إنَّ العاشر من أكتوبر يومٌ استدار فيه الزمان كهيئته يَوْمَ كسفت شمس الحرية وجاءت فيه الإنقاذ في الثلاثين من يونيو 1989. يومٌ عاد فيه المتفاصلون يحيكون مؤامراتهم في مؤتمرهم الذي سمّوه زوراً وبهتاناً مؤتمر الوئام ، وأهل السودان يدركون تماماً أنه مؤتمر اللئام الذين فرَّقت بينهم كعكة السلطة واقتسام الغنائم زماناً ، فلما رأوْا عارض الثورة يستقبل أوديتهم ، تنادوا لإنقاذ الإنقاذ خوفاً من ريح صرصر عاتية تنزِعُهم جميعاً كأعجاز نخل مُنقعر. مازال الوهم الكبير يسيطر على الإنقاذيين أنَّ بإمكانهم اللعب في الوقت الضائع وتحقيق نصر عجزوا عن تحقيقه لأكثر من ربع قرن من الزمان ، ومازال اعتقادهم قوياً في شيخهم السامري بأن يُخرج لهم حواراً جسداً له خوار ، لذلك فصَّلوا هذا الحوار على مقاسهم وعزلوا عنه كل صوت معارض ليضمنوا أن تكون مخرجاته في صالحهم ، وتحفظ لهم قبضتهم على مفاصل الدولة لألف سنة قادمة !!! إنَّ ما قاله شيخهم السامري في جلسة الحوار الأولى عن مشاركة المعارضة ، يلخص الوضع كله : ( إن أتوا بعد ذلك أو قبله ، أو شاركوا أو لم يشاركوا سيُقضى الأمر ) وهذا لعمري منتهى الإساءة والوقاحة والبذاءة وتحقير الآخر والإستهزاء والإستخفاف به بدرجة لا يُدانيها الاَّ هجاء الشاعر لقبيلة تيم : ويُقضى الأمر حين تغيب تيمٌ ولا يُستأذنون وهم شهودُ إنَّ حوار العاشر من أكتوبر لا يهمنا ولا يعنينا في شيئ ، وسيظل ما يُطرح فيه من قضايا شأناً إنقاذياً خالصاً وجدلاً عقيماً بين لئام الإنقاذ يأكل بعضهم بعضاً ، فالحمد لله الذي جاء بهم لفيفاً لتتمايز الصفوف وليستبين أهل السودان معسكر الحرب ومعسكر السلام ، وعلى الرئيس أن يكون على قدر كلامه الذي قال فيه ( من يرفض الحوار فقد أذنَّا بالحرب عليه ) ، فعليه أن يستعد لحرب ضد شعبه كله ، وأن يتحمل نتائج تلك الحرب التي بدأ أركان حزبه مثل ابراهيم محمود وغيره يضربون طبولها ويعزفون ألحانها الجنائزية !!! شعبنا يجب أن يكون مهموماً بأكتوبر رائد الثورات ، احتفاءاً بمقدمه عقب سبتمبر المُضرَّج بدماء الشهداء ، واستلهاماً لدروسه وعبره ، واستشرافاً لمستقبل واعد لأُمَّة رحمها ولودٌ وقادر أن ينجب اثنا عشر ثورة تُزيِّن صدر الزمان على مدى اثنى عشر شهراً هي عدة الشهور عند الله . شعبنا يجب أن ينخرط خلال هذا الشهر العظيم مشاركاً من خلال كل قواه الحية في ورش العمل التي تعقدها الأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني لإعداد خارطة طريق لمشروع النظام والسياسات البديلة التي ستخرج أمتنا من سنوات التيه والضياع في صحراء الإنقاذ المجدبة . شعبنا يجب أن يدرك أن إعداد السياسات البديلة هي ضمانة أساسية لعدم انتكاس ثورته القادمة ، وتحصين لها ضد قوى الشر والبغي الإنتهازية التي تركب موجة كل ثورة ، وتفرغها من مضامينها ، وتجيِّرها لصالحها . شعبنا يجب أن يكون خلال هذا الشهر العظيم أكثر