تفسير مثير لمبارك الفاضل بشأن تصريحات مساعد قائد الجيش    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    عثمان ميرغني يكتب: إيقاف الحرب.. الآن..    البرهان بين الطيب صالح (ولا تصالح)..!!    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    مان سيتي يجتاز ليفربول    التحرير الشنداوي يواصل إعداده المكثف للموسم الجديد    كلهم حلا و أبولولو..!!    السودان لا يركع .. والعدالة قادمة    البرهان يطلع على أداء ديوان المراجع العام ويعد بتنفيذ توصياته    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشهد المصري….ودموع التماسيح
نشر في حريات يوم 31 - 07 - 2013


[email protected]
تذرف دموعهم بحوراً أولئك المتباكون علي ما يجري فى مصر…باعتباره انقلاباً علي الديمقراطية؛… فقد أوردت خبرهم مجلة نيوزويك، خبر التمساح الأكبر "الواشنطن بوست" وبعض شيوخ الكنقرس المتنفذين مثل جون ماكين…بالإضافة لرويبضات هنا وهناك (مثل د. عبد الله علي إبراهيم الذى عنون مقاله الأخير كالآتي: "كلنا إخوان مسلمون"….واحسراه عليك ياصديقي! بإسم من تتكلم؟ بإسم الشعبين المصري والسوداني؟ أم بإسم إبن خالتك النائب الأول؟…يعوضنا الله فيك يا مال فلسطين…) في محاولة للإختفاء خلف إصبع واحد…ويتجاهلون ثلاثين مليون مصري ظلوا منتفضين بشوارع المدن والدساكر المصرية منذ الثلاثين من يونيو حتي الثالث من يوليو.
فما حقيقة الأمر؟ وما حظ الثورة المصرية من البقاء والصمود والتقدم بإذنه تعالي …ولو كره الكافرون؟ وأي موجة جديدة للحركة التحررية العربية تجتاح الشرق الأوسط؟!
أولاً، مما يبعث علي الأمل فى المشهد الأمريكي نفسه أن كفة "الواشنطن بوست" تعادلها – إن لم ترجحها – كفة "النيو يورك تايمز" التى تماهت مع الموقف الحقّاني المؤيد للشعب المصري؛ ولقد كتب أحد رموزها الجهابذة – ديفيد بروكس – ناصحاً البيت الأبيض بألا يراهن بعد الآن علي الإخوان المسلمين الفاشلين…سواء كانوا فى المعارضةً أو الحكومة…و قال، كما جاء فى نيوزويك عدد 22 يوليو:
(It has become clear in Egypt, Turkey, Iran, Gaza and elsewhere that radical Islamists are incapable of running a modern government. They have absolutist, apocalyptic mindset....They lack the mental equipment to govern.)
وهكذا، يبدو أن الأمريكان قد شرعوا بالفعل في التخلص من الإخوان حلفاء الأمس، وفق براجماتيتهم وماكيافيليتهم المعروفة، بمثلما تخلصوا من شاه إيران الذى لاذ بهم…فلفظوه لفظ النواة… وجاب الدنيا كالبعير الأجرب، لا يدري أين يسلم روحه إلي بارئها…وكذا الحال بالنسبة لجعفر نميري الذي كان ضيفاً علي رونالد ريقان بالبيت الأبيض عندما هبت انتفاضة أبريل 1985 وأطاحت به…فأمروه بالمغادرة الفورية… ثم، وهو فى الجو، اتصلوا بعميلهم حسني مبارك ليحبسه لديه بضاحية مصر الجديدة.
وثانياً، ظلت مواقف الولايات المتحدة من الديمقراطية فى باقي العالم دائماً فى تذبذب وصعود وهبوط…حسب المصلحة:
فلقد أبلت أمريكا بلاءاً حسناً ضد النازية الألمانية والفاشية الإيطالية إبان الحرب الكونية الثانية، إلي أن دكت حصونهما تماماً وأقامت علي أنقاضهما ديمقراطيات راسخة بدساتير محترمة ساهم الحقوقيون الأمريكان بالقدح المعلي فى صياغتها بعيد الحرب. والمبادئ التي أسست عليها الدولة الألمانية الإتحادية الجديدة هي:
Denatsification. Demilitarization. Decartelization. Democratization.
