحماسة الفائقة، وصاحبته مشاهد حماسية من ضمنها استعراض لشباب وشابة يركبون الخيول أثناء الفقرات الغنائية التعبوية قبل بدء البرنامج الرسمي، كما لفت الحضور روح حماسية ووطنية عالية. وشهد الاحتفال الأستاذ فاروق أبو عيسى والأستاذ ياسر عرمان والأستاذ صديق يوسف وغيرهم من قادة الأحزاب السياسية اضافة للطرق الصوفية والدبلوماسيين وسط حضور إعلامي مكثف للفضائيات والصحفيين.
وتحدث في الختام الامام الصادق المهدي بادئاً حديثه بوصف اليوم بيوم الفرقان - بين التحرير والتعميروبين القهر والتدمير – ، وطلب من الجمهور أن يردد معه بعض الشعارات، وحين تلا شعار: (ثورة تونس في طريق أكتوبر وطريق أبريل) اشتعلت الجماهير بالهتاف اشتعالاً، ثم ما لبثت أن اشتعلت مرة أخرى حين قال: (فإن كانت دباباتهم وطائراتهم هي سلاحهم فأنتم ذخيرة الوطن لخلاص الوطن فإرادة الشعوب من إرادة الله) الى درجة مطالبة المهدي لهم بالتوقف عن الهتاف، لكن ذلك لم يمنع الكثيرين من الهتاف، خصوصاً حين طرح المهدي خياري: التذكرة التونسية – أي الإنتفاضة الشعبية على غرار ماحدث في تونس – ، وخيار التذكرة القومية – اي التحول المتفاوض عليه مع المؤتمر الوطني – ، فترددت هتافات داوية تدعم الانتفاضة.
وقال المهدي إن هناك حدثان هامان وملهمان في تحرير الخرطوم الأول: أن الثورة اشتعلت في أنحاء البلاد وحررتها قبل الخرطوم، والثاني أن المهدي لم يرد اقتحام الخرطوم وكان يحاصر غردون وينصحه ولكنه أبى حتى اضطرت جيوش المهدية الى الدخول مع اقتراب النجدة المرسلة لغردون من الشمال. وقال: العاقل من اتعظ بغيره وأدرك أن العناد من أعوان الشيطان كما قال تعالى: (وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا)
وأضاف إن أمام المؤتمر الوطني خياران هما: الاستجابة للأجندة الوطنية أو الانكفاء على مصالح حزبية وقمع الشعب. وإن الجنوب سيستقل بإرادة أهله منتقداً الفرحين بانفصاله عن الشمال باعتباره عبئا وكذلك الذين حرموا الانفصال وقال إن الجنوبيين كانوا متحدين معنا باختيارهم وأشار لوفد قوى الإجماع الذي يزمع زيارة جوبا لتهنئة الأخوة في الجنوب على قيام الاستفتاء بشكل حضاري. كما تطرق للمسألة الدارفورية التي صارت قضية قومية وصار حلها واضح قومياً ودولياً وطالب كافة الفصائل والأحزاب الدارفورية بوقف العدائيات وتحديد مطالبهم المشروعة وفق ما ورد في ورقة (الأجندة الوطنية) واشتراط أن يكون الحوار وفق تلك المبادئ. كما نادى بسياسة اقتصادية جديدة لأن (الأغلبية الشعبية تشكو من العطالة وغلاء الأسعار)، واصفاً هذه الحالة بأنها (حرقة توشك أن تدفع لاحتجاجات حركية واسعة).
وحول الحريات طالب بإطلاق سراح المعتقلين، وقال: (صار مطلب الحرية كلمة السر الشعبية في كل مكان)، وأضاف: (التذكرة التونسية تقوم على الحرية – الخبز- والتحرر من الهيمنة الخارجية- كفالة حقوق الإنسان والحريات العامة مطلب وطني). كما نادى بعدم الإفلات من العقوبة بقوله: (لا سلام بلا عدالة والإفلات من العدالة هو تقنين للجريمة لذلك ينبغي الحرص على تحقيق العدالة في توافق مع مطالب الاستقرار). وسمى هذه المطالب ببرنامج وقال إن (السبيل لإنفاذه هو حكومة قومية انتقالية لا تعزل أحداً ولا تلاحق أحداً).
