لا تخلو أية حلقة نقاشية اليوم من عبارة الفيسبوك Facebook بعد أن دخلت عالم السياسة من أوسع أبوابها بل أصبحت القاسم المشترك لأي حوار بين أثنين خاصة في عالمنا العربي في ظل المتغيرات السياسية الراهنة بدءا من ثورة تونس مرورا بمصر وليبيا والبقية في الطريق ، وتوارت في خجل شديد تعبيرات مثل الهوت ميل وياهو وغيرها ، هكذا هو الكومبيوتر اليوم . عندما دخلنا عالم المسر ح إخترنا الطريق الصعب الذي قطع أرزاقنا وأرسلنا إلى المعتقلات والسجون ووصفونا بالشباب المارق ، وعندما أصبحت لنا بعض إهتمامات بالسينما قالوا عنا كفرة وملحدين ، وعندما تعلمنا مباديء الكومبيوتر قالوا فجرة ومهووسين ونتعاطى حبوب الهلوسة ، هكذا هو الثالوث اللعين المسرح – السينما والفيسبوك ، وفي كل هذه المرات كنت أضحك ولم أكتم ضحكي حتى شاهدت فيلم The Social Network والمقصود بهذه العبارة موقع الفيسبوك ، فالفيلم الذي كتبه السيناريست آرون سوركين- وهو بالمناسبة الذي كتب حلقات The West Wing – يتطرق للفترة الفاصلة بين تحول موقع التواصل الإجتماعي الشهير الفيسبوك من وسيلة للتواصل بين مجموعة من طلاب جامعة هارفرد إلى عملاق التواصل الإجتماعي الحديث وأحد أضخم وأهم مواقع الويب في الشبكة العنكبوتية . من هو مؤسس ال فيسبوك Facebook ؟ إنه الشاب النابغة مارك زوكبربيرغ ، ومنذ بداية الفيلم نلحظ التغيرات النفسية الكبيرة التي عاشها مارك ، والضغوط التي تعرض لها وهو يواجه أقرب المقربين إليه وأعز أصدقائه في حملات الدفاع عن الحقوق الفكرية التي يمتلكها في الموقع ،و المنازعات القانونية التي واجه فيها زميل دراسته إدواردو سافرين الذي ساهم مساهمة فعالة من خلال دعمه المالي السخي في وضع البذور الأولى لإنتشار الموقع الناشيء وأيضا الدور الذي لعبه مؤسس موقع Napster شون باركر في تلك الحقبة المصيرية من تاريخ الشبكة العنكبوتية . الفيلم حظى باهتمام عدد كبير من نقاد السينما العرب والأجانب ولفت انتباهي بشكل خاص الناقد السينمائي عماد أوزري بكتاباته الجادة حول سينما تخاطب العقل وتحترم ذوقه . والفيلم إلى جانب كل ذلك هو العمل السينمائي الثامن في مسيرة ديفيد فينشر السينمائية ، والأول منذ الثلاثة عشرة ترشيحا التي نالها فيلمه الشهير The Curious Case of Benjamin ويمثل إستكمالا للنجاحات المهمة التي حققها الرجل على مدى عشرين عاما قضاها في صناعة السينما ، قدم لنا خلالها أفلاما مثل : The Game –Panic Room وZodiac ،وعلى وجه التحديد فيلميه الشهيرين المتميزين Seven وFight Club . وإلى جانب السيناريو الذي كتبه أرون سوركين والإخراج الرائع للفنان الكبير ديفيد فينشر هناك الأداء الفخم للممثل الكبير جيسي إيزنبيرغ في دور البطولة . صحيح أن ديفيد فينشر وخلافا لأعماله السينمائية السابقة يقتحم هذه المرة عالم ال Facebook ، ولكنه بحرفيته السينمائية المشهودة يقدم عرضا مذهلا للحب والكراهية – الصداقة والعداء – الولاء والخيانة من خلال الشخصية الرئيسية ، وفي الفيلم أيضا نجد جيسي إيزينبيرغ – والذي بدى لنا كبطل فاتن وجذاب ومحير ومثير للغضب – كان أداؤه لمارك زوكيربيرغ أداء رائعا ، ويمكن القول أن معظم نقاد السينما العالميين أشادوا بالفيلم أمثال : بوب مونديللو ، روجرز إيبرت ، مايكل فيليبس ، ريتشارد روبين ، بيتر هول ، ويلسون موراليس ، ديفي لافوريست ، جيمس بيرارد ، ديفيد لاسول ، شارلي ماكولم ، بيل غوديكوننتر وديانا شابنغر ، واعتبروه أفضل أفلام عام 2010 . بعض النقاد أثاروا ملاحظة هامة جدا في إستعراضهم للفيلم باعتباره فيلما عن الإنترنت ، بل هو أعظم فيلم عن التجارة الإليكترونية وعن شبكة الإنترنت ، وأن عظمته الحقيقية تكمن في أنه يتجاوز فكرة الأبعاد المحدودة للزمان والمكان الذي يحيط بشخصيته الرئيسية ليصبح قراءة معمقة في النفس البشرية وفي السلوك الإنساني الغريزي تجاه النجاح ، ومحاولة الحفاظ عليه وحمايته مهما كان الثمن ، وأجمل ما قيل عن الفيلم عندما وصفه الناقد السينمائي جيم سلونيك بأنه ليس فيلما عن ال Facebook بل عن الصراعات الإجتماعية المعقدة والمضنية التي أسفرت عن ولادته . فيلم فيه الكثير من الإثارة والبهجة والتوتر وكل ذلك بصورة متماسكة برع فيها مخرج الفيلم ديفيد فينشر . صحيح أننا نشاهد فيلما تدور أحداثه حول الشبكة العنكبوتية وعن ال Facebook ولكنه فيلم مشوق جدا ، ومع احترامي الشديد لفيلم ” خطاب الملك “ Speech of The King الذي فاز بجائزة الأوسكار لعام 2010 وإعجابي به كفيلم رائع إلا أنني أعتقد أن فيلم The Social Network هو فيلم رائع جدا . نأتي لقضية هامة جدا ، إن الفيسبوك يلعب حاليا دورا مهما في حياة الشعوب العربية التي ذاقت المر بسبب الطغاة المجرمين الذين سرقوا ثروات الشعوب مثلما فعل بن علي وصحبه ، وأهدروا المال العام وكتموا الحريات وأشاعوا الفوضى واحتقروا الإنسان العربي لعشرات السنين ، وإذا بالفيسبوك يعريهم ويجردهم من سلطاتهم ويرميهم إلى مزبلة التاريخ .