سعر الجنيه المصري مقابل الجنيه السوداني ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    حصار ومعارك وتوقف المساعدات.. ولاية الجزيرة تواجه كارثة إنسانية في السودان    صندل: الحرب بين الشعب السوداني الثائر، والمنتفض دوماً، وميليشيات المؤتمر الوطني، وجيش الفلول    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    هل انتهت المسألة الشرقية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    تعادل الزيتونة والنصر بود الكبير    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    المريخ يكسب تجربة السكة حديد بثنائية    شاهد بالفيديو.. "جيش واحد شعب واحد" تظاهرة ليلية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور    لأهلي في الجزيرة    مدير عام قوات الدفاع المدني : قواتنا تقوم بعمليات تطهير لنواقل الامراض ونقل الجثث بأم درمان    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    تامر حسني يمازح باسم سمرة فى أول يوم من تصوير فيلم "ري ستارت"    شاهد بالصورة والفيديو.. المودل آية أفرو تكشف ساقيها بشكل كامل وتستعرض جمالها ونظافة جسمها خلال جلسة "باديكير"    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    شركة "أوبر" تعلق على حادثة الاعتداء في مصر    عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق إبراهيم جابر يطلع على الخطة التاشيرية للموسم الزراعي بولاية القضارف    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    محمد وداعة يكتب:    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية في العدالة الانتقالية :رسالة الدكتور فاروق نموذجاً
نشر في حريات يوم 07 - 10 - 2013


عادل الامين ……
من الواضح وبعد ستون عاما من الاستقلال..ان الشيء الذي يمارسه "جل" السودانيين وليس" كلهم" بالطبع وبمنتهى الوضاعة والابتزال هو السياسة
رغم ان السياسة علم في كل العالم ولها غايات واهداف وطنية عامة تتجاوز التمحور حول الذات المترفة والمتعجرفة..الا انها تراوح مكانها في الساحة السودانية ويضحى الصراع بين من مارسو الاخطاء الفادحة (وعي السودان القديم) ناس الجبهة الوطنية2013 ويؤذي الشعب السوداني باستمرار.. و بين من يمارسون الاخطاء الجسيمة(المؤتمر الوطني)..صراع عقيم فلا من يعارض الان كان يحكم بمشروع ولا من يحكم الان يحكم بمشروع…وعندما نتحدث عن مشروع سياسي سوداني …لابد ان يكون يحمل قيم المجتمع السوداني وفي مقاييس العصر اي الدولة المدنية الفدرالية الديموقراطية…"اتفاقية نيفاشا2005″..
………
ولكن هؤلاء واولئك ينسون اننا نعيش اليوم عصر ثورة المعلومات التي تنبا بها كعب بن زهير قبل الالاف السنين عندما قال
مهما تكن في امريء ن خليقة
ان خالها تخفى على الناس تعلم
لا يجدي فيها كذب الحزب الحاكم ولا اراجيف المعارضة المازومة(معارضة السودان القديم)…على طريقة"حقي سميح وحق الناس ليه شتيح".. والمراهنة على ذاكرة الشعب المثقوبة لفترة طويلة في تجريم هذا او ذاك والوصاية على الناس مع الجعجعة بالديموقراطية دون طائل…
ويوفر هذا المنبر"الراكوبة" فرصة حية لدراسة الوعي وادوات الصراع الذى ينتمي لفئتي السودان القديم المتصارعتين اعلاه..سواء داخل او خارج السودان ومدى مستوى الوعي عموما للسودانيين في هذه المرحلة الحرجة…وكل اناء بما فيه ينضح…
……….
وتبقي المكابرة وعدم الاعتراف بالاخفاقات المتراكمة عبر السنين والمستمرة الي يومنا هذا والاعتذار العلني عنها..جزء من سيكولجية الانسان السوداني المؤدلج/الوافد اوالذى ورث الحكم صبيا/ احزاب تقليدية…وتحتاج لفصل طويل في علم النفس السياسي..ولمعرفة الاثار المرتبة عن اليسار البائس واليمين المازوم خلال العقود الماضية ابلغ دليل(الامن والتعذيب،الفصل للصالح العام،الفساد المالي والادراي، الملشيات ونشر الموت الرخيص في الهامش،تقويض الدولة المدنية والمرافق العامة،جلب المهددات الدولية)…
……….