وقال الإمام الصادق إن أمام الشعب السوداني خياران: التذكرة القومية أو التذكرة التونسية، مفضلا الأول باعتباره (حل باليد خير من حل السنون، خاصة في ظروف السودان الهشة الحاشدة بالفصائل المسلحة وبالوصايات الدولية ما يجعل السودان أكثر من غيره عرضة للتفكيك والتدويل على نحو ما حصل ليوغسلافيا السابقة). وأضاف: (إذا اختار الحزب الحاكم التذكرة القومية فسوف يجدنا أحرص منه عليها بل سوف يجد كافة القوى السياسية كذلك).
وقال إن لديه ثلاثة خيارات هي التذكرة القومية وبعدمها التونسية أو التنحي، وشرح المنطلقات التي أتت بفكرة التنحي، وهي تأكيد بطلان أن حزب الأمة هو الصادق، واستنهاض القواعد استعداداً للمرحلة القادمة، وليتأكد الحاكمون أن في تنحيه خسران لهم، مشيراً إلى أنه يتميز بمرونة في الأمور التكتيكية ما يعني ضمنياً أن غيابه سوف يأتي بقيادة أكثر تشدداً. وقال إنه يشكر المؤسسات وقوى الإجماع الذين طالبوه بعدم ذكر خيار الاعتزال، ولكنه سيحفتظ بخياراته كلها مفتوحة (حتى يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض) أي ظهور موقف المؤتمر الوطني برفض الأجندة الوطنية أو قبولها.
وأكد في النهاية أن التعبئة سوف تستمر لتشمل كافة الولايات حتى تتحقق مطالب الشعب عبر الجهاد المدني، وطالب الجميع بالاستعداد لدفع استحقاقات أي من التذكرتين القومية أو التونسية.
وكان الاحتفال قد احتوى إضافة لذلك على قصائد وأناشيد وطنية وحماسية من قبل فرقتي صالون الإبداع وود سعد، وألقت الأستاذة رباح الصادق قصيدة (ما بتتزحى وما بتتنحى) وسط تصفيق الحضور، كما تم الاستماع لرائعة اللواء أبو قرون عبد الله أبو قرون (عزة وعزة) كقصيدة قبل أن تؤدى كأغنية.
واحتوى كذلك على كلمة من الأستاذ عبد المحمود أبو شامة المؤرخ وصاحب كتاب (من أبا إلى تسلهاي: حروب حياة الإمام المهدي) والذي يعد موسوعة في تاريخ السودان. ووصف الإمام المهدي بأنه أعظم إستراتيجي سوداني مشيراً لجمعه القبائل كلها في ثورته، وأنه وحد السودان كله وأنشأ أول قوة ضاربة مع بداية الثورة وأقنع الناس بقيادته الفكرية والروحية والعسكرية في أربعة شهور فقط، وأنه لم يتجه من أبا كأول معركة له للخرطوم بل ذهب للغرب وسيطر على غرب ووسط وشمال السودان وبذلك عطل أي مدد للخرطوم من الشمال ثم حاصر الخرطوم حصاراً محكماً. وروى الكيفية التي تم بها تحرير الخرطوم مشيراً لاستحكامات غردون ولجيوش الأنصار المشاركة في الحصار، ولاستخدام غردون للحرب البايلوجية بضرب قوات النجومي في الكلاكله بالجدري. كما روى كيف أن وصول حملة ويلسلي لإنقاذ غردون كان حاسماً لدخول الخرطوم حيث كانت إستراتيجية الامام المهدي أن يستمر الحصار حتى تسلم من الجوع. وقال إن تحرير الخرطوم لا يمكن تسميته معركة إذ لم يتقاتل فيها جيشان وحتى التصفيات التي تمت إثرها لم تكن جزءاً من المعركة. وقال إن الأنصار اقتحموا الخرطوم وفجروا الديناميت الذي كان غردون وضعه ثم دخلوا وقال (السلاح كان الله أكبر ولله الحمد من أربعين ألف مجاهداً بصوت هز الخرطوم والقوات تركت أسلحتها وهربت). وأضاف (ثم بدأت عملية التصفيات التي لم يردها الإمام المهدي) مشيراً لمقتل غردون.
