سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص خطبة الجمعة للشيخ آدم أحمد يوسف نائب الأمين العام لهيئة شئون الأنصار بمسجد الهجرة بودنوباوي
نشر في حريات يوم 20 - 02 - 2016


بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ آدم أحمد يوسف
نائب الأمين العام لهيئة شئون الأنصار بمسجد الهجرة بودنوباوي
20 فبراير 2016م الموافق 11 جماد أول 1437ه
الخطبة الأولى
الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على حبيبنا محمد وآله مع التسليم، قال تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) .
الإنسان سيد مخلوقات الله، مخلوق من عنصرين اثنين هما الطين الذي يمثل هيكل الإنسان المرئي وقبس من الروح الإلهي. وكل من العنصرين يحتاج إلى غذاء معين، فالطين يحتاج إلى المأكل والمشرب والنظافة والنشاط والرياضة حتى يكون جسماً سليماً معافى، وكذلك الروح تحتاج إلى غذائها الذي هو أُنس ومعية دائمة مع الذي نفخها في الإنسان، وإذا طغى أحدهما على الآخر أصبح سلوك الإنسان غير عادي إما روحانيا في عالم الملائكة وإما ماديا في عالم الحيوان، لذلك جاء الدين ليجعل حياة الإنسان وسطية مستجيبا لمطالب الحياة الإنسانية والتي تتمثل في عشرة مطالب وهي: الروحية، المادية، العقلية، والاجتماعية، والمعرفية، والخُلقية، والفنية، والعاطفية والرياضية والبيئية.
إن الدين الإسلامي الذي أراده الله أن يكون ديناً خاتما للرسالات السماوية كان مرنا مستجيبا لمطالب الإنسان والتي تشكل توازن في حياته الخاصة والعامة، والبعد الروحي في حياة الإنسان يمثل رأس الرمح والقلب النابض لكل مطالب الإنسان الضرورية. فإذا كان الجانب الروحي راسخا في حياة الإنسان تجد الجانب المادي الذي يعتبر عصب حياة الإنسان موجها توجيها يراعي مدة هذه الحياة المؤقتة، أي أن الإنسان ينظر إلى الحياة على أنها فترة زمنية محدودة يقضيها ثم يذهب إلى حياة أبدية سرمدية لذلك تجد الإنسان لا يتشبث بالحياة الدنيا ويتعامل معها على أنها مؤقتة ويكون دائما مع قوله تعالى: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ). وكذلك الجانب العقلي الذي هو مناط تكليف الإنسان والإنسان يعتبر سيد مخلوقات الله بهذه النعمة الذي تسمى العقل فإذا ذهب عقل الإنسان رُفع عنه التكليف وصار واحدا من آلاف المخلوقات على ظهر هذه البسيطة، فالعقل السليم حتماً سيقود صاحبه إلى معرفة خالق هذا الكون لأنه يستحيل أن يسير هذا الكون بهذه الدقة والنظام دون راع حكيم ومدبر خبير. والعقل يجعل الإنسان متخذا له منهج في حياته الخاصة ليتعامل بهذا المنهج مع الناس في المجتمع قال الحكيم:
إذا لم يكن للمرء عقل فإنه
وإن كان ذا بيت على الناس هين
ومن كان ذا عقل أجل لعقله
وأفضل عقل عقل من يتدين
والتربية دائما ما تكون في النشء فتعهد النشء منذ نعومة الأظفار هو الذي يقوم حياة الإنسان في مستقبله ولكن في بعض الأحيان ربما تكون التربية لمجتمع بأسره كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجتمع الجاهلية في جزيرة العرب فقد كانوا قبل البعثة المحمدية مظلمة قلوبهم وهي أقسى من الحجارة التي تحيط بهم، ضعفاء المجتمع كانوا محتقرين وكانوا يتمثلون في الفقراء والأرقاء والنساء، فالفقراء يقول عنهم شاعر العرب:
يمشي الفقير وكل شيء ضده
والناس تغلق دونه أبوابها
وتراه مبغوضا وليس بمذنب
ويرى العداوة لا يرى أسبابها
حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة
خضعت لديه وحركت أذنابها
وإذا رأت يوماً فقيرا عابرا
نبحت عليه وكشرت أنيابها
الأرقاء قدرهم الذي جعلهم مضطهدين هو سواد بشرتهم أو ضعف قبيلتهم، أما النساء فكنّ مضطهدات لا لشيء إلا للنوع الذي فطرهن الله عليه. فكان الواحد منهم يستقبل الأنثى بوجه كالح مسود قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ).