ولماذا قلنا علم النفس السياسي..قلنا ذلك لان هناك قاعدة ربانية راسخة تقول (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيرو ما بانفسهم)
فلا يمكن ان تصارع اناس لا اخلاق لهم باللااخلاق..وانت ترى نماذج كثيرة لانتصار الاخلاق غاندي ومانديلا وغيرهم..استطاعت ان تنتصر في اخر السباق ..سباق المسافات الطويلة
…………….
وبعد هذه المقدمة يجب ان ان اطرح نموذج حي لمستوى رفيع من الاخلاق السودانية جسدتها رسالة الدكتور/فاروق محمد ابراهيم للرئيس البشير…ثم نعود لتفكيك مضامين الرسالة التاريخية والتي تعتبر مرجع لبرنامج الشفافية والعدالة الانتقالية التي يجب ان يكون بعد مرحلة انتهاء منظومة شمولية فاسدة وفاشلة وفاشية الحالية…
من كتاب سقوط الاقنعة للاستاذ فتحي الضو(((د. فاروق أستاذ للعُلوم بجامعة الخُرطوم، وكان من أوائل الذين استهدفهُم النِظامُ في بواكير عهده بتعذيبٍ مُهين.. والأنكى، أن تلميذه – وزميله في الجامعة من بعد- شد. نافِع علي نافِع، كان ثاني اثنين قاما بذلك الفعل القبيح!! أقدما على تنفِيذه بوعيٍ كامِل، لعِلمِهم بالشخصِ المَعني, وهو مُرَبٍ في المقامِ الأوَّل, عَلى يَدِه تعلمت وتخرَّجت أجيالٌ, وقد ظلَّ طوال حياته – وما فتئ- يُمارس السياسة بزُهد المُتصوِّفة.. مثالٌ للتجرُّد والطهر وعفة اللسانِ, مُتصالحاً مع أفكاره ومبادئه.. إن خالفك الرأي، احترم وجهة نظرك, وإن اتَّفقَ مَعَكَ استصوَبَ رأيك.. ويبدو أن هذه الصفاتُ مُجتمعة هي التي استثارَت د. نَافِع في الإقدامِ على تنفيذ فعلته!! وفيما يلي نوردُ النص الكامل لمُذكرته التي أرسلها من مقرِّه في القاهرة، إلى رئيس نظام الإنقاذ.. وترجعُ أهميَّة هذه الوثيقة إلى أنها احتوَت على كل البيِّناتِ القانونِيَّة والسياسيَّة والأخلاقِيَّة التي تَجعل منها نموذجاً في الأدَبِ السياسي, وفَيْصَلاً مثالِياً لقضيَّة يتوقفُ عليها استقامة المُمارسة السياسيَّة السُودانِيَّة, وتعدُّ أيضاً اختباراً حقيقياً لمفهومِ "التسَامُحِ"، إن رَغِبَ أهلُ السُودان، وسَاسته بصفة خاصَّة، في استمرار العيشِ في ظله.. كذلك فإن المُذكرة، بذات القدر الذي قدَّمت فيه خيارات لتبرئَة جراح ضحايا نظام الإنقاذ, أعطت الجاني فرصة للتطهُّر من جرائمه بأفعالٍ حقيقيَّة، أدناها الاعترافُ بفداحة جُرمِه.. وما لا نشُك فيه مُطلقاً، أن فرائص القارِئ حتماً سترتعدُ وهو يُتابعُ وقائع الجُرمِ، خِلالَ سُطورِ هذه المُذكرة, رغم أن طولِ الجرح يُغري بالتناسي، على حد قول الشَاعِر!!
