[email protected] أتابع بإنتظام ما يقول به غازي صلاح الدين منذ الفراق الشهير داخل الحركة الإسلامية فهو أحد صانعي نظام الإنقاذ وكثيرا ما اعترف بفشلهم في إدارة الدولة ولكنه كحال الكثيرين من داخل المؤتمر الوطني لا يعترف بأن ذلك الإعتراف يستوجب إبتعادهم عن السلطة وإنما يتطلب في رأيهم، الإصلاح اخل البنية لنظام الإنقاذ الذي يعترفون بفشله أخلاقيا ومهنيا ويطالبون بمراجعته. يؤكد ذلك غازي في قوله أن "المسؤولية الأخلاقية توجب النقد والمراجعة، دون خوف أو مواربة، ليس على صعيد الممارسة العملية فقط، بل على صعيد الأطروحات الفكرية والسياسية". ويؤيده في ضرورة المراجعة والندم على مسيرة إجرام نظام الإنقاذ كل قادته بما فيهم البشير كما جاءعلى لسانه في إفطار رمضان مع قيادات دارفور. ومع هذا الفشل المعترف به من قبلهم إلا أنهم لا يتوارون خجلا بل يطالبون الآخرين بأن يقفوا معهم ولا يحملونهم وحدهم عبء الإنهيار والفشل الذي لحق بالسودان. يقول غازي في نقده لتجربة الإنقاذ الفاشلة بكل معايير الأخلاق والدين " فإن على القوى السياسية أن تنتقل من الشعارات والأهداف العريضة إلى اتخاذ مواقف جديدة تحمل معالجات عملية للتحديات والمخاطر. وهذه ليست مهمة لحزب واحد أو للحكومة وحدها، بل ينبغي النظر إليها ومقاربتها باعتبارها عبئاً وطنيا مشتركا ووظيفة عامة يتداعى إليها جميع السودانيين." أما البشير فقد طالب الحاضرين إفطار د. سيسي من أبناء دارفور بالتواثق ورفع أيديهم وأداء القسم بأنهم مع السلام وضد الحرب"، مضيفا "ما عايزين زول من برا ينصحنا بنحل مشاكلنا برانا" وهو الذي جاء بكل ما هوأجنبي للسودان ليحشر أنفه في قضاياه وأغفل عن عمد أي جهد سوداني للوصول إلى حوار جاد ينهي الفشل الذي يتحدثون عنه. إن الحال التي وصلت إليها بلادنا خلال ال 25 عاما الماضية تستوجب على كل سوداني البحث في حل ومخرج ولكن ليس من خلال أطروحة الإنقاذ التي ثبت فشلها بإعترافم هم قبل غيرهم. لهذا فإن الإصلاح الذي ينادي به غازي وهو " هدفه الأقصى بلورة مشروع سياسي تنموي شامل لتجاوز خيار الوهن والاحتقان السياسي والاجتماعي والتراجع الاقتصادي. ويرتكز هذا المشروع على المرجعية الإسلامية والقيم الحضارية ….تستمد قوتها ومضاءها من هدي الدين المؤكد لمبادئ الحرية والعدل وكرامة الإنسان." لا يمثل حلا بقدر ما هو مزيد من التعقيد لمشاكل السودان في ضوء مستجدات العصر الفكرية والمنهجية. نعم إن الإسلام وقيمه يضم بين جنباته العدل والحرية والكرامة لبني البشر ولكن ليس برؤية الإنقاذ ومنهجها وإنما من خلال إجتهاد وإستنباط جديدين لمعاني القرآن وفق ظروف ومستجدات العصر بعيدا عن وسيلة تغذية نزعات جهوية ومصالح طائفية، أو طموحات قبلية زرعها نظام الإنقاذ منذ إنقلابه على حساب المصلحة العامة ومقتضيات التعايش التي سادات المجتمع السوداني منذ أكثر من 7 آلاف عام هو عمر الوطن السوداني. فالسودان كما يقول غازي بنفسه له " هوية متميزة هي نتاج طبيعي لعمق تاريخه وثراء ثقافته وتنوع مكوناته البشرية والطبيعية، والهوية هي بالضرورة مجموع لمتعدد، ينبغي أن تحترم مكوناته وألا تستخدم كأساس للإقصاء أو الصراع أو تهديد روابط الإخاء والتعايش السلمي المشترك. ويستوجب احترام التنوع والإيمان بمبدأ الحوار البناء بين الأديان" ولكن غازي وغيره من الإسلاميين لا يصل في نهايات نقدهم لتجربتهم الفاشلة إلى ضرورة إنهائها وإرجاع الأمر إلى الشعب ليقول كلمته مما يؤكد على أن وجود توزيع أدوار داخل الحركة الإسلامية يلجأوون إليها كلما طرأ جديد في الساحة السياسية داخل أو خارج السودان ذات علاقة بوجودهم في السلطة. فهل ما يقوله غازي وغيره من مفكري الحركة الإسلامية حقا قناعة نتجت من قصور في الممارسة خاصة أنهم إحتكروا العمل السياسي طيلة 25 عاما واستشرى فيها الفساد والظلم أم أنها قناعة بقصور في منهج الجبهة الإسلامية القومية التي قادت به إنقلابها العسكري والذي إبتدرته بكذبة (الذهاب إلى القصر والسجن)؟ وهل ما أدلوا به من نقد لتجربتهم والذي أكدوا فيه فشلهم المتواصل، يقودهم إلى الإحتكام إلى القضاء وتقبل نتائجه فيما يتعلق بالظلم والفساد الذان طالا سفك الدماء وأكل المال بالباطل كما اعترف البشير في لقائه الرمضاني مع قيادات أهل دارفور؟ فقد ذكر البشير بالنص " أن هناك ظلماً مخيماً على البلاد تسبب في الجفاف وتأخر نزول الأمطار وتساءل كيف نسأل الرحمة وأيدينا ملطخة بالدماء؟ وشدد على نحن فرطنا في سماحة أهل دارفور وسماحة الأعراف داعياً إلى مراجعة الذات في شهر رمضان وضرورة إيقاف إزهاق الأرواح في القتال القبلي في دارفور) (صحف السودان الصادرة بتاريخ 23/7/2013م). هل ما توصل إليه قادة الحركة المسماة بالجبهة الإسلامية القومية فيما يتعلق بالحكم مثل الحرية والعدل وحقوق الإنسان تمثل مطلوبات الحكم الرشيد في السودان؟ ، ولماذا لجأ قادة الحركة إذن لسياسات التمكين التي تتعارض كلية مع تلك المتطلبات السياسية؟ ما قاله الترابي يوضح أنهملم يكونوا يجهلون ضرورة هذه المتطلبات اديمومة الحكم الراشد والحفظ على حقوق المواطنين؟ فلماذا إذن ظلوا يسيرون في طريق لا يربطهم بالحق والعدل والخوف من الله حين يقتلون ويفسدون وينهبون أموال الشعب بالباطل؟ لقد ندم الترابي على ما فعل عشية إنقلابه المشئوم في نهاية يونيو منعام 1989م ولكنه لم يعتذر للشعب عما ارتكبه من جرم بإسم التمكين في حق ملايين الأسر التي شردت داخلوخارج السودان أوقتل أفراد منها تحت دعاوى الجهاد كما ندم البشير على ما حدث في دارفور ولكنه كسابقه الترابي وعلي عثمان واصل في نفس مسيرته الظالمة حين يعيد تعيين مجرمي حرب دارفور في مناصب قيادية يصعب محاسبتهم أوإرجاعهم للحق. بل يزدادون شراهة في قتل المواطنين وتشريد أطفالهم وقصف قراهم ثم منع الإغاثة عن نسائهم وأطفالهم. يقول البشير" كيف يستجيب الله لدعائنا ونحن نسفك دماء المسلمين ودماء بعضنا البعض ونحن اعلم بأن زوال الكعبة اهون عند الله من قتل النفس" إذا علمنا أن من قتلوا في دارفور أكثر من 300 ألف وتم تشريد ما لا يقل عن 2 مليون ومزقوا النسيج الإجتماعي في دارفور بسبب ذلك التشريد وهذا النزوح كما تم نزع أراضيهم ومنحها لقبائل مدعية العروبة ومستجلبة من غرب أفريقيا. بهذه الأفعال أختل نظام الحواكيرالمتعارف عليه في دارفور ودخلت من جراء ذلك القبائل الدارفورية في حدود بعضها، ونشبت بينها الحروب. وبالتالي يتطلب الندم وتستوجب التوبة كما يقول البشير أو الإصلاح كما يقول غازي من إرجاع الأراضي لأهلها، وايقاف تقسيم دارفور. إن منهج الندم والتوبة في الإسلام والذي يدعون بأنهم ينطلقون منه له شروط فبعد الندم يأتي الوقف عن مواصلة الذنب الذي استوجب الندم خاصة إذا ارتبط بظلم وحقوق الآخرين والعمل الجاد لرد هذه الحقوق والمظالم الى أهلها ومن ثم الاصرار على عدم العودة إليه مرة ثانية. بالتالي فإن ما يقوله أهل الإنقاذ من ندم ما هوإلا زر للرماد في العيون المراد به الغش والخداع للمواطنين. فإذا أراد البشير حقا التوبة النصوح والتطهر من رزائل الإنقاذ فعليه اليوم قبل الغد بإعلان إستقالته وإرجاع الأمر كله للشعب.