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقول لهم (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى). وكذلك ليقول (الناس سواسية كأسنان المشط). الدين الإسلامي ربّى ذلك المجتمع فجعل قساة القلوب الذين كانوا يقولون:
ملئنا البرّ حتى ضاق عنا
وماء البحر نملأه سفينا
بُغاة ظالمين وما ظلمنا
ونبطش حين نبطش قادرينا
إذا بلغ الرضيع لنا فطاما
تخر له الجبابرة ساجدينا
حول الإسلام هذه الأنانية وحُب الذات إلى مجتمع تسوده العدالة والرحمة بل الإيثار واختيار الغير على النفس فجاء مدح أولئك في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). وغير الإسلامُ مفهوم الدونية للمرأة التي كانت تُكره لغير سبب وتُوأد لغير ذنب جعلها الإسلام حاملة لنصف دين الله حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء).
وفي عصرنا الحديث وهنا في بلادنا السودان حاول نظام مايو والإنقاذ إعادة صياغة الإنسان السوداني. أما مايو فقد كانت صياغتها وخاصة للشباب عبر كتائب مايو وطلائع مايو كانت عبارة عن شعارات مادية جوفاء لا محتوى فيها، فقد كانت أول محاولة هي اختراق الشباب عبر جهاز الأمن القومي ومحاولة تدريس التربية الوطنية في السلم التعليمي الجديد ولكن كانت اجتهادات أفراد لم تكن لهم دراية ولا خبرة بتكوين هوية وسلوك الشعب السوداني لذلك كانت كل المحاولات عبارة عن كلمات ذهبت أدراج الرياح وعندما هبت انتفاضة أبريل- رجب كان كل الشعب ضد مايو وتوجهاته الرعناء.
أما الإنقاذ فحاولت صياغة الإنسان السوداني عبر الجانب الروحي فقد أفرطوا فيه وتحدثوا عن الدين وكأنه روح لا مادة فيه فخاطبوا الشباب خطابا روحيا جعل أكثرهم يرى في منامه حور العين والنعيم المقيم فذهبوا بالآلاف إلى حرب الجنوب وزعم بعضهم أنه كان يشتم ريح الجنة وأفتى علماءهم بعقد قران الشهداء للحور العين وطرِبوا وتغنوا ورقصوا في بيوت المآتم ابتهاجا وفرحا بزفاف الشهداء فكان الشعار (أم العريس أبشري) وقال رجازهم:
يا أماه لا تبكي فإن الحزن لا يُجدي
هناك نتلاقى في الفردوس
نعيش دوام إلى الأبدي
ووجهوا الإعلام حتى يكون إعلاما روحيا خالصا مع توجهات الدولة الدينية فُغيرت موسيقى الأخبار من نغمة معهودة للناس إلى نغمة تخاطب شعارا جهاديا يبعث روح العداء خاصة في الشباب ليتوجه إلى الجنوب بحثا عن الجنة، والإعلام كذلك أوقف عدد من الأغاني العاطفية واستبدلها بأغاني جهادية شحذا للهمم. وعندما اختلف قادة النظام فيمن يقود الناس توقف ذلك النمط من التربية بل انتقده منظره الأكبر وأنكر حتى وجود الحور العين المحفز للشباب إلى ساحات الفداء بل وأبطل الشهادة وانتقدها وأصبح حزب المؤتمر حزبان أحدهما وطني مقره القصر والثاني شعبي مقره المنشية. وفي ندوة محضورة في جامعة القرآن الكريم قال عراب النظام مخاطبا المرأة لا حور عين بل أنتنّ يجملكنّ الله ويجعلكن حور طين وهكذا أصبحوا يتلاعبون بالدين ويجعلون منه سلعة تباع وتشترى وبهذا أُثبت فشل هذا النهج من التربية وإعادة صياغة الإنسان.