وتحدث كذلك دكتور فيصل محمد موسى أستاذ التاريخ بجامعة النيلين وقال لكل دولة مقومات منها العلم والأرض أو الحدود والجيش، وقال إن دولة المهدية كان لها علم وإن حدود السودان الحالية هي حدود دولة المهدية، وقال إن على رافعي علم المهدية الآن مهمة توحيد السودان.
كما تحدث الشيخ آدم أحمد يوسف رئيس لجنة التعبئة محيياً الحضور وشاكراً إياهم ومركزاً على أهمية الحريات وحتميتها للشعب الأبي مستشهدا بأبيات أبي القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة، متمنيا أن يحمل الشعب السوداني كله الأجندة الوطنية ويلتف حولها. كما تحدث الأمين العام للحزب السيد صديق محمد إسماعيل النور مؤكدا التفاف الجماهير حول رئيس الحزب وقدرته على قيادة البلاد في هذا الظرف الحرج مؤكدا ضرورة القضاء على الظلم والفساد، كما سلم رئيس الحزب وثيقة تجديد عهد.
و تابعت (حريات) منذ صباح أمس استعدادات حزب الأمة لما سماه رئيسه الإمام الصادق المهدي (يوم الفرقان)، حيث كانت (حريات) على اتصال لصيق بالشيخ آدم أحمد يوسف رئيس اللجنة المنظمة للحفل والذي أبلغنا بمضايقات كثيرة يوم التحرير، وأكد بعد نهاية الاحتفال إن الحشود كانت بمستوى يتناسب وأهمية الحدث وبما يرسل رسالة واضحة لمن يهمه الأمر بقدرات حزب الأمة والأنصار على التعبئة والحشد ولكنه قال (إن الحشد الحالي ربع الحشد المفترض) مشيراً للتعويق الذي حدث بإحتجاز عدد كبير من العربات واللواري التي تقل منسوبي الحزب من ولاية النيل الأبيض حيث احتجزتها السلطات الأمنية في منطقة الدويم. وفي ذات الصعيد أكد عدد من منسوبي الحزب الذين قدموا من سنجة بعد الحفل إن تعويق وصولهم كان مقصودا وبسبب وجود عدد من طلاب جامعة سنار بالحافلة التي تقلهم، وقالوا إن السلطات الأمنية تستهدف طلاب الجامعة، مؤكدين أنه تم اعتقالهم لساعات خمس، وفي النهاية لاحقتهم عربات الأمن حتى سنار وما بعدها.
وفي أم درمان لاحظت (حريات) أن الوفود المختلفة بدأت تصل عصراً وكذلك حراسة شرطة مكافحة الشغب التي طوقت مسجد الخليفة من جميع الجهات تصاحبهم الكلاب البوليسية، وقد علق أحد الإعلاميين هازئا: كل أنواع الكلاب: البوليسية والأمنجية!
ويمكن القول ان اليوم مرَّ بشكل أرضى التيارين المتضاربين في حزب الأمة، فأرضى التيار الذي يعوِّل على (التذكرة القومية) ويؤمِّل في استجابة المؤتمر الوطني لأنه لم يُختم بالدعوة للمواجهة الفورية، كما أرضى التيار الذي يرى بأن المؤتمر الوطني يكسب الوقت فقط ولا بد من الإسراع بمواجهته، حيث قابل الحشد عراقيل كثيرة صدقت كثيراً من أطروحات هذا التيار وأجرت الدماء في عروقه وجعلتهم يحسبون الاحتفال – رغم خلوه من التوجيه بالنزول للشارع – خطوة هامة وتمهيدية في إتجاهه. وكان التيار الأساسي في الحضور، خاصة من القوى السياسية الأخرى، ومن الذين ينتظرون شرارة الإنتفاضة، يتمنون لو أن الامام الصادق قال لهم فوراً (اقطعوا التذكرة التونسية)!
