مشكيلا… الزحف الاخير… الآلاف يتدفقون نحو الشوارع ويتجمعون في مشكيلا بمحلية (فريق) ويضعون الحروف الاولى لثورة شعب لا ينكسر… ان شيوخهم وعمدهم وكبارهم اباءهم ونساءهم واطفالهم وكل شبابهم تركوا الديار في صباحات شتوية لا ترحم ويمموا صوب الشوارع وهم يهتفون… النوبة منطقة حرة…والخائن يطلع بره… مأساة عبود لن تعود… والهتاف الذي شق الآفاق وارعب فرائص النظام استدعى الامجاد والتاريخ واستحضر حضارة الامة وميراثها…ومضت الحشود غير عابئة بالبرد والجوع ومفارز النظام التي نشرها على مداخل مشكيلا وفي كل الطرقات المؤدية لها لمنع تدفق المواطنين النوبيين من كل القرى نحو نقطة التجمع الرئيسية في مشكيلا الصامدة…الحشود جابت الطرقات وهي تردد رفضها القاطع للتفريط في اي شبر من اراضيهم التي ينوي النظام سلبها…انهم يتمسكون بحضارة الوطن ومجد الشعب في ارض ليس فيها الا مجد الوطن وحضارته وتاريخه المجيد… في تلكم الاصقاع لا كهرباء ولا مياه ولا مستشفيات ولا مدارس ولا تنمية ولا خدمات…اذ ليس سوى اهمال متراكم وحقد دفين وتجفيف مدروس ظنوا انه سيفضي الى تخلي الشعب عن ارضه وميراثه…ولكن هيهات…فالنوبة يعلمون بوعيهم ان من هو بلا تاريخ فهو بلا ارض…ومن لا يملك الارض فلن يملك الحق…لذا فقد تمسكوا بالتاريخ الحضاري الذي يتجاوز السبعة آلاف عام قبل التاريخ حتى يثبت لهم حقهم في الارض. ……… وبينما الحشود في مشكيلا تعيد ايام عبري الحاشدة وتردد رفضها الداوي للسدود اصدر نوبة حلفا الجديدة بيانا تضامنيا رافضا تكرار مأساة تهجيرهم التي بترت وجودهم وجعلتهم مجرد نازحين في وطن رحب كل شي…الا اصحاب الحق. ……… هي قصة انتصار تتخطى الاممية والشعوبية…تتخطى اي وعاء…من قال ان هناك ماعونا يستوعب الحضارة عدا ماعون الحضارة فهو جاهل في وعيه قاصر في نظره. ما من وعاء يستوعب النوبة سوى انهم نوبة… انهم يزحفون… وفي الخرطوم يلتئم الشمل. علاء الدين الدفينة.