* تحيرت كثيرا من التصريحات الرسمية والمقالات الصحفية الكثيرة التى تحدثت عن تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية فى شمال السودان بعد انفصال جنوبه ذى الأغلبية المسيحية بما يحمل نبرة التهديد والوعيد لنا ولمن يقيم بيننا من مسيحيين وغيرهم من المواطنين السودانيين ..!! * ولحيرتى عدة أساب .. أولا، هل قوانين الشريعة هى شئ سيئ بما يجعل البعض يهدد بتطبيقها بتلك النبرة من التهديد والوعيد .. إلا إذا كان المقصود بالطبع هو تطبيق قوانين الشريعة بنفس الطريقة الخاطئة والمسيئة التى طبقها بها الرئيس المخلوع ( رحمه الله ) جعفر نميرى فى آواخر أيام حكمه لقهرالشعب، فعجلت بنهايته ..!! * وأذكر فى هذه السانحة أن الرئيس المخلوع كان يقرأ خطابا من ورقة أمام مؤتمر للاتحاد الاشتراكى السودانى ( الحزب الحاكم والوحيد فى السودان آنذاك) ينقله التلفزيون على الهواء، وفى فقرة منه كان الحديث عن سماحة الشريعة الاسلامية التى ( تحقق العدل وتنصف المظلومين وتراعى الحرمات وتمنع التجسس على المواطنين ..إلخ)، فلم يعجبه الكلام المكتوب له فى الخطاب، فرفع راسه قائلا بنبرة تحمل الوعيد والتهديد ..( لكن الشريعة لها ايضا طوارئ ، س( ننط ) البيوت ونقبض ونجلد ونقطع ..إلخ)، ثم أردف عندما رأى التعجب والدهشة فى وجوه بعض الحاضرين : ( أيوة حنحاكمكم بالقانون البطال ده )!! .. كان هذا هو فهم نميرى للشريعة الاسلامية بأنها ( قانون بطال )، وأخشى أن يكون ذلك هو نفس فهم من صرحوا وكتبوا عن تطبيق الشريعة بنفس نبرة التهديد والوعيد التى تحدث بها نميرى عن الشريعة الاسلامية قبل ما يقرب من ثلاثين عاما . !! * ثانيا، هل قوانين الشريعة ليست مطبقة الآن، وإذا لم تكن كذلك فما هى القوانين المطبقة حاليا سواء قانون الجنايات أو غيره من القوانين، ولماذا كان كل الجدل الطويل الكثيف الذى دار خلال مفاوضات نيفاشا حول نوعية القوانين التى ستطبق فى البلاد والعاصمة القومية خلال الفترة الانتقالية، ولماذا أصرت الحركة الشعبية على حق تقرير المصير مقابل اصرار حزب المؤتمر الوطنى على تطبيق الشريعة الاسلامية فى الشمال، ولماذا أصر الجنوب على الانفصال إذا لم تكن القوانين التى تحكم الشمال هى قوانين الشريعة؟! * ثالثا، لماذا يتحدث البعض عن الشريعة بنبرة التهديد والوعيد والتخويف بما ينفر الناس من الشريعة ويحقق عكس الاهداف والمقاصد من تطبيق قوانين الشريعة وعلى راسها بسط العدل والمساواة والأمن والأمان والإطمئنان وتحبيب الآخرين فى الاسلام، وليس تخويفهم منه، إلا إذا كان الذين يتحدثون عن الشريعة بهذه النبرة هم أعداء الشريعة؟!ا * رابعا، هل أهل الجنوب هم وحدهم من يدين بالمسيحية فى السودان، فتسود تلك اللغة الجافة عن الاسلام على ألسنتنا وأقلامنا بعد انفصالهم عنا، أم هنالك مسيحيون يعيشون بيننا لهم حقوق ومشاعر دينية يجب ان نراعيها ونصونها ونطمئنهم عليها بانتهاج الحكمة قولا وفعلا..؟! * أفيقوا يا هولاء، فالاسلام دين سلام ومحبة، والشريعة ليست ( قانون بطال) كما قال المخلوع نميرى نخوف به الناس ..!!