يبدو أن النزاع المسلح الذي يجتاح جنوب السودان منذ أكثر من شهر آخذ في الاتساع كل يوم، ما يثير مخاوف محللين ودبلوماسيين من أنه قد يكون فات أوان وقف الحرب بمجرد توقيع اتفاق لوقف اطلاق النار. وتحاول دول شرق افريقيا منذ اسابيع دفع حكومة جوبا وحركة التمرد التي يقودها النائب السابق للرئيس، رياك مشار، الى وقف اطلاق النار لإنهاء المعارك التي اوقعت آلاف القتلى وأدت الى نزوح نحو نصف مليون شخص. وتدعم جهود هذه الدول الاممالمتحدة والولايات المتحدة راعيتا استقلال جنوب السودان في تموز/ يوليو 2011. لكن النزاع القائم على خلفية خصومة بين الرئيس سيلفا كير ونائبه السابق رياك مشار، الذي اقيل في تموز/ يوليو 2013، اتسع الى حد الافلات من سيطرة طرفيه، كما يخشى مراقبون. وقالت مساعدة وزير الخارجية الاميركية ليندا توماس غرينفيلد "كل يوم يمر على النزاع يفاقم مخاطر قيام حرب أهلية شاملة". وأضافت "أن التوترات الاثنية تتزايد، ومن كانوا يقفون على هامش النزاع ينجذبون اليه". الازمة السياسية التي كانت مصدر الصراع مع اتهام كير لمشار بمحاولة الانقلاب عليه، الامر الذي ينفيه الاخير متهما الاول بالسعي الى التخلص من منافسيه، تصاحبها مجازر اثنية، حيث تتهم كل من قبائل الدينكا (كير) وقبائل النوير (مشار) بارتكاب فظاعات. ويرى مراقبون ان المواجهات اصبحت اشبه بحرب أهلية يتواجه فيها الجيش مع تحالف يضم عسكريين متمردين ومليشيات اثنية، في معارك ضارية للسيطرة على مدن استراتيجية. وتمكنت القوات الحكومية مدعومة بقوات أوغندية، السبت، من استعادة مدينة بور كبرى مدن ولاية جونقلي، شرقي البلاد. واعتبر الامين العام المساعد للأمم المتحدة لحقوق الانسان ايفان سيمونوفيتش، الجمعة، أنه "يمكننا الاّن اعتبار النزاع نزاعا مسلحا داخليا" مع امكانية حدوث "جرائم حرب". وفي مذكرة سرية حذرت كينيا، التي نشرت مثل اوغندا قوات في جنوب السودان رسميا لإجلاء مواطنيهما، من مخاطر "تدويل" النزاع. وأشارت معلومات أيضا الى وجود متمردين سودانيين ينشطون عادة في دارفور (السودان)، في المناطق الحدودية النفطية. ويتطور الوضع على الميدان بشكل اسرع من مباحثات السلام بين الفريقين التي تقام في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا. وقال مجلس كنائس جنوب السودان "ما يمزقنا الما هو رؤية مشكلة محض سياسية في الاصل تنزلق باتجاه مشكلة اثنية على نطاق مفزع". وتعود اعمال العنف الى خصومات قديمة بين متمردين سابقين اصبحوا قادة في السلطة تتغذى من عداوات تعود الى الحرب الاهلية الطويلة بين جنوب السودان وشماله قبل استقلال جنوب السودان في 2011. ويخشى كثيرون أنه حتى ان تم توقيع اتفاق لوقف اطلاق نار، يبدو وشيكا بحسب جوبا، فان النزاع بين قبائل الدينكا وقبائل النوير بلغ نقطة اللاعودة. وقال ديفيد دينغ واليزابيث دينغ، وهما من وجوه المجتمع المدني الجنوب سوداني، "ان المصافحات والبسمات ومجرد اتفاق سياسي بين الجانبين، لن تعيد جنوب السودان الى درب الحقيقة والسلم الدائم والديمقراطية ودولة القانون"، مضيفين "يتعين اجبار الطرفين على الخضوع مع داعميهم لتحقيق مستقل بشأن الجرائم المرتكبة". ويرى برنسيتون ليمان، المبعوث الخاص السابق للولايات المتحدة الى السودان وجنوب السودان، أن مباحثات السلام لا يمكن أن تكتفي ب "مجرد العودة الى الأمر الواقع السابق" للنزاع. وأضاف في مقال "من أجل سلام دائم يجب على المفاوضين والوسطاء ان يصلوا الى ما هو أبعد من النخب السياسية الوطنية". وعلى الميدان يبدو الوضع اشبه بالفترة التي سبقت توقيع اتفاق السلام بين الحكومة السودانية والمتمردين الجنوبيين في 2005، الذي فتح المجال أمام استقلال جنوب السودان حيث كانت حكومة الخرطوم تسيطر على المدن لكن الجماعات المتمردة العديدة كانت تعلن سيطرتها على مناطق ريفية كاملة. وكانت حكومة كير رفضت من قبل مطالب المتمردين بالإفراج عن 11 سياسيا من المتحالفين مع مشار قبل التوقيع على وقف لإطلاق النار. وقال المتحدث باسم الرئاسة اتني ويك اتني، الذي كان يتحدث في مؤتمر صحفي في جنوب السودان، إنه لا بد من التحقيق مع هؤلاء السياسيين فيما وصفه بالتورط في محاولة انقلاب في 15 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ورغم أن المتمردين لم يجعلوا الإفراج عن المحتجزين شرطا مسبقا لوقف إطلاق النار لم تكن هناك أي علامة واضحة على إحراز الوفدين أي تقدم نحو التوقيع على اتفاق سلام. ويطالب المتمردون في الوقت الحالي بانسحاب القوات الأوغندية التي تحارب مع جيش جنوب السودان قبل أن يتمكن الجانبان من مواصلة المفاوضات، لكن أتني قال إن من حق جنوب السودان أن يبرم اتفاق مع أي طرف يختاره.