مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(حريات) تنشر محاضرة المهدي الأخيرة بالقاهرة : (حقوق الإنسان الإسلامية والعالمية مقارنة ومقاربة)
نشر في حريات يوم 31 - 12 - 2015


بسم الله الرحمن الرحيم
المحاضرة التي ألقاها الإمام الصادق المهدي الأحد الماضي بالعاصمة المصرية القاهرة ب (مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي) تحت عنوان : (حقوق الإنسان الإسلامية والعالمية مقارنة ومقاربة)
الحقيقة هي أن الإنسان قد سبق وجوده الديانة والفلسفة، وهذا يجد من النص القرآني سنداً: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا) .
الوجود الإنساني هذا فيه عشر خصال هي: الكرامة، حرية الاختيار، العقل، العاطفة، الضمير، التطلع للمعرفة، إن وحدته الأولى زوج، وإن قامته مستقيمة، وأن يديه حرتان للحركة، وكفيه حريفان، وأنه ينزع للتغلب بالقوة.
هذه الصورة الفطرية للإنسان تفسر ماهية حقوقه.
نزعة التغلب باسم ديانات وفلسفات جعلت كثيرين يهدرون بعض تلك الحقوق الفطرية.
اليهودية تنتمي للإبراهيمية عبر يعقوب أي إسرائيل، وهو حفيد إبراهيم عليه السلام. ولكن اليهودية أحدثت في ملة إبراهيم ثلاثة أمور هي: أن بني إسرائيل مهما عملوا فهم شعب الله المختار. وقالوا بالعنصرية الإثنية المنسوبة لأبناء نوح عليه السلام. وقالوا باستعلاء ذكوري عقاباً لحواء على إخراجها آدم من الجنة.
والمسيحية كما قال السيد المسيح عليه السلام جاءت لإصلاح اليهودية ولكن كما بينها قادتها تجاوزت الميزان في أربعة أمور هي: إلزام البشرية بالخطيئة الأولى. وبأن من لا يؤمن بفداء السيد المسيح للبشرية لا حظ له في النجاة. وثالثاً: إعطاء الكنيسة وهي مؤسسة بشرية حقاً ثيوقراطياً منحه الباباوات للملوك. والتثليث اللهم إلا إذا اعتبرت الثلاثة أقانيم لا ذوات.
الحقيقة أنه لم يعد هنالك شأن من شؤون الإنسان لم يدرس وتبرم بشأنه اتفاقيات ومعاهدات.
منظومة حقوق الإنسان هذه التي أبرمت بمبادرات دولية تقدمت بها الدول الغربية صارت تحت مظلة الأمم المتحدة منظومة حقوق إنسان دولية والالتزام بها. مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يرصد موقف حقوق الإنسان في الدول ويراقبها بلا مساءلة. وهنالك مساءلة قضائية إقليمية كما في المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. وفيما بعد كونت المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الإبادة الجماعية، والحرب ضد الإنسانية، وجرائم الحرب.
الأمر الثاني: تحفظ بعض الدول الخاضعة للحكم الأوتوقراطي لا سيما في العالم الإسلامي على كثير من بنود معاهدات حقوق الإنسان بحجة أنها مفاهيم غربية وبالتالي فهي تمثل غزواً فكرياً وثقافياً لبلداننا. لذلك هم يرفضونها ويحتجون بالخصوصية الدينية والخصوصية الثقافية.
في دراسة نشرتها في نوفمبر 1998م أوضحت بالتفصيل أنه لا يوجد تناقض بين مبادئ وأحكام الإسلام والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948م، ولكن الدول الأوتوقراطية تعترض على عشرة بنود في الإعلان تتعارض مع النظم الدكتاتورية. مثلاً البند (9) من الميثاق يقول: لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفياً. بنود أخرى تنص على حرية التعبير، والتنظيم، والتنقل وغيرها من الحريات العامة. يمكن الرجوع لتلك الدراسة لبيان عدم وجود التناقض المزعوم. وفي كتابي عن حقوق المرأة الطبعة الثالثة الصادرة في عام 2010م تطرقت للتحفظات المثارة ضد معاهدة إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، ووجدت أن دولاً إسلامية تتحفظ على ستة بنود مثلاً المادة "2" التي تنص على أن الدستور لا يميز بين البشر والمادة "7" التي تنص على إلزام الدستور إزالة التمييزات وهكذا المواد المتحفظ عليها الأخرى: الأرقام 9، و15، و16، و29. وأوضحت أن هذه البنود لا تتناقض مع مبادئ وأحكام الإسلام.
