الطبيعة لا تبخل فقد أودع فيها الخالق سر العطاء والنماء مما تفيضه علي الارض من ماء دافق ينبت به الزرع والثمرات قوتا" للناس والحيوان وزينة للبصر من شجر أخضر وزهر وورد زاهي الالوان البهيجة والرائحة العطرة التي تسعد الأنوف وتطيب للشم ، وكل هذه النعم كانت مكفولة بقعة جميلة من ارض السودان هي جبال النوبة كانت التي ترقد وتصحو آمنة مطمئنة في حضن الطبيعة الرائعة يهدهدهم السلام وينام اهلها ويستيقظون يملأ جوانحهم البشر ويزين ثغورهم اسنانهم البيضاء الوضاءة علامة علي الرضا بما قسم الله لهم من حظوظ ، وعاش في قرية في تلك الجبال المزارع كوكو تية مع زوجته رضية وابنتهما الرضيعة التي انجباها بعد عدة سنوات من زواجهما واختارا لها اسم بخيتة ، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه وحال الدنيا متقلب ، فقد نما الي اسماع اهل القرية ان هناك قتال محتدم بين قوات الحكومة والثوار المنتمين للحركة الشعبية لتحرير السودان وان الحكومة استعانت بقوات من المرتزقة يسميهم الناس الجنجويد فاقوا المثل في الوحشية والهمجية ، فهم يقتلون بلا تمييز بين الرجال والاطفال والشيوخ ويغتصبون النساء وتلميذات المدارس ويحرقون البيوت ،وبينما هم يستأسدون علي المدنيين العزل الأبرياء يفرون في مواجهة قوات ثوار الحركة الشعبية مما ارغم الحكومة الي اللجوءلاستخدام الطيران في الحرب لشن غارات علي القري والاماكن الآهلة بالسكان وتدمير ما عليها من مساكن ومدارس ومستشفيات ومساجد وابادة الزرع والضرع ، وكان الأهالي يهرعون الي الكهوف (الكراكير ) للاختباء والوقاية من القنابل والبراميل المتفجرة التي ترميها الطائرات من الجو ، ومن لا يسرع في الفرار تصيبه شظايا المتفجرات التي ينفجر بعضها في الجو و تتناثر محتوياتها من قنابل صغيرة في مساحة كبيرة ، وهذا النوع من القنابل محرم دوليا" استعمالها في الحروب . وفي يوم حلقت طائرة فوق قرية كوكو وقذفت قنابل احرقت نيرانها كل ما كان علي وجه الارض من اناس وحيوان ونبات واحالت كل شئ الي رماد ، ومن نجوا من البشر فقدوا حتي الذرة التي يتقوتون بها ، واضطرهم الجوع الي اتخاذ ورق الشجر طعاما" من الادغال القريبة من القرية ، ولم يستطيعوا الذهاب الي المدينة لأن عصابات الجنجويد سدت الطرق وقتلت كل من يحاول الدخول اليها ، وأودي الجوع بحياة الاطفال والمرضي وكبار السن ، واصاب الهزال والضعف الشديد المتبقي من سكان القرية . وفي ذات يوم كانت فيه السماء صافية بعد يومين كان المطرينزل فيها مدرارا" ظهرت في الافق طائرة وصارت في دقائق فوق القرية التي أعاد من تبقي من سكانها بناء ما يقيهم من الشمس والمطر باعواد الشجر والحشائش ، وفجأة بدأت الطائرة في قذف حمولتها من القنابل وكأنها امطار منهمرة من السماء وجري الناس الي ناحية الجبل ليحتموا داخل الكهوف ، وكانت رضية ترضع ابتها الرضيعة بخيتة ، فضمتها بقوة الي صدرها وجرت نحو الجبل ولكن اصابتها شظية قنبلة في عنقها وتفجر الدم ووقعت علي الأرض ممسكة باابنتها الي صدرها بقوة وهي تجود بانفاسها مفارقة الحياة ، وفم الرضيعة متشبث بثدي امها المخضب بالدم الذي ما زال ينزف . هلال زاهر الساداتي 11 2015110