القاهرة 13/11/2000م
السيد الفريق/ عمر حسن البشير
رئيس الجمهورية رئيس حزب المؤتمر الوطني
بواسطة السيد/ أحمد عبدالحليم سفير السودان بالقاهرة
المحترمين
تحية طيبة وبعد
الموضوع: تسوية حالات التعذيب تمهيداً للوفاق بمبدأ "الحقيقة والتعافي" على غرار جنوب أفريقيا حالة اختبارية
على الرغم من أن الإشارات المتعارضة الصادرة عنكم بصدد الوفاق الوطني ودعوتكم المعارضين للعودة وممارسة كافة حقوقهم السياسية من داخل أرض الوطن, فإنني أستجيب لتلك الدعوة بمنتهى الجدية, وأسعى لاستكمالها بحيث يتاح المناخ الصحي الملائم لي وللآلاف من ضحايا التعذيب داخل الوطن وخارجه أن يستجيبوا لها, ولن يكون ذلك طبعا إلا على أساس العدل والحق وحكم القانون.
إنني أرفق صورة الشكوى التي بعثت بها لسيادتكم من داخل السجن العمومي بالخرطوم بحري بتاريخ 29/1/1990, وهى تحوي تفاصيل بعض ما تعرضت له من تعذيب وأسماء بعض من قاموا به, مطالبا بإطلاق سراحي وإجراء التحقيق اللازم, ومحاكمة من تثبت إدانتهم بممارسة تلك الجريمة المنافية للعرف والأخلاق والدين والقانون. تلك المذكرة التي قمت بتسريبها في نفس الوقت لزملائي أساتذة جامعة الخرطوم وأبنائي الطلبة الذين قاموا بنشرها في ذات الوقت على النطاقين الوطني والعالمي, ما أدى لحملة تضامن واسعة أطلق سراحي إثرها, بينما أغفل أمر التحقيق الذي طالبت به تماما. وهكذا ظل مرتكبو تلك الجريمة طليقي السراح, وتوالى سقوط ضحايا التعذيب بأيديهم وتحت إمرتهم, منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر, فلا يعقل والحال على هذا المنوال أن يطلب مني ومن الألوف الذين استبيحت أموالهم وأعراضهم ودماؤهم وأرواح ذويهم, هكذا ببساطة أن يعودوا لممارسة "كافة"حقوقهم السياسية وكأن شيئا لم يكن.
إن ما يميز تجربة التعذيب الذي تعرضت له في الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 1989م ببيت الأشباح رقم واحد الذي أقيم في المقر السابق للجنة الانتخابات أن الذين قاموا به ليسوا فقط أشخاصا ملثمين بلا هوية تخفوا بالأقنعة, وإنما كان على رأسهم اللواء بكري حسن صالح وزير الدفاع الراهن ورئيس جهاز الأمن حينئذ, والدكتور نافع علي نافع الوزير ورئيس جهاز حزب المؤتمر الوطني الحاكم اليوم ومدير جهاز الأمن حينئذ, وكما ذكرت في الشكوى المرفقة التي تقدمت لكم بها بتاريخ 29 يناير 1990 من داخل السجن العمومي وأرفقت نسخة منها لعناية اللواء بكري, فقد جابهني اللواء بكري شخصياً وأخطرني بالأسباب التي تقرر بمقتضاها تعذيبي, ومن بينها قيامي بتدريس نظرية التطور في كلية العلوم بجامعة الخرطوم, كما قام حارسه بضربي في وجوده, ولم يتجشم الدكتور نافع, تلميذي الذي صار فيما بعد زميلي في هيئة التدريس في جامعة الخرطوم, عناء التخفي وإنما طفق يستجوبني عن الأفكار التي سبق أن طرحتها في الجمعية العمومية للهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم, وعن زمان ومكان انعقاد اللجنة التنفيذية للهيئة, ثم عن أماكن تواجد بعض الأشخاص – كما ورد في مذكرتي- وكل ذلك من خلال الضرب والركل والتهديد الفعلي بالقتل وبأفعال وأقوال أعف عن ذكرها. فعل الدكتور نافع ذلك بدرجة من البرود والهدوء وكأنما كنا نتناول فنجان قهوة في نادي الأساتذة. على أي حال فإن المكانة الرفيعة التي يحتلها هذان السيدان في النظام من ناحية, وثبات تلك التهم من ناحية ثانية, يجعل حالة التعذيب هذه من الوضوح بحيث تصلح أنموذجا يتم على نسقه العمل لتسوية قضايا التعذيب, على غرار ما فعلته لجنة الحقيقة والوفاق الخاصة بجرائم النظام العنصري في جنوب أفريقيا.