وفي المقابل عندما نتصفح محاولة الإمام عبد الرحمن المهدي لتربية المجتمع السوداني في جزيرة أبا بعد أن فتحها للمرة الثانية في العام 1908م فقد تحلق الناس حوله وكانوا متحمسين للجهاد القتالي ثأرا للذين فقدوهم في كرري وأم دبيكرات والشكابة وطردا للمستعمر الذي جاء ثانيا ونصرة لدين الله، استطاع الإمام عبد الرحمن بحكمته ورجاحة عقله أن يحول تلك الطاقات القتالية إلى طاقات عملية للبناء والتعمير لأنه كان يدري أن القتال غير متكافئ وأي محاولة هي انتحار بعينه فبدأ يبني ذلك المجتمع بصورة متكاملة تشبع كل حاجات الإنسان الضرورية فقد كان الجانب الروحي حاضرا عنده وكذلك المادي والعقلي والاجتماعي والمعرفي والخلقي والفني والعاطفي والرياضي والبيئي.
إن مجتمع الجزيرة أبا روحيا كان كمجتمع المدينة المنورة في صدرها الأول فقد كانوا رهبان الليل وعمال النهار الذين يحرثون الأرض ويزرعون المحاصيل النقدية ليسهموا في الناتج الوطني فقد عمروا أرض الجزيرة أبا والتي يبلغ طولها 35 ميلا وعرضها 3 أميال أصبحت أكبر مشروع قطن في النيل الأبيض ومنها أي الجزيرة أبا خرجت قرى ومشاريع كانت رافعا للناتج الوطني فقد عمروا جنوب النيل الأبيض غربا وشرقا حتى حدود أعالي النيل وكذلك مشروع الملاحة شمال الجزيرة أبا وجنوب النيل الأزرق كل تلك القرى كانت صورة مصغرة من الجزيرة أبا التي خرّجت إنسانا سودانيا مسلما ملتزما في سلوكه الشخصي الذي هو نواة المجتمع. لقد كانت الصورة واضحة للإمام عبد الرحمن في تربية المجتمع وكان للشباب اهتمام خاص فقد حاول أن يجعل من الفاقد التربوي مدرسة عُرفت بمدرسة أولاد النظام حيث تعلم بعضهم النجارة والخراطة والحدادة والبرادة والميكانيكا وتعلموا البستنة وتربية الخيول وبعض الصناعات الخفيفة من صناعات الأحذية وصناعة منتجات الألبان والنسيج ..الخ
إن مجتمع أبا كان رائدا وقائدا للحياة العامة في السودان كانت الرياضة حاضرة عند الإمام عبد الرحمن فقد أسس أول فريق لكرة القدم في الجزيرة أبا في العام 1922م وشهد الإمام عبد الرحمن مولد ذلك الفريق وقد شاء الله أن يكون أحد مؤسسي الفريق على قيد الحياة حتى زيارة الإمام الصادق المهدي للجزيرة أبا قبل أعوام قليلة مضت وفي مهرجان كبير استطاع ذلك الشخص أن يسدد ضربة جزاء وكانت ناجحة. وأيضا الجانب الفني كان حاضراً عند الإمام عبد الرحمن حيث أسس موسيقى الجزيرة أبا في نفس العام 1922م وأحضرت الآلات الموسيقية من انجلترا ليتعلم عليها الشباب.
إن مجتمع الجزيرة أبا لم يتحوصل في جزيرته بل انداح في المجتمع السوداني وما من مدينة سودانية إلا وتجد فيها شخصية بارزة في المجتمع تحكي عن أمجاد أبا. هذا النمط من التربية جدير بالدراسة والتحليل والمقارنة حتى نصل إلى ما نصبو إليه من تربية في الحياة العامة والخاصة.
الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول صلى الله عليه وسلم: (الخلق عيال الله فأحبكم إلى الله أنفعهم إلى عياله)- رواه أبو يعلي والبزاز.
الخطبة الثانية
يروي الحبيب الحاج عبد الرحمن نقد الله شفاه الله. قصة مقارنة بما نعيشه اليوم تعتبر ضربا من الخيال أو من أساطير الأولين والقصة مفادها عندما كان أبوه وزيرا في ستينيات القرن الماضي قال: كان الزمان آخر شهر ولم يكن عند الأمير الوزير قرشا واحدا لأن الراتب قد نفد. وأتى آتٍ طالب حاجة قال فسألني أبي هل معك شيئا من النقود. قال: قلت عندي عشرة جنيهات، قال فأخذها مني وأعطاها لصاحب الحاجة. قال ولم نمكث غير ساعة حتى أتى أحد أصدقاء الأمير مباركا المنصب للأمير ثم دفع مبلغ مائة جنيه. فقال الأمير الوزير لابنه الحسنة بعشرة أمثالها يا بني. انتهى حديث الأمير شفاه الله.
