سيف الحق حسن ……. [email protected]……. في بداية البعثة قدم إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستفسر عنه وعن الإسلام. فقال له: من أنت؟، قال: رسول الله. – ومن أرسلك؟، قال: الله عز وجل. – وبماذا أرسلك؟. فأجابه النبى الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: (بأن نوصل الأرحام، ونحقن الدماء، ونؤمن السبل، ونكسر الأوثان، ويعبد الله وحده لا يشرك به شئ). فقال الرجل: نِعمَ ما أرسلك به، وأُشهدك أنى قد آمنت بك وصدقتك. جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يرد على سؤوال ملك الحبشة النجاشي: ما هذا الدين الذي أنتم عليه؟. فارقتم دين قومكم ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد غيره. قائلا: "أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف. فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان. وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة.. (وقيل عدد له محاسن الأخلاق).. فقال له النجاشي: إن الذي جاء به نبيكم والمسيح لينبع من سراج واحد. من هذين الموقفين يتضح لنا ببساطة ما هو هذا الدين وما جاء به من قيم، ولكن إنتبه لتعرف ما هو أصلها. أصل القيم هو تحرر كل إنسان من عبودية وطغيان أي شئ ليكون له الكرامة الكاملة في إختيار عبادة الله وحده سبحانه أو ما نعرفه بعقيدة التوحيد. فعقيدة التوحيد يجافيها الإخلاص إن كان فيها غصب، ولا تكتمل إلا بالحرية والأمن والأمان. ولذلك لاحظ تقديم الرسول الكريم لصلة الرحم، وحقن الدماء، وتأمين السبل للرجل. فمن دون الأمان الكامل لا تتحقق العبودة الكاملة لله عز وجل. فصلة الأرحام لتقوية الروابط الأسرية وتحقيق الأمان المجتمعي. وحقن الدماء تأكيدا لقيمة النفس وبالتالي تحقيق المحافظة على الحياة. و تأمين السبل؛ أى الطرقات لتحقيق الأمن العام والإستقرار. و با (الأمان المجتمعى)، و(تأمين الحياة)، و(الأمن العام) يطمئن الإنسان وتتشكل لدى الإنسان حرية الإختيار الناضج. ولا إكراه في الدين. وإذا أكره سيكون اختياره ليس حقيقياً بل يكون أشبه بالإضطرار والإكراه المعنوي وبذلك يكون إختياره من دون قيم وبلا قيمة. وحرية الإختيار مهمة أيضا في ممارسة التكاليف الدينية. فبالإجبار وبدون أساس حرية الإختيار يصبح القلب مكره وليس مستقر بالإيمان ولن يشعر بالإطمئنان أبدا. فالذين آمنوا وكل ما يفعلونه بحرية إختيارهم تطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب. أما الذين آمنوا مكرهين، فلا يجب أن يقولوا آمنا بل يقولو أسلمنا لأن الإيمان لم يدخل لقلوبهم بحرية إختيارهم. فكل ما سيفعلونه يكون ليس حقيقياً وصادقا، بل والأهم من ذلك تكون الأعمال والتكاليف بدون نية خالصة مما يعني فسادها فتكون هباءا منثورا. لذلك علينا أن نتذكر بأن الشعور بالحرية مهم للإخلاص. ولذلك يقول الفيلسوف الهندي طاغور :" أنا أحب الله واثق أنه موجود لأنه أعطاني الحرية في أن ارفض هذا الوجود". فسبحان الله العظيم الحي القيوم. فالدين القيم، ذو القيمة والذي سيسود بالفطرة وحرية الإختيار، هو الذي يدرك إنسانية البشر ويحترم كرامتهم بإختلافاتهم وإختياراتهم. ثم من القلب تتفجر كل قيمه الأخرى لتكون رحمة للإنسانية جمعاء. لذلك يقول تعالى: ((فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)) [الروم: 30]. والفطرة هي الإنسانية. ولهذا يجب أن تكون الإنسانية قبل التدين. والتدين من دون إنسانية تنطع. ولنا مثل في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فإمرأة يقال عنها عابدة دخلت النار في هرة حبستها، أما الأخرى فإمرأة بغي دخلت الجنة سقت كلباً فغفر الله لها. ولنا مثال آخر في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكرم الله وجهه الذي طبق هذا المعنى. ففي كتابه لمالك بن الأشتر حين ولاه مصر قال له: "واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم، واللطف بهم، فإنهم صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق". إذن أصحاب الدين القيم هم الأحرار الذين يسلم الناس من ألسنتهم وأيديهم ويأمنهم الناس على أموالهم ودمائهم. وأصحاب الدين القيم هم الذين يحترمون خلق الله الآخرين الذين خلقهم الله مختلفين عنهم. فهم من يراعون ان تكون ضمائرهم حية بالإحساس بالإنسان، فيسعون بين الخلق بالإحسان ليعم الخير والرحمة لكل البشرية. فلا يبالي أحد في الحرية وفي سبيل الكرامة للإنسانية في هذا الدين القيم ولنردد مستيقنين قول العزيز الجبار تعالى: ((قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين* قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)) [الأنعام: 163].