أي: تجريد ألمانيا من النازية… ومن جيشها…ومن هيمنة الاحتكارات……ثم دمقرطتها.
ولكن، فى نفس هذا الوقت كان الغرب، بزعامة الولايات المتحدة، يدعم النظام الفاشي في إسبانيا تحت الجنرال فرانكو، ومن بعد ذلك فى البرتغال تحت سلازار… كما تقاسمت كل أمريكا اللاتينية أنظمة عسكرية توتاليارية عميلة للولايات المتحدة وراضخة لنفوذ الإحتكارات الأمريكية صاحبة المزارع الضخمة plantations لإنتاج البن وقصب السكر والموز وتربية الحيوانات، بينما ظلت شعوب تلك البلدان ترزح تحت الفقر المدقع…حتى ثوراتهم الأخيرة مع نهاية القرن العشرين التى استعادت الحرية من سطوة الإمبريالية الأمريكية… وشقّت تلك الدول طريقها نحو الصعود الإقتصادي، والتحقت بمنظومة دول البركس BRICS، بريادة البرازيل، وأضافت صفحات جديدة لقصة النجاح فى زمن قياسي، واحدة بعد الأخري.
وسكت الغرب تماماً عن المجازر التى ظل جوزيف ستالين يرتكبها فى حق الشعوب السوفيتية منذ الحرب الكونية حتي وفاته عام 1954…لأن الغرب كان قد تقاسم العالم مع الاتحاد السوفيتي كمناطق نفوذ فى مؤتمر يالطا قبيل نهاية الحرب – (بحضور الرئيس روزفلت وونستون تشرشل ودي جول وستالين).
وكانت الولايات المتحدة نصيرة للأنظمة القمعية والدكتاتورية بكافة أرجاء العالم…إبتداءاً من الكنغو عام 1960 حيث تآمرت المخابرات المركزية الأمريكية علي تلك الدولة الأفريقية الخارجة لتوها بقيادة المناضل الوطني باتريس لوممبا من الإستعمار البلجيكي ، إلي أن صفته وذوبته فى حوض لحامض الكبريتيك، ونصّبت فى مكانه لصاً عميلاً إسمه موبوتو، ظل يحكم لنيف وأربعين سنة بحماية الغرب، ولما قضي نحبه ترك فى حسابه أربعين مليار دولار بينما بلده مدينة بهذا المبلغ للمؤسسات المالية الغربية…وكذا الحال بالنسبة للعديد من الدول الإفريقية النامية التى ما كادت تتخلص من الاستعمار القديم…حتي داهمها الاستعمار الحديث…فى شكل أنظمة دكتاتورية مدعومة من قبل الولايات المتحدة والغرب، نظير بعض القواعد العسكرية هنا وهناك، أو الارتباط بأحلاف أو اتفاقيات مع الدول الغربية، أو فقط لمجرد الدوران فى فلك الغرب والتصويت لصالحه كلما دعا الحال بالجمعية العامة للأمم المتحدة.
وذهبت أمريكا بجيوشها الجرارة منذ مطلع الستينات لترث فيتنام عن الاستعمار الفرنسي الذى حمل عصاه علي ظهره وخرج مذموماً مدحورا بعد هزيمته النكراء فى دين بيان فو علي يد الزعيم الفذ هوشى منه وجيش تحريره..ذلك الجيش الذي استولد بعد ذلك مليشيا الفيت كونق….وبدأ التصعيد الأمريكي للحرب الفيتنامية منذ أيام الرئيس جون كندي، ثم زاد فى عهد خلفه لندون بينز جونسون… ومن بعده رتشارد نكسون،… ولكن فى النهاية كسب الفيات كنق الجولة ودحروا الجيش الأمريكي ووحدوا فيتنام شمالها وجنوبها، وهي الآن إحدي مكونات البركس التى يحسب لها ألف حساب..وتخطب أمريكا ودها الإقتصادي والاستثماري…وتؤسس معها الشراكات الراكزة فى هذه وغيرها من المجالات.