قبل الاسترسال فإنني أورد بعض الأدلة التي لا يمكن دحضها تأكيدا لما سلف ذكره:-
أولاً: تم تسليم صورة من الشكوى التي تقدمت لسيادتكم بها للمسئولين المذكورة أسماؤهم بها, وعلى رأسهم اللواء بكري حسن صالح. وقد أفرج عني بعد أقل من شهر من تاريخ المذكرة. ولو كان هناك أدنى شك في صحة ما ورد فيها – خاصة عن السيد بكري شخصياً- لما حدث ذلك, ولكنت أنا موضع الاتهام, لا هو.
ثانيا: أحال مدير السجن العمومي مجموعة الثمانية عشر القادمة معي من بيت الأشباح رقم واحد بتاريخ 12 ديسمبر 1989 إلى طبيب السجن الذي كتب تقريرا مفصلاً عن حالة كل واحد منا, تحصَّلت عليه وقامت بنشره منظمة العفو الدولية في حينه. وقد أبدى طبيب السجن ومديره وغيرهم من الضباط استياءهم واستنكارهم الشديد لذلك المشهد الذي لا يكاد يصدق. وكان من بين أفراد تلك المجموعة كما جاء في الشكوى نائب رئيس اتحاد العمال الأستاذ محجوب الزبير وسكرتير نقابة المحامين الأستاذ صادق شامي الموجودان حاليا بالخرطوم, ونقيب المهندسين الأستاذ هاشم محمد أحمد الموجود حاليا ببريطانيا, والدكتور طارق إسماعيل الأستاذ بكلية الطب بجامعة الخرطوم, وغيرهم ممن تعرضوا لتجارب مماثلة, وهم شهود على كل ما جرى بما خبروه وشاهدوه وسمعوه.
ثالثا: إن جميع قادة المعارضة الذين كانوا في السجن حينئذ, السيد محمد عثمان الميرغني رئيس التجمع الوطني الديمقراطي والسيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة والسيد سيد أحمد الحسين زعيم الحزب الاتحادي والسيدان محمد إبراهيم نُقُد والتيجاني الطيب زعيما الشيوعي وغيرهم, كلهم شهود بنفس القدر, وكما يعلم الجميع فقد تعرض السيدان الصادق المهدي وسيد أحمد الحسين وغيرهم من قادة المعارضة لنفس التعذيب على أيدي نفس الأشخاص أو بأمرهم وكتبوا شكاوى مماثلة.
رابعا: قام بزيارتي في السجن العمومي بالخرطوم بحري بعد انتقالي إليه مباشرة الفريق إسحق إبراهيم عمر رئيس الأركان وقتها بصحبة نوابه, فشاهد آثار التعذيب واستمع لروايتي كاملة, كذلك فعل كثيرون غيره.
خامسا: تم اعتقال مراسل الفاينانشيال تايمز السيد بيتر أوزين الذي كان خطابي بحوزته, فكتب صفحة كاملة دامغة في صحيفته العالمية المرموقة عن ما تعرضت له وتعرض له غيري من تعذيب, وعن محادثته الدامغة مع المسئولين عن تلك الانتهاكات وعن تجربته الشخصية.
إنني أكتفي فيما يخص حالتي بهذا القدر من الأدلة الدامغة, ومع أن هذا الخطأب يقتصر كما يدل عنوانه على تجربتي كحالة اختبارية, إلا أن الواجب يقتضي أن أدرج حالة موظف وزارة الإسكان السابق المهندس بدر الدين إدريس التي كنت شاهدا عليها, وكما جاء في ردي على دعوة نائب رئيس المجلس الوطني المنحل الأستاذ عبدالعزيز شدو للمشاركة في حوار التوالي السياسي بتاريخ 18 أكتوبر 1998 (مرفق), فقد تعرض ذلك الشاب لتعذيب لا أخلاقي شديد البشاعة, ولم يطلق سراحه إلا بعد أن فقد عقله وقام بذبح زوجته ووالدها وآخرين من أسرته. كان في ثبات وصمود ذلك الشاب الهاش الباش الوسيم الأسمر الفارع الطول تجسيد لكرامة وفحولة وعزة أهل السودان. وكان أحد الجنود الأشد قسوة – لا أدري إن كان اسم حماد الذي أطلق عليه حقيقياً- يدير كرباجه على رقبتينا وجسدينا نحن الاثنين في شبق. وفي إحدى المرات اخرج بدرالدين من بيننا ثم أعيد لنا بعد ساعات مذهولاً أبكم مكتئبا محطما كسير القلب. ولم تتأكد لي المأساة التي حلت بِبَدرالدين منذ أن رأيته ليلة مغادرتنا لبيت الأشباح منتصف ليلة 12 ديسمبر 1989 إلا عند اطلاعي على إحدى نشرات المجموعة السودانية لضحايا التعذيب هذا الأسبوع, ويقتضي الواجب أن أسرد تلك اللحظات من حياته وأنقلها لمن تبقى من أسرته, فكيف بالله نتداول حول الوفاق الوطني بينما تبقى مثل هذه الأحداث معلقة هكذا بلا مساءلة.
