رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان يصل الرياض    النوم أقل من 7 ساعات ثاني أكبر قاتل بعد التدخين    رئيس القطاع الرياضي بنادي القوز ابوحمد يجدد الثقة في اللاعبين والجهاز الفني    «غوتيريش»يدين قصف مقر «يونيسفا» بكادقلي ويطالب بالمحاسبة    التاج ابوجلفا ودلوت في نهائي دورة شهداء معركة الكرامة بمدينة رفاعة    ريال مدريد ينجو من فخ ألافيس ويلاحق برشلونة    مَاذا يَنقُص الهِلال؟    مسؤول سوداني ينجو من موت محقق    "260" حالة زواج بين مصريين وسودانيين خلال عام والعدد في ازدياد    شاهد بالصور.. "جرجس روحي" يهاجم "زول سغيل" بسبب دارمته الجديدة: (كنت بتتريق علي الاحداث الانت حاليا بتحاول تمثلها ومجالك انت معروف شوف البنات الساقطات اخلاقيا والماعندهم اهل)    رئيس مجلس السيادة يتسلم رسالة خطية من شقيقه رئيس جمهورية جنوب السودان    الصحفي محمد حامد جمعة نوار يفاجئ الجميع ويغلق حسابه على فيسبوك وأصدقائه: (نتمنى أن تكون استراحة محارب وشلت نص الفيس معاك و قفلته)    شاهد.. مواقع التواصل السودانية تشتعل بفيديو جديد تم تصويره من زاوية مختلفة لخلاف المطربتين هدى عربي وأفراح عصام في حفل زفاف "ريماز"    بالصورة.. الممثل الإنجليزي الشهير إدريس إلبا: أجريت اختبار الحمض النووي (DNA) وأكتشفت أنني أحمل أصول سودانية    1150 مواطن سوداني ضمن الرحلة 39 لقطار العودة الطوعية للسودانيين من مصر    بعد غياب طويل.. أول ظهور للفنانة المصرية عبلة كامل بعد قرار السيسي    محمد صلاح يستعد لرحلة غامضة إلى السعودية    حكام مجموعة ابوحمد في الدوري التأهيلي يقومون بنظافة استاد ابوحمد    ياسر محجوب الحسيني يكتب: البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع    منع نقل البضائع يرفع أسعار السلع في دارفور    المريخ السوداني يصدر قرارًا تّجاه اثنين من لاعبيه    بسبب ليونيل ميسي.. أعمال شغب وغضب من المشجعين في الهند    فريق عسكري سعودي إماراتي يصل عدن    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    كارثة إنسانية قبالة اليونان وغالبية الضحايا من مصر والسودان    ترامب يلغي وضع الحماية المؤقتة للإثيوبيين    الإعلامية والشاعرة داليا الياس ترد على إتهام الجمهور لها بالتسبب في فصل المذيع الراحل محمد محمود حسكا من قناة النيل الأزرق    رئيس الوزراء يشهد تدشين الربط الشبكي بين الجمارك والمواصفات والمقاييس    لجنة التحصيل غير القانوني تعقد أول اجتماعاتها    أطعمة ومشروبات غير متوقعة تسبب تسوس الأسنان    إليك 7 أطعمة تساعدك في تقليل دهون الكرش طبيعياً    الإعلامية سماح الصادق زوجة المذيع الراحل محمد حسكا: (حسبي الله ونعم الوكيل في كل زول بتاجر بي موت زوجي.. دا حبيبي حتة من قلبي وروحي انا الفقدته وفقدت حسه وصوته وحبه)    حَسْكَا.. نجمٌ عَلى طَريقته    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    وفاة إعلامي سوداني    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    هيئة مياه الخرطوم تعلن عودة محطة كبيرة للعمل    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    تنويه عاجل لهيئة مياه الخرطوم    تصريحات ترامب المسيئة للصومال تثير غضبا واسعا في مقديشو    قرار عاجل لرئيس الوزراء السوداني    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لصوص جديرون بالاحترام (2)
نشر في حريات يوم 23 - 02 - 2014


[email protected]
قارئ كريم لفت نظري، رداً على ما جاء في الحلقة الأولى من هذا الحديث، إلى أن"ما سقته من شواهد لا يسوق إلى السؤال: من يحكم هذا العالم: الإله الخالق أم الشيطان؟.
فهو على العكس يرى بأن " الأجدر أن يكون السؤال لماذا استسلم الإنسان لإغواء الشيطان، فكل ما سقته يدل على تسليم الإنسان نفسه لإغواء الشيطان".
ومن حقّ القارئ المتداخل عليَّ في ما أرى أن أسجل اختلافي معه في المنظور الذي يقترحه.
لأنني ببساطة لا أرى ثمة داع لإقحام الإله الخالق أو الشيطان في هذا الإشكال البشري.