والموقف الأمريكي المخجل حقاً هو تأييدها ودعمها لنظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا منذ سرقته للسلطة من الاستعمار البريطاني عام 1948 حتي انهيار الأبارثايد عام 1994. وموقف آخر مخجل هو خلق دولة "الصين الوطنية" فى جزيرة تيوان ملاذاً لجماعة شيانغ كاي شيك المسماة "الكوميتانج" الفارين من الصين الأم بعد انتصار الثورة الماوية فيها…فتبنتهم أمريكا واعترفت بدولتهم ممثلاً للأمة الصينية بالأمم المتحدة وبمجلس الأمن كواحد من الأعضاء الخمس المؤسسين أصحاب حق الفينو…وهو أمر خاطئ وظالم…ولكن تم تصحيحه عام 1971 بعد زيارة نكسون الشهيرة لبكين عاصمة الصين الشعبية…وبعد ذلك قلبت الولايات المتحدة ظهر المجن لجماعة الكوميتانج ولفظتهم لفظ النواة…وسيأتي يوم يتكرر نفس السيناريو بالنسبة لإسرائيل…طال الزمن أم قصر.
فإسرائيل فى حقيقة أمرها ليست إلا استعماراً استيطانياً مارسه اليهود الفارون من محرقة النازية والإضطهاد العنصري الأوروبي في حق فلسطين منذ 1948..حتي اليوم…ولقد تبنتها الولايات المتحدة كأنها الولاية الواحد وخمسين…ومدتها بالغالي والنفيس، متجاهلة حقوق الشعب الفلسطيني الذى تم تهجيره من مدنه وقراه العامرة منذ آلاف السنين…والذى ما زال يتعرض للقمع والتهجير والطرد من ممتلكاته وأراضيه بالضفة الغربية…وظلت الولايات المتحدة تدعم إسرائيل ظالمة أو مظلومة مادياً ومعنوياً… وبحق الفيتو المستخدم منذ نشوء دولة إسرائيل حتي اليوم، بلا كلل أو ملل، فى وجه كل قرارات مجلس الأمن الخاصة بفلسطين… ولم تلق أمريكا بالاً لذلك الشعب الفلسطيني المسكين المستغيث… كما لم تحترم أصدقاءها العرب الآخرين الذين ولغت في خيراتهم حتي الثمالة، منذ استخراج النفط قبيل الحرب الكونية الثانية… حتى يومنا هذا.
ولقد بدأت الولايات المتحدة مشاريع هيمنتها علي الشرق الأوسط بالحلف المركزي عام 1955 فى محاولة متكالبة لسد الفراغ الذى تركه الاستعمار البريطاني والفرنسي…وبدأ الحلف بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة والدول الدكتاتورية اليمينية بالمنطقة: العراق وتركيا وباكستان…ولكن العراق انسحبت منه عام 1958 بعيد إنقلاب عبد الكريم قاسم…ثم انهار الحلف كلية عام 1979 علي إثر الثورة الإيرانية….بيد أن النفوذ الأمريكي استمر بالمنطقة بمثلما كان أيام حلف بغداد، إن لم يكن بصورة أكثر عنفواناً وقوةً…إذ كانت الطاقة المناهضة للإمبريالية الأمريكية بالمنطقة هي حركة القومية العربية التى استنهضها جمال عبد الناصر بعد أن تشرّبها من شكري القوتلي وغيره من الوطنيين الشوام. وكان ذلك هو الخطر الذى هدد الوجود الاستيطاني الصهيوني بفلسطين…كما هدد مجمل المخططات الاستعمارية الغربية بالمنطقة…فقد اشرأبت كل الشعوب العربية للانعتاق من الاستعمار ولنصرة الشعب الفلسطيني وللإنخراط فى الخط الثوري التقدمي بقيادة رموز تلك الأيام…جمال عبد