حين رأيت “المجازر الحيّة”، على شاكلة ” سرد أحداث موت معلن”، و على طريقة أفلام “الأكشن” في عواصم الدول العربية والإسلامية والإفريقية بالتزامن مع “تسونامي التغيير”، لم يدهشني البتة استخدام القوة المفرطة من قبل النسخ الحديثة المستنسخة من لويس السادس عشر في قمة مجده، وهو يهتف ملء شدقيه” أنا الدولة، والدولة أنا”، أو من “خريف بطريرك” غابريال قارسيا ماركيز في أوج خريفه” أنا الرب، عاش أنا”، لكن غصة في الحلق صعدت حزناً، و لا تزال بسبب صمت المجتمع الدولي المتواطئ، وهو يدعو “رعاياه المبجلين بمغادرة البلاد”، لكنه يكتفي بدور المتفرج على “حماقات الزعماء، وهم في ذروة الجنون، فيبطشون ويسحلون، ويسجنون” الشعوب التي يقولون إنّهم يمثلونها، مع أنّهم يمثلون عليها، حيناً، ويمثلون بها أحياناً، وهي سمة غالبة من المحيط إلى الخليج، ومن إسكندرية حتى كيب تاون، أو رأس الرجاء الصالح، فهو العالم العربي، وهي إفريقيا!. وحين ترى شلالات الدماء تنهمر أمام عيون المشاهدين، ترجع الذاكرة ” فلاش باك” على طريقة الشريط السينمائي، حيث فيلم ” أوتيل رواندا”، أو فندق رواندا، و الذي جسدت أبعاده الإنسانية الحزينة؛ تلك اللحظة الدرامية التي تنقلنا كاميرا المصور لها، حيث قائد القوات الدولية هناك، والذي يبلغ مدير الفندق قائلاً “إنهم لا يهتمون لشأنكم.. إنكم حثالة بالنسبة لهم”، والضمير الغائب هو للمجتمع الدولي، أمّا ضمير المخاطب الحزين، هو “إفريقيا”، وذلك بعدما استبشر مدير الفندق بوصول قوات أوربية، بعد أن أجرى الاتصالات من حر ماله، لكنه اكتشف أنّ القوات عبرت المتوسط، وما وراء البحار بهدف إنقاذ الأوربيين (البيض) فقط، ومن حق الدول “المتحضرة” غير شك احترام شعوبها، وهو دور أساسي، لكنه لا يعني تجاهل “المستضعفين في الأرض”. و الفيلم قصة واقعية، بطلها من قبيلة الهوتو؛ وفي الفاعل الرئيسي في جريمة الإبادة التي راح ضحيتها 800 ألف من “التوتسي”، وهي قبيلة زوجته، وهو مدير فندق “ميل كولين” بالعاصمة الرواندية كيقالي؛ بول ريزساباجينا، كان يظن، وهو لا يعلم أنّ بعض الظن إثم، أنّ فرق القوات الأوربية، انتشرت هناك لوقف نزيف الدم الرواندي، وقد نجح بول في انقاذ حياة 1268 شخصاً غالبيتهم من التوتسي من القتل على يد عصابات الهوتو، بعدما سمح لهم بالدخول إلى الفندق والإقامة فيه بدل السياح الأوربيين الذين غادروه، و كان الفيلم شهادة إدانة واضحة لجرائم الحرب الأهلية بعدما رفضت كل الدول الغربية ذات النفوذ والقوات في المنطقة (فرنسا وبريطانيا وأمريكا) التدخل لإنقاذ الضحايا أو وقف عمليات الذبح الدائرة علنا بالسيوف في الشوارع والتي نقلتها عدسات مصوري التلفزيونات الأوربية على الهواء مباشرة إلى العالم!.” ، ورغم هذه الوثيقة، وهذه الإدانة الفاضحة، تكاد تتكرر المشاهد، وذات الصور، فيعجز المجتمع الدولي عن فعل إيجابي؛ غير بيانات الإدانة، فيعيد ذكرى صمت واشنطن، وباريس، ولندن المتواطئ في بداية التسعينيات. واليوم تقول التقارير إنّ مجازر دموية ترتكبها قوات من الجيش الليبي والمرتزقة في مدينة بنغازي، ثاني أكثر المدن بعد طرابلس الغرب العاصمة، وسط تصاعد مستمر في الاحتجاجات وصل ذروته بعد ظهر الأحد الماضي، وتجاوز القتلى خلال بضعة أيام قرابة (500) قتيل، ويقل العدد في “اليمن السعيد”، وفي مدن أخرى في المنطقة، مع الإشارة إلى أنّ قتلى ثورة التحرير المصرية قارب ال (400) خلال أيام الاحتجاجات، برغم أنّ الجيش المصري قام بدور تاريخي، وتدخل لصالح المتظاهرين، وهو دور يتسق مع تاريخه المشرف. ندرك أنّ “المستبدين يصيبهم “السعار” بعد أن يتغلغل ” فيروس الشمولية” داخل مفاصل العظام، وأنسجة الدماع، وكذلك الشرايين، والأوردة، ولن يكون الجهاز التنفسي استثناءً، فهم يتنفسون كذباً، وقمعاً، بعد أن تتبلد المشاعر، وتصبح شلالات الدماء، مألوفة، مثل التهام وجبة شهية من “الكافيار”، أو إبرام “صفقات مشبوهة” فوق جسد الوطن الجريح. إلا أنّ من يرفعون شعارات الديمقراطية، لا نسمع منهم سوى “الإدانة”، أو “المطالبة بالكف عن الانتهاكات والعنف، وربما في البال انتظار ما تسفر عنه نتيجة “المباراة” ليحددوا مع من يقفون؟. مثلما فعل ابن أختنا باراك حسين أوباما في القاهرة، والتي عطلت حساسية أجهزته، وأفقدته القدرة على الالتقاط، ومعرفة ما يسفر عنه “التسونامي” ، وبعد ذلك” نسمع الإدانة”، أو الترحيب بالانتقال السلس للديمقراطية!. مع أنّ الانتقال تمّ بعد عبور بحور من الدماء، وتخطي جبال من جثث الأبرياء. أمّا “الأمم المتحدة” فهي تخطط لنشر بعثات حفظ السلام، وما يتبع ذلك من ” ترقيات” و” ووظائف” وامتيازات” وأحاديث معسولة عن “الديمقراطية”، فمن يحمي الشعوب في انتفاضتها لانتزاع حريتها من جبروت “الزعماء”، ومن بطش “الحكام”، ومن “مؤسساتهم التي يقولون إنّها في خدمة الشعب”؟ أم ينتظر العالم ” فندق رواندا جديد؟؟. وبعد ذلك نسمع عن تقديم المتهمين إلى المحاكم، والتي قد لا تُعقد؟!