كما أريد أن أؤكد بأن القوى الاجتماعية والأيديولوجيات التي ظلت تروّج على مرّ التاريخ لمثل هذه الفكرة إنما تفعل ذلك دائما لتكريس سيطرتها، وذلك بإحالتها ملفات الظلم والاضطهاد واللامساواة إلى السماء.
ومنظور مثل هذا لقضية حرية الإنسان وحقوقه، ولمبادئ العدل والمساواة، لن يؤدي في نتائجه إلا إلى "تأبيد" سلطة القوى الاجتماعية وسيطرتها، وتأبيد الظلم والقهر والتسلط.
وهذا ما يؤكده احتجاج قارئنا الفاضل نفسه، حين يؤكد بأن استسلام الإنسان لإغواء الشيطان "لا يعني صحة نظيرة (نظرية؟) الشيطان في أن الإنسان لن ينجح في عمارة الأرض، فقد عمرها الإنسان وانظر لجوالك، وستري مقدرة الإنسان على عمارة الأرض، ولكن سيادة النزعات الشيطانية في الإنسان اليوم ناتج عن طمعه في تحقيق المزيد وإهماله للقيم وهذه مرحلة تمر بها البشرية ليتأكد لها عمليا ضرورة سيادة القيم السماوية والعمل على إرسائها بعد إعمال عقله وفكره وبذلك تترسخ هذه القيم".
أرأيت إلى أين يقودنا هذا المنظور الغيبي حين نسئ تفسيره أو تأويله، أو نسئ توظيفه سياسيا واقتصاديا واجتماعيّاً، أياً كان نصه المؤسِس قرآنا أم إنجيلا أم توراة؟!.
فبدلاً من أوجِّه بصري صوب الإنسان "فاعل" الفعل، وهو المتعين الشاخص في الزمان والمكان المعين أمامي ، أصرفه بحثاً وراء حُجب الغيب وأستاره الكثيفة عن مَن دفعه ليفعل ذلك!!.
ولن أقف هنا، لأن عقلي سيقول لي : حسناً، نقاوم مَن في هذه الحالة، هل نقاوم الإله الخالق أم نقاوم الشيطان، لنقيم القسط بالعدل في الميزان، فنعمر الأرض، ونملأها عدلاً بعد أن مُلئت جوراً؟.
ونحمِّل مَنْ مسؤولية تقبيح الأرض وإفسادها وقتل الناس جوعاً والقضاء على الحياة فيها؟.
وبعد أن نحدد المسؤول، سواء أن كان الإله الخالق أو مخلوقه الشيطان، هل نستطيع محاكمته، هل بمقدورنا محاكمته، وهل لدينا القدرة الفعلية لتنفيذ أحكامنا؟.
هل سيقوم بتصحيح خطأه، فيُصلح بنفسه ما قام بإفساده، ويقوم بتنفيذ ما يحب الرب الخالق؟، أم سيكلف من يقوم بذلك عنه؟.
المؤمن التقي سيجيب على كل هذه الأسئلة بإعادتك إلى المربع الأول ليؤكد لك بأن الشيطان هو المسؤول عن هذه الفوضى التي تعم العالم، إلا أن الإله الخالق سيتدخل في اللحظة المناسبة لإنقاذ الموقف وحسمه لصالح الإنسان والحياة والأرض، وتؤول الأمور في نهاياتها إلى خير.
وقد عبَّر قارئنا الكريم عن هذه القناعة بقوله " لو نظرت لمجريات التاريخ تجد أن الإنسانية بين كل فترة وأخرى تتعرض لعوامل خطيرة جدا تهدد بقاءها فتتدخل القيادة الإلهية لتصحح لها المسار لتعي مزيد من الدروس".
وقد ردّ على هذا الرأي من قبل عالم الرياضيات والفيلسوف الانجليزي برتراند رسل في كتابه "هل للإنسان مستقبل؟" كما أتفق في الرد عليه كاتب مقدمة الكتاب فيلسوف التاريخ آرنولد توينبي. حيث قال الأول بعد أن استعرض المصير الأسود الذي ينتظر الإنسان والحياة على الأرض كلها في حال نشوب حرب عالمية ثالثة تُستخدم فيها الأسلحة النووية، بأن كثير من المؤمنين الأتقياء كتبوا إليه ناعين ضعف إيمانه، فالله فيما يؤكدون له ساهر على حماية الأرض ولا داع لكل هذا القلق. يرد عليهم اللورد رسل متعجبا من ثقتهم ومتسائلاَ : إذا كانت نفس هذه العناية الإلهية قد سمحت من قبل بنشوب حربين عالميتين، فما الذي يجعلهم على يقين بأنها لن تسمح بقيام الحرب للمرة الثالثة؟!!.