(نص خطاب الإمام الصادق المهدي أدناه)
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة الإمام الصادق المهدي
في ذكرى تحرير الخرطوم واستقلال السودان الأول 1885م
( يوم الفرقان)
26 يناير 2011م
سمي القرآن فرقانا لأنه فرق بين الحق والباطل. وتيمنا نسمي يومنا هذا يوم الفرقان بين طريق السودان للتحرير والتعمير أو القهر والتدمير.
وقبل الإدلاء بحديثي أرجو أن تشاركوني الهتاف الوجداني:
عاشت ذكرى التحرير الأول.
دستور جديد لسودان عريض.
شمال جنوب..تيمان برقو ما بنفرقو.
مطالب دارفور مطالب عادلة.
الإسلام نصير الحرية.
الإسلام نصير العدالة.
الإسلام دين الكفاية.
لا استقرار مع نار الأسعار.
الإفلات من العدالة تقنين للجريمة.
ثورة تونس في طريق أكتوبر وطريق أبريل.
التجربة التونسية ملهمة التطلعات الشعبية.
أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي أرحب بكم في هذه الساحة التي كانت قلب الدولة المهدية وأرجوكم أفتحوا لي أبصاركم وآذانكم، فإن كانت دباباتهم وطائراته هي سلاحهم فأنتم ذخيرة الوطن لخلاص الوطن فإرادة الشعوب من إرادة الله:
إن للحق قوة ذات حد من شباة الردى أدق وأمضى
أولا: عزيمة الشعب السوداني استنزلت لطف العناية، وحدت سودان المليون ميل وحررته، ومع إننا اليوم نواجه السودان الناقص بانفصال الجنوب وهجرة خمس السكان للخارج يلزمنا أن نكرر الاحتفال بذكرى التحرير ليلهم الماضي المستقبل. حدثان مهمان وملهمان من تحرير الخرطوم الأول: إن الدعوة انطلقت في كل أنحاء السودان وحرر الثوار مناطقهم في كثير من أنحاء السودان قبل تحرير الخرطوم في 26/1/1885م.
الثاني: كل خطابات الإمام المهدي لغردون المحاصر في الخرطوم منذ شهر نوفمبر 1885م خلاصتها: أنتم محاصرون حصارا واسعا لأن الطريق الشرقي والشمالي كلاهما انحاز للدعوة، وحصاراً مباشراً حول الخرطوم ونحن لا نريد سفك الدماء فاستجيبوا لحقائق الواقع ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. ولكن غردون تمنى الصمود حتى تدركه النجدة البريطانية القادمة ولكن خبر وصولها عجل بالتحرير وكان ما كان بسبب حماقة غردون.
في كل التاريخ القيادة الحكيمة تقرأ الواقع وتتجنب التهلكة: هذا ما فعله النبي القدوة (ص) في صلح الحديبية وما فعله الفريق إبراهيم عبود في تاريخنا السوداني عندما حاصرته المطالب الشعبية، فالعاقل من اتعظ بغيره وأدرك أن العناد من أعوان الشيطان كما قال تعالى: (وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا)
ثانيا: نظام الحكم في السودان أمامه خياران: الانفتاح لمطالب الشعب والاستجابة لدستور جديد لسودان عريض أو الانكفاء على مصالح حزبية ضيقة ومواجهة الشعب بأساليب القمع.
ثالثا: الجنوب بإرادة أهله سوف يقيم دولة مستقلة، بعضنا صنف الجنوب والجنوبيين خبثا وعبئا لذلك هم سعداء بالانفصال، وبعضنا اعتبر الجنوب منطقة فتحتها سيوف المسلمين، لذلك هم يحرمون الانفصال ويجرمونه.
هذه المفاهيم خاطئة ومن شأنها أن تجعل الدولة الجديدة عدوة للسودان، الجنوبيون أخوتنا وكانوا معنا في دولة واحدة باختيارهم، وما صدهم عنها سياسيات طاردة، وأمام دولتهم الجديدة خياران:
أن تتجه جنوبا وتتحالف مع:
- دول في شرق أفريقيا.
- أو أن تتجه شمالا وتقيم علاقة خاصة مع دولة السودان.