أعود لمبدأ تسوية حالات التعذيب على أساس النموذج الجنوب أفريقي, وأطرح ثلاثة خيارات متاحة لي للتسوية.
الخيار الأول
الحقيقة أولا, ثم الاعتذار و"التعافي المتبادل" بتعبير السيد الصادق المهدي
هذا النموذج الذي تم تطبيقه في جنوب أفريقيا. إن المفهوم الديني والأخلاقي للعفو هو الأساس الذي تتم بموجبه التسوية, ويختلط لدى الكثيرين مبدأ العفو مع مبدأ سريان حكم القانون ومع التعافي المتبادل. فكما ذكرت في خطابي المرفق للسيد عبدالعزيز شدو فإنني أعفو بالمعنى الديني والأخلاقي عن كل من ارتكب جرما في حقي, بما في ذلك السيدان بكري ونافع, بمعنى أنني لا أبادلهما الكراهية والحقد, ولا أدعو لهما إلا بالهداية, ولا أسعى للانتقام والثأر منهما, ولا أطلب لشخصي أو لهم إلا العدل وحكم القانون. وأشهد أن هذا الموقف الذي قلبنا كل جوانبه في لحظات الصدق بين الحياة والموت كان موقف كل الزملاء الذين كانوا معي في بيت الأشباح رقم واحد, تقبلوه وآمنوا به برغم المعاناة وفى ذروة لحظات التعذيب. إن العفو لا يتحدد بموقف الجلاد ولا بمدى بشاعة الجرم المرتكب, وإنما يتعلق بكرامة وإنسانية من يتسامى ويرفض الانحدار لمستنقع الجلادين, فيتميز تميزا خلقيا ودينيا تاما عنهم. فإذا ما استيقظ ضمير الجلاد وأبدى ندما حقيقيا على ما ارتكب من إثم, واعتذر اعتذارا صادقا عن جرمه, فإن الذي يتسامى يكون أقرب إلى الاكتفاء بذلك وإلى التنازل عن الحق المدني القانوني وعن المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به, بهذا يتحقق التعافي المتبادل. هذا هو الأساس الذي تمت بموجبه تسوية معظم حالات التعذيب والجرائم التي ارتكبها عنصريو جنوب أفريقيا ضد مواطنيهم.
إنني انطلاقا من نفس المفهوم أدعو السيدين بكري ونافع ألا تأخذهما العزة بالإثم, أن يعترفا ويعلنا حقيقة ما اقترفاه بحقي وبحق المهندس بدرالدين إدريس في بيت الأشباح رقم واحد, وأن يبديا ندما وأسفا حقيقيا, أن يعتذرا اعتذارا بينا معلنا في أجهزة الإعلام, وأن يضربا المثل والقدوة لمن غرروا بهم وشاركوهم ممارسة التعذيب, وائتمروا بأمرهم. حين ذلك فقط يتحقق التعافي وأتنازل عن كافة حقوقي, ولا يكون هناك داعيا للجوء للمحاكم المدنية, ويصبح ملف التعذيب المتعلق بشخصي مغلقا تماما. ولنأمل أن يتقبل أولياء الدم في حالة المهندس بدر الدين إدريس بالحل على نفس المنوال.