أما إذا كنا سنستدل بالجوالات وأجهزة التواصل الحديثة والصواريخ وغزو الفضاء وما إليها من الكشوفات العلمية والوسائل التقنية المذهلة لنثبت بأن الإنسان بالفعل يسير في اتجاه رغبة الرب الخالق في إعمار الأرض، فإن نظرة للوجه الآخر للصورة تؤكد لنا بأن الإنسان – على العكس – قد جعل منها أسلحة فتاكة ووسائل أكثر كفاءة لفنائه، بل ولتدمير الحياة على الأرض وإبادة الأحياء فيها.
إن ما أحرزه الإنسان من تقدم خلال نصف قرن بقدر ما شكّل ثورة نوعية في الحياة على الأرض ، بقدر ما طرح أيضاً من تحديات وتهديدات غير مسبوقة في تاريخ الإنسان والأرض.
وقد أحصى تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس طائفة واسعة، تتجاوز الخمسين من المخاطر الاقتصادية، والبيئية، والجغرافية-السياسية، والمجتمعية والتكنولوجية التي تشكل تهديداً مباشراً على مستقبل الحضارة والحياة على الأرض، حاثين الحكومات في تقرير "المخاطر العالمية 2013″، الذي أصدره المنتدى مطلع الأسبوع الثاني من يناير هذا العام على ضرورة التعلم من الشركات وتعيين "وزراء مخاطر".، ومشيراً إلى أن "المخاطر التي تواجهها الأمم، والعالم بالطبع، تتسم دوما بالتعقد والتداخل".
ويظهر التعقيد من خلال طائفة واسعة النطاق من المخاطر، تتمحور حسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي في : الصحة والاقتصاد والتنمية والانتشار الرقمي الفائق
لكن هذه مجرد مخاطر ثلاثة من بين خمسين وصفها التقرير، وهي مخاطر تتباين من حيث كونها مخاطر أمنية مثل الإرهاب أو عسكرة الفضاء الى مخاطر وجودية تتعلق بنقص الغذاء والمياه.
بينما يفصِّل التقرير في وصف ما يسميه العوامل اكس (Factors X) أو "العواقب التكنولوجية والعلمية غير المتوقعة" بحسب ما ذكر، تيم ابينزلر، كبير محرري مجلة (نيتشير) المعنية بشؤون الطبيعة، الذي ذكر قائمة تضم خمسة مخاطر. تبدأ بالتغير المناخي مروراً بالهندسة الجغرافية مثل تكوين ظلال شمسية من خلال حقن جسيمات صغيرة في الجو تفضي الى حجب بعض الطاقة الشمسية ومن ثم تعمل على خفض الاحترار العالمي، وهي عملية تسبب الجفاف بدون قصد، انتهاء باكتشاف حياة كائنات أخرى، حيث يشير التقرير الى انه "أصبح من المسلم به على نحو متزايد احتمال اكتشاف وجود حياة لكائنات أخرى أو كواكب أخرى قد تدعم حياة الإنسان"..
هذه الاكتشافات والثورة التقنية لم تجعل حياة الإنسان على الارض أفضل ولم تجعله أكثر سعادة، وما من أحد غير الإنسان تسبب في كل هذه الأضرار (إنه بالفعل أحمق وظالم لنفسه).
عليه، وتأسيساً على كل ما سبق لا يأتي من يحدثنا عن قوى ما ورائية خارقة ما ، هي السبب الأول والرئيسي وراء كل هذا الظلم ووراء كل هذه البلايا على الأرض.
لن نقبل هذا لسبب بسيط ، ليس من ضعف أو عدم إيمان بهذه القوى، ولكن لأن الظالم الواقعي أمام أعيننا "إنسان".
وأظن أن الأديان تُجمع على أن الإنسان ظالم.
بل ويذهب بعضها إلى أن الإنسان ظالم لنفسه.
ولهذا وضعت الشرائع الدينية، والأعراف والتقاليد الاجتماعية، والدساتير والقوانين الوضعية، الحدود التي تنظِّم العلاقات وتحفظ الحقوق داخل الجماعة من جهة، كما وبين الجماعة والجماعات الأخرى. بل وحددت "العقوبات" الموجبة في حق من يخرقها ويهز أركان أمنها واستقرارها ، بأفعال تضر بالآخرين، أو بمصالح المجتمع العليا.
هل كان كل ذلك عبث لا طائل منه؟ّ!!.
ولكن، وعودة إلى موضوعنا الذي اقتضت الضرورة تأجيله للوقوف قليلاً عند من يكتفون بتوجيه أصابع الاتهام إلى الشيطان وحده، نرجع إلى سؤالنا الأساسي : وفق أي معايير قيمية وأخلاقية نطلق صفة اللصوصية على أفعال تتشابه في كونها سرقة؟!. هل نحتكم إلى النتائج؟ أم النوايا؟.
هل نحن في حاجة إلى إعادة النظر في المفهوم؟ أم بحاجة إلى إعادة النظر في المنظومة القيمية المتوارثة.
هذا ما سنعود إلي مناقشته لاحقاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.