الفريق الآخر غير الحكام الطغاة الذين يعترضون على معاهدات منظومة حقوق الإنسان العالمية هم فقهاء يتبعون فهماً للقرآن خالياً من التدبر، وفهماً للسنة النوبية غير معنية بصحة متنها بالقياس لنصوص القرآن، وبالقياس لمقاصد الشريعة، واتباعاً لاجتهادات فقهية متبعة للفقه الصوري الذي لا يراعي كما يجب العقل، والمصلحة، والواقع، ومقاصد الشريعة. هؤلاء يأتون بالحجج ضد كثير من المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
المدهش أن هؤلاء الحكام وهؤلاء الفقهاء مع تحفظاتهم على كثير من مواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان باعتبارها غزواً فكرياً وثقافياً وغربياً لا يستحون من الاعتماد على وسائل الحياة المنعمة الغربية، ولا على ما يشترون من أسلحة، ولا على اعتمادهم أمنياً على غيرهم.. لماذا تسمح الخصوصية الثقافية والدينية بهذه الممارسات وتكون عائقاً لاستصحاب منظومة حقوق الإنسان؟
والأهم من هذه الحجة لا أجد في منظومة حقوق الإنسان الحديثة حقاً لم يرد فيه نص من نصوص الوحي الإسلامي. الاستثناء الوحيد هو تلك النصوص الحديثة التي تتناقض مع الفطرة كحقوق المثليين في المجاهرة والزواج.
أما بالنسبة لنا ففي نصوص الوحي الإسلامي منذ 14 قرناً بيان واضح لحقوق الإنسان ولكن بسبب الركود الفكري، وتغييب العقل البرهاني، وتحكم الفقه الصوري، وطغيان الاستبداد والسياسي القائم على التغلب لا الشورى ولا الحرية ولا العدالة فإن حقوق الإنسان صودرت فصرنا كمن بدأ ببداية حسنة وتدهور إلى حالة سيئة.
ولكي نثبت التوافق الجوهري بين منظومة حقوق الإنسان العالمية وأسس حقوق الإنسان في الإسلام نبدأ بتشخيص حقوق الإنسان:
أقول: حقوق الإنسان الحديث التي أهتدت إليها التجربة الإنسانية متفرعة من ستة أصول خمسة أصول في الظروف العادية وأصل في الظروف الاستثنائية ظروف الحرب.
مبادئ حقوق الإنسان الخمسة هي الكرامة، والعدالة، والحرية، والمساواة، والسلام.
كل نصوص حقوق الإنسان العالمية متفرعة من هذه الأصول.
هذه المبادئ منصوص عليها بوضوح في قطعيات الوحي الإسلامي.
وبالنسبة للظروف الاستثنائية وحقوق الإنسان أثناء الحروب قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم موجهاً الصحابة: "انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ ، وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ، لا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا ، وَلا طِفْلا ، وَلا صَغِيرًا ، وَلا امْرَأَةً ، وَلا تَغُلُّوا ، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ ، وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" . وقال: "اسْتَوْصُوا بِالأُسَارَى خَيْرًا" .
وفيما يتعلق بسلامة البيئة الطبيعية فهي كلها مستحقة الحماية إلا في حدود الانتفاع. قال تعالى معلناً حرمة الطبيعة: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) . والحيوانات ليست مخلوقات مستباحة بل هم أمم أمثالكم.
الرفق بالحيوان واجب ديني: "مَا مِنْ إِنْسَانٍ يَقْتُلُ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلَّا سَأَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ومقولة: " في كل ذي كبد رطب أجر".
والنباتات كذلك محمية قال النبي صلى الله عليه وسلم:" مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ" . وهلم جراً. في الحرص على سلامة البيئة الطبيعة .
