كامل إدريس ابن المنظمات الدولية لايريد أن تتلطخ أطراف بدلته الأنيقة بطين قواعد الإسلاميين    البروفيسور الهادي آدم يتفقد مباني جامعة النيلين    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    ترامب: "نعرف بالتحديد" أين يختبئ خامنئي لكن لن "نقضي عليه" في الوقت الحالي    إنشاء حساب واتساب بدون فيسبوك أو انستجرام.. خطوات    عودة الحياة لاستاد عطبرة    عَوض (طَارَة) قَبل أن يَصبح الاسم واقِعا    السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تظهر بدون "مكياج" وتغمز بعينها في مقطع طريف مع عازفها "كريستوفر" داخل أستوديو بالقاهرة    شاهد بالصورة والفيديو.. تيكتوكر سودانية تثير ضجة غير مسبوقة: (بحب الأولاد الطاعمين "الحلوات" وخوتهم أفضل من خوة النسوان)    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد بالفيديو.. (يووووه ايه ده) فنان سوداني ينفعل غضباً بسبب تصرف إدارة صالة أفراح بقطر ويوقف الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    "الجيش السوداني يصد هجومًا لمتمردي الحركة الشعبية في الدشول ويستولي على أسلحة ودبابات"    يبدو كالوحش.. أرنولد يبهر الجميع في ريال مدريد    غوغل تطلب من ملياري مستخدم تغيير كلمة مرور جيميل الآن    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    وجوه جديدة..تسريبات عن التشكيل الوزاري الجديد في الحكومة السودانية    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يساريو الحركة الإسلامية إلي أين ( 2-2)
نشر في حريات يوم 08 - 11 - 2015


زين العابدين صالح عبد الرحمن
يقول الدكتور برهان غليون في حوار معه في مجلة "المنطلق" للبنانية ( المثقف ضعيف جدا فيما يتعلق بالقدرة علي التغيير المباشر، و لكنه قوى فقط فيما يتعلق بإثارة المشكلة، و إذا شئنا بإعادة بناء الوعي بالمشكلات، فإذا لم ينشأ عن نقد المثقف للأوضاع تيار سياسي منظم قادر علي التغيير، لا يحصل التغيير. الفكر هو وسيلة للوعي و عنصر واحد فقط من عناصر الممارسة، ينبغي أن تكتمل الممارسة بإيجاد قوي منظمة قادرة علي التغيير) و المحبوب عبد السلام أراد أن يكون في جانب يسار الحركة الإسلامية من خلال إثارة المشكلات، دون أن يخوض في العملية الفكرية بعمق، و منتجا للأفكار، لكنه فضل الاستهلاك الفكري بعيدا عن استخدامه لتغيير الوعي، لأنه يريد أن يكون شبيها بالدكتور الترابي، و هي حالة من حالات التخزين المستمر في ألاشعور من جانب الحوار للشيخ. و في الحوار الذي أجراه علاء الدين محمود مع المحبوب عبد السلام في 5 أغسطس 2014 قال المحبوب عبد السلام ( تناولت ما أسميته عقلية و روح الفكي و الحيران، التي سادت حياة الحزب الداخلية، التي ساد فيها قمع العضوية و مصادرة و تحنط عقول العضوية و لكي تكف عن التفكير، و تنتظر رأى الحزب في كل المسائل. حقها في الإدلاء برأيها، و الرضا بدور المتلقي) هذه الإشارة النقدية كان علي المحبوب الاستمرار فيها، فعضوية الحركة الإسلامية دون استثناء كانت تمارس دور المتلقين، في فعل مقصود لتعطيل العقل، لكي تنال رضي الشيخ، هذه الحالة أدت لغياب العقل داخل الحزب، جعلت البعض يهرب لإثارة قضايا جدلية مع القوي الأخرى، تعويضا للغائب في التنظيم، الغياب الفكري هو الذي عجل بهزيمة التنظيم أمام التحديات، لآن التكوين و التحصيل المعرفي كان ضعيفا عن الأغلبية، الأمر الذي جعل الشيخ يكون سيوبر، و يخلق رقابة ذاتية عند العضو يمنعه في أن يجادل فوق قول الشيخ.
