السلطات السعودية تستدعي قائد الدعم السريع    راصد الزلازل الهولندي يحذر مجدداً: زلزال قوي بين 8 و10 مايو    (تاركو) تعلن استعدادها لخدمات المناولة الأرضية بمطار دنقلا والمشاركة في برنامج الإغاثة الإنسانية للبلاد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    "الآلاف يفرون من السودان يومياً".. الأمم المتحدة تؤكد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    السعودية أكثر الدول حرصا على استقرار السودان    الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحافة الداخل وحصار الظلام..!!
نشر في حريات يوم 10 - 07 - 2015


بسم الله الرحمن الرحيم
إذا كان إختراع آلة الطباعة، مَثَّل نقطة تحول في نقل وحفظ وإنتاج وتوزيع المعرفة، علي أكبر قطاع من الجمهور، وعلي عبور تبدلات الزمان وتغيير الأمكنة، الشئ الذي دفع بركب الحضارة الإنسانية خطوات الي الأمام. فإن ظهور الصحافة كنتاج أساس لإختراع الطباعة، مَثَّلت بدورها، الوسيط الأسرع والأسهل والأبسط، في نشر المعرفة والإطلاع علي المعلومات وتداول الأفكار والآراء. وبتعبير آخر، مثَّلت الصحافة كسر لنخبوية المعرفة والأفكار(كهنة فلاسفة علماء)! وتاليا الإنفتاح الكبير او الإنفجار المعرفي علي عموم الجماهير. أي إشراك الرأي العام والجمهور العام، في المعرفة والأفكار والآراء والمشاريع السياسية، من موقع ثقافي تحديثي عام. ولكن من ناحية أخري، تم إفراز نخبة جديدة تتحلق حول الصحافة، وتمثل أصوات او أدوات للسياسة والسياسيين، او وظفت لخدمة إيديولوجيات محددة، بصفة عامة! بمعني، إن الصحافة بقدر ما هي أداة معرفة وتنوير وتثقيف وتحرير وإستقلال في شقها الأمثل، بقدر ما هي أداة تضليل وتغييب وتجييش للجماهير، في شقها الإستغلالي الأسوأ! خصوصا عندما تخدم إيديولوجيات معينة، رافضة بطبعها وطابعها للإختلاف والتنوع والآخر، ومتعالية علي الإستفادة من الخبرات الإنسانية وتراكمات التجارب المحلية، وإدمانها السكون والإنغلاق في دائرة من الوهم! وليس قليل من الإستهانة بالمواطنين، لدرجة تقديمهم بكرم حاتمي، كوقود لتنفيذ أحلامها المستحيلة. وبكلمة مؤلمة، عندما تُكرس لخدمة الإستبداد وتزييف الحقائق وفبركة الأحداث والمعلومات، مما يجعلها في النهاية وسيلة إستغلال وتغييب بل تهميش ونهب وتعذيب للمجتمع! أي تعمل بالضد تجاه ما يفترض أنها قامت من أجله، أي التنوير والتحرير والكشف والتبسيط والشراكة العامة في الأوطان، وقبل ذلك في الحياة، لجميع بني البشر. وعموما الصحافة كغيرها من الأنشطة المجتمعية المدنية، خاضعة لدرجة تطور ووعي المجتمع الذي تعيش وسطه. وبقدر قدرتها علي التعبير عن المجتمع، إلا أنها قادرة علي التأثير والتبشير والإرهاص بمدي إمكانيات تغييره للأفضل ودفعه الي الأمام. أي هي المقدمة المنطقية لأي تحولات مستقبلية. وبكلمة واحدة، هنالك دور هام وحيوي تلعبه الصحافة، إن لم تكن هي مكون أساس من مكونات الحياة الطبيعية أو العصرية الراهنة. لأنها تمثل حلقة الوصل بين الجمهور المتلقي(المنتج بطريقة غير مباشرة) ومصدر الأخبار والآراء. أي هي جزء من آلية الإعلام الضخمة والمتشعبة، التي تميز هذا العصر المعقد! إن لم نقل توجهه الوجهة، التي يرغب فيها من يقف وراءها. ورغم أن الصحافة تطورت كجزء من التطور العام، الذي يسم اللحظة الحضارية الآنية، خصوصا في شقها التكنولوجي، وزاحمت الصحافة الإلكترونية، الصحافة الورقية التقليدية! إلا أن الصحافة الورقية ما زالت تلعب أهمية كبيرة، خصوصا في الداخل، حيث أن التعاطي مع النت و التقنيات الحديثة، يكاد يكون محصور في شريحة محددة من الشباب والطلاب، او الغالبية في الداخل تفضل الصحافة الورقية، كجزء من العادة او التقاليد التي تربت عليها أجيال عديدة. ولكن وفي كل الأحوال، تظل الخدمات التي قدمتها الصحافة الورقية، هي خدمات جليلة، ليس علي مستوي نشر المعرفة والوعي ومشاركة الجمهور العام همومه وأشجانه فقط، ولكن هي نفسها ما ساعد علي تطور الصحافة الإلكترونية، سواء عبر تقديم الخبرات والمعارف الصحفية التقنية، ورفدها برصيد متمكن من الصحفيين والكتاب، او بزيادة مساحة المتعاطين معها، والذين في الغالب إكتسبوا مهارات او رغبات الإطلاع والقراءة، من الصحافة الورقية. وهو ما يُمكِّن من إعتبار الصحافة الورقية، هي القاعدة او الأساس الذي إنطلقت منه الصحافة الإلكترونية، او الصحافة الإلكترونية هي الإمتداد الطبيعي للصحافة الورقية. وكل ماذكر أعلاه، علي إعتبار أن هنالك فصل بينهما، وهو ما يثير نوع من الشكوك بدوره! علي أعتباره فصلا متعسفا، لأن المضمون وأحد وإن إختلفت الوسائل. ولكن المؤكد، أن الصحافة الإلكترونية، أكثر مرونة في التعاطي مع القراء والكتاب وتداول المعلومات، إضافة الي سرعة الإنتشار، والقدرة علي التفاعل الفوري مع الأخبار وبين الجميع، أكثر من الصحافة الورقية، التي كاد أن ينحصر دورها، في تقديم الآراء وإجراء التحقيقات، أكثر من قدرتها علي مواكبة الأخبار، ونيل قصب السبق في نشرها.