العامل الأول: هو الاعتماد في الفقه على المنطق الصوري الذي يقوم على القياس والإجماع ما أوصل الأمر لمقولة جوهرة التوحيد:
ومالك وسائر الأئمة وأبو القاسم هداة الأمة
فواجب تقليد حبر منهم كذا قضى القوم بقول يفهم
العامل الثاني: هو الجمود الفكري الذي ربط الفكر بالنقليات على حد قولهم:
العلمُ ما قد كانَ فيه حدثنا وَمَا سِوى ذَاكَ وَسْوَاسُ الشَّيَاطِينِ
توجه أودى بقيمة العقل البرهاني على حد قوله: من تمنطق تزندق. وقالوا عن الفلسفة:
لا خير ما في الفل أوله وآخره سفه!
الثبات مشروع في الثوابت وهي: التوحيد، والنبوة، والمعاد، والأركان الخمسة.
أما عالم الشهادة فهو يقوم على حقائق هي سنن النفس، والمجتمع، والطبيعة كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ) . ما يوجب علينا دراسة ومعرفة علم النفس وعلم المجتمع، وعلم الإنسان، وعلم الآثار، وعلم الاقتصاد، وعلم السياسة، وعلوم الطبيعة، وعلم الفضاء، بل كل ما في عالم الشهادة ندرسه ونكتشف قوانينه، وهي سنن الله.
الإنسان مستخلف في كل ما تطوله قدراته. إن الله يدير الكون كزمولوجيا، أما فيما تدركه معارف الإنسان فالإنسان مستخلف، ومكلف، ومساءل.
المنكفئون ظنوا أن الله يدير المجتمع كما يدير الكون. هذا إذا حصل يجرد الإنسان من حرية الاختيار، ومن التكليف، وبالتالي من الحساب.
هذا الفهم المنكفئ يجعل علوم عالم الشهادة كعلوم ثوابت العقائد والشعائر، ثابتة، ما يمنع حركة المجتمع، ويمنع استيعاب المستجدات.
بعض المفكرين سلموا بأن هذا هو الفهم الصحيح للدين، لذلك قرروا أن هذا الدين يمنع التطور، ويقف ضد سنن الحياة، لذلك جاءوا بنظريات للتحرير من ذلك الجمود أهمها:
وهكذا.. نظريات متعددة ولكن جوهر معناها التخلي عن الغيب، واعتبار الدين نفسه منشط ناسوتي، والإنسان هو المسؤول عن كل شؤونه ومصيره.
قال ابن مسعود: "إن للشيطان للإنسان نزغتان لا يبالي بأيهما ظفر: الإفراط والتفريط".
المنكفئون وقعوا في نزغة الإفراط. والمستلبون وقعوا في نزغة التفريط.
حبس الدين في ثقافة الماضي باطل.
قال ابن عابدين الفقيه الحنفي: "كثير من الأحكام يختلف باختلاف الزمان لتغير أهله، أو لحدوث ضرورة، أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقى الحكم على ما كان عليه لزم منه المشقة والضرر بالناس. ما يخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف ورفع الضرر". وقال ابن عقيل الفقيه الحنبلي: "السياسة ما كان فعلاً يكون الناس معه أقرب للصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي". وقال الشاطبي بعقلانية مطالب الإسلام. وقال الغزالي بحجية الواقع. وقال الطوفي بحجية المصلحة.
ومثلما نصنف المنكفئين مُفْرِطِين نصنف المستلبين مُفَرِّطِين:
المجتمعات التي نصت على طرد الدين من الحياة العامة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عادت للدين، بحيث شهدت الأصولية الدينية في كل الأديان صحوة في الثلث الأخير من القرن العشرين وحتى يومنا هذا. وحتى في المجتمعات التي تخلت في الغالب عن الإيمان بالله، كما في دول شمال أوربا – مثلاً- النرويج، فإن الفراغ الروحي ملأته اعتقادات عن أرواح وأشباح تعلق بقدراتها كثيرون كما روت صحيفة نيويورك تايمز العالمية في عدد يوم 26/10/2015م.
هنالك أسباب تجعل للدين وظيفة لا غنى عنها في نفس الإنسان وفي حياته هي:
– كيفية الوجود من العدم.