الواجب الوطني هو أن نمد لهم أيدينا لعلاقة كسبية في معاهدة توأمة تحقق مصالحنا ومصالحهم ولا تعادي الدول الأخرى من جيراننا في شمال وشرق وغرب أفريقيا، بل تصادقهم في ظل الوحدة الأفريقية المنشودة وربما أفلحت في إقامة كنفدرالية واسعة عربية أفريقية.
لقد قررت قوى الإجماع الوطني انتداب وفد للجنوب يبارك لهم اختيارهم والطريقة الحضارية التي جرى بها الاستفتاء ويحشد التأييد للعلاقة الخاصة المنشودة.
رابعا: يا كُل أهلنا في دارفور من فصائل مسلحة، وسياسية، ومدنية، وقبلية، ومهجرية، ونسوية، نحن منكم وقلوبنا معكم، وقد آن الأوان لاستجابة حاسمة لمطالبكم المشروعة، لذلك نقول لكم إن قضية دارفور قد صارت قومية يدعمها كل شعبنا، وصارت دولية يدعمها العالم. من هذا المنطلق:
أوقفوا أية مراشقات عدائية بينكم.
التفوا جميعا حول إعلان مبادئ يجسد مطالبكم المشروعة كما ورد في الأجندة الوطنية.
اشترطوا إعلان المبادئ أساسا لأية مفاوضات وسوف تجدون في ذلك قوة فاعلة ودعما قوميا ودوليا.
خامسا: السياسيات الاقتصادية الخاطئة دمرت الإنتاج الزراعي، والصناعي، ودمرت القطاع الخاص، والطبقة الوسطى، واسرفت في الإنفاق الحكومي الذي تموّله الجبايات والرسوم والضرائب وجعلت الأغلبية الشعبية تشكو من العطالة وغلاء الأسعار، حرقة توشك أن تدفع لاحتجاجات حركية واسعة، ولا بد من سياسة اقتصادية إصلاحية جديدة، سياسية اقتصادية حددت الأجندة الوطنية معالمها.
سادسا: صار مطلب الحرية كلمة السر الشعبية في كل مكان، التذكرة التونسية تقوم على الحرية – الخبز- والتحرر من الهيمنة الخارجية- كفالة حقوق الإنسان والحريات العامة مطلب وطني.
سابعا: لا سلام بلا عدالة والإفلات من العدالة هو تقنين للجريمة لذلك ينبغي الحرص على تحقيق العدالة في توافق مع مطالب الاستقرار.
وإذا اتفق على هذا البرنامج فالسبيل لإنفاذه هو حكومة قومية انتقالية لا تعزل أحدا ولا تلاحق أحدا.
أمامنا نحن الشعب السوداني خياران: التذكرة القومية أو التذكرة التونسية، والحكمة الشعبية تقول: حل باليد خير من حل بالسنون خاصة في ظروف السودان الهشة الحاشدة بالفصائل المسلحة وبالوصايات الدولية ما يجعل السودان أكثر من غيره عرضة للتفكيك والتدويل على نحو ما حصل ليوغسلافيا السابقة.
إذا اختار الحزب الحاكم التذكرة القومية فسوف يجدنا أحرص منه عليها بل سوف يجد كافة القوى السياسية كذلك.
إن السماح لهذا الحشد دون عرقلة جزء من التمهيد للمناخ القومي المنشود، ويجب أن تتبعه إجراءات أخرى أهمها: إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والكف عن تصريحات طاردة، أو إجراءات انفرادية بخصوص الجنوبيين إذا قرروا الانفصال.
معاملة الجنوبيين في الشمال ومعاملة الشماليين في الجنوب يجب أن تكون جزءا هاما من البرنامج القومي المنشود.
ختاما:
إذا كان أمام الحزب الحاكم خياران إما الانفتاح القومي أو الانكفاء الحزبي، وكان أمام القوى الوطنية خياران إما التذكرة القومية أو التذكرة التونسية وفي الحالين الاستعداد للوفاء بالاستحقاقات، فلماذا حددت أنا لشخصي ثلاثة خيارات؟
أقول:
إذا استجاب النظام للأجندة الوطنية فهذا هو الأسلم للبلاد ويمكن أن يخط لكافة البلدان التي تواجه استقطابا بين الحكام والشعوب نهجا سلميا.