وعلي العموم، أثبتت تجارب الفترة الماضية، أن الخطر الحقيقي علي الصحافة الورقية في الداخل، لا يتمثل فقط، في إرتفاع تكاليف الإنتاج، من ضرائب باهظة، وزيادة مدخلات الإنتاج بصورة راتبة(أوراق وأحبار وآلات طباعة وتصميم وإيجار مقار او شراءها..الخ) إضافة الي أجور العاملين والمنافسة مع الصحافة الإلكترونية وبين الصحف مع بعضها البعض ..الخ من معيقات حقيقية! ولكنه يتمثل تحديدا في الحضور الطاغي لجهاز الأمن، في عالم الصحافة الورقية! ليس علي مستوي الرقابة الذاتية، التي يفرضها الصحفيون علي أنفسهم او تفرضها الصحف عليهم، وما يمثله ذلك من حجر حقيقي علي حرية الآراء وصدقية الأفكار وموضوعية الطرح، فقط! ولكن بصورة أخص، بسبب قرارات الإيقاف المجانية او المزاجية وغير خاضعة لأي معايير! بمعني، تصدر الصحيفة وهي تتحسس رأسها، خوفا من أن يفصل عن جسدها(بالمصادرة الفورية عقب الصدور!) او يبتر أحد أطرافها(حجب مقال او عمود كاتب راتب له جمهوره!). أي تعمل الصحافة الداخلية، في بيئة معادية ومليئة بالهواجس والمخاوف، وكأنها في ساحة حرب، وهي مكشوفة أمام أسلحة الأعداء والألغام المحيطة من كل جانب! وهي مجردة من أي دروع او وسائل حماية، إلا الحظ او تحسن مزاج الرقيب الأمني، المعتكر دوما! وبكلمة مختصرة، صدور الصحيفة رهين بعوامل خارجية لا يتحكم فيها الناشرون، ولا يندر أن تتصف تلك العوامل الخارجية، بالتربص وسوء النية!! وكل ذلك يعرض ملاك الصحف لخسائر مادية لا حصر لها، مما يجعل الإستثمار في الصحافة مخاطرة او مقامرة غير آمنة العواقب، بل المؤكد أنها سيئة العواقب! تنذر بالإفلاس وتشريد الكادر العامل. ولا تسأل عن مصيرهم او ما يجري لهم بعد ذلك؟ فمثل هذه الأسئلة الهامشية، لا ترد علي قلب قد من صخر القسوة، وعجن من طينة اللامبالة إلا بالمصالح او المخاوف الذاتية! ولولا أن العاملين بالحقل الصحفي، لا يجدون بديلا او يعرفون حقلا او مهنا أخري، لتركوا هذا المجال غير آسفين عليه. وعموما، دخول الأجهزة الأمنية بثقلها او قضها وقضيضها من باب الصحافة، ووضعها عصا الترحال بين ظهرانيها، كضيف ثقيل وغير مرغوب فيه، يعني خروج الصحافة الحقيقية، كقيمة ورسالة من الشباك.