والذي استوقفني في هذه القصة أن الوزير إبان تلك الحقبة من الزمان كان لا يعرف للمال سبيلا إلا راتبه الشهري فإذا نفد الراتب انتظر الوزير حتى نهاية الشهر أو أن يعطيه أحد الأصدقاء كما فعل الصديق مع الأمير الوزير. والشيء الثاني كان الوزير يُعطي ما في الجيب وينتظر ما عند الغيب والأغرب من ذلك أن رئيس الوزراء الحبيب الإمام الصادق المهدي كان لا يأخذ راتبا شهريا فقد تبرع براتبه في تلك الحقبة لجامعة الخرطوم. وفي الفترة الثانية عندما كان أيضا رئيسا للوزراء تبرع أيضا براتبه لمركز غسيل الكلى وللمال العام كانت حرمة ونزاهة ولم يسجل المراجع العام مخالفة مالية إلا في حالات نادرة جدا أذكر منها حالة اختلاس في المؤسسة العامة للبريد والبرق وهذه كانت قبل الفترة الديمقراطية الثالثة أي في عهد مايو وكانت حديث القاصي والداني وكانت صحيفتي الصحافة والأيام تتناول ذلك الحدث بصورة تجعل الإنسان يستغرب كيف يتجرأ موظف على أكل مال عام وأذكر ذلك الحدث جيدا والذي جعل الخرطوم العاصمة تكون في حالة استنفار قصوى حتى تعطلت الحركة في الشوارع المؤدية للمؤسسة المنهوبة، وقد نفدت الصحف التي تحمل قصة المال العام المنهوب وكان حديث القرى والحضر. كان ذلك بالأمس واليوم حدث ولا حرج لم تخلو صحيفة أو موقع من مواقع التواصل الاجتماعي عبر الأثير يوميا إلا وقرأت فيها عشرات إن لم تكن المئات من القصص من اختلاسات وغسيل أموال وحاويات تحوي مخدرات وحبوب ومساحيق تضر ببشرة وجسم الآدميين وانعدم الضمير وضاعت الأخلاق حتى أن الأطباء الذين كانوا يكنون بملائكة الرحمة اليوم سمعنا بالعديد من القصص التي تحكي عن عدم استقبال امرأة في حالة مخاض لأنها لم تسدد فاتورة الولادة وأن جثمان أحتجز لأن ذوي المتوفى لم يدفعوا فاتورة العلاج ونخشى يوما تباع فيه القبور وعندها يتعجب الشاعر العربي محمود سامي البارودي والذي يقول:
أنا إن عشت لست أعدم قوتا
وإذا ما مت لست أعدم قبرا
فنقول له ربما تكون القبور بالفلوس في بلادنا إذا صار الأمر كذلك. لقد أصيب الناس في أخلاقهم وانعدمت الرحمة فيما بينهم وأصبح المجتمع كالحوت في البحر يأكل كبيره صغيره واندرست معاني وأخلاق كان قد تفرد بها مجتمعنا السوداني حتى سُميت سودانيات منها: المروءة والنجدة والتكافل والتراحم فقد كانت تلك المعاني حاضرة في المجتمع السوداني حتى تغنت بها الشاعرات السودانيات مثل دُخري الحوبة وعشا البايتات والمقنع ولياتو. كلها كانت سودانيات ومكارم أخلاق جاء الإسلام ليضيفها إلى رحابه وسماحته ليعيش الناس في أمن وسلام ومحبة ومودة وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
أيها الأحباب.
طالعتنا صحف الأسبوع المنصرم بعناوين رئيسية تقول: – زيادة تعرفة المياه بالخرطوم 100%، وتقول الأخبار أن مجلس تشريعي ولاية الخرطوم مرر مقترح زيادة تعرفة المياه بولاية الخرطوم بنسبة 100% وبلغت رسوم التعرفة للدرجة الثالثة سكن 30ج بدلاً من 15 ج فيما بلغت رسوم الدرجة الثانية سكن 55ج شهرياً بدلاً عن 25ج وبلغت رسوم الدرجة الأولى سكن 85% بدلاً عن 45ج وبلغت زيادة رسوم القطاع التجاري وشبه التجاري 3ج للمتر المكعب بدلاً عن 2 ج للمتر المكعب.
