شنق الدكتور غازي صلاح الدين طاقيته المنسوجة من خيوط حرير حمراء، وشمر أكمام جلبابه الفضفاض مظهرا جفير سكينه ، وأخرج (حقة صعوطه) وضرب عليها ثلاث مرات قبل ان ( يدردم) سفة التمباك ويبصق في وجه التاريخ ثم يطلق الدوبيت الآتي: ( نحن لا نقفز من السفينة وهي تغرق ونؤمن بالمسؤولية التضامنية بأن نؤخذ معا أو نترك معاً او نغرق معاً ولسنا ممن يولي ساعة الزحف.) حينها تقافز الجنيات لا فوق وربما زغردت إحدى حفيدات بنونة يت المك وركز حسن عثمان رزق وود إبراهيم وأسامة توفيق للبطان هيييييييييييع . وخلف (الشتم) إيقاع الدلوكة المكتوم وعلا الغبار عنان سماء الإنقاذ المعتكر : وأنا فوقهم بقول تمام دخلوها وصقيرها حاااااام . د. غازي صلاح الدين تمثل قول دريد بن الصمة الذي نصح قومه بمنعرج اللوى فلما أبو وأستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا إستكبارا خاض معهم فيما يخوضون منتظرا ضحى الغد : أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد إلى ضحى الغد فلما عصوني كنت منهم وقد أرى غوايتهم وأنني غير مهتد وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت، وإن ترشد غزية أرشد كسياسي يهمه جدا سقوط الإنقاذ اليوم قبل الغد، ولا يؤمن بأن أسوأ سيناريوهات التغيير سوف تكون أسوأ مما هو قائم الآن، حتى وإن آمن الشيخ الترابي والإمام المهدي بذلك، كسياسي يسعدني بقاء الدكتور غازي صلاح الدين داخل الإنقاذ خميرة عكننة وعنصر إزعاج يمنع المفسدين التلذذ بحياة المفاسد التي يلغون فيها ، وبحسابات الربح والخسارة العجلى قصيرة النظر ربما حدثتني نفسي الأمارة بسوء التعالي على إخوتي السابقين الذين يدعون مسعا للإصلاح بعد خراب سوبا، والتوحل في فجور الخصومة السياسية تماما كما فعل معنا قطاع لا بأس به من قوى المعارضة السودانية حينما خرجنا في مفاصلة الرابع من رمضان الشهيرة. تلك السياسة في تعريف من يرون أنها ( لعبة قذرة) أو على سبيل التدليل ( فن الممكن)، ولكن معايير السياسة المتصلة بالمبادئ التي ينذر لها الإنسان نفسه وماله ووقته لأنه يوقن أن فيها هداية البشرية إلى سواء السبيل، هذه السياسة من هذا الباب ليس فيها مسؤلية تكافلية تتبع غزية إن غوت فتخوض معها. صدمني جدا تبرير د. غازي صلاح الدين للبقاء في المؤتمر الوطني بأنه من باب المسؤلية التضامنية، كأنه لم يقرأ القرآن وهو يقول لنوح عليه السلام ( إنه ليس من أهلك ، أنه عمل غير صالح) فأي مسؤلية تضامنية تعدل مسؤلية الأب عن ابنه ؟!! وددت لو أن غازي عبر عن قناعته بالقدرة على منع السفينة من الغرق، ولكن أن يعبر عن يقين قاطع بأن السفينة غارقة لا محالة، فهذا يعني أن غازي مدرك لحجم الضرر الذي أصاب السفينة ولكنه رغم ذلك يختار البقاء فقط من باب ( الركزان للبطان). ما فات على غازي أن السفينة ليست سفينة (النبي نوح ) كما في عرف أهلنا العامي المربوط بالأصل الكريم في القرآن، ولكنها سفينة ربان بحر الكاريبي ( Pirate of the Caribbean) التي ضلت سواء السبيل وهي تتهادى في بحار من الدماء واللعنات التي تضيع إحداثيات بوصلتها ومصيرها أن تصطدم بالصخور وتتفتت. ما فات على غازي صلاح الدين أو دريد بن الصمة الجديد هي أن السفينة التي أصبحت تسكنها الأرواح الشريرة ليست هي طوق النجاة للسودان، بل إن غالب أهل السودان يقفون الآن على شاطئ الأمل يخططون لبناء وطن جديد، يعالجون جراحهم بعد أن خاضوا معركتهم الأخيرة في سبتمبر الماضي مع سفينة القراصنة المتخبطة، وقد كان المأمول أن يلوح لهم غازي بما يطمئنهم إلى أنه في سبيله إلى إخلاء زوارق جديدة مليئة بالناجين من سفينة الأشباح، لا أن يعلن أنه سيستمر في صراعه مع ربان السفينة الملعونة وهي تتلاطمها الأهواء والأنواء.