تاريخيا مَثَّل الإستبداد او بنيته المسيطرة علي البلاد، أكبر عائق أمام تطور الصحافة، او أقلاه قيامها بدورها التنويري والتثقيفي المنوط بها! بوصفه يتصادم مباشرة مع آليات وثقافة ومصالح وإستمرارية او بقاء الإستبداد. لذلك نجد أن العكس هو الصحيح، حيث ظلت العلاقة بين الطرفين ملتبسة وملبدة بالشكوك، خصوصا تجاه الصحافة المستقلة، حيث ظل الصحفيون الأحرار والأفكار المتحررة، هما أكبر الضحايا والأكثر دفعا لأكلاف الإستبداد الباهظة. وهو ما أفسح المجال لبروز كثير من التشوهات في جسد الصحافة! ليس بظهور صحافة مؤيدة ومبررة للإستبداد، ومُعظَّمَة لرموزه، وكذلك التضخم الكاذب لبعض الصحفيين المطبلاتية فقط! ولكنه طال حتي ألمعية الأفكار المطروحة، ومبدئية الآراء الحرة، والممارسات الديمقراطية الحقيقية! أي تم إقصاء لروح النقد، وضمور في إنتاج بدائل فكرية جديدة، موضوعية او عملية تتوافق مع الواقع، وتخالف المعهود، سواء المنتج المتوارث(صم) محليا، او المستورد(خام) خارجيا! أي تم الدوران في حلقة محددة ولا نقول مفرغة، من المشاريع الفكرية والسياسية، وغالبا مجردة من النواحي التنموية والمضامين الحداثية! وهو ما قادها الي الدخول في حالة صراع مفتوح، او معادلة صفرية، لا تحمل أي نوع من التوافق او تحتمل مجرد الإتفاق علي ثوابت سياسية او وطنية، وليس أقلاها الرفض المبدئي للإنقلابات! وكانت الصحافة ساحة لكل هذا العك السياسي والإفلاس التنموي والتدهور الوطني العام! أي بدلا من قيادة الإصلاح نحو البر الديمقراطي الآمن، إنخرطت في أجواء السياسة وتنازعاتها العدمية. والمحصلة، تحولت الصحافة من ساحة وعي وتنوير، الي بركة آسنة من التبرير للأخطاء والدفاع عن الأنصار بالحق وبالباطل، والأسوأ الإشادة بالمستبدين(قادة_ إنقلاب، أحزاب، منظمات، أندية..الخ) وإيجاد كافة السبل والمخارج لإستدامة هذه الأوضاع الكارثية! وفي أفضل الحالات، الإلتفاف علي القضايا والإشكالات الجوهرية، لضمان الإستمرار بالصدور علي الأقل. وهو ما جعل الصحافة نفسها، أحد أسباب إستمرار هذه الأنظمة الإستبدادية بشكل او بآخر! بالطبع مع وجود بعض الإستثناءات المذكورة آنفا. وعموما، هذا الموقف من قبل الصحافة، ليس عن رغبة دائما! ولكن كجزء من الخضوع العام الذي تفرضه الأنظمة المستبدة.
ولكن كل ما ذكر أعلاه(كوم) وصحافة عهد الإنقاذ(كوم آخر)! فنظام الإنقاذ وبخلفيته الإسلاموية المؤدلجة، فهو عدو للحرية مبدئيا، ومعادٍ للديمقراطية عمليا! ولذلك كانت أكثر القطاعات معاناة من ثقل وطأة هذا النظام، هو القطاع الصحفي، الذي أبتلي أولاً، بمصادرة بيئة الحرية والديمقراطية، والتي لا تنتج وتثمر الصحافة إلا في ظلها! بل النظام تعدي فعل المصادرة، الي القيام بعملية إحراق كامل للبيئة الديمقراطية، وإستخدام كافة المبيدات السامة(أمنية إقتصادية) للفتك بها! وتاليا تم منع الصحافة من النمو الطبيعي، ناهيك عن ترف التطور! خصوصا بعد أن تم إستبدال هذه البيئة، ليس ببيئة إستبدادية فقط، ولكنها إرهابية تماما. وثانيا، إيقاف الصحف القومية المستقلة، التي تعكس حيوية وروح الصحافة، وإستبدالها بصحافة إنقاذوية صارخة، لا تسبح إلا بحمد النظام. ثالثا، زيادة وتيرة هجرة الصحفيين والكتاب الي الخارج بخبراتهم، وما سببه ذلك، من فراغ او إنقطاع أجيال. رابعا، تدهور الأحوال الإقتصادية والتردي العام.
ولكن مع زيادة الضغط علي النظام داخليا وخارجيا، بعد تمدد فشله في كل القطاعات، وتردي علاقاته الخارجية، حاول السماح بهامش من الحريات للمعارضة وفي الصحف والمجال العام! لعله يخفف الضغط ويؤجل الإنفجار المتوقع او يعطله مرة واحدة! علما بأن (رعب الإنفجار) من الهواجس الملازمة للنظام كحرسه! وزاد الهامش مع تنفيذ إتفاقية السلام الشامل، ولكن الخط العام الحاكم، كان يظلله نوع من الرقابة العامة! خصوصا حالات إصدار صحف جديدة(شركات وعدد الصفحات) او إعداد قوانين للكتابة في الصحف الورقية(القيد الصحفي)، إضافة الي إحتكار إتحاد الصحفيين، في أيدي أتباع النظام! وكذلك حجب المعلومات او التعنت أمام الصحفيين، وصولا للحساسية الزائدة تجاههم ومضايقتهم عن عمد، وزرع عناصر أمنية داخل الوسط الصحفي لتلغيمه من الداخل! وهذا دون قول شئ، عن المحاباة في توزيع الإعلانات الحكومية، أحد أهم مصادر دخل الصحف، في ظل