وإذا رفض فإن أمامي النزال بالتذكرة التونسية أو الاعتزال في 26 يناير. أليس في هذا تثبيط للهمم أشبه بالفرار يوم الزحف؟
إذا عرف السبب بطل العجب. لم أك مناورا أو هازلا عندما حددت هذا الموقف. بل إنه يخدم أهدافا هامة في تنمية البلاد السياسية هي:
الهدف الأول: مهما حرصنا على الديمقراطية والمؤسسية في حزبنا ظل قوم يقولون إن حزب الأمة هو الصادق. حرصت أن يدرك الناس أن لحزب الأمة وجودا غير الصادق قادرا على الحركة والفعل في حالة غيابه.
الهدف الثاني: استنهاض قواعدنا لمعرفة مدى استعدادهم لاستحقاقات المرحلة القادمة.
الهدف الثالث: يدرك الحكام أنني ما خيرت بين أمرين إلا اخترت أيسرهما فإذا فقدوا هذا الصوت كمفاوض من أجل الخلاص الوطني أو كمحرض على المواجهة فسوف يكون هذا في ميزان خسائرهم.
كنت ولا زلت أعتبر نفسي من أكثر الناس صلابة في الأهداف الإستراتيجية، ومن أكثرهم مرونة في الوسائل التكتيكية. ونحن أمام موقف يحتاج لأقصى درجة الصلابة في الموقف الإستراتيجي لنجدة الوطن وأكثر درجات المرونة في الموقف التكتيكي:
قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
أقدر رجاء أجهزتنا بالإجماع وكذلك رجاء زملائنا في قوى الإجماع ألا أذكر الاعتزال مرة أخرى. فلهم مني جزيل الشكر، فأنا مع كل ما حصبني به الخصوم من جمرات أجد في نداءاتهم بردا وسلاما.
وسوف أترك خياراتي مفتوحة حتى يتبين الخيط الأسود من الأبيض من موقف النظام من الأجندة الوطنية. فإن تجاوبوا خدموا أنفسهم وبلادهم. وإن اختاروا الانفراد والقهر فبي أو بدوني سوف يجدون أنفسهم في أحرج المواقف. ولا شك عندي أن الديمقراطية راجحة وعائدة وهذا عام الفرقان: لم يبق إلا قليل من الوقت يا وطني فهل من أمة تثب؟
المرحلة الحالية هي مرحلة الإجماع حول الأجندة الوطنية والحشود التي تؤكد السند الشعبي الحماسي لها. هذه التعبئة سوف تستمر لتشمل كافة الولايات وسودان المهجر حتى تتحقق مطالب الشعب عبر الجهاد المدني والتفاوض الجاد من وسائله. لنعمل بكل الوسائل لنجعل من عام فقد الجنوب عام كسب المستقبل.
وفي الختام لا يفوتني أن أكرر التهنئة للشعب التونسي على انتفاضته التي أيقظت الشعوب، والمهم طي صفحة الماضي البغيض وإقامة نظام انتقالي قومي يرسم خريطة الطريق لتونس الديمقراطية فيؤسسون سنة لبن علي وأخوانه في نادي الاستبداد.
كما أهنيء أهلنا في لبنان على اختيار الحبيب نجيب ميقاتي فهو شخصية سنية إسلامية وفاقية، عضو معنا في منتدى الوسطية العالمي واسع الخبرة يقود تيار العزم السياسي وجمعية العزم والسعادة الاجتماعية وأرجو من الأخ الكريم سعد الحريري التعاون معه.
من موقف المشاركة أو المعارضة الدستورية لبناء لبنان والتصدي للعدوان الإسرائيلي.
إن الدرس المستفاد في كل المنطقة هو أن إدارة الحوكمة بصورة فوقية برضاء الهيمنة الدولية وغياب الإرادة الشعبية مرحلة عفى عليها الزمان:
المرحلة القادمة سوف تخط طريقها الشعوب بعد طول غياب: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) .
والسلام عليكم والرحمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.