فالجانب الفكري الذي كان سائدا خارج دائرة التنظيم، يقوم علي ثقافة القائمين عليه، أي كان يعتمد علي ثقافة و معرفة بعض طلاب الحركة الإسلامية، الذين كانوا يهتمون بعملية الإطلاع علي تيارات الفكر الآخر، لذلك كانت محدودة لم تشكل تيارا مميزا داخل الحركة إسلامية تجعلها تؤسس لقضية الحرية و الديمقراطية، و في ذات الوقت تثير جدلا فكريا داخل التنظيم يزيد مقدار الوعي عن العضوية، و تغير من البناء التقليدي القائم علي الزعيم و الشيخ إلي المؤسسية. و في الحوار الذي أجري مع التجاني عبد القادر في قناة الشروق يقول ( أن الجانب الذي كان يستهوينا في الحركة الإسلامية هو الجانب الفكري كطلاب، و كنا نعتقد أن التحدي الأساسي هو تحد فكري في مناهضة التيارات اليسارية أنذاك، و التيار الشيوعي كان له غلبة شديدة وسط المثقفين، لذلك كان الاشتغال بالقضية الفكرية و الفلسفة كبير جدا و طاغيا علي ما عداه من الانشغالات) ثم يضيف في ذات اللقاء ( أنا لا أنكر، أن ما كان يتوقع من عطاء فكري للحركة الإسلامية أكبر مما هو موجود، و هذا قصور كبير ينبغي للحركة الإسلامية أن تتفاداه، إذا كان للحركة الإسلامية وجود، و أنا اعتقد أن مما يضعف عطاء الحركة الإسلامية هو ضعفها في المجال الفكري و ليس في المجالات الأخرى) فالتيار الذي يسمي نفسه تيارا يسار في الحركة الإسلامية، كان تيارا مستهلكا للفكر، و ليس تيارا ناقدا يؤسس لذاته ثقافيا و فكريا و معرفيا داخل الحركة الإسلامية، و الذين كانوا ضمن هذا التيار و ظلوا داخل مؤسسات الدولة، لعبوا دورا كبيرا في عملية تزيف الوعي حيث أصبحوا رواد للمنهج التبريري، و الذين كانوا علي قناعة الإصلاح أطروحاتهم جعلتهم خارج دائرة التنظيم، و أصبحوا مثل المفكر اللبناني مهدي عامل يمارسون نقد جدل اليوم.
و رغم إن الاشتغال بالفكر يحتاج لمساحة واسعة من الحرية، تساعدهم في عملية البحث و ممارسة المنهج النقدي، لكن هؤلاء عجزوا أن يمارسوا النقد عندما استلمت الحركة السلطة، و تحولت إلي دولة ديكتاتورية، و تحولوا إلي أدوات لحماية الدولة الوليدة، و ذهب الشيخ للغرب يبشر بالدولة، و يقدم محاضرات يبرر فيها غياب الديمقراطية، و في أوائل التسعينات ذهب الدكتور حسن الترابي مؤسس دولة الإنقاذ الإسلامية في السودان، لكي يسوق رؤيتها في الحكم لدي الغرب و واشنطن، و قال في ندوة "الطاولة المستديرة" " كتاب الإسلام الديمقراطية- الدولة = الغرب" يقول الترابي ( مشكلتنا في السودان أننا لم نطور يوما نموذجا يصلح لأن نأتم به، كانت السياسة محكومة بالإستقطابات التقليدية فتراها تقتصر علي حشد الناس تأييدا لهذا الفريق أو ذلك دونما اعتبار للانتماءات السياسية الفردية و من هنا يتأتي في اعتقادي رفض الناس للتعددية الحزبية، فهم يعرفون عن خبرة أن التعددية الحزبية لن تجري في مجري ديمقراطي، بل إنها ستحيل عاجلا أو أجلا إلي الاستقطابات التقليدية العائلية الموروثة أو ستكني عن تلك الاستقطابات ليس إلا) هذا هروب من قضية الديمقراطية، و الدكتور الترابي يحاول تغبيش الوعي، و أنه لا يتحدث عن قضية الديمقراطية بشكل واضح، و يعطي رئيا صريحا إنما يحاول العب بالكلمات، و هذا هو الذي جعله يطلق مصطلحات متعددة دون الحديث مباشرة عن النظام الديمقراطي، لذلك يحاول أن ينقد نظام الحكم الديمقرطي تبريرا لقيام النظام الشمولي في السودان، و يقول الدكتور الترابي في كتابه " السياسة و الحكم" ( الموالاة في حزب ينبغي ألا تتصلب و تتعصب مضارة