إنخفاض القوة الشرائية لجل المواطنين، وضغط أولويات الصرف علي المعايِّش الجبارة! المهم، إستمرت حالات الشد والجذب بين النظام من جهة، والمعارضة بما فيها الصحف المستقلة من الجهة المقابلة. حتي مرحلة إنفصال الجنوب بعد تدشين أحد مراحل الإنقاذ الجديدة! وتحضرني في هذا المقام، تجربة صحيفة أجراس الحرية ومعاناتها او إعدامها بعد الإنفصال الكارثي! خاصة وهي تجربة فريدة من نوعها وفي تنوعها، وجدية ونباهة القائمين علي أمرها. وهي تجربة لو وجدت الفرصة والمساحة وقليل من الدعم وصدق المساندة، لأصبحت مدرسة عريقة يشار إليها بالبنان. ولكن ماذا يقال في دولة يحكمها الخراب ويلفها الظلام، ويؤسس لثقافتها سدنة المشروع الحضاري الأخرق، من الظلاميين العابسين والإرهابيين المتجهمين. لتفرز لنا نموذج الإنتباهة والصيحة والدار وغيرها من صحافة الفتنة والإثارة والكسب الرخيص. المهم، بعد الإنفصال تبدل الحال الي الأسوأ، وبرز الي الوجود الصحفي جهاز الأمن، بوجهه الكالح و بثقل ظله، ليصبح هو المشارك الخفي في إصدار الصحف، حتي المعارضة منها! وهو يتدخل في كل شاردة وواردة او ما يسمي الرقابة القبلية! وتوسعت علي يديه، محاكمة الصحفيين وإيقافهم وتهديدهم! وزاد بإطراد عملية إيقاف الصحف، ليصبح صدورها هو الإستثناء أحيانا! ولكن المفارقة المحزنة أن عملية إيقاف الصحف، تتزامن في الغالب مع بروز قضايا الفساد، او تعرض أمن الدولة للخطر، او ظهور ممارسات إرهابية لأجسام خارج قوانين الدولة(الجنجويد)..الخ من الظواهر، التي بقدر ما تسبب فيها النظام، بقدر ما يتوجس من إثارتها او الحديث عنها، تصديقا للمثل(الشينة منكورة) مما يؤكد أنه يعلم مساوئه وأخطائه! ولكن بدلا من إمتلاك شجاعة الإعتراف بها، كنظام راشد ومسؤول، ومن ثم مواجتها وعلاجها. فهو يلجأ لحيلة النعامة الجبانة، بإدخال رأسه في رمال الإنكار، وممارسة لعبة العناد والمكابرة، التي تميز المغرورين! بتعبير آخر، في اللحظة التي يتوجب فيها، أن تقوم الصحافة بدورها في الإستقصاء والرقابة وكشف الحقائق للجمهور، يتصدي لها جهاز الأمن بالإيقاف والتعطيل! بمعني، تعاقب الصحافة علي قيامها بدورها، وذلك حماية للجاني او الفاسد!! فهل يصح بعد ذلك تصديق أن هنالك نية حقيقية لمحاربة الفساد او زيادة مساحة الحرية والديمقراطية او جدية للحوار؟! بل علي العكس من ذلك، كل المؤشرات تدل علي أنه، كلما زاد ضعف النظام وفساده او شعوره بالخطر الداهم، فإنه يلجأ مباشرة للوسائل الأمنية الأرهابية، بادئا ب(الحائط القصير) أي إيقاف الصحافة وإعتقال الصحفيين، الذين لا يجدون أي حماية لا من جانب الدولة، التي في الحقيقة تمارس تجاههم التشكك وصولا للعداء الصارخ، بالتزامن مع ضعف وهشاشة القوانين المدافعة عن الصحفيين او حقوق الإنسان بصفة عامة، والإنتقائية في تطبيقها! او من جانب المجتمع المحلي، الذي يعاني من داء الإنصراف عن القضايا العامة، وترك الأشقياء وحدهم، يقومون بفرض كفايتها، من راحتهم ورزقهم وحريتهم. والأهم من كل ذلك، تمدد سلطات جهاز الأمن، وتمتعه بالحصانة والحماية، علي كل التجاوزات التي يمارسها، وكأنها أفعال عادية او جزء من واجبه تجاه النظام، الذي يجري خلطه بالدولة خلطا متعسفا! لدرجة يمنح فيها منتهكي القوانين ومنتقصي حقوق الإنسان، نوع من الوطنية المتقدمة او شرف البطولة ونوط الجدارة. لكل ذلك، فالصحافة في الداخل تجاوزت مرحلة، خطر التجريف والتصحر وهامش الحريات الذي تتحرك فيه، لتصل لمرحلة إطلاق رصاصة الرحمة عليها! عبر الخسائر الفادحة التي تتعرض لها، جراء الإيقافات المتكررة، خارج سلطة أي قانون، إلا قانون مزاجية الأجهزة الأمنية. وكانت نتيجة ذلك، أن حشرت الصحافة الورقية، في الزاوية الضيقة! فهي إما تتحرك في حدود قضايا هامشية، لا تمس عصب مشاكل وراهن إهتمامات المواطنين، وفي مقدمها قضايا الفساد(حالق عافية البلاد) والإحتقانات السياسية والإستعصاءات السلطوية والحروب الداخلية وأزمة المحكمة الجنائية..الخ! أي دخولها في خانة اللاصحافة، وما يستتبع ذلك من إنصراف الجمهور! أو تتحرك في حدود بيت طاعة السلطة، حيث تجد الحماية والرعاية والتسهيلات ونعيم الرحلات الخارجية والداخلية الدسمة! أي دخولها خانة خيانة نفسها ووظيفتها، وقبل ذلك إهدار حقوق الجماهير، او ضياع أمانة المصلحة العامة.