والجدير بالذكر أن هذه الزيادة بعد أن أجيزت ميزانية العام 2016م بمعنى أن هذه الزيادة خارج الميزانية. وهذا ما لم يحدث في دولة من دولة العالم بعد إجازة الميزانية أن يحصل زيادات والسؤال أين يكون جدول هذه الزيادات ولكن ليس بمستغرب أن يحدث مثل هذا في حكومة (قرقوش) الحكومة التي تأكل مواطنيها دون رحمة مثل القطة التي تلفتت ميمنة وميسرة فلم تجد سواء صغارها الذين يتضورون جوعاً فالتهمتهم لتسد رمقها هكذا تفعل الإنقاذ بمواطنيها كلما أشرقت شمس تعلن زيادة في سلعة من السلع الضرورية والتي لا يستغني المواطن عنها وتفرض علها ضريبة لتعود على مسحوبي النظام برفاهية ويزداد المواطن بؤسا وجحيم.
ما هكذا يساس الناس رفقا بالعباد يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه" إن الذين نصبوا أنفسهم نواباً للشعب سواء أن كانوا في المجلس الوطني أو التشريعي ولم ولن يراعوا حرمة المواطن بل هم أدوات للجهاز التنفيذي الاتحادي والولائي فهم أبواق يجيدون التهليل والتكبير لتمرير قرارات الجهاز التنفيذي حتى يرضى عنهم ويغدق عليهم الأموال والحوافز. ولكن ينتظرهم يوما تشخص فيه الإبصار يوم بعض الظالم على يديه يومئذ ترى المجرمين مقرنين في الأصفاد).
أيها الأحباب.
في الأسابيع المنصرمة نقلت لنا وسائط التواصل الاجتماعي عن تلفزيون دولة جمهورية جيبوتي عملا خيريا قامت به حكومة السودان ألا وهو افتتاح مستشفى في جمهورية جيبوتي بتكلفة 20 مليون دولار وقام بافتتاح المستشفى النائب الأول لرئيس جمهورية السودان.
إزاء هذا نقول:
كم نحن تواقون لأن نقدم يد العون لإخوتنا في القارة السمراء إفريقيا وفي كل مكان ولكن ذلك بعد أن نقدم لمواطنين الذين يسألنا الله عنهم يوم القيامة والقرآن الكريم يقول: (أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ) والسنة تأمرنا بأن نبدأ بمن نعول والمثل السوداني يقول: (الطعام إذا لم يكفي أهل البيت حرام على الجيران) والمثل الإنجليزي يقول: (Charity begin at home ). إن حكام السودان مسؤولون أمام الله من شعب السودان وليس من أي شعب آخر والسؤال الذي يطرح نفسه. هل اكتفى الشعب السوداني من مستشفيات ومدارس وجامعات حتى نقدم يد العون لغيرنا؟ إنها علامة استفهام كبيرة جدا يسأل الله منها أولا رئيس الجمهورية وكل مسؤول في البلاد. إن شعبنا يموت مرضا وجوعا وعطشا وفوق ذلك الأمية أكثر من 80% وكل هذا وحكامنا يقدمون يد العون بمبالغ هائلة تصل إلى ملايين الدولارات إلى شعوب لم يكونوا تحت مسؤوليتهم المباشرة. إن الدول المانحة هي دول في مصاف دول العالم الأول ولكن الخرطوم في تصنيف مجلة (هورايزون) الأمريكية والتي فضحت الحكومة بشكل عام وولاية الخرطوم بشكل خاص وهي تعلن فوز الخرطوم بلقب (أقذر عاصمة في العالم). يا سبحان الله هذا المبلغ أي ال20 مليون دولار والتي صرفتها حكومة الإنقاذ لبناء مستشفى في جمهورية جيبوتي كان هذا المبلغ أولى به شراء عربات لنقل النفايات حتى لا تكون الخرطوم أقذر عاصمة في العالم وكان هذا المبلغ يمكن أن يبني عشرات المستشفيات في البلاد والتي لا تمتلك ولا حتى مستشفى واحد تخصصي حكومي أو مستشفى عام. ومستشفى الخرطوم التعليمي والذي ورثته الإنقاذ دُمر تماماً لصالح مستشفيات السيد وزير الصحة الولائي. هذا المبلغ كان يمكن أن تُحفر به مئات الآبار في كردفان ودارفور وغيرها من قرى السودان، هذا المبلغ كان يمكن أن يُشترى به عشرات ماكينات لغسيل الكُلى