للأحزاب الأخرى مطلقة و استمساكا برأي الحزب في وجه كل مناظرة ظالما بدا خطؤه أو مظلوما بدأ صوابه في وجه جهالة المنافس. الخير أن يكون الحزب منفتح الصلة بكل الأحزاب، لا ينقطع الحوار دعوة حتى و لو كان الآخر علي قطب طرف. فربما تتآلف الرؤى بين كل المتوالين، و يتحدون جبهة أو قياما مؤتلفا علي السلطة، و ربما يتلاطف الخلاف بدحض الريب و سوء الظنون و ضآلة الجدال حمية) هذا حديث أخر يتحدث عن العلاقات الحزبية في نظام تعددي، أنتج بعد خروج الشيخ من السلطة، و رغم ذلك يجادل المحبوب عبد السلام إنه كان قريبا فكريا من الدكتور الترابي، و ليس سياسيا، الأمر الذي يجعله لا يتحدث بصورة مباشرة عن قضية الديمقراطية، و لكن الدكتور التجاني عبد القادر يتحدث بصراحة في لقاء قناة الشرق حيث يقول (كنا نعبر عن قضية الحرية و العدل و الديمقراطية حينما كنا في المعارضة سنوات طويلة، كنا نتحدث عن الحريات و العدالة و طيلة فترة نميري، كان هذا هو الشعار، لكن بكل أسف في المراحل اللاحقة، تحولنا من المعارضة إلي مرحلة الحكم، توارت هذه الشعارات، و ضعفت بعض الشيء، و طغت قضايا أخرى و هذه واحدة من سلبيات الحركة الإسلامية ليس هناك اتساق بين مرحلة المعارضة و مرحلة الدولة) هذا التناقض للحركة الإسلامية أن يكون لها شعارات في فترة المعارضة تنادي فيها بالحرية و الديمقراطية، و عندما تقبض علي مفاصل الدولة ترمي بشعاراتها، و تأتي بشعارات أخرى، تؤيد دولة الحزب الواحد، و تمارس كل انتهاكات حقوق الإنسان، و تقلص مساحات الحرية، بدعوة إنها تحمي دولتها.
في ذات اللقاء الصحافي مع المحبوب عبد السلام الذي أجراه علاء الدين محمود يقول ( نحن عام 1996 داخل الإنقاذ بدأنا نتحدث عن ضرورة بسط الحريات، و كنا نعتبر انتلجينسيا و الانتلجينسيا مضطهدة شيئا ما، داخل الحركة الإسلامية فقد كانوا يطلقون عليهم عبارات مثل منظراتية و المفكراتية) من الذين كانوا يطلقون هذه المصطلحات، هم حيران الشيخ، الذين عطلوا عقلهم كما ذكر المحبوب من قبل، و كيف لا إذا كان من يعتقدون إنهم يمثلون الجانب الفكري في الحركة عطلوا عقلهم ست سنوات ثم بعد ذلك استشعروا ضرورة الحرية، دون الحديث عن الديمقراطية، التي تمثل كعب أخيل في فكر الإسلاميين، رغم إن المسألة تحدث عنها الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية عام 1986 في محاضرة في الخرطوم عقب الانتفاضة، و أكد علي القوي الإسلامية يجب أن تكون دائما منحازة لقضية الحريات و الديمقراطية. و قال في الكلمة التي كان قد ألقاها في مركز كارنجي للدراسات في واشنطن ( تونس اليوم تقول للعالم و أصدقاء الحرية، أنه لا تعارض بين الإسلام و الديمقراطية و أن الإسلاميين يقفون في مقدمة المدافعة عن حق الاختلاف و التنوع الثقافي و التعددية السياسية و حرية الضمير و حقوق المرأة، و كل القيم الكونية التي تؤسس مجتمع الحرية و العدالة و التنمية) و قال في لقاء تلفزيوني ( إن الإسلاميين لم يجدوا الحرية و الديمقراطية في بلادهم و وجدوها في الغرب لذلك هاجروا إلي هناك استزادوا بالحرية و الديمقراطية و نشروا دينهم، رغم إن بلادهم التي ترفع شعار الشريعة غابت فيها الحرية و احترام حقوق الإنسان) و في مقال بعنوان "الإسلاميون و الديمقراطية" كتب راشد الغنوشي ( إذا قصدنا بالديمقراطية نظام الحكم المستند للإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال انتخابات حرة نزيهة يتساوي في حق المشاركة فيها كل