وفي ظل إستمرار سيادة الإستبداد او ممثله الرسمي نظام الإنقاذ، ستظل مهنة الصحافة، مهنة طاردة! والصحفيون الوطنيون مشردون ومعرضون للتهميش المعنوي والمادي! وسيظل مصير الصحافة مفتوح علي المجهول، والصحفيين علي التضييق والإعتقال. ولذلك لا فرصة أمام تحرير الصحافة، ورد الإعتبار للصحفيين، إلا بالتحرر الكامل من قبضة الإستبداد، بأجنحته السياسية والأمنية والإقتصادية والثقافية، أي الخلاص من الإستبداد بالمطلق. وكل ذلك يدفع في إتجاه بناء جبهة عريضة من الصحفيين والسياسيين، وكل قطاعات المجتمع المتضررة في الداخل والخارج وما أكثرها! لتضع حدا لهذا الخراب والحصار والإهانة، او ما يسمي بنظام الإنقاذ، ويا لها من فرية مسيلمية (ترابية/بشيرية) تستقر في الدرك الأسفل من النفاق والخداع. ولكن مع الوضع في الإعتبار، أن عودة الديمقراطية والحريات العامة القادمة(قريبا بإذن الله) لا يعني فتح الباب علي مصراعيه، لدخول كل أنواع الصحافة والصحفيين، في إمتهان لمفهوم الديمقراطية، وإهانة لمسؤولية الحريات! بتعبير آخر، هنالك نوع من الصحافة والصحفيين، يشكلون خطرا علي القيم الديمقراطية ذاتها، ويخفضون من قيمتها، ويشككون في صلاحيتها، ويزدرون نموذجها وتجربتها! رغم إستفادتهم من ثمارها، وتضخم حلاقيمهم وأصواتهم، وتعملق أقلامهم، في بيئتها وتحت رعايتها. أي يجب الوقوف ضد صحافة، نكران الجميل الديمقراطي! والتي تمثلها صحافة الإسلامويين، وأساليبها في السخرية من الديمقراطية، والإساءة للحكومات المنتخبة! والإصرار علي التبشير بمشروعهم الشمولي، بلغة الإثارة والفتنة، وألفاظ كراهة الآخر، الشريك في الوطن، بالحط من قدره! بسبب خلاف العقيدة او الأفكار او الجهات. وهذه الخلفية الشمولية المستحكمة، في نفوس وعقول وتربية أعضاء الجماعة الإسلاموية، بل ومشروعها بصفة عامة! جعلها تستمرئ الحط من الديمقراطية، كتجربة تاريخية وكقيمة حضارية وكمعالجة لإشكالات سلطوية مديدة، عبر صحافتها الغُثاء! لتمهد الطريق أمام الإنقضاض علي الديمقراطية ومصادرتها، ومن ثم إعادة البلاد لنقطة الصفر! بتعبير آخر، إحترام القيم الديمقراطية، والإلتزام بالقوانين وميثاق الشرف الصحفي الديمقراطي، والقيام بواجب الشفافية، في التمويل والصرف والإدارة والتحرير للصحف، تمثل خط أحمر(غير أوبامي) يجب الإنتباه له! وذلك حتي لا نقع في دائرة المحظور، ومسلسل ترقبوا البيان رقم واحد، الذي يجرنا لمائة بيان من الهراء وعشرة قرون من التراجع! أي الدخول في الدائرة الشريرة إياها المرة تلو الأخري، وكأن قدرنا أن نراوح بين الثكنات العسكرية والأنظمة الشمولية، والرابطة الإستبدادية الأزلية بينهما.
والخلاصة، إن سيطرة الأجهزة الأمنية، علي عالم الصحافة الورقية في الداخل، وبممارساتها الداعشية او خارج القانون والمعقولية! تشكل إنقلاب مكمل لإنقلاب الإنقاذ السلطوي، الذي مهد بدوره لكل الإنقلابات(السياسية الإقتصادية الإجتماعية..الخ اللاحقة)! الشئ الذي يهدد بإزاحة الصحافة الجادة والحقيقية، من الفضاء الصحفي العام! وتاليا إحلالها بصحاف مدجنة، لا تري إلا رؤية السلطة، ولا تتحدث إلا بصوت ولسان السلطة، ولا تدافع إلا عن إستبداد ومصالح السلطة! والتي تنعكس عليها إمتيازات خرافية! عبر سيطرة ديناصورية علي المناصب القيادية والتحريرية في الصحف الموالية، لفئة تبعية من الصحفيين، لا يصدف أن إمكاناتهم الإدارية والصحفية في غاية التواضع والإفلاس! مما يفسر حالة الدمار المركب(إجتماع التعيس وخائب الرجاء) الذي يخيم علي عالم الصحافة الموالية! الشئ الذي يكسبها الصفة الخشبية! او هي صحافة بلاستيكية، يصعب التجاوب معها او هضمها وإستساغتها! لتجد طريقها الي مساطب الجزارين، او مواقع البيع بالكيلو، لعلها تخدم أغراض أخري أكثر فائدة للجمهور! والنتيجة التهديد، ليس بطرد العناصر الجيدة من عالم الصحافة فقط، ولكن بإنصرف الجمهور عنها، وهو يجرجر أذيال الحسرة، علي فقدانه الثقة في كل المجال الصحفي. وكل ذلك يتجه الي الضد من مصلحة الجمهور، إن لم يلحق بالمصلحة العامة، أفدح الضرر. وهو ما يستدعي الوقوف مع الصحافة الورقية في الداخل و مساندة أهلها وروادها، والتضامن معهم وتقديم كل انواع الدعومات المادية والمعنوية لهم، حتي يتم إجتياز محنة هذا الوضع الكارثي! أو علي الأقل، حتي لا يُترك المجال للصحافة المطبلة، والأبواق الصحفية المدجنة في الداخل! لتزييف الحقائق ومناصرة الباطل ودعم الفساد والفاسدين، وإستنزاف آخر قطرات إحترام الجماهير لعالمها! وكل ذلك لخدمة الإستبداد ونصرة المستبدين! الذي ينزل عليها/م بردا وسلاما وأمتيازا مستقرا ووفيرا، لمصالح غير مستحقة.
