هاجم الأمين العام المستقيل لحركة النهضة حمادي الجبالي بشدة راشد الغنوشي ورفض اتهامه له ب"التشدد" و"عدم فهم التطورات التي تشهدها البلاد"، محملا إياه الأزمة التي تعيشها الحركة بعد النكسة التي منيت بها في الانتخابات البرلمانية التي فاز فيها حزب نداء تونس العلماني والانتخابات الرئاسية التي فاز بها الباجي قائدالسبسي على مرشح الإسلاميين منصف المرزوقي. وهذه أول مرة يخرج فيها الجبالي الذي يعد من أبرز القيادات التاريخية للنهضة عن صمته تجاه "استئثار" الغنوشي بالقرار داخل الحركة و"ينتفض" فيها ضد طريقة إدارتها من قبل رئيسها، وهي طريقة تصفها عدة قيادات بأن "الغنوشي يدير النهضة كما لو أنها شركة عائلية". وكان الغنوشي اتهم الجبالي ب"التشدد" وب"عدم فهم التطورات التي يشهدها المجتمع التونسي. وقال في تصريحات صحفية متحدثا عن الأسباب التي دفعت بالأمين العام السابق للحركة إلى الاستقالة بشكل نهائي من النهضة، إن الجبالي عضده الأيمن السابق في قيادة جماعة "إخوان تونس" على مدى سنوات، لم يهضم حصول تطورات كثيرة في تونس في العامين الماضيين. وقال الغنوشي إن الأمين العام السابق للحركة "ظل متمسكا بالخيار الثوري بمعني استمرارية الصراع مع ذلك النظام القديم بهدف طي صفحته تماما". غير أن الجبالي ردّ بقوة على اتهامات الغنوشي. وقال "أرفض هذا المنطق"، مشددا على أن "عدم انفتاح رئيس الحركة على الأحزاب الديمقراطية" قاد النهضة إلى "نكسة انتخابية برلمانية ورئاسية" مما زج بالحركة في أزمة حادة تنظيميا وسياسية لم تشهد مثلها منذ تأسيسها العام 1981. وبشأن الانتخابات قال الجبالي انه كان بالإمكان أفضل مما كان لو كان هنالك تحالف بين النهضة وبقية الأحزاب الديمقراطية مشير إلى ان النهضة أخطأت عندما لم ترشح شخصية للانتخابات الرئاسية. وتجتاح النهضة موجة عارمة من الغضب والسخط تقودها قيادات تاريخية وكوادر وغالبية القواعد ضد راشد الغنوشي لكونه "استفرد" بالقرار وهمش مؤسسات الحركة حين رفض ترشيح حمادي الجبالي للانتخابات الرئاسية، ودعا إلى دعم المرزوقي سريا وإلى "الحياد" علنيا. ولأول مرة يقر الغنوشي بأن "النهضة تشقها خلافات" غير أنه اعتبرها "مؤشرا يعكس أن النهضة تمارس الديمقراطية من داخل هياكلها التنظيمية"، متجاهلا حدة الأزمة وتداعياتها التنظيمية والسياسية حيث يتوقع المراقبون أن "يتفكك" البناء التنظيمي للحركة الإسلامية خلال الفترة القادمة. وتعد استقالة الجبالي بداية نزيف من الاستقالات القادمة بحسب المتابعين لحركة النهضة ستنهي تماسكها الذي كثيرا ما راهنت عليه في مواجهة الأحزاب الديمقراطية والعلمانية. وكان الجبالي ضمن بيان استقالته رفضه ل"منطق" الغنوشي في تسيير الحركة، حيث قال"حتى لا أحمل غيري مسؤولية مواقفي، وفي المقابل حتى لا أتحمل تبعات قرارات وخيارات تنظيمية تسييرية وأخرى سياسية استراتيجية لتموقع الحركة في المجتمع، حيث لم أعد أجد نفسي في هذه الخيارات و مآلاتها". ولا تخفي القيادات المعتدلة للحركة الإسلامية أن الغنوشي انتصر لجناح المتشددين وهو جناح أقرب ما يكون للجماعات السلفية، حتى أن الشيخ عبد الفتاح مورو قال "إن الغنوشي بات محاصرا من متشددين" يرفضون الانفتاح على المشهد السياسي المتعدد فكريا وسياسيا. وقادت الأزمة الخانقة التي تشهدها النهضة إلى "اهتزاز" صورة الغنوشي داخل التنظيم الإخواني بعدما اهتزت لدى السياسيين وغالبية التونسيين، حتى أن خطابه الذي انتهجه بعد هزيمة الانتخابات بدا متناقضا كل التناقض مع خطابه الذي انتهجه خلال السنوات الأربع الماضية. وبدا رئيس النهضة "مدافعا" عن "الوحدة الوطنية" و"الوفاق"، داعيا إلى الاصطفاف وراء الرئيس المنتخب زعيم نداء تونس الباجي قائدالسبسي بعد ما كان يصفه بأنه "أخطر على تونس من الجماعات السلفية". ويرجع المراقبون هذا التناقض إلى "الانتهازية المفضوحة" التي تهدف إلى مغازلة قائدالسبسي بعدما وجد الغنوشي نفسه على هامش التجربة الديمقراطية التي انخرطت فيها القوى الوطنية والديمقراطية، رافضة أي مشاركة لحركة النهضة التي "تحمل مشروعا إخوانيا" لا يؤمن بالديمقراطية وحق الاختلاف.