المواطنين علي قدم المساواة ناخبين و منتخبين ضمن ترتيبات يتفقون عليها، حيث تتوفر للجميع علي قدم المساواة الحريات و الحقوق الأساسية في الاعتقاد و التعبير، و تكوين الجمعيات، و التأثير في الرأي العام، و حيث يكون القضاء نزيها مستقلا، و التداول علي مراكز السلطة الأساسية متاحا ضمن ترتيبات يتفق عليها بحرية) إن راشد الغنوشي ظل ثابتا علي رؤيته في قضية الديمقراطية منذ محاضرته في الخرطوم حتى الثورات العربية، دون أن يحدث فيها أية من التعديلات عقب سقوط نظام زين العابدين بن علي، عكس الدكتور الترابي الذي حاول أن يدين النظام الديمقراطي إن كان في الغرب أو النظام الذي ظل مهددا من القوي الأيديولوجية و المؤسسة العسكرية. أن لم يكن راشد الغنوشي هو الوحيد الذي تحدث بصراحة عن ضرورة الحرية و النظام الديمقراطي، هناك أيضا من رفض النظام الدكتاتوري، و أكد علي مبدئية الشورى، منهم الفقيه اللبناني محمد المهدي شمس الدين حيث قال في حوار في مجلة الحوار ( إذا ما أردنا أن ننتج دولة علي غرار تلك الدول – شمولية بالمصطلح الحديث، أو دولة سلطانية بالمصطلح التاريخي، أنا كفقيه مسلم و إسلامي، لا أوافق أبدا علي إقامة دولة من هذا القبيل، و لا أراها إسلامية و أفضل عليها أية صيغة تتم برضي الناس و اختيارهم) و كان علي المحبوب عبد السلام بدلا عن الوصف و التبرير عن المواقف السابقة، إن يميل إلي تقديم معالجات فكرية لقضايا ما تزال تشكل أكبر عقبة في مسيرة السودان كدولة، في إن تكون أو لا تكون، في ظل حالة التداعيات الإسلامية المرتبطة بالقمع و الفشل، إن يبتعد تماما عن المنهج التبريري و يتبني المنهج النقدي بهدف تغير الوعي الجماهيري، مثل ما بدأ الدكتور غازي صلاح الدين أن يقدم رؤيته بصورة واضحة ليس فيها لبس، يقول الدكتور غازي صلاح الدين في ندوة في مركز الحوار و التواصل الحضاري بالتعاون مع صحيفة الانتباهة في يناير 2012 بعنوان الإسلاميون و الغرب، يقول ( الضمانة الأقوى لبقاء المد الإسلامي، هو أن يرسخ الإسلاميون أنفسهم بالتعاون مع الآخرين، نظاما ديمقراطيا يؤمن بالحرية للناس كلهم، و يقيم العدل، و يفتح أبواب الخيارات واسعة لكل صاحب فكرة أو مبادرة أو إبداع. فهل سيعي الإسلاميون دروس التاريخ؟ أم أن دورتهم في قيادة شعوبهم ستكون تكرارا لمسالك الإخفاق التي سلكها كثيرون قبلهم؟ من حسن حظهم أنهم اليوم يمتلكون تحديد الإجابة، و سيأتي يوم لا يمتلكون فيه تحديد الإجابة) هذا تحول يختلف عن المحاضرة التي كان قد قدمها الدكتور غازي صلاح الدين عام 1997 في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة، حيث كان يجادل إن الديمقراطية يمكن أن تختلف من مكان إلي أخر، و أن ديمقراطية وستمنستر قد فشلت في السودان، و علينا البحث عن تصورات أخرى، حالة من الهروب تحذو حذو الشيخ في ندوة أوروبا، حيث انتقدا الديمقراطية و لم يقدما بديلا لها، لأنها كانت حالة هروب، و تأييدا لدولة الحزب الواحد التي شيدوها، و لكن بعد أن أطلقت دعوة الإصلاح داخل الحزب الحاكم تغير وجهت الدكتور غازي و تصالح مع الذات، الأمر الذي جعله يتحدث عن الحرية و الديمقراطية بصورة مباشرة، و علي الذين يمثلون جانب اليسار في المرجعية الإسلامية و لا أقول الحركة الإسلامية، أن يدخلوا في حوار فكري حول قضية الحرية و الديمقراطية، لأن ما يقدموه الآن مشوه و غير و فيه شيئا من المراوغة، لآن البعض ما يزال يتأرجح بين أن يكون مفكرا و بين أن يرجع لبقي حوارا.