ومن جانب آخر، حملت الأخبار أن جهاز الأمن، سلم السيد جمال الوالي، مبلغ مليار جنيه لدعم نادي المريخ الرياضي!! فهذا الخبر وبهذه الكيفية، يشكل عنون صارخ او خلاصة لحالة الإنهيار والتشوه العام، الذي أصاب جسد الدولة السودانية، او ما تبقي منها، مُحيِّلا أياها الي ضيعة، تدار بمنطق العشيرة، وثقافة القبيلة ولكن في طورها البدائي! وذلك لعدة أسباب: أولا، نادي المريخ جهة إعتبارية، وله أمين خزينة وجهات محاسبية، يفترض أن المعاملات المالية تتم معها مباشرة(لأن إحتمال لا قدر الله السيد الوالي ومع أمواله الوفيرة ومشغولياته العملية والإجتماعية الكثيرة، يتصدق بيها في صلاة التراويح سهوا، او ينسي قصة المليار دي من أصلها! يروح وين نادي المريخ بعدين! الدار يغالطو منو!). وهذا بدوره يدفعنا لإعادة التذكير بما سردناه في مرة سابقة، في موضوع مشابه، وهو أن سيادة المال المشبوه او غير المشبوه في نادي المريخ، سيؤدي لذهاب ريح النادي كمؤسسة! وهو ما حدث فعليا في الخبر أعلاه!! بمعني آخر، تم تواري نادي المريخ، بتاريخه وعراقته وتأثيره وجماهيريته، خلف معطف جمال الوالي او بدلته الأنيقة! أي حل جمال الوالي محل نادي المريخ كؤسسة إعتبارية! لدرجة يتم فيها التعامل مع شخصه، وكأنه نادي المريخ بكل عراقته! وما ساعد علي شيوع هذا المفهوم الإنكفائي والسلوك الذليل والجائر، في حق نادي المريخ وجماهيره! هو ربط بعض الصحفيين الرياضيين بين نادي المريخ وجمال الوالي، بحيث يصبح بقاء نادي المريخ وإستمراريته، رهينة ببقاء وإستمرارية رئاسة جمال الوالي لنادي المريخ! وهو ما يعكس بدوره جانب آخر، من الخلل العام، في حال الصحافة المحلية! والتي يمثل شقها الرياضي، الجانب الأكثر تدهورا وسقوطا، او تحلقا حول الأفراد أصحاب المال والشهرة.
وثانيا، من أين لجهاز الأمن، هذه الأموال التي يتبرع بها؟! بمعني، ألا تمول وزارة المالية جهاز الأمن، بإحتياجاته التي يرفعها بالتفصيل الدقيق! وتاليا لا مجال لفائض أموال، تبيح للجهاز إعادة سيرة هارون الرشيد، بتحفيز زيد ومنع عبيد، وفق مزاجه او لإعتبارات غير معلومة للكافة!
وثالثا، الرياضة نفسها تختص بها وزارة أخري(تشتكي لطوب الأرض من قلة الجرذان في خزائنها والسماسرة في بلاطها!) وهي الأولي بالصرف علي أنديتها، وهذا إذا سلمنا جدلا، أن الرياضة أولوية مقدمة، علي إحتياجات أمراض الكلي والسرطان، وتدهور خدمات المياه والصحة والتعليم..الخ من الإحتياجات الأساسية!
