يحيي فضل الله [email protected] تداعيات عاذل تأمل "عبد الرسول " ما أنجزه بنشوة عالية ، أعطي عامل الكهرباء أجره ، جرب للمرة الأخيرة أمام العامل وتأكد أن ذلك الستار الحديدي الذي يفصل الحوش عن البرندة ،عن كل الغرف ، تأكد تماما أن هذا الستار الحديدي مكهرب ، عامل الكهرباء فصل التوصيلة و أعادها إلى حيويتها إمعانا في كسب ثقة "عبد الرسول "، لم ينس "عبد الرسول" حذره تماما لذلك حرص علي أن يقول لعامل الكهرباء وهو يودعه أمام الباب " الموضوع خلي في سرك ، لأنو المسالة دي خطيرة وبعدين ممنوع " . " ما في مشكلة يا معلم " . رد عليه العامل مربتاً عل كتفه وذهب . مدللة كانت "حنينه زوجته ، فاض هذا الدلال حتى شمل "سهي ومحمد" حاول "عبد الرسول" أن يقاوم هذا الدلال المستشري ولكنه لاذ بفشله مبرراً كل ذلك بان تلك هي طبيعة "حنينه" و الطبيعة جبل ، كانت تخاف من كل شئ ،"محمد" ابنها الكبير ذو العشر سنوات ، يعرف ذلك تماما وحين ترفض له طلبا عادة ، ما بطلب "محمد" نقودا ، وحين تتمادي في رفضها ، يدخل "محمد" إلى المخزن أو زاوية من زوايا الحوش ويأتي أليها حاملا في يده خنفساء سوداء ، يلوح بها في وجهها فتصرخ ويتمادي " محمد " أكثر حتى تجرى والدته هاربة من تلك الخنفساء وكي تكون في مأمن منها تعطي " محمد " ما يطلب ولا ينسى ذلك الطفل الشقي المدلل من أن يزيد من قيمة ما يطلب ، أحيانا كثيرة وبعد نجاح تجربة الخنفساء كان " محمد " يكتفي بالقول الذي يضمنه صيغة التهديد : – " أجيب الخنفسانة ؟ " ، حاول أن يعلم " سهى " تلك الطرق إلا أن " سهى " لديها طرق أخرى ، بل أنها لا تهتم بان تطلب ما تريد من والدتها . كثيرا ما تمارس " سهى " هواية أو اقل غريزة الامتلاك مستغلة دفقات الحنين والأبوة لدى والدها " عبد الرسول " ، " محمد " طور التجربة اكثر ، طور أدوات التجربة فاشترى من أحد دكاكين اللعب خنفساء بلاستيكية كبيرة الحجم جربها مع " حنينه " التي كادت أن تكسر رجلها وهي تجري في الحوش ، بعدها تأكد " محمد " تماما أن طلباته ستكون سريعة الاستجابة . صرخت " حنينة " في ذلك الفجر بعد أن أصابتها رجفة حقيقية انهارت على الأرض حين اكتشفت آثار اللص ، في طريقها إلي المطبخ لاحظت أن باب غرفة النوم مفتوح ، حين رجعت ودخلت الغرفة ، النور مضاء والغرفة مبعثرة ، صرخت ، استيقظ " عبد الرسول " ، " سهى ومحمد " ، استيقظ الجيران ، سرق اللص ما خف وغالي ثمنه ، الذهب لم يترك حتى أقراط الأذن الذهبية التي تخص " سهى " ... ثياب نسائية فاخرة ، ملايات ، ملابس " عبد الرسول" الفاخرة ، كم جلابية ، وكم عمة ، وكم ملفحة ، يبدو أن اللص قد أخذ زمنه تماما لأنه استطاع أن يأخذ معه مبلغ " 130 " آلف جنيه كانت تقبع حيث لا يتصور مالكها أن تمتد إليها يد ، أحس " عبد الرسول " برعب حقيقي مما حدث ، تماسك أمام بكاء " حنينة " وتساؤلات الجيران ، فجأة أوقفت " حنينة " ذلك البكاء وجاءت منفعلة حيث كان " عبد الرسول " يستمع إلي نصائح جاره الثرثار " مصطفى " عن كيف يتصرف ، فجأة ملأت " حنينة " المكان بانفعالها :" هوي يا عبد الرسول ، أنا البيت ده ما بقعد فيهو، ما بقعد فيهو ، كان دايرني أقعد معاك نرحل من هنا " . " يا حنينة نحن في شنو وأنت في شنو ؟ " " هوي يا راجل هوي ، أنا كضابة كان قلت ليك بقعد هنا ، بري يا أخوي مين عارف بعد شويه الحرامية يضبحوني أنا وأولادي ، ديل قالوا مسلحين يا عبد الرسول " . " حنينة أرجعي جوه لو سمحتي " " هو تاني فاضل جوه ولا بره ، ما خلاص، عبد الرسول أنا ماشة بيت أبوي " . " يا وليه ما تروقي " . " كر يا اخوي ، الروقة يا حليلا ، من دربي ده وبيت أبوي طوالي" . " حنينة هو اللي حصل شنو؟ " " الحصل أنت غبيان منو ؟ ولا ما عارفو ؟ بري يا أخوي لا بكذب عليك ولا بغشك أنا البيت ده ما بسكن فيهو " . ونفذت " حنينة " هروبها من البيت وسط تجمعات نساء الحي معلنة وداعها الأخير للحي ، كان " عبد الرسول " وقتها يستمع إلي كل الآراء حول الحادث ولم يهتم بموكب هروب " حنينة " من البيت . مرهقا من تفاصيل الحادث الكثيرة ، ابلغ البوليس بالحادث ، معاينة من قبل البوليس لمكان الجريمة ، لم يذهب إلي السوق وبحث عن " قصاص اتر "، تتبع القصاص " تلك الآثار المعتدية، أعلن عن عدد اللصوص ، كانوا ثلاثة بعد أن تجول القصاص بأولئك الفضوليين متتبعاً خطوات اللصوص على الأرض ، أعلن مرة أخرى ، وكان ذلك بعد أن قادته الآثار إلي شارع الإسفلت ، هناك وقف " بله – قصاص الاتر الشهير معلناً : الأتر راح هنا ، يمكن الجماعة ديل ركبوا عربية " ، كان " عبد الرسول " يبدو محايدا من شدة الإرهاق ويعرف أن ما ضاع ضاع ، جاره " مصطفى " أخذه على جنب وهمس له : – " تعرف يا عبد الرسول ، قصاص الاتر ده قطع شك بكون متفق مع الحرامية ، تعرف دي تمثيلية ساكت " لم يستطع " عبد الرسول " النوم في تلك الليلة ، كان يحس بالوحدة، يفتقد ثرثرة " سهى " و "محمد " حاول أن ينشغل بالتلفزيون ولكن وجد أنه سرق أيضاً وهذا آخر اكتشاف ، فكر في أن يحصر المفقودات مرة أخرى وعليه أن يرجع غداً إلي نقطة البوليس كي يضيف التلفزيون إلي قائمة المسروقات ، فكر في موقف " حنينة " لم يغضب منها ، أحس بأنها على حق خاصة بعد أن فشلت محاولة إرجاعها إلي البيت أمام والدها " حاج الطيب " أعلنت عن تمسكها بموقفها ولم يستطع الوالد أمام خوف ابنته الذي يعرفه تماماً إلا أن يصمت . " تعرف يا عبد الرسول الحوش الورا بتاعك ده هو المشكلة ، لانو الوضع بتاع البيت غريب ، يعني البرندة فاتحة طوالي على الحوش ، يعني البيت ذي المقلوب ، عادة حقو البرندة تواجه الباب الخارجي عشان كده الحرامية بنطوا بي جاي ، شوف أنت لازم تسيخ البرندة ، تفصلها من الحوش بي سيخ ، لانو أنت عارف حكاية القزاز والحديد البتغزا في الحيط ده ما حل ، الحرامي ممكن يجيب معاهو مخدة يختها على القزاز ذاتو ويطلع الحيطة ، عشان كده يا عبد الرسول أنت ما عندك حل غير انو تقفل باب البرندة القدام الحوش لأنها بتودي للاوضه ، تقفلو بي سيخ وبعدين لا من تجي تنوم تكهرب السيخ بي توصيلة عادية ، يا زول أقول ليك أنت جيب السيخ وبتاع اللحام وأنا بجيب ليك الكهربجي " . ومن باب حرصه ومن باب ثرثرته ادخل " مصطفي " في ذهن " عبد الرسول " فكرة السيخ والكهرباء تملكته الفكرة تماماً ، أصبح يتخيل كيف تصد الكهرباء اللصوص ، سرعان ما بدأ في تنفيذ الفكرة ولم ينس أن يجعل " حنينة " تثق في هذه الفكرة ، تكلم معها عن جدوى استخدام الكهرباء بهذه الطريقة في منع أولئك " العذال " الذين أبعدوها عنه ، يعرف تماماً أن "حنينة " تنس خوفها حين يتعمد أن يستخدم بعض عبارات الغزل المستهلكة ، وافقت " حنينة " على فكرته وشعرت بالأمن ، أحست بالحماية فعادت إلي بيتها بعد أن اكمل " عبد الرسول " مشروع سياج السيخ المكهرب ، إمعاناً في الاستقرار جرب " عبد الرسول " أمام حنينة وسهى ومحمد " التجربة قائلا ،، بعوضه لوحاولت تمر من هنا حتتكهرب ،، ، و غرقت ،،حنينة ،،وأولادها في نوم آمن ، بينما كان " عبد الرسول" يتمنى أن يأتي الليل بأي لص وفي غمرة انتظاره الموهوم داهمه النوم ؟ " هي لكين يا حنينة المسألة دي ما خطرة ، انتو ما خايفين على أولادكم ؟ " . " لا ما عبد الرسول قال بفصل الكهرباء في النهار " " ما في ضمان ينسى ، الأقدار ما معروفة يا أختي " " عبد الرسول قال ما يتحصل مشكلة " " ما بتحصل مشكلة كيفن ؟ أنتي أظنك ما سمعت بي حكاية الراجل العمل زي عمليتكم دي ، ده كهرب الحديد والسلك الشايك الفوق الحيطة كلها ، اها عندو ولدو الكبير بقرا في مصر ، جا ، لامن وصل البيت كانت الساعة يمكن فاتت اتناشر، دق الباب ، ناس البيت ما صحو ، اها بعد ما دق دق ، عاين كده قال أحسن ينط الباب ذاتو ، اها عشان يطلع في الباب ، طلع بي حتة الحيطة القريبة من الباب ، أها مسك في الحديد ، الحديد ما مكهرب وحاتك يا حنينة ناس البيت صحو الصباح لقوه ناشف ومعلق في الحيطة ، مات المسكين وامو يا هي ديك مجنونة لي الليلة تجري في الشوارع . " حين عاد " عبد الرسول " الي البيت وجد البيت خاليا من "حنينة " "وسهى ومحمد "، سال الجيران اخبروه أن "حنينة " ذهبت إلي بيت والدها حاول أن يعرف سبب هذه العودة المفاجئة فلم يستطع بل أحس أن المصيبة قد حلت الآن ، خرج إلي الشارع ، استقل التاكسي لان عربته قد سلمها إلي الميكانيكي ، وصل إلي هناك ، لم تنتظر " حنينة " منه حتى السلام فانفجرت قائلة : – " عبد الرسول أنا ما بسكن في بيت مكهرب " . تمرد " عبد الرسول " على وحدته تلك التي فرضت عليه وحصل على منزل اخر ، غرق في التفاصيل حتى أذنيه لا بل حتى قدميه ، بحث بحثا مضنيا عن منزل اخر كان يعرف تماماً أن "حنينة " لا يمكن أن تنسجم مع المنزل القديم ، ذلك المنزل الذي شهد كل تجليات العشق ، كل تفاصيل طفولة "سهى ومحمد " لكن لا تجدي كل الذكريات مع خوف " حنينة " وعدم إحساسها بالأمن ، جاء " عبد الرسول " الى حنينة في بيت والدها فرحا جدا ومعلنا خبر عثوره على منزل جديد ، نجح قليلا في المغازلة حتى يضمن قبولها بالأمر ، قال لها بعد رغب في أن يحس بنتائج مضمونة " خلاص نرحل يا حنينة ؟ " . " أنت شفت البيت " " كيف ما شفتو ، تمشي معاي تشوفي ؟ " ذهبت " حنينة " مع " عبد الرسول " لمعاينة المنزل الجديد ولم تنس أن تطرق باب أقرب جار لتخرج بعد ذلك مترددة : " هوي يا " عبد الرسول " هنا برضو قالوا في حرامية " . ولاذت ببيت والدها ليلوذ " عبد الرسول " أياماً أخرى بوحدته . أخيراً استقر المقام بأسرة " عبد الرسول " في أحد الأحياء التي تأكدت " حنينة " من عدم زيارات الحرامية لها وبعد أن اشترى " عبد الرسول " مسدسا وبندقية ، ولم يشتر هذه الأسلحة لقتل اللصوص ولكن لقتل خوف " حنينة " ومن ثم يقتل وحدته تلك التي عذبته كثيرا إمعاناً في الطمأنينة، الطمأنينة هي وحدها التي ستحمي هذه الأسرة من التفكك ، استجلب " عبد الرسول " كلباً هجيناً ، يقال انه من سلالة عريقة ، لا يثق هذا النوع من