……. هاجت مشاعر الإسلاميين السودانيين -أو المتأسلمين السودانيين بالأصح -عندما قامت قوات الأمن المصرية بفض اعتصام رابعة العدوية الذي أقامه الإخوان المسلمون – أو المتأسلمون – بعد عزلهم عن السلطة , وقد قام المتأسلمون بحشد أنصارهم والخروج فى المسيرات المنددة بما جرى فى رابعة على بعد ألاف الأميال شمال الوادي , وتعالت الحناجر بالصياح والبكاء على شهداء الإخوان , وذكروا بعضهم البعض بأواصر الدين والعقيدة التى تربطهم بالضحايا , ثم وفي شكيزوفرينيا نادرة نددوا بانقلاب السيسي و طالبوا بعودة الشرعية المستلبة من قبل الجيش المصري الذي خرج استجابة للملايين من المواطنين المصريين ناسين أو متناسين للكيفية التي استولى بها تنظيمهم على السلطة وانقلابه على ديموقراطية منتخبة بقوة الدبابات وارهاب الأسلحة و العسكر ضحوا في سبيل ذلك بثمانية وعشرين ضابطا من أفضل الكفاءات بالجيش السوداني في شهر رمضان ودون رحمة . وظهرت المقالات المتباكية على الديموقراطية والنائحة على الإسلام الذي يتعرض مشروعه للمؤامرات والمكائد , وعكس القواعد الهائجة التزمت حكومة المؤتمر الوطني الصمت المطبق وادعت أن الأمر برمته شأن مصري داخلي وهو موقف يؤثر السلامة ويخشى المصادمة مع دولة أكبر حجما وأقوى تأثيرا , وعليه فقد السودان ألوف الأبقار التي ذهبت دعما لحكومة الإخوان ومئات ألوف الدولارات التي بعثرتها سفارة الخرطوم فى القاهرة دعما لأعضاء التنظيم الإسلامي الشقيق شمال الوادي , يجري هذا من تنظيم يحكم دولة فقيرة يعيش فيها ملايين المواطنين فى الملاجئ ومعسكرات النزوح ويرزح شعبها في الفقر والجوع . بعد أحداث رابعة بأيام قلائل وفي مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور غرب السودان قامت ميليشيات حكومية باغتيال رجل أعمال وابنه , وبعد خروج مظاهرات سلمية منددة بالإغتيال والجريمة لاتتورع قوات وميليشيات النظام المتأسلم فى الخرطوم في دك المتظاهرين بالمدافع وحصد أرواحهم بالرشاشات وملاحقة الجرحى حتى فى المستشفي ليسقط من جراء ذلك أكثر من عشرين قتيلا وعشرات الجرحى , وهكذا جرى تفريق مظاهرة سلمية منددة بغياب الأمن وسطوة الميليشيات الحكومية التي تعيث فسادا فى المدينة بكل وحشية دون رادع من دين أو أخلاق , ولكن الإسلاميين الذي خرجوا منددين بجريمة رابعة لم نرى لهم أثرا أو نسمع لهم صوتا , فمن سقطوا ليسوا بإخوان مسلمين , وما المواطنين السودانيين الذين تربطهم بهم روابط الدين والوطن إلا مجرد خارجين على القانون مناوئين لحكم الإسلام مارقين على شريعته وشرعية الحكم بإسمه .. وماذا عن المجرمين في هذه الحالة ؟ إنهم مجاهدون مدافعون عن حمى العقيدة والوطن من المارقين والمتمردين والطابور الخامس , ولذا تم ربط الأحداث بالحركات المسلحة وجرى تداول إسم عبد الواحد وأركو مناوي حتى تضفي الشرعية على القتل ويتم التعتيم على الحقيقة .. وبمثل إزدواجية المعايير لدى الإسلاميين المتأسلمين وتعدد المكاييل الأخلاقية لديهم واختلاف المقاييس والمعايير فى حكمهم على الضحايا هنا وهناك رأينا تعتيما إعلاميا مقصودا ليس من وسائل إعلام النظام – فهذا أمر متوقع – ولكن من وسائل الإعلام التى صدعتنا بحياديتها ومهنيتها وعرضها للرأي والرأي الآخر , فقناة الجزيرة التي تخصص قناة كاملة لأحداث مصر وساعات طوال لتغطية مايدور هناك مع إبراز جلي لوجهة نظر واحدة وتضخيم مقصود لحجم التنظيم الإسلامي المعزول لاتأبه مطلقا للأحداث التي تدور فى نيالا ولا في السودان قاطبة , ولا يعنيها سقوط القتلى والجرحى ولا أنات المصابين , ولا تتكرم باستضافة محلل واحد أو متابع للأحداث عكس العشرات الذين يطلون من شاشاتها يوميا لتغطية الأحداث فى مصر وسوريا , فالمجرم فى حالة نيالا هم الأخوان , والقناة المحايدة والمهنية لا تستطيع إغضاب الإخوان , بل من واجب النصرة فى هذه الحالة فرض التعتيم وتغبيش الحقائق .. لقد كان الشعب المصري واعيا ومدركا لخطورة الطريق الذي كان يسير فيه الإخوان ويقودون فيه شعبا كاملا نحو الهاوية فخرجوا بالملايين وفرضوا تدخل الجيش لمصلحة بقاء الدولة المدنية التي تعامل مواطنيها على قدم المساواة دون تمييز لدينهم أو عرقهم أو توجههم السياسي , وعطلوا مبكرا سياسات التمكين والتهميش والإقصاء التي سار فيها إخوان مصر على خطى من سبقوهم فى السودان فعادت مصر الدولة والمؤسسات وسقطت مصر التعصب والتشدد والرجعية , بينما استسلم السودانيون لهؤلاء ربع قرن كاملة فذاقوا الويلات وتجرعوا الفقر والتجويع والتشريد والحروب بينما يستعد متأسلموهم لرفع أسعار السلع والوقود بعد أن أوغلوا فسادا ونهبا في الأموال العامة وحقوق المواطنين , كيف لا وقد تعرف الشعب في أضغاث أحلامهم على البيتزا والهوت دوق وركب أفراد الأمة السودانية فى تخيلاتهم سيارات الكامري بينما سكنت أسره البيوت الفاخرة , ويصرح أحد قادة المتأسلمين ( بأن الشعب السوداني تعود على الرخاء ويصعب فطامه ) !!! إنه عهد عمر البشير الذي بشرنا الهندي عز الدين ذات نفاق صريح قائلا ( من حسن حظ الشعب السوداني أن يكون عمر البشير قائدا له ) … !! إنه الخليفة الجديد الذي ننعم بالعيش فى ظلال حكمه العادل , مابين البيتزا والهوت دوق وسيارات الكامري والبيوت الفاخرة عمنا الرخاء فصعب علينا أن نفطم من سلطانه وطلة وجهه : إنى رأيت خليفة فيكم يقول : إنى ملكت الأرض أرضى والعباد عبيد ملكي والخزائن يا عبيدي اركعوا الآن سجودا إنني أنوى القيام ..!!