رابعا، ظاهرة جمال الوالي نفسه، تثير الحيرة والإستغراب، أكثر مما تحرك مشاعر الإحترام والفخر! وذلك ليس بسبب الصرف البذخي والدعائي في عالم كرة القدم(والتي أثبتت التجربة أنه لا يفقه فيه الكثير، ولم يتعلم إتقان حرفته، رغم طول بقائه في أحد منصب قيادته، دون منافسة او مضايقات! بل وإكتسي تاريخه الطويل في أروقته، لباس الفشل الذريع والعجز المخجل، علي مستوي البطولات وإحراز الألقاب، والذي تتم التغطية عليه، ببناء المنشآت وعقد صفقات مكلفة ماديا ولو أنها ضعيفة فنيا!). أو نجوميته الصاروخية في عالم المال والأعمال والإجتماعيات، من غير إستحقاق معلوم! ولكن أساسا بسبب علامة الإستفهام الكبري، التي تقف أمام مصدر هذه الأموال؟ والإستعصاء علي الإجابة والمراوغة المستديمة والتلعثم عند الإشارة إليها؟! وهو ما يشكل أكبر مصدر للحيرة في هذه الظاهرة (الجمالية!!). فبقدر ما يملك جمال الوالي من أموال، وينفق بإسراف محير، لدرجة تركه مبلغ(9أو12 مليار جنيه لا ادري؟ بعد أن فارقنا الرياضة وعوالمها مكرهين، او حسب ما شاع في فترة ماضية!) لنادي المريخ او كما أدعي سابقا. إلا أنه لا يظهر علي السطح أي نوع من الإستثمارات او المشاريع التي تبرر إمتلاك مثل هذه الأموال! فتاريخيا، علم الجميع عن شخصيات بوزن الشيخ مصطفي الأمين وأنيس حجار..الخ من الراسمالية الوطنية، التي كان مصدر العلم بها، ليس الصحف والإعلام، ولكن عن طريق منتجاتهم وصناعاتهم ومشاريعهم الإقتصادية وصروحهم وإسهاماتهم الخيرة الإجتماعية، والتي غطت البلاد من كل الجهات! ولكن بالله قولوا لي، ماذا ينتج بالضبط هذا الجمال الوالي؟ ما هي مساهماته في الإقتصاد الوطني والعمل الإجتماعي او الوقفي! بالطبع غير الإستثمار السفهي، في صفقات الرياضة المضروبة، من نوعية عقود وارغو والحضري والنفطي! وهو إستثمار فوق فشله الرياضي، فهو ينحو نحو إكساب جمال الوالي شهرة إعلامية، عربيا وأفريقيا! أي مكاسبه الشخصية، أولي من إنجازات المريخ الرياضية(وجزا الله كأس السودان الضعيف وسيكافا اليتيمة كل خير، وهما يعوضان الوالي خسارات البطولات الحقيقية علي كل الأصعدة، رغم هذا الصرف المجاني المفتوح! آل بطولة أفريقيا آل). المهم، مصدر هذه الأموال، هو ما كان يحتاج لصحافة إستقصائية كشفوية حقيقية، لتميط اللثام والتلعثم والمراوغة، عن تاريخ الوالي المالي؟! عبر تتبع تاريخه الشخصي/العام منذ الطفولة، مرورا بكل مراحله الأخري، وصولا لتكوين هذه الثروة المهولة، التي لا يعلم مقدارها حتي هو! ليس بسبب كثرتها فقط، ولكن بسبب غياب أي معلومات او بيانات حقيقية عنها او عن طبيعة إستثماراتها(الحمدلله موضوع الذهب والتنقيب عنه جاء لأحقا وتاليا يمتنع التخفي وراءه، كغيره من الراسمالية المستجدة، التي تتلطي خلفه، للتغطية او لتبرير أنشطتها الظلامية!). بل الأغرب أن السؤال عنها جريمة؟! يعاقب عليها باللوم والشتيمة والتهم المجانية! او بإيقاف الصحف وتهديد الصحفيين! بمعني، الوالي وأمواله وممتلكاته ومتعلقاته، وطريقة إدارته لنادي المريخ، من المسكوت عنه او يحرم الخوض فيه! بإعتباره من آل البيت الواجب تعظيمهم! ولذا تكفي الإشادة بتهذيبه وشهامته ووسامته، للإجابة عن أي تساؤلات(حقودة!).
ولكن في الحقيقة ليس هنالك غرابة في الأمر، فالسيد جمال الوالي لا يشكل أكثر من تجسيِّد للتشوه، الذي أصاب الإقتصاد ومجال المال والأعمال، كجزء من التشوه العام الذي أصاب جسد الدولة السودانية! أي هو إنعكاس لإستثمارات الطفيلية العاطلة، التي تميز هذا الجيل من الراسمالية الإسلاموية، التي إحتكرت هذا الوطن بما فيه من موارد! ولذلك الإستقصاء عن ظاهرة جمال الوالي، يعني الإستقصاء عن كل العوار الذي أصاب الإقتصاد الوطني، والذي أفرز مكاسب مجانية، للسماسرة والتجار الملتحفين بالسياسة والدين! وهو ما يعني، كشف الأساليب المافيوية التي يدار بها الإقتصاد، بل الدولة ككل!! وتاليا يؤدي لطيران رقاب ومصالح عتيقة، وإنكشاف أحوال رموز، لأزمت هذا النظام كظله، في العلن والأكثرية في الخفاء! وهو في النهاية ما يعني، الإستحالة في حق الصحافة المحلية الحالية، وهي محاصرة بهذا الكم الهائل، من القيود والإختناق وحجب المعلومات، وصولا لخطر إغلاق الصحيفة ذاتها، وتغييب الصحفيين عن الوجود. وبكلام ثانٍ، التضييق الذي يمارسه جهاز الأمن علي عالم الصحافة، ليس عملية إعتباطية! ولكنه يشكل صمام أمان لإستمرار دولة، تعمل بنهج الأسرار ودوافع الإجرام، كسمات ذهنية وسلوكية تميز الجماعة الإسلاموية، وإبنها الناكر لأصله، المؤتمر الوطني! بمعني، وبما أنها جماعة ظلامية، وتمارس أساليب قذرة في إدارة الدولة وأنشطتها! فلا فرصة أمامها للبقاء، إلا بتكميم الأفواه ومحاصرة الصحافة، والتنكيل بالصحفيين الأحرار! والتشكُل في شكل خلايا او دوائر من الأسرار، تضيق الي الداخل، بقدر ما يزداد نفوذها وسيطرتها وخطرها وفسادها! وما جهاز الأمن إلا الدائرة الخارجية او خط الدفاع الأول! وما الصحافة إلا أول خط هجوم ضده او خطر يواجهه. ولذلك يفرض عليها هذا القدر من التسلط، وصولا لتحويل بيئتها، الي بيئة طاردة للإستثمار او الولوج الي عالمها، خصوصا لأهل الهاجس الصحفي والهم الوطني الخالص.