الناصر وقادة الثورة الجزائرية والملك التقدمي محمد الخامس ملك المغرب…إلخ. وكانت "صوت العرب" تجلجل فى أركان العالم العربي من الشارقة إلي فاس …ومن كركوك إلي غندكرو بجنوب السودان…وكل الشعوب العربية آذان لخطب عبد الناصر…تلك المدرسة المفتوحة لعلم الثورة ولمقارعة الحجج الإمبريالية ولرفع وتائر الوطنية الحقيقية…التى تعني فيما تعني رفض الوصاية الغربية، والأخذ بيد الكادحين والمظلومين العرب أينما كانوا…والسعي نحو وحدة عربية تقدمية تضع هذه المبادئ موضع التنفيذ الفعلي…وتنقل الشعوب العربية نحو الاستقلال الحقيقي ذى المضمون الاجتماعي، فى إطار التوزيع العادل للثورة …والحرية والحكم الراشد…….وكان لا بد من وضع حد لهذا المد…وبالفعل تم القضاء علي جمال عبد الناصر عبر نكسة يونيو 1967…كما تم إيجاد ممرات وقنوات جديدة (دريبات قش) فى وسط الدول العربية…وتم تدعيم الأنظمة الصديقة بالمنطقة، بدءاً بإسرائيل وإيران الشاهنشاه وتركيا… حتى العديد من الدول العربية الدائرة فى الفلك الأمريكي….بعد أن تقاذفتها نوى الحرب الباردة…بين انكسار للصف العربي بعد نكسة 1967 (برغم مؤتمر اللاءات الثلاثة بالخرطوم فى نفس ذلك العام)…وبين الخطر القادم من التيارات الشيوعية والبعثية الزاحفة من العراق واليمن الجنوبي..إلخ…وبين الاستسلام للماكينة الدعائية الغربية التى تصور النموذج الرأسمالي الأمريكي/الأوروبي كأنه المخرج الوحيد للدول النامية الساعية لتقدم ورفاهية شعوبها….وفى حقيقة الأمر لا تنبح الكلاب الغربية إلا حرصاً علي ذيولها فقط…أي مصالحها (وأمن إسرائيل)…مهما حاق من حيف بالشعب الفلسطيني أو بغيره من الشعوب العربية المغلوبة علي أمرها.
ومن أهم أعمدة الإستراتيجية الأمريكية تجاه العالم العربي زرع الفتنة الطائفية والمناطقية والعرقية فى أوصاله وتفتيت جسمه وتحويل فردوس الوحدة العربية الموعود إلي سراب وكوم رماد تذروه الرياح….هذا ما كتبه البروفيسير نعوم شومسكي في مقال رصين (موجّب) بصحيفة القارديان البريطانية فى يونيو 1982 أيام الغزو الإسرائيلي لبيروت الغربية وذبح الفلسطينيين بصبرا وشتيلا…إذ قال شومسكي مستدلاً بالبراهين الدامغة وبالوثائق الأمريكية والصهيونية (وهو أصلاً يهودي….استاذ كرسي اللغويات بمعهد ماساسوشتس للتكنولوجيا…وذو ضمير حي ومتعاطف مع القضية الفلسطينية) إن الهدف النهائي، وهو القضاء علي فكرة الوحدة العربية، سيأتي عبر سلسلة عمليات تشظي، بدءاً بالعراق التى سيتم تقسيمها إلي ثلاث دول، واحدة للأكراد فى الشمال، والعرب السنة فى الوسط، والشيعة فى الجنوب. وسيتم تقسيم السودان ألي شمال وجنوب. وستنقسم سوريا إلي ثلاث دويلات: العلويين فوق المرتفعات الساحلية الغربية، والسنة بالشرق والأكراد بالشمال. ومصر كذلك ألي أقباط ومسلمين..إلخ. ولقد عاد شومسكي لهذا الموضوع كثيراً بمجلة The New Left التى ظل يساهم فيها منذ عشرات السنين.
