الحلقة الرابعة والاخيرة فى الرد على السيد الخطيب احمد الفكى كنت أتمنى ان تكذب احداث الأسبوع الماضى ماخلصت اليه فى مقالاتى السابقة من عدم مقدرة قيادة الحزب على حسم موضوع التحقيق مع ما اطلق عليه مجموعة الخمسة بتنفيذها لتوصيات لجنة التحقيق ولكن وللاسف اثبتت معالجتهم للامر صحة ما كتبته. فالامر ليس من هم موضوع التحقيق بل اكبربكثير من ذلك. الامر يتعلق بالديمقراطية والعدالة والانسجام الاخلاقى والامانة المهنية وخاصة الامر يدور فى حزب يسعى للتغيير للافضل للسواد الأعظم من أبناء شعبنا. لننظر الى الامر من كل جوانبه. لقد كونت لجنة تحقيق لتتقصى الحقائق ولتثبت او تنفى التهم الموجهة لهولاء الخمسة. مجرد تكوين اللجنة يقول ان ما وجه اليهم هو اتهام وان من العدالة الانتظار لياخذ التحقيق مجراه ومن ثم تطبيق توصيات اللجنة بالإدانة ان ثبت تكتلهم وبالبراءة ان لم يثبت ذلك. واللجنة حسب علمى يقودها زملاء محترمون ولهم باعهم فى مجال مهنتهم والتى هى القانون. ولعل من ابجديات العمل الادارى ان تكون اللجنة محايدة ومهنية وتلقى القبول من كل الأطراف. وللعلم اللجنة تم تكوينها وعلى الأقل بعلم وقبول قيادة الحزب ان لم يكن باختيارها المباشر. ولعل ذلك يؤكده ان قيادة الحزب ممثلة فى السيد السكرتير السياسي كانت متأكدة تماما من ادانتهم لدرجة انه لم يمر أسبوع الا وله تصريح بإدانة هؤلاء بخرق دستور الحزب والتآمر عليه. ولكن أتى قرار اللجنة ولها منا كل التقدير بما لا يشتهى السيد الخطيب ومجموعته فكان لابد من محاولة اخرى وهى التصويت على قرار اللجنة وهو مايشير الى التشكيك فى عملها لعدم تطابق ما أوصوا به مع ما يريده السيد الخطيب ومجموعته والذين من الواضح تماما انهم كانوا ينتظرون قرارا اخر يدين المجموعة ويوقفها او يفصلها من الحزب. وفى ذلك يفقد السيد السكرتير ومعه قيادة الحزب أية مصداقية فى الحديث عن الديمقراطية او الدفاع عنها. اذا كنت لاتحترم قرار لجنة كونتها وتتحايل عليه بالتصويت وهو تصويت ليس حاسما لإزالة الشك (15/ 16) فاى مصداقية فى الدفاع عن الديمقراطية. اذا كنت لا تضمن العدالة لمن هم معك وفى خندق واحد فكيف تضمنها للذين لا ينتمون للحزب ان كنت فى موقع السلطة يوما ما. يبدو ان الإصرار على ادانه مجموعة الخمسة قد اعمى بعض قيادة الحزب وعلى رأسهم السيد السكرتير السياسي عن الضرر الذى يلحقونه بحزبهم. كان من الحكمة وزن الامر بميزان العقل والنظر الى الخسارة الباهظة التى يلحقونها بالحزب فى مقابل مكسب واحد وهو ابعاد هذه المجموعة التى تنادى بالتغيير واظنه حق مشروع خاصة وان اللجنة برأتهم من تهمة البلاغ الكاذب الذى كان الموضوع المفضل للسيد الخطيب حتى وقت ليس بالبعيد. ولقد كان حريا بالسيد الخطيب ان لا يلزم الصمت وان يصرح للصحافة بعد ذلك الاجتماع ويوضح لنا نحن الذين لا ننتمى للحزب ولكن يهمنا أمره لماذا قرر الاجتماع التصويت ورمى بتوصيات اللجنة فى سلة النفايات وهو الذى لم يجيد الصمت فى امر قيد التحقيق وقبل ان تفرغ اللجنة من عملها. ولكن الامر واضح وهو ان تصريحات الادانة قبل الفراغ من عمل اللجنة كان الغرض منها التأثير عليها وإرغامها لإدانة هؤلاء وكيف لا والسيد السكرتير السياسي يريد ذلك وظل يصرح به. هذه القضية تضع على الطاولة عددا من الأسئلة أولها هل قيادة الحزب الحالية جادة عندما تتحدث عن اليمقراطية. المحك ليس هو الحديث عنها ولا المناداة