آخر الكلام:
يمثل السيد جمال الوالي، دلالة علي تدهور الإقتصاد وسقوطه في بئر الفساد! أما التغطية علي مصادر أمواله المشبوهة! بدلالة تحاشيه الحديث عنها بصورة مباشرة وبثقة وفخر، يحكي عن كمية الجهد والمعاناة، التي بذلها في سبيل الحصول عليها! كشأن رجال المال والأعمال الوطنيين، الذين نحتوا الصخر بأظفارهم، وخاضوا المغامرات في الأصقاع النائية، وطرقوا أبواب الإستثمار غير المألوف متحدين المخاطر! حتي فُتحت لهم أبواب الأرزاق الحلال من وسع! وهم في ذلك، لا ينسون فضل الله، وفضل الظهر وفائض الأموال، الذي يوجه لخدمة الشرائح الضعيفة، في مجتمعهم. المهم، مساعدة الوالي علي التغطية والمراوغة في هذه الجزئية الحساسة، بتحاشي طرقها بإصرار الصحفي اللحوح، والضغط عليها بشدة، حتي تستبين جلية الأمر(إحتمال الأموال هبطت عليه في ليلة القدر، شدو حيلكم يا جماعة الليلة القادمة قربت، وليتحول كل شعب السودان لاولياء وطنيين كالسابقة الجمالية! غايتو يا والي تعبت معانا، كلها ليلة ونركب معاك في سرج واحد، ونزاحمك علي رئاسة النادي وعطف الأصدقاء ومدح الصحفيين! الما داير يساهر ويرث معانا، ما يجي بعدين يقول عبدالله جابه من وين! وخلو الحسادة دي، الدنيا رمضان!) لهو هزيمة لصدامية المبادرة الصحفية الجريئة، وصدمة للحس الصحفي الصادق، وإفراغ لمضمون الصحافة من محتواه، إن لم يحوُّل الصحافة نفسها لحصان طروادة، يمكن الفاسدون من السطو علي ثروات البلاد بكل أمان! ولكن المؤسف حقا، أن يضاف لذلك، التبرير للصرف البذخي علي هوامش القضايا المجتمعية( عطاء من لا يملك لمن لا يستحق! ولو أنها أكثر جلبا للاضواء كالرياضة مثلا! علما بأنني لست ضد الرياضة بالمطلق، بل كنت من عشاقها، قبل سيطرة نموذج الوالي علي عوالمها! ولكن أولوياتها يجب أن تحتل أسفل القائمة، في بلاد يكافح معظم مواطنيها بجلال، من أجل لقيمات يقمن أودهم، وجرعات دواء يذهبن مرضهم!). أما تحويله الي قدوة لرجال الأعمال، فهذا يدل علي درجة الإنحطاط المجتمعي، الذي وصلنا إليه في هذا العهد النكد! او هو يدل علي التلازم او الترابط، بين نوعية رجال الأعمال، والمجموعة المحيطة بها وتدافع عنها! أي هما وجهان لعملة واحدة، عنوانها البارز، حدوث تحول عميق وجذري، ليس في بنية الدولة السودانية فقط! ولكن قبل ذلك، في بنية المجتمع وطبيعة القيم التي تحركه او تحكمه! فاسحة المجال(للطفابيع!) لتتصدر المشهد السياسي والإقتصادي والإجتماعي والإعلامي! ولا حول ولا قوة إلا بالله. وعموما، قبول عطايا الوالي او مشاركته أي نوع من الأنشطة الإقتصادية والإستثمارية(وهو بهذا القدر من الإلتباس) لا يختلف عن نهب أموال المواطنين الفقراء بالباطل! إلا بمقدار خداع النفس وتوهم تضليل الآخرين! بل الأسوأ أنه يعني المشاركة، في قتل المرضي المعدمين وتجويع الجوعي البائسين، وتشريد الضحايا النازحين، عن ديارهم خوفا من قنابل ونيران الحكومة ومليشياتها..الخ من مآسي هذا النظام الزنيم! ولا نامت أعين الطامعين في الوالي او المتشوقين لوعد النظام الخالي! ودمتم في رعاية الله.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.