ومن أجل التنفيذ العملي لمخطط التقسيم، ذهبت الولايات المتحدة خطوة لم تسبقها عليها الدول الإستعمارية الأخري منذ أن غادرت آخر جيوشها قناة السويس عام 1954…إذ قامت باحتلال العراق عام 2003 احتلالاً كامل الدسم بحجة أنه ملئ بأسلحة الدمار الشامل…والنتيجة النهائية لذلك الوجود العسكري العبثي الذى دام لعشر سنوات هي ما نشهده اليوم من عدائيات لا تتوقف بين الشيعة والسنة والكرد…ولن تتوقف إلا بالتقسيم الذى تنبأ به نعوم شومسكي.
وبحكم تاريخ الحكومة الأمريكية العامر بمصادقة الأنظمة والإتجاهات القمعية والرجعية بكافة أرجاء العالم، فإن آخر الأصدقاء فيما يبدو هم الإخوان المسلمون. ولكن، ظهر عامل جديد/قديم لم تضعه الإستراتيجية الأمريكية في الحسبان…وهو إرادة الشعوب التى جسدها الشعب المصري…ومن خلفه كافة الشعوب العربية المتطلعة للانعتاق من الأبوية الغربية…صوب الحرية والتقدم الإقتصادي القائم علي نجاعة ووفرة الانتاج وعدالة التوزيع وضمان حقوق الإنسان. إن الغرب (بقيادة الولايات المتحدة)، الذى يتباكي علي حبس محمد مرسي بسجن اللومان، ظل يحبس مئات الإخوان المسلمين بقوانتانامو وبكافة السجون الباكستانية والأفغانية منذ عشر سنوات…دون تقديمهم لمحاكمات……وهو لا يتباكي بدوافع إنسانية، حيث أن هذه الإنسانية يتم تجاهلها تماماً عندما تتعارض مع مقتضيات الأمن القومي والمصالح الأمريكيةً،… ولكنه يتحسر علي عهد قديم تولي…وترتعد فرائصه من عهد جديد يطل برأسه علي كل المنطقة العربية….عهد الوعي الجماهيري الذى يذكر بأيام كانت الشعوب العربية تصطف خلالها وراء الشعارات التقدمية التى طرحها عبد الناصر وغيره من الزعماء الثوريين والمفكرين التقدميين العرب…والغرب يعلم أن التأثير المصري سيسري كالنار فى الهشيم عبر الشرق الأوسط كله…فإن كانت "صوت العرب" تفعل فعل السحر فى الخمسينات والستينات…فما بالك ب"القاهرة والناس" و"العربية" وغيرها من القنوات التى لم تبع نفسها للشيطان مثلما فعلت "الجزيرة"…وما بالك بالإعلام الإجتماعي…التويتر والفيسبوك وهلم جراً؟! إن الأرض تميد، ليس فقط من تحت الإخوان المسلمين الطابور الخامس للإمبريالية وسط الشعوب العربية، إنما تحت الوضع الخاطئ وغير القانوني المسمي إسرائيل…التى ستتخذ مكانها فى مزبلة التاريخ مع تيوان ونظام الفصل العنصري الجنوب إفريقي…وتحت أرجل الدول الغربية التى لم ترد الجميل للشعوب العربية التى ظلت تشاركها نعيم الحياة النفطية الميسورة…وظلت ترسل الجيوش الجرارة من عمالتها العاطلة عن العمل…لتنعم بالمزايا والرواتب الخرافية منزوعة الضرائب…باعتبارهم (خبراء)…ومعظمهم (زلنطحية وحبرتجية) كما قال صديقي جعفر عباس فى إحدي مقالاته الفكهة…ومعظمهم جهلاء بالواقع العربي…ومساندون لإسرائيل فى السراء والضراء…ونصفهم متفسخون أخلاقياً ومثليون…وهم الذين أودوا بنظام الشاه فى إيران الذى بالغ فى الغربنة وأطلق يد الأمريكان والأوروبيين فى بيئة شرقية محافظة بطبعها…فثار الشعب وأطاح به عام 1979…ولكن ملالي قم سرقوا تلك الثورة كما فعل الإخوان المسلمون بثورات الربيع العربي فى مصر وتونس وسوريا ….