لقد أعلن السيد إبراهيم السنوسي مؤخرا اعترافه بممارسة التعذيب طالبا لمغفرة الله. وهذا بالطبع لا يفي ولا يفيد. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم, ولا يليق أن يصبح أمر التعذيب الذي انقلب على من أدخلوه وبرروه أن يكون موضوعا للمزايدة والمكايدة الحزبية. إن الصدق مع النفس ومع الآخرين والاعتذار المعلن بكل الصدق لكل من أسيء إليه وامتهنت كرامته, وطلب العفو والغفران, هو الطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق بكرامة, فإن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله. وإن طريق التعافي المتبادل هو الأقرب إلى التقوى. فإذا ما خلصت النيات وسار جناحا المؤتمر الوطني والشعبي لخلاص وإنقاذ أنفسهم من خطيئة ولعنة التعذيب الذي مارسوه فسيكون الطريق ممهدا تماما لوفاق وطني حقيقي صادق وناجز.
الخيار الثاني
التقاضي أمام المحاكم الوطنية
إذا ما تعذر التعافي المتبادل بسبب إنكار تهمة التعذيب أو لأي سبب آخر, فلا يكون هنالك بديل عن التقاضي أمام المحاكم, ذلك في حالة جدية المسعى للوفاق الوطني على غرار ما جرى في جنوب أفريقيا. غير أن حكومتكم فيما علمت سنت من التشريعات ما يحمي أعضاءها وموظفيها والعاملين في أجهزتها الأمنية من المقاضاة. فالجرائم ضد الإنسانية وحقوق الإنسان كالتعذيب, لا تسقط بالتقادم ولا المرض ولا تقدم السن ولا لأي سبب من الأسباب, كما شهدنا جميعا في شيلى وإندونيسيا والبلقان وغيرها. كما أن هذا الموقف لا يستقيم مع دعوتكم للوفاق ولعودة المعارضين الذين تعرضوا لأبشع جرائم التعذيب. وليس هنالك, كما قال المتنبي العظيم, ألم أشد مضاضة من تحمل الأذى ورؤية جانيه, وإنني مستعد للحضور للخرطوم لممارسة كامل حقوقي الوطنية, بما في ذلك مقاضاة من تم تعذيبي بأيديهم, فور إخطاري بالسماح لي بحقي الطبيعي. ذلك إذا ما اقتنعت مجموعة المحامين التي سأوكل إليها هذه المهمة بتوفر الشروط الأساسية لمحاكمة عادلة.
الخيار الثالث
التقاضي أمام المحاكم الدولية لحقوق الإنسان
ولا يكون أمامي في حالة رفض التعافي المتبادل ورفض التقاضي أمام المحاكم الوطنية سوى اللجوء للمحاكم في البلدان التي تجيز قوانينها محاكمة أفراد من غير مواطنيها وربما من خارج حدودها, للطبيعة العالمية للجرائم ضد الإنسانية التي يجري الآن إنشاء محكمة عالمية خاصة بها. إنني لا أقبل على مثل هذا الحل إلا اضطرارا, لأنه أكرم لنا كسودانيين أن نعمل على حل قضايانا بأنفسنا. وكما علمت سيادتكم فقد قمت مضطرا بفتح بلاغ مع آخرين ضد الدكتور نافع في لندن العام الماضي, وشرعت السلطات القضائية البريطانية في اتخاذ إجراءات أمر الاعتقال الذي تنبه له الدكتور نافع واستبقه بمغادرة بريطانيا. وبالطبع تنتفي الحاجة لمثل تلك المقاضاة فيما لو أتيحت لي ولغيري المقاضاة أمام محاكم وطنية عادلة, أو لو تحققت شروط التعافي المتبادل الذي هو أقرب للتقوى. وإنني آمل مخلصا أن تسيروا على طريق الوفاق الوطني بالجدية التي تتيح لكل المواطنين الذين تشردوا في أصقاع العالم بسبب القهر السياسي لنظام "الإنقاذ" أن يعودوا أحرارا يشاركون في بناء وطنهم.
وفقنا الله وإياكم لما فيه خير البلاد والعباد.
فاروق محمد إبراهيم))))…..انتهى الاقتباس…
ولم تنتهي غوغائية معارضة السودان القديم على ما يبدو حتى كتابة هذا لمقال…."فماذا يفيد الانسان اذا ربح العالم وخسر نفسه"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.