الكلاب إلا في أصحابه،دخل هذا الكلب البيت وهو جرو صغير واعتنت به " حنينة "منطلقة من أفكار " عبد الرسول " عنه باعتباره حيواناً شرساً مع كل الغرباء وخاصة اللصوص ، احتفي محمد بالكلب أطلق عليه اسم " فولترون " كانت " سهى " تتهيب " فولترون " في البداية لكن سرعان ما ألفته حين تألفت والدتها معه وهي المعروفة بخوفها غير المبرر ، عندها رأت " سهى " انه ليس هنالك ما يخيف من " فولترون " . بدأ " فولترون " نشاطا ملحوظا داخل البيت ، كان ينام ليلاً أمام الباب الخارجي ، أعلن عن شراسته بنباحه العالي وبصعوده على الحائط حيث ينظر إلي المارة في الشوارع من أعلى ، بدأ يتهيب الجيران والأقارب الزيارات إلي بيت " عبد الرسول الذي كان فرحا بهذا الأمر ، ليس بخلا ولكن لا بأس في المزيد من الاطمئنان لدى حنينة " . تحت ظل مسدس " عبد الرسول " وبندقيته التي عادة ما يحرص أن يضع المسدس تحت المخدة على يمينه ، يتم هذا الأمر تحت نظر " حنينة " والبندقية تحت المرتبة ، تحت ظل المسدس والبندقية ونباح " فولترون " أمام الباب الخارجي استقر وضع الأسرة تماما ، مرت أيام وشهور وسنوات على هذه الحالة الآمنة نسيت فيها " حنينة " خوفها من اللصوص ونسي فيه " عبد الرسول " تلك الوحدة القاسية التي تمنعه من أن يرى "محمد وسهى " ينامان بقربه . ذات صباح صرخت حنينة " نفس تلك الصرخة ، الليلة السابقة أتت بلصوصها برغم المسدس والبندقية و" فولترون " ونباحه، كسرت أبواب الغرف بطريقة مدربة بل أن اللصوص تمادوا أكثر حين حملوا معهم سراير المخرطة الأربعة المفروشة في البرندة ، يبدو أن هنالك عربة حملت كل هذه الأشياء " عبد الرسول " أمام بكاء حنينة : كان يفكر في كيفية الخروج الفوري من حالة الوحدة التي سوف تقذفه فيها حنينة ، جاء الجيران ، تفاصيل التفاصيل " حنينة " لم تنس أن تعلن عن ذهابها إلي بيت والدها ، قرر " عبد الرسول " أن يكون حازما تجاه هذا الأمر ، حمل اللصوص معهم كل شئ حتى الترابيز والكراسي ، كان الأمر أشبه بترحيل عفش اكثر منه سطو لصوص . حين كان عبد " الرسول " يصرخ في وجه " حنينة " معلنا وبحزم شديد رفضه القاطع لذهابها إلي بيت والدها وحين كانت تمارس ذلك العناد رغبة منها في هروبها المعتاد في كل ما يخيفها اقتربت " سهى " من والدها جرجرته من يده حتى ينتبه لكلامها وحين انتبه أليها قالت : " بابا فولترون ما في " سرق اللصوص كل ما يمكن سرقته ، سرقوا ذلك الاطمئنان ولم ينس أن يأخذوا " فولترون " معهم الذي يبدو أنه انحاز إليهم لأسباب تتعلق برغبته في حياة جديدة ، ذهب الكلب " فولترون " مع اللصوص متخلصاً من كل تاريخ الكلاب في الأمانة والوفاء . حين سمع " مصطفى" جار " عبد الرسول " في ذلك الحي القديم حيث حدثت حادثة السطو الأولى والتي أطاحت تماماً بفكرة الأمن والاطمئنان لدى " حنينة "، حين سمع " مصطفى " ما حدث ل " عبد الرسول " في مسكنه الجديد بادر بزيارته ليقول له بعد ثرثرة تحليلية طويلة : - " تعرف يا" عبد الرسول ، الكلب ده لازم يكون قدموا ليه مغريات عشان كده مشى معاهم ، دي سرقة مخططة وما بعيد أنو الحرامية ديل يكونوا دارسين سيكولوجية الكلاب " . حين كان مصطفى يمارس تلك الثرثرة ، كان ذهن " عبد الرسول " بعيدا عنه يفكر في كيفية إقناع " حنينة " بالعودة إلي البيت . ****