للمرضى الذين لا يجدون عناية. هذا المبلغ كان يمكن أن يدعم مشروع مياه العاصمة والتي تعاني من نقص حاد في مياه الشرب. الخرطوم العاصمة التي تقع على ضفاف النيلين الأبيض والأزرق ما زال مواطنوها يشربون الماء الذي يحمل على براميل حديد أصابها الصدأ. المواطنون في العاصمة الخرطوم يقفون طوابير طويلة في صفوف الخبز وغاز طهي الطعام. إن إنسان السودان يعيش تحت خط الفقر وقطعا إنسان جمهورية جيبوتي أحسن حالا وأفضل وضعا ولو كانوا يعلمون حال الشعب السوداني لقالوا للذين يتلاعبون بأموال الشعب المغلوب على أمره لقالوا لهم إن شعبكم أولى بهذا المستشفى منا. والغريب في الأمر أن السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية اصطحب معه في رحلة الافتتاح لهذا المستشفى الفنان صلاح بن البادية والأغرب من ذلك أن الفنان صلاح بن البادية تغنى بأغنية ذكر فيها رهيد البردي والباوقة ومريدي وقطعا لا رهيد البردي ولا الباوقة لم يكن فيهما مثل هذا المستشفى أما مريدي العزيزة فقد صارت جزءً من دولة لا تنتمي لدولة السودان وذلك بسبب سياسات الإنقاذ الرعناء. إن بلادنا تعيش في حالة فقر مدقع وقد وصلت القوة الشرائية للجنيه السودان مقابل الدولار إلى 12 ألف جنيه. وقطعا عملة جمهورية جيبوتي أفضل حالا منا، نقول لهؤلاء الحكام (اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا) (وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون) واتقوا (يوْما كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).
أيها الأحباب.
إبان فترة الحكم العسكري الأول في السودان في نظام نوفمبر 1958م سمح نظام نوفمبر بقيام السد العالي مقابل حفنة من الجنيهات وكانت النتيجة أن فقد السودان جزءً عزيزاً من أرضه الطيبة في شماله الطيب فغرقت حلفا القديمة واندرست آثار أهلنا النوبيين ورحّل سكان حلفا إلى منطقة حلفا الجديدة، واليوم بعد مضي 49 عاما أو يزيد تكرر الإنقاذ نفس السيناريو هو تهجير ما تبقى من شعب أبي كريم صنع حضارة بلادنا قبل 7 ألف سنة. تريد الإنقاذ لتمحو ما تبقى من آثار الحضارة النوبية وذلك ببناء سدود في كل من الشريك، دال، وكجبار. وأثبتت الدراسات العلمية أن كل هذه السدود لم تكن في صالح الوطن بل هي خراب ودمار وتهجير لمواطنين كان أسلافهم قبل آلاف السنين صنعوا الحضارة الفرعونية القديمة قبل أن تكون في شمال الوادي. وفي يوم الأربعاء الماضي خرجت مسيرة سلمية أمام فندق سلام روتانا تعبيرا عن الرفض المطلق لبناء السدود فقوبِلت تلك المسيرة بعنف غير معهود حيث ضُرب المتظاهرون بالغاز المسيل للدموع واعتقل عدد منهم. إن سلوك النظام تجاه المواطنين العزل المطالبين بحقوقهم المدنية والوطنية والمطالبين بحماية أراضيهم وآثارهم من الغرق والضياع، إن مقابلة هذه المطالب بالعنف شيئاً مرفوضاً وينبغي على الأسرة الدولية ممثلة في المنظمات التي تحمي حقوق الإنسان والمنظمات التي تُعنى بحماية الآثار والحضارات عليها أن تتدخل لحماية هذه الحقوق التي تنص عليها المواثيق والعهود الدولية في الأمم المتحدة.
أيها الأحباب ما زال الحبيبان عروة الصادق وعماد الصادق ما زالا خلف القضبان من هذا المنبر نطالب بإطلاق سراحهما فوراً.
اللهم جنب بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين، اللهم أهدنا واهدي أبنائنا وبناتنا وارحمنا وارحم آبائنا وأمهاتنا يا رب العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.