بها بل هو ممارستها. الحزب الان ليس فى السلطة ولا يمتلك سجونا ليزج بمن أبدوا رأيا مخالفا "لخط" الحزب فيها ولكننا لا نغالى ان تخيلنا مصيرهم ان كان للحزب سلطة وسجون. اعلم ان هذا الرأي قد يبدو جارحا فى حق الكثير من الأصدقاء من أعضاء الحزب الذين ناضلوا ويناضلون ضد الظلم ومن اجل الديمقراطية ولكنها الحقيقة المرة التى يجب مواجهتها. من يقمع من هم معه وفى خندق واحد لمجرد المناداة بتغيير اسم الحزب او تقديم طرح مغاير لن يتردد فى استعمال العنف ضد معارضيه. ومن يفبرك الاتهامات ويكون لجنة لاتهام ليس له قدمين ويضيع وقت وجهد الحزب فى مطاردة الذين يختلفون معه فى الرأي لا يمكن ان يؤتمن ليقود حزبا مثل الحزب الشيوعي السودانى. لقد وضعت هذه القيادة تاريخ الحزب فى النضال من اجل الديمقراطية موضع تساؤل من المواطن العادى وقدمت برهانا قويا لاعداء الحزب الذين ألصقوا به جورا الارث السوفيتي من بطش واسالة دماء. هناك حديث تتناقله المجالس عن ضعف البلاغ الذى أوقفت على اساسه هذه المجموعة. فالشخص الأساسى الذى يزعمون انه قد قدم البلاغ يقال انه ليس عضوا فى الحزب ورفض ان يحقق معه. فى نظرى ان الصراع الحالي هو صراع ضد أية محاولة لتجديد الحزب وفتح الباب لنقاش الكثير من المستجدات الفكرية واشكال الادارة. الحزب الشيوعي السودانى لا يختلف عن بقية الأحزاب السودانية فى عدم السماح للشباب القادر على التصدى للقيادة. وهم فى ذلك يخلطون عمدا او بسوء فهم بين مسالة التقدم فى العمر واكتساب الخبرة. التقدم فى العمر او قضاء خمسين عاما مثلا فى مهنة محددة او منصب محدد او تفرغ لعمل حزبى لا يعنى تراكم خمسون عاما من الخبرة واكتساب المهارة فى إدارة الأمور فى الموقع او المنصب المحدد؟ يبدو ان البعض يطابق بين عدد السنين واكتساب المهارة ولكن الواقع يقول غير ذلك. قد يتقدم بك العمر وانت تُمارس مهنة معينة ولا تتعلم الكثير وقد لا يتعدى تعلمك السنوات الاولى فى المنصب وتكون بقية السنين عبارة عن عام واحد او عدة أعوام مكرر. وقد تكون فى مطلع الثلاثين وتفوق خبرتك وحنكتك ومهارتك من تعدوا السبعين. لذا يصر الأذكياء من القادة على تجديد الدماء وتصعيد عناصر شابة خاصة من يجرؤ على قول لا ولماذا. اذكر هنا مقولة بن غوريون رئيس وزراء اسرائيل الاول: كل الخبراء هم خبراء فى الماضي وليس هناك خبير فى ما سيحدث. لتصبح خبيرا فى المستقبل فلا بد ان تزيح الرؤية الخبرة. المجموعة التى تصر على قتل الديمقراطية وإيقاف عجلة التاريخ هى مجموعة لا تمتلك حتى الخبرة فى الماضي ناهيك عن الرؤية المستقبلية. فالحزب يختنق ويتكلس بالطريقة التى يديرونه بها حاليا. وان كان ذلك يرضى طموح السيد الخطيب ومجموعته فهو بلا شك ضد التيار العام فى الحزب الذى نشأ الشباب فيه فى ظل نظام قمعى باسم الاسلام والمشروع الحضارى. وهم بلا شك يمتازون بحساسية عالية تميز بين القول والفعل وهم بلا شك ضد كل أشكال القمع ومصادرة الرأي ومجرد الجهر به. ان للطغيان ثماره المرة التى لا أظن ان النجباء من بنات وأبناء شعبنا سيرغبون فى تذوقها لمجرد انها باسم الاشتراكية او التقدمية. ان الحل فى نظرى هو قبول قرار اللجنة وتكوين لجنة لمحاسبة السيد المسؤول السياسى وكل من شارك معه فى هذه المؤامرة. ان التآمر وعرقلة سير العدالة داخل الحزب يستحق التحقيق والمحاسبة لا التعبير عن الرأي فى أمور يختلف عليها الكثيرون من أعضاء الحزب.