احتفاءاً بأكتوبر بالخروج في مظاهرات هادرة تحيي ذكراه ، وتهتف بأسماء شهدائه ، وتتمسك بشعاراته : ( قسماً قسماً يا أكتوبر نحمي شعارك ، نجني ثمارك ، ونرفع راية الثورة الغالية عالية ترفرف فوق السارية ، عليها شعار الثورة الأكبر ، ولسع بنقسم يا أكتوبر لما يطل بفجرنا ظالم ، نحمي شعار الثورة نقاوم ، نبقى صفوف تتحدى وتهتف لما يعود الفجر الحالم يا أكتوبر ) إنَّ أكتوبر ليس شهراً عادياً في تاريخ أمتنا ندعه يمر كغيره من الشهور ، وندع الآخرين يلوثون اسمه بما يعقدون فيه من حوار عقيم ، كما حاولوا من قبل تلويث اسم أبريل بانتخاباتهم المزيفة فتمّ تلقينهم درساً بلغياً . ( كان أكتوبر في أُمتنا منذ الأزل ، كان أسياف العشر ، وكان مع ألمك النمر ، وكان مع الماظ البطل ) ، أكتوبر شهر نحبه ويحبنا ، صاغ وجدان أمتنا ، وتردد اسمه في ملاحم شعرية رائعة كُتبت بدم الثوار : ( من دم القرشي وأخوانه في الجامعة أرضنا مروية ) ( وكان في الخطوة بنلقى شهيد بدمه بيرسم فجر العيد ) ( وسال الدم بأرض الوادي ) … علينا أن نحيي ذكرى أكتوبر بالإستماع الي هذه الملاحم والأناشيد البطولية التي توقف بثها من الإذاعة والتلفزيون لقتل روح الحماس في شعبنا وفصله عن ماضيه الثوري المجيد ، ولأن هذه الملاحم تثير الرعب في قلوب الديكتاتوريين وأجهزتهم القمعية … علينا أن ننشر هذه الملاحم والأناشيد الوطنية خلال هذا الشهر العظيم على أوسع نطاق بين الناس ، في وسائل المواصلات ، وفي أجهزة الهواتف المحمولة ، وداخل المقاهي والمطاعم والكافيتريات ، وعلى أرصفة الشوارع . شعبنا يجب أن يشارك خلال هذا الشهر العظيم في الندوات والليالي السياسية التي ستعقدها قوى المعارضة ، وأن يتجاهل تماماً قرارات الأجهزة الأمنية التي تصدر بمنع هذه التجمعات احتفاءاً بأكتوبر . إنَّ تدفق الجماهير بكثافة ومن كل الإتجاهات الي ميدان الأهلية والميادين الأخرى ، ومواقع التجمعات التي تعقد فيها هذه الندوات والليالي السياسية ، ستجعل مهمة أجهزة الأمن عسيرة في منع الجماهير من الوصول الي هذه المواقع . الإحتفاء بأكتوبر هذا العام يجب أن يكون صاخباً ومختلفاً عن كل الأعوام التي مضت ، ويجب أن يكون حداً فاصلاً بين الذي مضى وما سيكون ، ويجب أن نتعاهد فيه أن لا يعود أكتوبر القادم ونحن في هذا الذل والهوان يتسلط علينا ديكتاتور فاسد . اسمك الظافر ينمو في ضمير الشعب إيماناً وبشرى وعلى الغابة والصحراء يلتف وشاحا وبأيدينا توهجت ضياءاً وسلاحا وتسلحنا بأكتوبر لن نرجع شبرا سندق الصخر حتى يخرج الصخر لنا زرعاً وخضرة و نرود المجد حتى يحفظ الدهر لنا اسماً وذكرا باسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغني الحقول اشتعلت قمحاً ووعداً وتمني والكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي باسمك الشعب انتصر حائط السجن انكسر والقيود انسدلت جدلة عرس في الأيادي Mahdi Zain