فهنالك علي كل حال فرق بين الغربنة بلا تحفظ…والتحديث والتقدم والعصرنة والتصنيع الذي سلكت دروبه الدول الآسيوية الناجحة كسنغافورة وماليزيا والصين إندونيسيا واليابان…و لا أظن أنهم جلبوا الجيوش الجرارة من العمال والفنيين والمهنيين الغربيين…ولكنهم جلبوا المعرفة والتقنيات والبروشورات والكتيبات والأفلام والبرامجيات…وأرسلوا كوادرهم للغرب للتعلم واكتساب الخبرات ومن ثم العودة لأوطانهم…لا لتقيم هناك ما أقام عسير. ومن بوابة الإعتماد علي الغربيين ولج الملالي فى إيران…ومن نفس البوابة سيلج الإخوان المسلمون فى الدول العربية التى يتآمرون لاختطافها.
والملاحظ، في نهاية التحليل، أن العديد من الدول العربية النفطية أخذت بالفعل تتأثر بالنموذج الآسيوي الناجح فى الآونة الأخيرة، وظهر إهتمام واضح بمنظمة آسيان ASEAN وغيرها من التكتلات الآسيوية… وقامت عشرات الشراكات فى مجال التدريب والتصنيع والتجارة البينية مع الدول الاسيوية الصاعدة، خاصة سنغافورة وماليزيا والصين. وهكذا، فقد تم تمهيد الأرض للتحرر من الهيمنة الغربية…….وبعد نجاح مصر فى التخلص من الإخوان المسلمين بإذن الملك العلام، فإن الخطر الذى تمثله إيران (وشيعتها المبثوثون فى شرق الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق واليمن)….سيبطل مفعوله…إذ أنها ستفقد حليفاً سياسياً خطيراً متغلغلاً فى الجسم السياسي العربي…وهو الإخوان المسلمون. إن الشعب المصري يعود بالتاريخ لروح التضامن العربي التى كانت سائدة حتى نهاية الستينات…ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون بين الشعوب المحبة للخير…وكان أول آيات ذلك التعاون والتضامن الإثني عشرة مليار دولار التى تواترت لمصر قبل أيام من السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت….وبنفس هذه الروح، ليس مستغرباً أن يمد مجلس التعاون الخليجي يده لمصر الجديدة لتنضم إليه (بمثلما فعل مع المغرب والأردن…ولكنه تردد لما أحس بأنهما الأقرب للسقوط فى براثن الإخوان المسلمين…وفي مستنقع عدم الاستقرار)…ليس فقط من أجل ترسيخ التعاون بين الدول العربية الجادة فى تحقيق التحول الاجتماعي والرفاهية لشعوبها…إنما لبعث رسالة لكل من يهمهم الأمر: عضوية المنظومة الخليجية جائزة لمن ينتصر علي عناصر الإرهاب والتطرف والفتنة…وينتصر لإرادة شعبه…وستكون برداً وسلاماً علي من يدخل فى زمرة العقلانيين المعتدلين غير المتطرفين الساعين للعدالة والسلام…وحرباً علي المتعطشين للسلطة للبطش بشعوبهم والطامعين فى السيطرة علي العالم العربي والإسلامي… وفي إثارة الفتن الطائفية والجهوية……ويقيني أن الوحدة التى كان يدعو لها عبد الناصر وشكري القوتلي ستأتي من باب جديدة …باب الشعوب العربية التى ساهمت الثورة المصرية منذ 30 يونيو حتي الآن فى إيقاظها.
ألا هل بلغت….اللهم فاشهد!
والسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.