إن عدم الوضوح الفكري في الحركة الإسلامية حول قضية الحرية و الديمقراطية، أدت لتشويش في عقلية أعضائها الذين يحاولون أن يقدموا اجتهادات خارج دائرة المؤسسية، الأمر الذي أدي لخطابات سياسية متعددة لم تأخذ بعدها الفكر، و هذا يعد تزيفا في الوعي لأنه يجعل موقفهم بين منزلتين، ضرورة المحافظة علي دولتهم من جهة رغم حالة الفشل التي تعيشها، و في نفس الوقت يريدون تبني رؤية جديدة تتناقض في موجهات مع الدولة الشمولية، و تخلق أزمة في العقل المفكر. يقول الدكتور نبيل عبد الفتاح في كتابه " عقل الأزمة" ( إن أخطر ما في العقل السياسي التسلطي إنه يزرع اليأس في وسط أوسع القطاعات الاجتماعية، و عندما يزدهر اليأس و أللامبالاة الجماعية بالسياسة و الفعل الاجتماعي، يتواري العقل الناقد رمز الوجود الإنساني و السياسي الحي، وراء ضجيج الغوغائية السياسية و المهنية و الاجتماعية، التي تحركها الجاهلية السياسية، و الشهوات التسلطية و القمعية في الحكم، أو في المعارضة أو ساحة العمل المدني) و هي الحالة التي تعيشها الحركة الإسلامية، و إن الذين يشتغلون بالعقل أصبحوا خارج دائرة الأطر التنظيمية للحركة، و أصبحوا يقدموا اجتهاداتهم الفكرية من ذات المرجعية، و لكنها محسوبة علي ذواتهم الخاصة، و ليس علي المؤسسة التي كانوا فيها سابقا، و لكن الذين ظلوا في السلطة عطلوا العقل، و أصبحوا دعاة للمنهج التبريري، هذا يؤكد قول الكاتب أحمد حيدر الذي يقول ( النخبة الحقيقية قد تكون مكبوتة و محرومة من حق الكلام، و تحتل مكانها نخبة زائفة تصنعها السلطة، فالنخبة لا تمثل المجتمع دوما و لكنها في كثير من الحالات تمثل مصالح السلطة المتناقضة مع مصلحة المجتمع، و عند ذلك تنفجر طاقة الجماهير ضد المجتمع ذاته) إن الإنقاذ كشفت الضعف الفكري في الحركة الإسلامية، و كشفت مساحات الحرية و الممارسة الديمقراطية، لذلك هزمت الحركة أمام مشكلاتها و التحديات التي تواجهها، و حتى إن التربية الإسلامية كشفت بعدها حالة الفساد التي عملت مؤسسات الدولة التي يديرونها، و لكنها أيضا لها إيجابياتها، إنها خلقت حالة من التمرد علي ثقافتها التي كانت سائدة، و أصبح هناك تيارا قويا ينادي بالمراجعات الفكرية، و ليس لعودة الحركة مرة أخرى للوجود و لكن إذا كانت هناك محاولة لبناء حركة إسلامية سوف تكون خلافا علي التي كان معروفة تاريخيا، مع التقدير للأخوة الذين وردت أسمائهم و احترامي دون حدود لرؤيتهم، و نسأل الله لنا جمعيا حسن البصيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.