– نشأة الحياة من الجماد.
– نشأة الإنسان في الحياة.
– ما هية مصير الكون.
وطرد الدين من الحياة يأتي بنتائج عكسية كما حدث في تجربة الاتحاد السوفيتي، وفي تجربة تركيا الكمالية (نسبة لمصطفى كمال). وطرد الدين من الحياة مع كثرة المؤمنين به لا يكون إلا عن طريق سلطة دكتاتورية. لذلك قال أحد كبار العلمانيين وهو تشارلس تيلور وهو داعية للبرالية: إذا طردنا أصحاب المرجعية الدينية من العمل العام فنحن نخون مبادئنا التي تحترم الحرية والتعددية. المهم أن يقبلوا هم التعددية واستبعاد العنف.
باسم العلمانية ارتكبت فظائع وتعديات على حقوق الإنسان كما فعل هتلر. وستالين وغيرهما من الطغاة. وباسم الدين ارتكبت فظائع وتعديات على حقوق الإنسان كما فعل السفاح العباسي في التاريخ القديم وكما فعل نظام الإنقاذ السوداني في التاريخ الحديث وكما تفعل الآن حركة القاعدة وخلافة البغدادي.
العلمانيون الذين يبطشون بالناس يبررون أعمالهم بأنهم أداة للإرادة العامة الأدرى بمصالح الناس. أما الإسلامويون الذين يبطشون بالناس فإنهم يدعون أنهم الفرقة الناجية، ويكفرون الآخرين ويهدرون دماءهم مستشهدين بأحاديث آحاد ضعيفة مثل: "بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي" هذا الحديث يناقض القرآن إذ (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) . ويناقض الواقع إذ الساعة لم تأت.
ويرجى أن تبين كل الأديان تقبلها لحقوق الإنسان، وسيكون لهذا الأمر نتيجتان عظيمتان. الأولى: التقارب بين الأديان عبر احترام حقوق الإنسان. والثانية: تجذير حقوق الإنسان أخلاقياً وروحياً.
هذا الإجراء بالنسبة لنا كمسلمين سهل ومنطقي للأسباب الآتية:
نحن أولى الناس بطي صفحة الحرب الباردة بين الأديان، وتأصيل وحدة العقيدة بين الأديان الإبراهيمية. لقد نص القرآن على: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ) .
ومهما غالط المغالطون فإنه قد جاء في خطاب إلهي لإبراهيم عليه السلام في سفر التكوين (17/20): "أما إسماعيل فقد سمعت قولك فيه وها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً جداً وأجعله أمة عظيمة".
وإسماعيل هو جد محمد صلى الله عليه وسلم.
وجاء في إنجيل يوحنا (15/ 14-17) أما المعزى الذي سيبعثه الله باسمي فهو الذي سيذكركم بكل الذي أقوله لكم". هذا الوصف لا ينطبق على الروح القدس كما يزعم بعض الناس الموجود في اعتقادهم قبل ميلاد عيسى (ع) بل ينطبق على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكن حتى إذا اختلفوا حول هذا التفسير لنجعل من ملة إبراهيم أي التوحيد، ومكارم الأخلاق، وحقوق الإنسان أساساً للتعاون الديني: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) .
هذا التطور المستنير هو الذي يليق بإرادة الله الرحمن الرحيم. وفيما يتعلق بالخلافات نلتزم: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) ، (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) .
ثقافة هرمجدون، ويوم الملحمة تحول دون هذا الفجر الإنساني، وتجعل العداء والتربص بالآخر واجباً على الناس. علينا أن نستعين بحقائق الوحي والوعي الإنساني لهزيمة ذلك الفكر العدمي الذي ينذر بقيامة من صنع البشر.
القيامة حدث غيبي من صنع الله عندما تأتي تأتي بغتة.
في الختام: حقوق الإنسان من صورة الإنسان الفطرية، عززتها حقائق الوحي وفصلتها التجربة الإنسانية النيرة، فهلا التمسنا لها من الدين عمقاً روحياً وانتظرنا على الالتزام بها جزءاً أخروياً.
(وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ* وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.